شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
كيف ساعدت العملات الرقميّة اللاجئين السوريين في المخيمات؟

كيف ساعدت العملات الرقميّة اللاجئين السوريين في المخيمات؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

الثلاثاء 20 يونيو 202303:58 م

هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.


عام 2011، أكد الأمين العام للأمم المتحدة، بان كي مون، أن أكثر من 30 في المئة من المساعدات التي قُدّمت للّاجئين في المخيمات، فشلت في الوصول إلى الأشخاص المستفيدين منها، بسبب العملاء الذين يأخذون جزءاً منها، والجهات الرسميّة الفاسدة.

لم يتغير الوضع منذ ذاك الوقت، بل ازداد قسوةً وفساداً، إذ تحولت المساعدات إلى وسيلة للتفاوض تستخدمها الطبقة الفاسدة في لبنان باسم اللاجئين السوريين، كما تحتكر توزيعها الفصائل المسلحة في الشمال السوري، ناهيك عن نظام الأسد الذي يحاول الاستفادة منها لتمويل بقائه عوضاً عن تقديمها لمن يحتاجها.

مع ذلك، هناك بارقة أمل، لتجاوز طبقات الفساد والسرقة، ففي العام 2017، تمكّن البرنامج العالميّ للغذاء من توظيف العملات الرقميّة لتقديم المساعدات لأكثر من 10 آلاف لاجئ سوري في مخيم الزعتري في الأردن، من دون وسطاء.

هناك بارقة أمل لتجاوز طبقات الفساد والسرقة، بعدما تمكّن البرنامج العالميّ للغذاء من توظيف العملات الرقميّة لتقديم المساعدات لأكثر من 10 آلاف لاجئ سوري في مخيم الزعتري في الأردن، من دون وسطاء

كانت التجربة عبر تطوير منصة تمكّن اللاجئ في الزعتري من الحصول على المساعدات عبر محفظة رقميّة تخصه فقط، تحوي بياناته الشخصيّة وهويته، ولا يمكن له التبادل أو استخدامها للاستثمار، بل حسب المستشارة في البرنامج العالمي للغذاء أليكساندرا ألدين، بأن "كل التبرعات التي وصلت إلى اللاجئين عبر البرنامج العالميّ للغذاء تم استخدامها لشراء الطعام، كزيت الزيتون، والمعكرونة والبقول".

ما تشير إليه ألدين، هو نظام يعتمد على تقنية البلوك تشاين، بحيث يمكن لكل لاجئ عبر بصمة العين، استخدام حصته من المساعدات في شراء الطعام واللباس، من دون أن تمر هذه الأموال عبر البنوك والوسطاء. ويشير روبيرت ستيفنز، في مقال نُشر في موقع المفوضية العليا للّاجئين، إلى أن هذه التقنيّة، تقلل من نسب الرشاوى والاحتيال التي قد تمارسها الجهات الرسميّة، كما أنها تحفظ عمليات البيع والشراء، ما يضمن أن كل شخص يشتري بسعر عادل، كما تخفض أجور التحويلات البنكية الخاصة بالدفع عن بعد والتحويل عن بعد.

هذه التقنيّة تتيح الوقوف في وجه عمليات السرقة، كون المعلومات موزعةً على حواسيب عدة، أي شبكة لا مركزيّة، تحفظ الهوية الماليّة لكل لاجئ، وتتيح وصول المساعدات إليه مباشرةً. صحيح أن هذه التقنيّة لم تعمَّم بعد، لكنها خطوة نحو التخلص من البنوك والقوى السياسية التي تتلاعب بالمساعدات، وتهدد وصولها إلى المحتاجين، كما يحصل في لبنان من جدل دائر حول صرف المساعدات بالدولار أو بالليرة اللبنانية، في محاولة من الطبقة الحاكمة للاستفادة من "دولارات" المساعدات لسداد النقص الفادح في البنوك.

اللاجئ بلا هويّة

أزمة اللاجئين تتجاوز المخيمات في الدول العربيّة، بل تصل إلى الدول الأوروبيّة، حيث يمضي اللاجئ أحياناً ما يقارب العام أو العامين من دون هويّة رسميّة، ما يعني أنه عاجز عن فتح حساب بنكيّ، أو القيام بأي معاملات مالية أو مهنيّة.

الكثير من محافظ العملات الرقميّة حلّت هذه المشكلة، وبرغم المسارعة إلى تقنين امتلاك المحافظ الرقميّة، يمكن لمن لا يمتلك هويةً/ إقامةً/ أوراقاً ثبوتيةً رسميّةً، فتح محفظة رقميّة، ومن نقطة الضعف هذه اشتهرت حكاية توفيق الرجولة، أو "الرجل الخفي" كما لقّب نفسه، الذي تمكّن بينما هو في مخيم للّاجئين في هولندا من العمل كمترجم، وكسب رزقه من دون أن يمتلك أوراقاً رسميّةً، ولاحقاً تحوّل -إن صح التعبير- إلى "مواطن رقمي"، يأمل في أن تساعد العملات الرقميّة كل من لا يمتلكون هويةً أو في سياقات خطرة ومهددة، على الاستمرار في العمل ومساعدة من حولهم في ظل غياب النظام البنكيّ.

العملات الرقمية خطوة نحو التخلص من البنوك والقوى السياسية التي تتلاعب بالمساعدات كما يحصل في لبنان من جدل دائر حول صرف المساعدات بالدولار أو الليرة اللبنانية، في محاولة من الطبقة الحاكمة للاستفادة من "دولارات" المساعدات لسداد النقص الفادح في البنوك

اللافت في حكاية توفيق، قدرة العملات الرقمية على تجاوز الإجراءات السياسية والبيروقراطية، كي يحافظ الفرد على حياته من دون أن يتحول إلى "رجل خفيّ"، لا أوراق رسميةً له ولا قدرة على العمل.

تجربة توفيق اتسعت لتأسيس منصة "فلوس"، التي تصف نفسها بأنها منصة لاستخدام العملات الرقمية في الأماكن التي لا تحوي بنوكاً. المنصة التي أسسها توفيق مع سليمان عليّ، تسعى إلى تفعيل شبكة كبيرة من العملاء لتبادل العملات الرقميّة عبر الأشخاص، لا كلمات السرّ، ولا الكلمات المفتاحيّة وغيرها من التقنيات التي تتطلب وجود نظام بنكي وخبرة في الإنترنت.

بكلمات أخرى، تركّز "فلوس" على الثقة والاتصال الشخصي، من أجل توفير الخدمات لكل "شخص خفيّ" في العالم، في إشارة إلى أولئك الذين لا يمتلكون أوراقاً رسميةً أو العالقين في المخيمات، أو يسكنون أماكن غير متصلة بالنظام البنكي العالميّ.

ZEFI: من المعرفة إلى الاستثمار

انطلقت منصة ZeFi رسمياً، عام 2022، كمؤسسة لنشر المعرفة الخاصة بالعملات الرقميّة. المنصة ثم المنظمة التي أسسها كرم الحمد، بدأت كمنصة تعليميّة وتحولت إلى وسيلة لـ"الحصول على الأموال من الداعميّن"، إذ يسعى الحمد إلى تحويل ZeFi، إلى منظمة كي تساعد السوريين على دفع أجور الجامعة، وتوثيق الانتهاكات عبر البلوك تشاين، خوفاً من تكرار ما حدث سابقاً حين حُذفت ملايين الفيديوهات والصور التي توثق انتهاكات النظام السوري وجرائمه.

هدف المنظمة ليس التبادل، بل تحضير البنى التحتية وشبكة العلاقات اللازمة لاستخدام تقنية البلوك تشاين والعملات الرقمية ضمن المجتمع المدني، حين تصبح هذه التقنيات قانونيةً بشكل كامل، وأهم ما يريده الحمد حسب تعبيره، هو إيصال المساعدات والأموال إلى المحتاجين، وتجاوز العقبات السياسية دون المرور بالبنوك الرسميّة.

الواضح إذاً، أن جهود الأفراد ومنظمات المجتمع المدنيّ تحاول الوقوف في وجه القوى السياسيّة التي تتحكم بالأموال وتستهدف الفئات الأضعف والأكثر تهميشاً للحفاظ على السلطة، وهنا يتفعل دور العملات الرقميّة اليوتوبي في تجاوز القوانين والقنوات الرسميّة والانفتاح على التبادل المباشر بين الأفراد دون وسيط.

أزمة الزلزال

كشف الزلزال الذي أصاب الشمال السوري وجنوب تركيا، عن التعقيدات السياسية التي تمر بها المنطقة، وكيف حاولت الأنظمة السياسية الاستفادة من المساعدات التي ترسَل إلى المتضررين، بل إن النظام السوري تحجج بالعقوبات الاقتصاديّة التي تمنع وصول المساعدات الماليّة، علماً بأنها مستثناة من العقوبات بوضوح.

بعيداً عن التعقيدات السياسيّة، كانت العملات الرقميةّ وسيلةً لتسهيل وصول الأموال إلى الشمال السوري وتركيا، إذ بدأت منصات العملات الرقميّة بجمع التبرعات التي وصلت إلى 9 ملايين دولار، ويمكن توزيها مباشرةً عبر عملاء ووسطاء، ولا ينفي ذلك وجود حالات من النصب والاحتيال.

لم يتوقف الأمر عند العملات والتبرعات، إذ أطلقت ChangeDAO، بالتعاون مع مجموعة من الفنانين، مشروعاً للـNFT، لجمع التبرعات لضحايا الزلزال، عبر صناعة NFT فريد ينجزه كل فنان، بعدها تُجمع كل الأعمال الفنيّة، ضمن منصة واحدة، ويشير مدير المشروع إلى أن 90 في المئة من عائدات المشروع ستذهب إلى المنظمات الإغاثية، بينما 2.5 في المئة منها ستعود للفنان ليقدّمها كتبرعات لمن حوله.

أثبتت العملات الرقمية نجاحها في لحظات المآسي والإشكاليات السياسيّة. وبرغم خطورة استخدامها والتبعات القانونيّة التي قد تترتب على تداولها، إلا أنها كانت حلّاً للكثير من المشكلات التي تواجهها الفئات الأضعف والأقل تمثيلاً، سياسياً واقتصادياً.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard