شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
هل اختفى التحرش حين انتقلت الكثير من النساء العربيات للسكن في أوروبا؟

هل اختفى التحرش حين انتقلت الكثير من النساء العربيات للسكن في أوروبا؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

انتقلت الكثير من النساء العربيات إلى دول أوروبية بحثاً عن العمل أو الدراسة، أو لظروف مختلفة اضطرتهن لمغادرة بلدانهن الأصلية، لكن هل أصبحت النساء العربيات تشعر في شوارع أوروبا بأمان أكثر من بلدانهن العربية؟

"ذات مرة كنت أقف في محطة انتظار الحافلات مع صديقتي الألمانية عندما مرَّ خلفنا رجل ألماني في منتصف العمر على دراجته الهوائية ولمسني من تحت ثوبي وقال: "ثوبك جميل جداً!" ثم حاول الهرب، لم أصدق ما حصل، بقيت متجمدة في مكاني لا أستطيع الحركة، لحقت صديقتي الألمانية به وألحقت به الكثير من الشتائم لكنها لم تستطع منعه من الهرب. منذ ذلك اليوم صرت أكره ارتداء ذلك الثوب". هكذا بدأت رغد، 24 عاماً، حديثها لرصيف22.

جاءت رغد من سوريا إلى أوروبا في العام 2012، لذلك لم تتعرض للتحرش في سوريا بسبب صغر سنها قبل قدومها، رغم الكثير من القصص عن التحرش في سوريا التي سمعتها. فقد كانت المرة الأولى التي تتعرض بها للتحرش في "برلين" في sonnenallee وهو ما يسمونه "شارع العرب" بسبب كثرة المحلات العربية والعرب الذين يعيشون حوله.

كانت المرة الأولى التي تتعرض بها رغد في حياتها للتحرش في "برلين" في sonnenallee وهو ما يسمونه "شارع العرب" بسبب كثرة المحلات العربية والعرب الذين يعيشون حوله

في منطقة "نيوكولن" أيضاً بينما كانت رغد تمشي مع صديقتها لحق بهما شاب سوري وتحرش بهما لفظياً بالعربية، فالتفت رغد إليه ووبخته. الأمر المفاجئ بالنسبة لرغد كان أن من أحرج يومها وشعر بالخجل من تأنيبها له لم يكن هو الذي كان يضحك، بل صديقتها التي شعرت بالإحراج وأخبرتها: "أحسن طريقة تتعاملي مع التلطيش هي التطنيش".

أما ندى، 30 عاماً، المصرية التي تقطن في العاصمة النمساوية "فيينا"، روت لرصيف22 إحدى التجارب التي مرت بها: "كنت أجلس على مقعد بالشارع، أرتدي سروالاً قصيراً وأدخن سيجارة عندما اقترب رجل يبدو من هيئته بأنه عربي وسألني بالألمانية لو كنت أحمل ولاعة، فأخبرته بالإنجليزية بأنني لا أتكلم الألمانية، فأعاد السؤال بالإنجليزية، فأجبته بالنفي، فاسترسل بالإنجليزية: من أين جئت؟ فلم أجب، فسأل: تبدين عربية؟ قلت: لا. فألح: أنتِ تتكلمين العربية؟ فقلت ثانية: لا. فأصر: أنا متأكد بأنك تتكلمين اللغة العربية! فقلت للمرة الثالثة: لا. فبقي ينظر إليّ نظرات غير مريحة ثم سأل: إذا كنتِ لا تتكلمين العربية فما اللغة التي تتكلمينها؟ قلت: الإنجليزية. وما اللغات الأخرى التي تتكلمينها بجانب الإنجليزية؟ فأجبت: الإنجليزية فقط. ثم تظاهرت بأنني أتكلم بالهاتف لدقيقتين أو ثلاث ثم مشيت حتى ابتعدت ونظراته تلاحقني. لم أكن أريد أن أظهر له أنني خائفة منه". فضلت ندى أن تشارك تجربتها في هذا التقرير عبر اسم مستعار للحفاظ على خصوصيتها.

"في مصر المرأة هي مركز التركيز والاهتمام في الحيز العام، الجميع في الشارع ينظرون إليها". ندى، مصرية مقيمة في فيينا.

بالنسبة لندى فإن هذا الرجل ومن مثله يشعرونها بأنها مرئية أكثر مما يجب، تفسر: "في مصر المرأة هي مركز التركيز والاهتمام في الحيز العام، لا يهم ما تفعله أو ترتديه. الجميع في الشارع ينظرون إليها، أحد الأشياء المفضلة بالنسبة لي في فيينا هو كوني محط تركيز أقل في الحيز العام، لذلك جعلني هذا الرجل أشعر بأنني ظاهرة مرئية، كأنه يقول لي محاولاتك للتخفي في الحيز العام فشلت. شعرت كأنه يقول لي: ما هذا الذي تفعلينه وترتدينه؟ أنتِ لا تنتمين لهذا المكان."

ذلك الموقف جعل ندى تشعر بالذنب رغماً عنها، لأنها صارت تسأل نفسها ما الخطأ الذي ارتكبته ودفعه للتجرؤ على الحديث معها؟ وبدأت تلوم نفسها لأنه لم يكن عليها ارتداء بنطال قصير أو التدخين بالشارع في مدينة أوروبية هكذا!

لعل تلك الأفكار ليست سوى نتاج عقل ندى الباطني، وتكراراً للكلام الذي تسمعه النساء العربيات على وجه الخصوص في معظم الأحيان حين يكن ضحية تحرش أو اغتصاب بأنهن السبب لا الجاني.

تكره ندى تكريس الصورة النمطية والاعتراف بكونها تشعر بالأمان بشكل أقل ضمن المنطقة التي يكثر بها العرب في فيينا التي عليها العمل والدراسة بها، كونها لم تتعرض مرة للتحرش إلا من رجال عرب.

تقول: "أشعر دوماً في الحي بأن الناس ينظرون إليّ نظرات غير مريحة".

الأمر ذاته ينطبق على رغد التي أشارت لكون "شارع العرب" في برلين مكاناً غير مريح بالنسبة لها، لأنها تتعرض في الصيف للكثير من التحرش هناك، إما عن طريق نظرات غير مريحة لجسدها من بعض العرب العاملين هناك أو تحرش لفظي.

توضح: "في مرة اضطررت ورفيقي لمغادرة أحد المطاعم الشهيرة في ذلك الشارع لأن النادل كان ينظر إلى رجليّ بطريقة وقحة".

وأشارت سارة، 28 عاماً، التي تقطن في مدينة "غوتنبرغ" السويدية بأنها لم تتعرض لأي نوع من التحرش منذ وصولها إلى أوروبا من مصر في العام 2017 سوى من بعض الرجال من أصول عربية. ترى سارة أن الفرق بين التحرش في أوروبا والدول العربية هو كون الرجال في أوروبا يخافون القانون لأنه نافذ هناك بينما المتحرش في الدول العربية في غالبية الأحيان لا يخاف لأنه يعرف أن الناس في الشارع سوف تحميه وتدافع عنه وسيتم لوم الضحية.

الفرق بين التحرش في أوروبا والدول العربية هو كون الرجال في أوروبا يخافون القانون لأنه نافذ هناك بينما المتحرش في الدول العربية في غالبية الأحيان لا يخاف لأنه يعرف أن الناس في الشارع سوف تحميه

وتوضح سارة أنها في مصر كانت تتعرض للتحرش على الأقل ثلاث مرات في الأسبوع لكن منذ قدومها إلى أوروبا كانت آخر مرة تتعرض بها للتحرش قبل أربعة سنوات، وجميع حوادث التحرش التي تعرضت لها تعد على اليد الواحدة.

وجود رجال الشرطة في كل مكان وكاميرات في المواصلات العامة في فيينا يشعر ندى بالأمان، رغم أنها لا تتكلم الألمانية. شعورها هذا لا يرجع لكونها تعتقد أنهم سيحمونها بل لأنها تعتقد بأن المتحرشين سيخافون أن يفعلوا أي شيء بوجود الشرطة والكاميرات.

لكن هل حقاً القانون نافذ والشرطة ومؤسسات المجتمع المدني في الدول الأوروبية سوف تحمي الضحية وتجلب لها حقها في كل الأوقات؟

في العام 2020 كانت ديالا ،31 عاماً، على علاقة بشاب ألماني لكنها كانت تحاول إنهاء تلك العلاقة لأنها كانت ترى أنه ليس هناك توافق بينهما.

"جاء اليوم الذي أخبرته بأنني لم أعد أريد أن أرتبط به، فأمسك بي وثبتني واغتصبني، صدمت كثيراً، ورغم أنني تعرضت للكثير من التحرش في بلدي من قبل لم أعتقد أنني سوف أتعرض لمثل تلك التجارب هنا، حاولت إزاحته عني، طلبت منه التوقف، لكنه أكمل ما يفعله، حين توقف حملت أغراضي وهددته بألا يكلمني مجدداً وإلا فسأتوجه للشرطة".

بعد ذلك توجهت ديالا إلى منظمة مجتمعية ألمانية تساعد ضحايا الاغتصاب في التوجه إلى الشرطة، لتقول لها الموظفة التي تعمل هناك: "هو ألماني وأنتِ لاجئة، كلمته مقابل كلمتك أمام الشرطة، سوف يصدقونه ولن يصدقوك، ثم قد يكون لديه أشخاص نافذون بالحكومة، لو توجهت إلى الشرطة فسيجعلونك ترددين ما تعرضتِ له مراراً بلا فائدة، ثم قالت لها إنها لن تستطيع مساعدتها" مما جعلها تتراجع عن التوجه للشرطة ولم يعد بإمكانها إثبات الجريمة بعد ذلك.

تعلق ديالا على كلام تلك الموظفة بالقول: "ليس هنالك من لديه أشخاص نافذون بالحكومة في ألمانيا يجعلونه يهرب من جريمة اقترفها. ولو كانت تلك الموظفة تريد مصلحتي حقاً لعرضت عليّ على الأقل جلسات استشارة نفسية. تلك المرأة جعلتني أفقد الثقة في المجتمع والنساء وكل شيء في ألمانيا، كما لا أعتقد أن الشرطة سوف تحميني أيضاً".

تحكي ديالا إلى أنها حين تتعرض للتحرش من رجال ألمان سكارى في معظم الحالات تهرب بعيداً، لأن لديها صدمة نفسية بأنهم قد يضربونها لو واجهتهم

فضلت ديالا استعمال اسم مستعار لأن لا أحد من أصدقائها يعرف أنها تعرضت لتلك التجربة وتريد أن تحتفظ بذلك لنفسها.

وأشارت ديالا إلى أنها حين تتعرض للتحرش من رجال ألمان سكارى في معظم الحالات تهرب وتركض بعيداً عنهم، لأن لديها صدمة نفسية بأنهم قد يضربونها لو واجهتهم، وتقول إنه من المستحيل أن تطلب الشرطة لأن في الشرطة نسبة كبيرة من اليمين المتطرف الذين يكرهون اللاجئين.

ولكنها أشارت إلى أنها في آخر مرة تعرضت فيها للتحرش من رجل ألماني ثمل أخبرته بأنها غير مهتمة وبأن من غير المسموح أن يتعامل معها بتلك الطريقة، حتى لو كان ثملاً، فتوقف فوراً عن مضايقتها واعتذر.

يبدو أن النساء في كل البلدان يتعرضن للتحرش لكن أوروبا أرحم على النساء العربيات من البلدان العربية بسب وجود القوانين الرادعة، والمحاسبة التي قد تلي الجرائم من هذا النوع بعد إثباتها.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

فلنتشارك في إثراء مسيرة رصيف22

هل ترغب/ ين في:

  • الدخول إلى غرفة عمليّات محرّرينا ومحرراتنا، والاطلاع على ما يدور خلف الستارة؟
  • الاستمتاع بقراءاتٍ لا تشوبها الإعلانات؟
  • حضور ورشات وجلسات نقاش مقالات رصيف22؟
  • الانخراط في مجتمعٍ يشاركك ناسه قيمك ومبادئك؟

إذا أجبت بنعم، فماذا تنتظر/ ين؟

    Website by WhiteBeard