شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
لم تُصنع في إسرائيل... أثواب نسائية جريئة مِن فن المكرمية

لم تُصنع في إسرائيل... أثواب نسائية جريئة مِن فن المكرمية

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

السبت 10 يونيو 202303:45 م

مشيرة فارس (34 عاماً) فلسطينية من قرية "حرفيش"  في مدينة صفد، نجحت في تقديم نفسها من خلال فنها وتحويله إلى مهنتها، وذلك من خلال إحياء حرفة "فن المكرميات" القديمة بأسلوب معاصر لا يخلو من الكلاسيكية التي لا بد ألا تغادر المكرمية.
تقول لرصيف22: "عندما أتحدث عن المكرميات أشعر بالفخر بما أصنع، لأنني أعمل على إعادة إحياء تراث عربي من حبال يغازل القلوب لجماله وأصالته".

فساتين 2023

إحياء المكرميات 

تعتقد مشيرة أن كل مكرمية تروي حكاية معينة، وأن هذا النوع من العمل اليدوي يحررها من الضغوط والحزن خلال الاشتغال عليه، لا سيما بعد أن واجهت أشكالاً من الاعتراض على اتخاذها هذه الحرفة كمهنة واتجاهها نحو تجديدها وتصميمها كأثواب جريئة للنساء، جمل مثل "شو بدك بهذه الشغلانة؟، "شو راح تستفيدي؟" هي الأمثلة التي تضربها على نوع الإحباطات التي تواجهها من مجتمعها.
فن المكرمية أحد أشكال الأعمال الحرفية الفنية اليدوية القديمة، لا يحتاج صانعها أو صانعتها إلى أية أدوات للحياكة مثل الصنارة وأسياخ الغزل على خلاف أشكال النسيج اليدوية الأخرى، فاعتمادها الأساسي يتكوّن من خلال تشكيل عدد من الحبال المتماسكة بطريقة متينة ومربوطة بالعقد. 
مشيرة فارس فلسطينية من قرية "حرفيش"  في مدينة صفد، نجحت في تقديم نفسها من خلال إحياء حرفة "فن المكرميات" القديمة بأسلوب معاصر وتصميم أجرأ الفساتين منها

بداية تعلمها كانت أقرب إلى السرية كما تشرح خوفاً من الإحباطات، فبدأت بتعلم الحرفة و"موديلاتها من خلال كورسات مختصة بهذا النوع من التعليم على موقع الـ"يوتيوب".

فساتين 2023

"عقدة" 

في المرحلة اللاحقة أنتجت عدداً من التصميمات البسيطة: حقائب، جداريات زينة، مفارش الطاولات، ثم زاد تعلقها بما تصنع، فانتقلت إلى مرحلة جديدة وهي تصميم الفستاني المثيرة بطريقة المكرميات، وقد أطلقت على مجموعاتها المعاصرة اسم "عقدة".
شاركت مشيرة بهذه المجموعة في أول عرض أزياء في مهرجان عروض الأزياء العالمية المقام في مدينة دبي.
تشير مشيرة إلى أن سبب اختيار اسم "عقدة" لمجموعتها هو للإشارة إلى ما أسمته "العقد النفسية" التي تحيط بالنساء العربيات، ولأنها واجهت الكثير من التحديات والكلمات الجارحة والانتقادات اللاذعة التي ترى أن عروض الأزياء مخالفة تماماً لما يجب أن تلتزم به "امرأة متدينة" على حد تعبيرها، فكانت جملة "دينك أبقالك" من بين أكثر التحذيرات التي سمعتها لتترك ما تحب إلى ما يحبه الناس.
تقول: "أجمل مقابل أحصل عليه ليس المقابل المادي، بل عندما أرى الفخر في عيون أولادي وزوجي ودعمهم لي، طفلي الصغير يحدث أصدقاءه كثيراً عن كون والدته مصممة أزياء جريئة". 
انسابت المكرميات المصنوعة من خيوط الصيد على أجساد العارضات بكل سلاسة، في مهرجان عروض الأزياء العالمية في دبي 

من كان يصدق أن خيوط الصيد سيأتي عليها زمن تنساب فيه على أجساد عارضات الأزياء لتكون شاهدة على إرث مستوحى من البيئة العربية، أشهرها مكرمية "البرقع الإماراتي" وهو  مستوحى من الأزياء التقليدية المشهورة التي ترتديها نساء الخليج، وأيضاً مكرمية فستان "كليوبترا" والمتوحاة من الهوية الفرعونية المصرية.

لم تصنع في إسرائيل

نظراً لأن مشيرة تعيش في الداخل الفلسطيني في أراضي 1948، فهي تواجه معضلة كبيرة في تسويق قطعها الفنية خارج فلسطين، وذلك لأنها ترفض أن تصدّر  علامتها التجارية أو منتجاتها باللغة العبرية أو على أنها "صنعت في إسرائيل"، لذا تحاول البحث عن بدائل للتسويق من خلال مناطق السلطة الفلسطينية والأردن، رغم أن هذا الخيار يرفع الكلفة المادية للتصدير بشكل كبير.

فساتين 2023

أنسام من غزة 

في الأراضي الفلسطينية، تحديداً قطاع غزة، تجلس أنسام ماهر (32 عاماً) على شاطىء البحر وقد كادت تنتهي من تشكيل العقدة الأخيرة من خيوط المكرمية كجدراية.
تعلمت أنسام إتقان فن المكرمية إلى جانب عملها صحافية، كنوع من الترويح عن نفسها نتيجة ضغوط الحياة في غزة، من حصار، وحروب، وانعدام فرص العمل، وأيضاً وبعيداً عن الصورة النمطية لما يعانيه الفلسطيني، هناك ما تعانيه الفلسطينيات حصراً من عادات وتقاليد مجتمعية صارمة تشبه عقد المكرمية  لكن الأخرى أجمل كما تقول.
تقول أنسام لرصيف22:" لجأت لتعلم حرفة العقد رغبة في إيجاد مساحة آمنة أحوّل بها الطاقة السليبة التي تحيط بي إلى طاقة إيجابية تتشكل في الخيوط، هذا ما أشعر به عندما أهدي قطعة صنعتها إلى إحدى صديقاتي". 
اختارت مشيرة اسم "عقدة" لمنتجاتها من المكرميات للإشارة إلى ما أسمته "العقدة النفسية" التي تعيشها الفلسطينيات في المجتمع نتيجة الضغوط الكبيرة والتوقعات الجاهزة منهن 
فهل هناك علاقة بين الضغوط التي تعيشها الفلسطينيات وانتشار هذا الفن هناك؟ تقول مريم عفانة التي تعمل مدربة تنمية بشرية: "تعيش المرأة الفلسطينية حالة استثنائية تضعها في توتر وقلق دائمين نتيجة النزاع مع الاحتلال الإسرائيلي من جهة، ومجابهة العادات والتقاليد والموروث الديني أو الاجتماعي من جهة، فالمجتمع عادة لا يتقبل أي فكرة جديدة، بالأخص حين تكون من الموروث وتصنعها المرأة بأسلوب جرىء".  
اختارت أنسام الصحافية التي تعيش في غزة فن المكرميات للترويح عن نفسها والتخلص من الضغوط المحيطة بها 
وتوضح أن اكتساب المرأة حرفة يدوية يعزز ثقتها بنفسها ويقوي شخصيتها كما ينمّي حبها لذاتها، والأهم أنها وسيلة أثبتت من خلال نتائج جلسات التفريغ النفسي مع النساء أنها تساعد بشكل كبير على التخلص من الاكتئاب والضغوطات النفسية.
وتضيف: "يجب أن نركز على كيفية تقديم الدعم للنساء ورعاية مشاريعهن وتطويرها بشكل معاصر يواكب الذوق الحديث".
الفكرة النمطية عن الأعمال والمشغولات اليدوية تتغير، كنا نعتقد أنها مقتصرة على أيدي الجدات، لكنها أصبحت حب تحيكه أيدي الحفيدات كمساحة أمان بعيداً عن ضوضاء العالم.

فساتين 2023

فساتين 2023

أصول الحرفة 

وفي البحث حول الأصول التاريخية لفن المكرمية، الذي يطلق عليه أيضاً" فن العقدة". المكرمية مشتقة من الكلمة العربية "مقرمة" التي تعني أهداب الزينة، الحجاب المطرز، المنشفة المقلمة، نجد أنها ترجع في أصلها إلى الفنون العربية التي ظهرت في القرن الثالث عشر الميلادي على أيدي النساجين العرب الذين كانوا يستثمرون الخيوط الزائدة من النسيج في صنع زخارف فنية من الأحبال على شكل ستائر، أو مناشف، أو شالات. ثم انتقل الفن بعد توسع دولة الخلافة الإسلامية إلى أوروبا.
كما نجد بعض الحرف الشبيهة في شرق آسيا، وتحديداً في الصين حيث كان البحارة يستخدمون خيوط الصيد في صنع أشكال زخرفية متنوعة على شكل مكرمية أثناء إبحارهم، والتجارة بها بالمقايضة.
مؤخراً، عاد فن المكرمية ليلقى رواجاً على أيدي شباب وفتيات أرادوا إحياء هذا الفن بأسلوب عصري، ونجد العديد من مراكز التدريب الفنية الخاص به في فلسطين ودول عربية. 


إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ثورتنا على الموروث القديم

الإعلام التقليديّ محكومٌ بالعادات الرثّة والأعراف الاجتماعيّة القامعة للحريّات، لكنّ اطمئنّ/ ي، فنحن في رصيف22 نقف مع كلّ إنسانٍ حتى يتمتع بحقوقه كاملةً.

Website by WhiteBeard