شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
سلمى بكار لرصيف22: لم أخَف حين تناولتُ المثلية الجنسية والمشهد السياسي التونسي غامض

سلمى بكار لرصيف22: لم أخَف حين تناولتُ المثلية الجنسية والمشهد السياسي التونسي غامض

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سلمى بكار واحدة من رائدات السينما العربية، عبّرت أفلامها عن هموم المرأة التونسية في مراحل تاريخية مختلفة، فضلاً عن ريادتها تاريخياً كأول مخرجة تونسية تقدّم فيلماً روائياً طويلاً. وقد قررت إدارة مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة تكريمها في نسخته السابعة التي أقيمت في الفترة من 5 إلى 10 آذار/مارس الماضي.


بكار البالغة من العمر 77 عاماً، صاحبة مسيرة إبداعية طويلة، بدأت بتقديم فيلمها الطويل الأول "فاطمة 75"، ثم "رقصة النار" عن قصة حياة الراقصة التونسية حبيبة مسيكة (1996)، وفيلمها الثالث "الخشخاش" (2006)، ثم "الجايدة" (2017)، وتجهز حالياً لفيلمها المقبل "النافورة". من جهة أخرى تُعدّ سلمى أول سيدة تعمل في الإنتاج السينمائي في تونس (1990)، حيث أنتجت أفلاماً لمخرجين مثل محمد علي العقبي ومحمود بن محمود وناجية بن محمود وعبد اللطيف بن عمار. 

هي واحدة من رائدات السينما العربية، عبّرت أفلامها عن هموم المرأة التونسية في مراحل تاريخية مختلفة، فضلاً عن ريادتها تاريخياً كأول مخرجة تونسية تقدّم فيلماً روائياً طويلاً. هي المخرجة الكبيرة "سلمى بكار"

لم يتوقف العطاء الفني لسلمى بكار، عند الإخراج والإنتاج السينمائي والتليفزيوني، بل اختيرت بعد الثورة التونسية عضوةً في المجلس الوطني التأسيسي لوضع الدستور التونسي.

في مقابلة مطولة مع رصيف22، تتحدث المخرجة سلمى بكار عن رحلتها الفنية ومشروعها السينمائي، وقراءتها للمشهد السينمائي والسياسي التونسي وتكريمها في مهرجان أسوان.

- لنعد إلى البدايات؛ كيف تَشَكّل شغفك بعالم السينما؟

ضربني فيروس السينما عام 1965، في أثناء عودتي في العطلة الصيفية إلى بلدتي الصغيرة "حمام الأنف" (مدينة ساحلية تونسية تقع على مسافة 16 كم جنوب شرق العاصمة)، من سويسرا، حيث درست آنذاك السيكولوجيا، ودعاني أخي الصغير للذهاب معه إلى نادي محبي السينما الذي أسسه مع أصدقائه. ذهبنا خمس فتيات، وكان غير مألوف أن تكون للفتيات علاقة بالسينما، ولكنني فُتنت بهذا العالم السينمائي الساحر، وقررت أن أصبح جزءاً منه. أخرجت فيلمي الأول القصير "يقظة" (16 ملم أبيض وأسود)، وتناول قصة فتاة تحلم باستكمال تعليمها بعد البكالوريا وتتحدى كل محاولات عائلتها لتزويجها.

"حبيت السينما وقررت ألا تكون مجرد هواية بل احترافاً"، وسافرت في هذه الأثناء مع زوجي إلى فرنسا، والتحقت هناك بمعهد السينما. ثم عدت إلى تونس عام 1970، وعملت لمدة خمس سنوات مساعدة مخرج في التلفزة التونسية، وكنت أول امرأة في تونس تعمل في الإخراج، ومعظم النساء كن يعملن في ذلك الوقت في المونتاج والإسكريبت فقط.

- حكايات المرأة التونسية وهمومها تسيطر على أفلامك الأربعة. هل تحدثيننا أكثر عن مصادر اهتمامك بحكايات بطلاتك، ولماذا تأتي نهايات بعضهن تعيسةً وكأن لا نجاة من السلطة الذكورية في مجتماعاتنا العربية إلا بالحرق كما في "حبيبة مسيكة"، والانتحار في "الجايدة"، والجنون في "الخشخاش"؟

نعم كل أفلامي بطلاتها نساء، ولكن هذا لا يعني صناعتي أفلاماً عن المرأة فقط، ولكن مشروعي كان يناقش هموم المجتمع التونسى في فترات تاريخية مختلفة من منظوري كامرأة، ومن خلال شخصياتي النسائية. واستفدت كثيراً من حكايات أمي وخالتي حول معاناة جيلهن، ووضعت حكايتهن في أفلامي، ودخلت في الذاكرة الجماعية للمجتمع التونسي، واشتبكت معها من خلال عقل مرأة وقلبها.


وأتفق معكِ، بعض شخصيات أفلامي تلقى نهايةً تعيسةً، وبعضهن تَظهرن مضطهدات في بداية الفيلم، ولكن تتوالى الأحداث وتتطور الشخصيات، ونمنحهن القوة والمقاومة، ونخلق لهن دارمياً وضعيات تجعل منهن بطلات يخترن مصيرهن بحرية. فمثلاً حرق الراقصة التونسية اليهودية على يد عشيقها لرفضها حبَّه، حولناه في نهاية الفيلم إلى رقصة النار، وهي رقصة رمزية تعكس أن حرق "حبيبة" جعلها حيةً في الذاكرة، لم تمت ونحن نتذكرها إلى اليوم، رمزاً لقصة فنانة تبحث عن حريتها الشخصية والفنية. وكذلك بطلة فيلم "الخشخاش"، فقد اختارت بحريتها أن تبقى في المصحة النفسية، لأنها أدركت بذكاء أن المجانين هم من يعيشون خارج هذا المستشفى، أي المجتمع وعاداته وازدواجيته.

- ونلاحظ أيضاً أن أفلامك تستعرض ما كانت عليه المرأة التونسية، وليس ما هي عليه الآن، وكأنك تؤرشفين لها في مراحل سابقة، وتشتبكين مع أحوالها حالياً عبر شريط الفيلم، ويظهر ذلك في "الجايدة" الذي يختتم مشاهده بنقاشات المجلس التأسيسي تحت قبة البرلمان. ما تعقيبك؟

الذاكرة الجماعية والماضي جزء أصيل جداً في أفلامي، وأهتم به للغاية. أحكي حكايات عبر فترات تاريخية مختلفة في أفلامي لأن كلاً منها تمثّل منعرجاً في حياة المجتمع التونسي، وأزمة البلدان المتخلفة أن أهلها فاقدون للذاكرة ولا يفضلون معرفة من أين جاءوا وإلى أين هم ذاهبون. وفيلم "الجايدة" الذي يتناول حياة أربع نساء في الخمسينيات زمن الاستقلال، أردت فيه أن أؤكد على الاهتمام بهذا الماضى ومعرفة ما حققته المرأة من مكتسبات بعد الاستقلال، وكيف أن الماضي يعطينا حلولاً للحاضر.

لا نستطيع أن نحلم بمستقبل أفضل من دون تقدير مكتسبات الماضي، لذا قررت أن يكون آخر مشاهد فيلم "الجايدة" في البرلمان في أثناء مناقشات إعداد الدستور، وتلك الفترة التي حاولت فيها التيارات الإسلامية أن تُفقدنا ما اكتسبناه كنساء من حقوق وحريات منذ الاستقلال.

- ناقشتِ المثلية الجنسية في ثالث أفلامك "الخشخاش"، في وقت مبكر، وهي تظل من الموضوعات شديدة الحساسية في أفلامنا العربية بين مؤيد لظهورها ومعارض. ألم تخشي الهجوم والاتهامات آنذاك؟

لم أخشَ شيئاً! هذه أفلامي ووجهة نظرتي، وأعلم أن موضوعاتها شديدة الجرأة لأنها تتحدى السقف والمسكوت عنه، ومنذ بداياتي وإخراج أول أفلامي "فاطمة" الذي مُنع من العرض لمدة 30 سنةً بسبب الرقابة، لم أتراجع عن أفكاري التي أرغب في طرحها في أفلامي.

والمثلية الجنسية تظل من القضايا المسكوت عنها في مجتمعاتنا العربية، برغم أن الجميع يعلمون بوجودها، ولكن هناك دائماً إنكاراً لهم ونبذاً، وجزء من اهتمامي في أفلامي إعطاء الكلمة للناس المحرومين منها، بسبب قيود المجتمع، والمثليون من الفئات المحرومة التي ليس لديها صوت، ويحكم المجتمع عليهم بالإعدام من دون أن يعرف من هم، لهذا أحببت أن أحكي عنهم في فيلم "الخشاش". وهذا هو دور السينما والفن: أن يكون سبّاقاً ويتحدث عن المسكوت عنه ويجعل المشاهد يفكر من دون توجيه معيّن.

- في تصريح سابق ذكرت أن بعض الأفكار الرجعية بدأت تتسرب إلى المرأة التونسية. ماذا قصدتِ بذلك، خاصةً أن التونسيات يتصدرن المطالبات بالحقوق والحريات؟

هذا التصريح كان بعد ثورة 2011، وصعود تيار النهضة الذي صاحبه انتشار أفكار رجعية، واتجهت كثيرات من التونسيات إلى ارتداء الحجاب والتصويت للحزب، وكان هناك خلط فادح آنذاك، وهو أن نجاح الحزب نجاح للدين الإسلامي ودفاع عنه! ولكن بعدما تولت النهضة الحكمَ، واكتشف مؤيدوها استغلالَ الدين من أجل السلطة السياسية، خلعت النساء الحجاب من جديد.

- ولكن ألا ترين أنك تصدرين حكماً وتنميطاً بين الحجاب والرجعية؟

لا. لا أحكم على المحجبات بالرجعية، وأعدّ ارتداء الحجاب حريةً شخصيةً. صحيح أنني أخاف وأشمئز من النقاب لاستخدامه في عمليات إرهابية عدة في تونس، وهناك محجبات لديهن أفكار تقدمية وأعرف كثيرات منهن، ولكن قصدت أن انتشار الحجاب والنقاب كان مظهراً جديداً على ثقافتنا وهويتنا التونسية، وانتشر مع صعود تيار الإسلام السياسي، والسفر إلى تركيا، وتقليد التركيات في حجابهن! ومخاوفي من هذه المظاهر، كالحجاب مثلاً، لأنها تجعلنا نذهب إلى قوانين رجعية أخرى ونضيّع معها مكاسب مجلة الأحوال الشخصية.

- كيف ترين إلى أوضاع المرأة التونسية اليوم؟

خضنا معارك قويةً في أثناء الإعداد للدستور، للتأكيد على أن المكاسب التي حصلت عليها المرأة من مجلة الأحوال الشخصية لا رجعة فيها. وتظل إشكالية واحدة لم تنتهِ بعد، هي إقرار المساواة في الميراث. حتى الآن لا يقبل المجتمع هذا المطلب النسوي، وأعتقد أن مع تحقيقه ستتحقق آخر الأمنيات للمرأة التونسية في مجال الحقوق الشخصية، ونأمل في مزيد من تمكين النساء وتحقيق المساواة في العمل السياسي، فلا يصحّ أن تكون هناك سيدتان فقط بين رؤساء الأحزاب في تونس. ولكن نؤمن كتونسيات بأن الحقوق والحريات لا تُمنح ولكن تؤخذ بنضال وكفاح ضد كل الأفكار الرجعية التي حاول أن ينشرها السلفيون والإسلاميون بعد الثورة.

- نعود للحديث عن التكريم؛ كيف تلقيت خبر تكريمك في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة؟

سعيدة وفخورة جداً بهذا التكريم الذي يحمل نكهةً خاصةً، لقدومه من بلد كبير مثل مصر التي نقول بالعامية عنها: "ميعجبهاش العجب"، فهي صاحبة صناعة سينمائية كبيرة تتجاوز المئة عام، بالمقارنة مع السينما التونسية التي برغم تجاوز عمرها الـ60 عاماً، إلا أنها ما زالت تخطو خطواتها الأولى في الصناعة السينمائية.

- في السنوات الأخيرة، انتشرت مهرجانات سينما المرأة في العالم العربي. كيف تُقيّمين هذه التجربة في ضوء وجود تيار نقدي ضد تصنيف الفنون؟

بصفة عامة أكره التصنيف، ولا توجد سينما للرجل وسينما للمرأة. المخرج في النهاية هو شخص، رجلاً كان أم امرأةً، يحمل رؤيةً تجاه قضية ما، وله نظرته الخاصة إلى الحياة والمجتمع الذي يعيش فيه، وله أسلوبه في التعبير عن أفكاره، ولكن أتفهم أهمية مهرجانات المرأة مثل أسوان أو بيروت أو سلا في المغرب، إلخ، ودورها في دعم وتشجيع صانعات السينما، اللواتي حصلن على فرصة متأخرة في التعبير عن الكلام بالصورة، ومن ثم يُعانين من غياب تكافؤ الفرص في هذه الصناعة، وهو ما تحاول أن تسد فجوته مهرجانات المرأة التي تُصبح بمثابة منصة وسوق مفتوح للسينمائيات لعرض إنتاجهن الفني والتشبيك مع العاملين/ات في الصناعة بشكل أوسع. ونحن في تونس تجاوزنا هذه المراحل، والآن المجال مفتوح أمام المخرجين/ات لتقديم مشاريع أفلامهم/ن للحصول على منح تمويلية.

- في ضوء حديثك عن السينما كصناعة يحتكرها الرجال، ما هي التحديات التي واجهتك كصانعة أفلام ورائدة في العالم العربي، سواء في الإخراج أم الإنتاج؟

لم تواجهني تحديات كبيرة في أثناء عملي مخرجةً. ربما بعض الصعوبات في البدايات في التوفيق بين عملي كمساعدة مخرج في التلفزة التونسية، وما يستنزفه العمل من وقت طويل، وبين دوري كأم مسؤولة عن رعاية أطفالي. كما أن العاملين في مجال السينما آنذاك كان عددهم محدوداً والجميع يعرفون بعضهم جيداً، وعملي كاتبةً عامةً لجمعية السينمائيين التونسيين في تلك الفترة ساهم في أن يجعلني على معرفة وتواصل أكثر مع العاملين في المجال، وكانت الأجواء مليئةً بالتعاون والدعم، بينما ظهرت التحديات عندما اتجهت نحو الإنتاج.

"لم أخشَ شيئاً! هذه أفلامي ووجهة نظرتي، وأعلم أن موضوعاتها شديدة الجرأة لأنها تتحدى السقف والمسكوت عنه".

وفي رأيي، أن تكوني منتجةً في عالمنا العربي أصعب بكثير من أن تكوني مخرجةً. لاحظت أن امتلاك المرأة للقرار والسلطة المالية لا يستريح له الكثير من الرجال، فهم يرفضون ويتذمرون من أن تُمارَس هذه السلطة من جانب امرأة، ويبحثون دائماً عن أي ثغرة للتشكيك في مقدرتك كامرأة منتجة، وأظن أن ثقتي بذاتي ودراستي الجيدة لعملي كانتا الطريق الوحيد للنجاح والاستمرار. أنا فخورة اليوم بنجاح منتجات تونسيات أخريات على رأسهن "دُرة بوشوشة"، التي فرضت نفسها بقوة في عالم الإنتاج ووصلت بأفلامها إلى المهرجانات العالمية، وسمحت للسينما التونسية باكتشاف جيل موهوب من المخرجين/ات الشباب بفضل دعمها وإنتاجها لهم/ن.

- مَن مِن المخرجات الشابات تتابعين أفلامهن؟ وما هو تقييمك لتجاربهن؟ وبما تنصح المخرجة الكبيرة سلمى بكار هذا الجيل في صناعة أفلامه؟

هناك عدد كبير من المخرجات الواعدات واللواتي حقَقن خطوات كبيرةً بعد ثورة 2011، خاصةً أن صناعة الأفلام الآن أصبحت أكثر سهولةً عكس الماضي، فمن خلال ميزانية منخفضة وتقنيات التصوير الرقمي يمكن خروج الفيلم للنور. وأذكر المخرجة الموهوبة "كوثر بن هنية"، لما تتمتع به من لغة سينمائية مميزة، وفخورة بتجاربها السينمائية وتمثيلها تونس في المحافل العالمية، ونجاحها في تقديم موضوعات مختلفة وهي لم تحصر نفسها في قضايا المرأة فقط، وسعيدة بنجاحها في الوصول كأول مخرجة تونسية إلى القائمة القصيرة في الأوسكار، ودافعت عن فيلمها "الرجل الذي باع ظهره" بقوة، لتمثيل تونس في الأوسكار بصفتي عضوةً في لجنة الاختيار آنذاك.

- وماذا عن النصيحة؟

الصدق ثم الصدق. هو أهم أدوات المخرج لصناعة فيلمه، فهو يختار موضوعاً معيّناً يجذبه ويريد أن يعبّر فيه عن ذاته ورؤيته. وأنصحه بألا يتناول موضوعاً من "باب الموضة الرائجة"، كما في هذه الفترة، حيث كل العالم يقدّم أفلاماً عن النساء وفي الماضي كان يقدّم أفلاماً عن اللاجئين وغيرهم. المخرج الحقيقي هو من يمتلك فكراً يدفعه لاختيار موضوع دون غيره. السينما بحرها واسع وتقبل كل الموضوعات، ولكن يبقى الصدق الفيصل ثم تأتي التقنيات والتصوير وخروج فيلم مصنوع بجودة عالية، يذهب إليه الجمهور ويتفاعل معه. لا نصنع أفلاماً لأنفسنا، ولا نريد أن نجد أنفسنا أمام صالة سينمائية فارغة.

- لو سألتك عن تجربة الفنانين/ات التونسيين/ات في مصر، أمثال هند صبري، دُرة زروق، عائشة بن أحمد، وظافر العابدين، ماذا تقولين؟

كل هذه الأسماء لديها تجارب جيدة وكبيرة، وجميعهم/ن بدايتهم/ن كانت في التلفزة والسينما التونسية، برغم أن سوق صناعة السينما في تونس ما زال محدوداً بالمقارنة مع الشقيقة مصر، ومن ثم نالوا/نلن حظاً من النجومية والشهرة في مصر أكثر من تونس، ولكن أطالبهم بعدم الابتعاد "برشا" عن تونس وبمواصلة العمل فيها.

- لماذا توقف مشروع فيلمك الأخير "النافورة". وما أسباب رفض الممثلة التونسية "دُرة" المشاركة فيه؟

الفيلم تعطّل ولم يتوقف لأسباب إنتاجية، ثم لظروف مرضية، ولكن أسعدني اتصال خلال الأيام الماضية يفيد بحصولي على منحة تمويلية من وزارة الثقافة التونسية، وسنبدأ العمل خلال الفترة المقبلة. أما انسحاب "دُرة" من الفيلم، فأتفهمه جيداً. أرسلت إليها السيناريو وأبدت إعجابها بالفيلم الذي يدور حول ثلاث نساء في فترة اعتصام الرحيل، وجلسنا معاً عندما زارت تونس لمناقشة السيناريو، ولكنها أبدت مخاوفها من جرأة الفيلم، التي تتعارض مع علاقتها بجمهورها المصري. وبصراحة اقتنعت بأسبابها، وبأن الدور ليس لها، لأننا نحن التوانسة لدينا جرأة في طرح موضوعات أفلامنا ربما تُرفض في بلدان عربية أخرى.

- لن أنسى الجانب السياسي من حياة المخرجة سلمى بكار. كيف تُقيّمين تجربتك في عضوية المجلس التأسيسي الوطني التونسي بعد الثورة؟

كانت تجربةً شاقةً جداً تركت آثارها إلى اليوم على صحتي ونفسيتي. أمضيت ثلاث سنوات مرهقةً، بذلت فيها كل جهدي، كنت لا أرى عائلتي أو أصدقائي، وكنت فقط منكبةً على مشكلات المجلس التأسيسي، وعلى الرغم من ذلك لست نادمةً على فترة عضويتي في المجلس، لأن دورنا كان أن نحمي مستقبل البلاد من الرجعية التي كان يشدنا إليها السلفيون وتيارات الإسلام السياسي، وكان هدفنا الخروج بدستور يحافظ على هوية الدولة التونسية ومدنيتها. هي تجربة تعلمت منها الكثير، وفهمت معنى السياسة، وأنه لا مكان للعواطف فيها. ولم تكن لدي نوايا للاستمرار في العمل السياسي فبمجرد الإعلان عن الدستور عام 2014، عدت إلى الإخراج ومشروعي السينمائي.

- ولكن كيف تقرئين المشهد السياسي التونسي الآن بعد قرارات الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز/ يوليو، وتعديل الدستور الذي شاركت في كتابته وصولاً إلى حملة اعتقالات مستمرة لسياسيين، إعلاميين، وقضاة؟

أولاً كتبنا دستور 2014، بجهد وعناد كبيرين وبدماء غالية دفع ثمنها الشهيدان شكري بلعيد ومحمد البراهمي الذي كان صديقي وعضواً في المجلس التأسيسي، وأرفض التشكيك وتشويه هذا الدستور بحجه أنه دستور النهضة، وهو كلام غير صحيح. لقد نجحنا ككتلة مدنية داخل المجلس في فرض فصول مهمة من الدستور ضد محاولات النهضة لحذفها مثل الاعتراف بمدنية الدولة، والمساواة بين الرجل والمرأة وغيرهما من بنود الحقوق والحريات.

الرئيس سعيّد يتخذ قرارات خطأ منذ 25 تموز/يوليو حتى اليوم، ونُطالب بتوضيحها ومعرفة أسبابها، لكن لا أستطيع غض الطرف عما حدث في بلادنا خلال السنوات العشر الماضية، ونعرف جيداً تيار النهضة الذي ضحّى باقتصاد الشعب التونسي من أجل مصلحته الخاصة

وبخصوص الاعتقالات، أرفضها تماماً لأنها تتم خارج القانون، خاصةً أن السلطة التونسية تستطيع القبض على المتهمين وفق حُجج واضحة واتهامات قانونية صريحة، فالحكومة والبوليس يعلمان جيداً من هم المتورطون في تبييض الأموال، وكذلك القيادات التي أرسلت 1،000 شاب تونسي للجهاد في سوريا مع داعش، ومن ثم لا داعي لهذه التوقيفات.


وأخيراً، المشهد السياسي متخبط وغامض، وأنا في حيرة شديدة من قراءته، ولا أعرف إلى أين سنصل بالبلاد؟ أندهش من هذا التعاون الذي يجمع أحزاب الأمس التي كانت جزءاً من الكتلة الديمقراطية بعد ثورة 2011، مع حزب النهضة اليوم ضد الرئيس قيس سعيّد، لأن تعاون القوى الديمقراطية مع الإسلاميين ليس في مصلحة البلاد. الرئيس سعيّد يتخذ قرارات خطأ منذ 25 تموز/يوليو حتى اليوم، ونُطالب بتوضيحها ومعرفة أسبابها، لكن لا أستطيع غض الطرف عما حدث في بلادنا خلال السنوات العشر الماضية ونعرف جيداً تيار النهضة الذي ضحّى باقتصاد الشعب التونسي من أجل مصلحته الخاصة.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

خُلقنا لنعيش أحراراً

هل تحوّلت حياتنا من مساحةٍ نعيش فيها براحتنا، بعيداً عن أعين المتطفلين والمُنَصّبين أوصياء علينا، إلى قالبٍ اجتماعي يزجّ بنا في مسرحية العيش المُفبرك؟

يبدو أنّنا بحاجةٍ ماسّة إلى انقلاب عاطفي وفكري في مجتمعنا! حان الوقت ليعيش الناس بحريّةٍ أكبر، فكيف يمكننا مساعدتهم في رصيف22، في استكشاف طرائق جديدة للحياة تعكس حقيقتهم من دون قيود المجتمع؟

Website by WhiteBeard