شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!

"هذه ليست نصيحةً استثماريّةً": هل نثق بـ"كل" من يتحدث عن العملات الرقميّة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

اقتصاد

السبت 10 يونيو 202311:32 ص

هذا المقال جزء من سلسلة مقالات ينشرها رصيف22 عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، لتقديم خارطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.

أعلنت فرنسا، مؤخراً، عن قانون جديد يستهدف المؤثرين الذين يستخدمون منصات التواصل الاجتماعي للترويج للعملات الرقميّة والـNFT، وتقديم النصائح الخاصة بالتداول، وذلك للحد من عمليات الاحتيال. الأمر ذاته فعلته المنظمة الدوليّة لهيئات الأوراق الماليّة (IOSCO)، التي أصدرت الشهر الماضي، 18 توصيّةً لتنظيم الأصول الافتراضيّة حول العالم، وعلّق رئيس مجلس إدارةIOSCO ، جان بول سيرفيه، على التوصيات، وعدّها "نقطة تحوّلٍ في مسيرة حماية المستثمرين من خلال معالجة المخاطر الواضحة والقريبة والحفاظ على نزاهة السوق."

جاء في التوصية الثامنة، في البند الثالث، ضرورة محاسبة "المتلاعبين بالسوق"، وضرورة تنظيم معاقبة "السلوكيات التي تخلق إشارات سيئةً أو مضللةً للعرض أو الطلب أو السعر الخاص بالأملاك المالية الرقمية، أو يمكن أن تؤثر على عمليات التبادل، عبر الخداع أو التزييف.

المقصود هنا أن الجرم والملاحقة القضائيّة لا يقتصران فقط على المحتال، بل يشملان من يروّج أيضاً لعملة من دون التيقن منها، وهو الجرم الذي لاحق المشاهير في العالم من كيم كارداشيان التي دفعت العام الماضي غرامةً مقدارها 1.26 مليون دولار، حتى شاكيل أونيل الذي يُقاضى إثر انهيار شركة FTX.

ما زال العالم العربي في بداية تقنينه للعملات الرقميّة، سواء على مستوى الاستثمار أو على مستوى الحد من عمليات النصب والاحتيال، ففي الإمارات العربيّة المتحدة أُطلقت منصة للتبليغ عن عمليات الاحتيال، وسُنّت قوانين لمواجهته، لكن ما زال شأن الترويج للعملات الرقميّة والـNFT غامضاً، أي بصورة ما، أولئك الذين يروّجون للعملات الرقميّة ويحكون عنها، هل من مسؤولية قانونية عليهم؟

تعجّ منصات التواصل الاجتماعي ومنصات البث، خصوصاً يوتيوب، بالكثير من صانعي المحتوى الخاص بالعملات الرقميّة، إذ تظهر دوماً أمامنا عناوين من نوع "أفضل عملات رقمية للاستثمار"، و"أسرار الاستثمار وصناعة الثروة"، وغيرهما من العناوين الجذابة التي تقدّم "نصائح" و"تجارب شخصيّةً" عن الاستثمار، مع تكرار عبارة "هذه ليست نصيحةً استثماريّةً". إخلاء المسؤولية هذا، نراه بوضوح مثلاً في فيديوهات أسعد رزق، الذي يكتب في وصف كل فيديو: "جميع ما يرد مني هو مجرد وجهة نظري الشخصية وليست نصيحةً استثماريةً ولا اقتصادية ولا مالية، فأنا لست خبيراً اقتصادياً أو استثمارياً أو مالياً، فقرارك بأموالك الشخصية هو قرارك وحدك وعلى مسؤوليتك الشخصية ربحاً أو خسارة".

ما زال العالم العربي في بداية تقنينه للعملات الرقميّة، سواء على مستوى الاستثمار، أو على مستوى الحد من عمليات النصب والاحتيال. ففي الإمارات العربيّة المتحدة، أُطلقت منصة للتبليغ عن عمليات الاحتيال، وسُنّت قوانين لمواجهتها، لكن ما زال شأن الترويج للعملات الرقميّة والـNFT غامضاً.

صفحة "الحوت" مثلاً على يوتيوب، لا تحوي إخلاء مسؤولية، لكن الملاحظ أنه يتناول أخبار العملات الرقميّة ويقدّم تحليلات متنوعةً ولا يروّج لعملة على حساب أخرى. الأمر ذاته مع وليد مغربي، الذي يصف قناته قائلاً إن هدفها "تعليمي فقط وليس بمثابة نصيحة أو استشارة مادية"، وهو ما يمكن تفسيره بأن  لدى بعض صناع المحتوى الخاص بالعملات الرقميّة وعي قانونيّ بخطورة الترويج لعملات رقميّة بعينها، كون السوق نفسه غير مضمون، لذا يتم الحديث بشكل عام عن العملات الرقميّة بالمجمل، لكن ما سبق، والأسلوب المتّبع في التحليل، مهما كانت خبرة من يقوم به، تركانا أمام ما يُعرف بالمحتوى الذي لا يمكن الثقة به، كونه نابعاً من خبرة شخصيّة ومعارف شخصية لا يمكن تعميمها على السوق.

من النصيحة إلى "التنمية البشريّة"

يمكن القول إن المحتوى الخاص بالعملات الرقميّة أصبح شديد التنوع، وكله يحاول أن ينفي عن نفسه صفة النصيحة المالية أو الاستثمارية، وهو ما يتركنا أمام محتوى متنوع في جدّيته، ومن الصعب التيقن منه، بل يمكن القول: تحوّل هذا المحتوى نفسه إلى جزء من صناعة المحتوى الرقمي، لا الاستثمار نفسه، أي هناك الآن نموذجان: الاستثمار في العملات الرقميّة، والحديث عن الاستثمار في العملات الرقميّة. الأول قائم على التعامل مع المنصات المختلفة وقراءة تغيّرات السوق، والثاني قائم على الحديث عن السوق وتغيّراته.

يبدو التقسيم السابق غامضاً، لكن البحث عبر مواقع التواصل الاجتماعي يدلّنا مثلاً على شخصيات غامضة تقوم بجولات في أوروبا للحديث عن العملات الرقميّة، وكيفية الاستثمار فيها، ضمن نموذج نعته البعض بـ"التنمية البشريّة"، أي الرهان على الزيف والانتشار في وسائل التواصل الاجتماعي من أجل الكسب، لا من العملات، بل من النصيحة نفسها، وهذا بالضبط ما يجب الحذر منه، كما في المؤتمر الذي عُقد في كل من ستوكهولم ومالمو للحديث عن "عالم الاستثمار، والتكنولوجيا،والتداول، والذكاء الاصطناعي، وعالم الأونلاين بزنس". 

الشأن الآخر اللافت للاهتمام، هو بروفايل الأشخاص الذي يروّجون للعملات الرقميّة، وهنا لا بد من الأخذ في عين الاعتبار الخبرة؛ هل نسمع من شاب نصائح عن شأنٍ تعلّمه عبر "الوثائقيات"، كحالة راكان خليفة ذي الـ25 عاماً (197 ألف متابع على إنستغرام)، الذي ترك عمله في كندا بعد إصابته في النادي الرياضي حيث يعمل، واكتشف وهو في أثناء التعافي في المنزل، كيف "تعلّم عبر اليوتيوب" كيفية التداول. 

قصة النجاح الفرديّة هذه تحمل نوعاً من الرومانسيّة والغواية، كونها قصة نجاح عصاميّة، عن شاب غيّر "إيفينت" رسوم حضوره 300 دولار، حياة راكان خليفة الذي قرر الدخول في عالم "الاستثمار" بعد محاضرات عدة، ثم كيف تحول إلى "أصغر قائد ومستثمر ومتداول من أصول عربية يعيش في كندا"، حسب وصف بعض المنصات المغمورة، من دون أن نعلم بدقة ما الذي يتداوله، خصوصاً أن اسمه مرتبط بالعملات الرقميّة بصورة غامضة.

لا بد من الحيطة والحذر في التعامل مع صناع المحتوى الخاص بالعملات الرقميّة، خصوصاً حين النظر إلى الخبرة ومصدرها، وكيف تنقلب حياة الشخص، فصناعة المحتوى الخاص بالعملات الرقميّة، وتحديداً إن كان يحمل صيغة النصائح الاستثمارية وإدارة الأصول الرقميّة، ذو نتائج وخيمة في بعض الأحيان في حال كان احتيالاً، إذ خُطف مثلاً آيدن بليترسكي ذو الـ23، بعد أن احتال على المستثمرين بقيمة 29 مليون دولار، وعذّبه خاطفوه لمدة ثلاثة أيام ثم أطلقوا سراحه.

تلاشي الحدود بين العالمي والمحلي

نركز في الحديث على العالمي والمحلي/ العربي، كوننا في عالم شديد الترابط، وإفلاس أو احتيال واحدة من شركات أو منصات العملات الرقميّة، يمسّ كل المستثمرين بغض النظر عن جنسياتهم وأماكن تواجدهم، فانهيار منصة FTX مثلاً، تسبب في خسائر في كلّ من مصر، والإمارات العربيّة المتحدة، والمغرب العربي والسعودية وتركيا.

لا مركزية العملات الرقمية وأسلوب النصائح الخاص بتداولها واستثمارها، مساحة خطرة، ولا بد من التفكير والبحث قبل المجازفة، سواء كنا نتحدث عن "نصائح الاستثمار" أو المحتوى الترويجي لكيفية الاستثمار و"تغيير نمط الحياة"؛ كلاهما يحملان مخاطر، والثقة مهما كانت عاليةً بأي شخص، لا بد من البحث وراء ما يقول، والتأكد من معلوماته ومصادره أكثر من مرة، و"تعلّم" كيفية التداول قبل تنفيذ النصيحة مباشرةً، خصوصاً أنها "نصيحة" أي تحتمل الخطأ والصواب.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image