شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

لنبدأ من هنا!
تزييف شهادات وفاة لإغلاق حسابات المعارضة الصومالية على فيسبوك... من المسؤول؟

تزييف شهادات وفاة لإغلاق حسابات المعارضة الصومالية على فيسبوك... من المسؤول؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

تُجيب ناشطة صومالية عن سؤال حول سبب توجيه أصابع الاتّهام إلى الحكومة الفيدرالية الصومالية بالوقوف وراء إغلاق حسابات عشرات الناشطين والمعارضين على فيسبوك، بأنّ العديد من تلك الحسابات لم تُغلَق لمخالفتها معايير المنصة. وتابعت في حديثها إلى رصيف22، قائلةً إنّ فيسبوك جمّد تلك الحسابات، وحوّلها إلى حسابات لأشخاص متوفين، وهو الإجراء الذي تتطلب الموافقة عليه تقديم وثائق رسمية؛ منها شهادة الوفاة ووثائق ثبوتية، من الصعب على أي أفراد فعل ذلك من جهة، وليست لأحد مصلحة في إغلاق حسابات ساسة وناشطين لا يجمعهم كيان واحد من جهة أخرى، سوى الحكومة الفيدرالية التي يجتمعون على انتقادها.

هل تعاقب الحكومة المعارضة؟

لأكثر من مرة حدثت محاولات لإغلاق حساب النائب السابق لمحافظة إقليم بنادر في الشؤون السياسية والأمنية، علي يري علي، المقرب من الرئيس السابق للبلاد محمد عبد الله فرماجو. في كل الحالات، كان حساب المعارض السياسي البارز لرئيس البلاد حسن شيخ علي والحكومة الفيدرالية يُهاجم بالنمط نفسه محاولة تجميد الحساب بدعوى وفاة مالكه.

في شهر كانون الثاني/ يناير الماضي، تحول حساب علي يري علي، إلى خاصية "تكريم ذكرى عضو متوفى"، ووضع فيسبوك كلمة Remembering فوق اسم حسابه. تكرار الموقف جعل أحد أصدقائه على فيسبوك ينشر ساخراً: "أُرسل صديقي علي يري علي إلى الذكرى مرةً أخرى، عدّ مرةً أخرى، أعلم أنك ستعود إلى الحياة".

يُعدّ السياسي علي يري علي من أشد المعارضين للرئيس حسن شيخ وحكومة رئيس الوزراء حمزة عبدي بري، وينشر بشكل مكثف منتقداً تحكم الحكومة في الإعلام، والتعتيم على خسائر القوات الحكومية والقوات الإفريقية في الحرب ضد حركة الشباب المجاهدين المصنفة إرهابيةً، ويكشف الفساد داخل الحكومة، والمحسوبية في التعيينات الحكومية. في أحد المنشورات اتّهم علي يري الحكومة بعقد صفقة مع أمراء من حركة الشباب المجاهدين، تمتنع الحركة بموجبها عن مهاجمة العاصمة مقابل امتيازات لهؤلاء القادة. بعد يومٍ واحد من نشر المعارض السياسي تقريراً أعدّه موقع "بي بي سي صومال"، حول تلك الصفقة المزعومة، تعرّض حسابه لمحاولة إغلاق، في شهر حزيران/ يونيو، بحسب منشور له على صفحته في فيسبوك، أعلن فيه عن تمكّنه من استعادة الحساب سريعاً، بعد إشعار من فيسبوك.

عشرات النشطاء أُغلقت حساباتهم على فيسبوك، عبر إرسال وثائق إلى إدارة المنصة تثبت وفاتهم، وهي وثائق مزورة. واتّهمت ناشطة حقوقية وزارة الداخلية والشؤون الفيدرالية بالمسؤولية عن ذلك.

تقول الناشطة السابقة، التي لم تودّ الكشف عن هويتها، إنّ عشرات الناشطين أُغلقت حساباتهم على فيسبوك، عبر إرسال وثائق إلى إدارة المنصة تثبت وفاتهم، وهي وثائق مزوّرة. واتّهمت وزارة الداخلية والشؤون الفيدرالية بالمسؤولية عن ذلك، ورأت في أحد منشورات المسؤول عن الوزارة، الوزير أحمد معلم فقي، دليلاً على تورطهم في ما حدث؛ كان فقي يهدد بإغلاق حسابات كل من يتعاطف مع الإرهاب. ما أثار استغراب الناشطة هو توقيت التهديد؛ إذ جاء بعد محاولة إغلاق حساب السياسي علي يري علي، ولهذا ترى أنّ الحكومة تبرر أفعالها بحق المعارضة بذريعة "دعم الإرهاب".

وكانت وزارة الإعلام الفيدرالية قد أعلنت عن إغلاق حسابات العشرات من الناشطين والصفحات على فيسبوك بدعوى دعم تلك الصفحات للإرهاب، لكن الوزارة لم تحدد ما هي المعايير التي تُصنف تلك الحسابات وفقاً لها. من جانب آخر، لدى الحكومة سوابق في ملاحقة إعلاميين بدعوى دعم الحركة، وذلك فقط لأنّهم اعتمدوا على مصادر غير حكومية في نشر الأخبار المرتبطة بالحرب على الإرهاب أو تناول قضايا مثل الفساد.

كيف تُغلَق الحسابات؟

وفقاً لسياسة فيسبوك، يمكن تقديم طلب عن طريق "مركز المساعدة" لإزالة حساب أحد أفراد العائلة المتوفين من فيسبوك. كُتب في المنصة "تُعَدّ الطريقة الأسرع بالنسبة لنا لتنفيذ طلبك هي تقديم صورة أو مسح ضوئي لشهادة وفاة فقيدك". أما في حالة عدم توافر شهادة وفاة فقيدك، فيتطلب الأمر بحسب المنصة، تقديم "إثبات تفويض وإثبات وفاة فقيدك"، وذلك عبر واحدة من الوثائق التالية لإثبات التفويض لإدارة الحساب: "توكيل، شهادة ميلاد في الحالات التي يكون فيها المتوفى قاصراً، الوصية الأخيرة، وخطاب ممتلكات"، إلى جانب وثيقة من اثنتين: ورقة نعي أو بطاقة إحياء ذكرى.

يُعلّق النائب في البرلمان المحلي لولاية هيرشبيلي، جبريل الكتبي، الذي أُغلق حسابه لمدة شهرين بزعم "وفاته"، على سياسة فيسبوك بقوله: "الأمر كله يرجع إلى فيسبوك. تعتمد المنصة على الاستجابة التلقائية آلياً من دون التحقق من مصدر تقديم الوثائق (المزورة في حالته)، أو من دون الرجوع إلى مالك الحساب أولاً".

جبريل الكتبي، هو الآخر محسوب على الخطّ السياسي المعارض للرئيس، ونشر على فيسبوك العديد من الملاحظات حول الأداء الحكومي وحرية الإعلام وقضايا خلافية داخل ولايته.

بعد شهرين من تجميد حسابه، وتخليد ذكرى وفاته، تمكّن السياسي الصومالي من استعادة الحساب، عبر التواصل مع قريبه الذي يعمل في شركة "ميتا" في الولايات المتحدة، وفق ما أخبر رصيف22. أخبر موظف الشركة المالكة لفيسبوك الكتبي بأنّ وثائق عدة قُدّمت لإثبات وفاته، وهي: شهادة تثبت وفاته من مستشفى حكومي، وشهادة وفاة صادرة عن جهات حكومية، ولم يُخبره الموظف بهوية من قدّم تلك الوثائق، من دون الإفصاح عن كونه شخصاً أو مؤسسةً ما.

وحول المسؤول عن ذلك، أجاب السياسي الصومالي بأن لا علم له من يكون، و"صحيح تم إغلاق الحساب لكن لا يمكنني التأكيد على أن الحكومة هي التي تقف وراء الموضوع من دون أدلة دامغة". ولفت إلى أنّ عملية استعادة الحساب ليست بالأمر السهل؛ يتطلب ذلك تقديم وثائق تتطابق مع الأسماء التي تم تأسيس الحسابات على فيسبوك بها في المرة الأولى.

ومقارنةً بسياسة فيسبوك، يبدو موقع "لينكد إن" أكثر موثوقيةً في الحالة نفسها، إذ يطلب الموقع ضمن الوثائق "مستندات قانونيةً تثبت أنك مفوض للتصرف نيابةً عن العضو"، ويقدّم لائحةً للمستندات المقبولة، التي تكفي واحدة منها؛ "كتاب تفويض بإدارة تركة المتوفى صادر عن المحكمة، وتفويض المحكمة لوصي التركة بتنفيذ الوصية صادر عن المحكمة، خطاب تمثيل صادر عن المحكمة، وأمر محكمة آخر يقضي بتعيين مقدّم الطلب كممثل مفوّض عن ممتلكات العضو المتوفى". في مقابل شركتي فيسبوك وتويتر اللتين تطلبان وثيقة "شهادة الوفاة" كأكثر مستند موثوق، يبدو موقع "لينكد إن" أكثر حرصاً على حماية حسابات الأفراد، وهو الأمر الواجب على المنصات الأخرى مراعاته.

الحكومة تنفي

في حديثه إلى رصيف22، ذكر باحث سياسي صومالي، طلب عدم الكشف عن هويته، أنّ ظاهرة إغلاق الحسابات على فيسبوك انتشرت بعد خسارة الرئيس السابق فرماجو في الانتخابات الرئاسية الماضية. وقال إن الأمر بدأ بإغلاق حساب شاعرة معروفة "نعيمة أبوان قورني"، كانت من الداعمين لفرماجو، ثم إغلاق الحساب الرسمي لنائب عمدة مقديشو السابق، الداعم هو الآخر للرئيس السابق. وأشار إلى أن الأمر أصبح معتاداً بعد ذلك؛ أي شخصية معروفة تنتقد الحكومة الحالية يتم التعامل معها بالأسلوب نفسه. "هذا الأمر لم يكن معروفاً سابقاً. في عهد فرماجو كان هناك نواب ووزراء ينتقدون الرئيس علناً، أما الآن فالشك والحساسيات بدأت في الظهور"، يقول الباحث الصومالي.

وأضاف: "تم استغلال اسم الهيئات والوزارات لإرسال شكاوى وما إلى ذلك أو تزييف شهادات وفاه وهي الأشهر". وتأكيداً لحديثه حول تنامي القمع ضد كل من ينتقد الحكومة، ذكر حادثة اعتقال شاب لانتقاده وزير الصحة على فيسبوك، من دون معرفة مصير هذا الشاب حتى الآن.

لا يبدو مما سبق وجود قرائن، فضلاً عن أدلة، حول تورط شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك في تلك الحوادث، إلا أنّ مسؤوليةً ما تقع على الشركة بسبب التهاون في سياسات إغلاق الحسابات. وفي ظل وجود حكومات لا تتورع عن تزييف شهادات ووثائق لإغلاق حسابات المعارضين على وسائل التواصل الاجتماعي

من جانبها، قالت الحالة الأشهر لإغلاق الحساب بطريقة تزييف مستندات الوفاة، نعيمة أبوان قورني، في حديثها إلى منظمة "Smex" المعنية بتعزيز الحقوق الرقمية، إنّ عملية استعادة الحساب كانت عسيرةً، إذ تطلبت الاستعانة بمستشارين تقنيين لتقديم شكوى إلى شركة "ميتا"، وتقديم أدلّة على أنّ الحساب "مخترق وأننّي حيّة". ولم تستجب الشركة مع الاعتراض الذي سجلته نعيمة، إلّا حين "أكثرت من الحملات التي تطالب باسترجاع الحساب"، تقول.

لا يبدو مما سبق وجود قرائن، فضلاً عن أدلة، حول تورط شركة "ميتا" المالكة لفيسبوك في تلك الحوادث، إلا أنّ مسؤوليةً ما تقع على الشركة بسبب التهاون في سياسات إغلاق الحسابات. وفي ظل وجود حكومات لا تتورع عن تزييف شهادات ووثائق لإغلاق حسابات المعارضين على وسائل التواصل الاجتماعي، على تلك المنصات مراجعة سياساتها، خصوصاً بعد تكرار ذلك النمط في الصومال.

بدوره، نفى مصدر حكومي، طلب عدم الكشف عن هويته، أي مسؤولية للحكومة عما حدث، مشيراً إلى أنّ الخلافات الحادة بين الصوماليين تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، وبعض الأشخاص يلجأون إلى كل الطرق للانتقام إن لم ينتصروا بلغة الحوار.

الجدير بالذكر أنّ الحكومة الفيدرالية لم تُصدر بياناً رسمياً لتوضيح موقفها، ولم تُعلّق على تلك القضية، علماً بأنّ تكرار تلك القضايا يشكك في قدرة المؤسسات الحكومية على حماية بيانات المواطنين، سواء أكانت الحكومة تستغل سلطتها لقمع المعارضين، أو كانت جهات لا علاقة لها بالحكومة قادرة على تزييف الوثائق الرسمية والوصول إلى بيانات المواطنين دون عناء.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image