"وأرْحامنا ساعات يِقْسى ويِوْجَعنا"؛ عبارة ردّدتها المطربة أنغام في أغنية بعنوان "في غمضة عين"، مفادها أنّ أرحامنا كفتيات ونساء، تقسو علينا في فترات مُحدّدة من حياتنا.
فنحن نشعر بانقباضات عضلات الرحم في أثناء الدورة الشهريّة، مما يُسبّب لنا آلاماً حادّةً، وكذلك في أثناء فترة الحمل، وانقباضات مرحلة الولادة أيضاً، كما أنّ هناك العديد من الفتيات والنساء اللواتي يشعرن بتلك الانقباضات والآلام جرّاء الإصابة بأمراض مُستعصية التّشخيص أحياناً.
فهل تنجح جراحة مناظير أمراض النّساء في فتح آمال وآفاق جديدة أمام هؤلاء من أجل حياة بلا ألم، وصحة إنجابيّة جيّدة؟
الجذور التاريخية لجراحة مناظير أمراض النساء
منذ عهد الإغريق، شُغف الأطباء برؤية الأجهزة الداخليّة في جسد المريض/ ة، لزيادة القدرة على تشخيص الأمراض ووصف العلاج.
كانت أوّل محاولة اختراع منظارٍ في العام 1800، على يد العالم الألماني باوزيني، وكان أوّل منظارٍ يعمل بضوء الشمعة لفحص الأنف والشرج.
في عام 1865، ابتكر العالم الإيطالي بانتليوني، أول منظار رحميّ، وكان عبارةً عن أنبوب ذي فتحة صغيرة من المهبل وعنق الرحم ثمّ إلى داخل تجويف الرحم، باستخدام إضاءة بواسطة شمعة لمحاولة اكتشاف ما في داخل الرحم.
"وأرْحامنا ساعات يِقْسى ويِوْجَعنا"؛ عبارة ردّدتها المطربة أنغام في أغنية بعنوان "في غمضة عين"، مفادها أنّ أرحامنا كفتيات ونساء، تقسو علينا في فترات مُحدّدة من حياتنا
في العام 1944، وضع الفرنسي راؤول بالمر، مرضاه في وضع ترندلنبورغ؛ أي وضع الرأس في مستوى أدنى إلى الأرض من باقي الجسم، وتحتفظ القدم بالمستوى الأعلى، وقام أيضاً بنفخ التجويف الباطنيّ، باستخدام بعض الغازات، وتمكّن من استخدام مناظير البطن في تشخيص وعلاج بعض أمراض النّساء.
بين عامي 1963 و1964، قام البرتغالي فرناندو ألفيس مارتينيز، باختراع أوّل منظار من الألياف البصريّة، وفي العام 1981، تمت إضافة تلك الألياف البصريّة الزجاجيّة من دون الخوف من إصابة الأعضاء الداخليّة للمريضة.
في العصر الحالي، حدثتْ طفرةٌ في عالم مناظير النساء، فتطوّرت إلى أجهزة حديثة باستخدام التليسكوب والفور ديفينيشن والليزر، وكلها وسائل تمكّنت من اختراق جدار الرحم وعلاج الكثير من أمراض النساء الحَرِجة والمُستعصية.
وتشير العديد من الدراسات إلى أنّ جراحة مناظير النساء قد أثبتت فاعليّةً وكفاءةً عاليتين في علاج الكثير من أمراض النساء، كحالات النّزيف المستمرة الناتجة عن أمراض عدّة، حالات نقص الخصوبة، وكذلك حالات الإجهاض المتكررة وغيرها.
في حديثه إلى رصيف22، كشف البروفيسور أسامة أحمد شوقي، وهو أحد المُطوّرين لجراحة مناظير النساء على مستوى العالم، ويعمل أيضاً أستاذاً في كليّة طب القصر العينيّ في جامعة القاهرة وعضو مجلس إدارة الجمعيّة الدوليّة لجراحة المناظير، عن دور هذه الطّفرة الهائلة، في خلق آمال جديدة لدى العديد من الفتيات والنساء.
في البداية، لماذا اخترتَ جراحة مناظير أمراض النساء تحديداً؟
نشأتُ في عائلةٍ بين ثلاث نساءٍ؛ أمي وأخواتي البنات. تأثرتُ بهنّ جداً. كنتُ أرى دائماً وما زلت أنّ المرأة كائن مقدّس تستحقّ الحياة بمتعة من دون أدنى ألم أو عذاب. كان حلمي أن أصنع لها كلّ الأشياء التي تمنع عنها قسوة الألم، كما أنني كنت مُغرماً بالأدب النسائيّ منذ طفولتي إلى حدّ كبير؛ وهو ما جعلني أُدرك جيداً سيكولوجيّة المرأة وتحديداً مشاعر الخوف، الألم، الحزن، وكذلك المعاناة لديها، ولذلك عندما التحقتُ بكلية الطب، قرّرتُ امتهانَ طب النساء والتوليد، كما قررتُ أن أُفني ذاتي في عملي من أجل إسعاد كلّ النّساء والفتيات.
ما هو أولّ جهاز ابتكرتَه ضمن جراحات مناظير النّساء؟
أول جهاز لي، كان عبارةً عن منظار باطنيّ يُصنّع حتى الآن في مؤسّسة ألمانيّة عريقة. كانت تجربةً ممتعةً وضعتني على أوّل سُلّم جراحة مناظير النّساء. حققتْ لي الفكرة سمعةً طيبةً وعريقةً بين أطباء النساء والتوليد كطبيب مصريّ شاب آنذاك، وإلى الآن يتم استخدام هذا المنظار في غرف العمليات على مستوى العالم بأسره.
ما هو منظار الرحم الذي ابتكرته؟ وكيف يعمل؟
فكرة المنظار الأساسيّة موجودة منذ أعوام عديدة، وما قدّمته هو تطوير وإدخال تقنيات جديدة على الفكرة المتوارثة المعروفة. منظار الرحم الذي طوّرته هو عبارة عن مضخّة pump، تقوم بضخّ سائل شفّاف يعمل على فتح الرحم بسهولة، كما أنه مزوَّد بتيليسكوب بأقطار وأحجام ومقاسات وتصميمات مختلفة لكل جهاز؛ فيسهل معه استكشاف ما في داخل التجويف الرحميّ من خلال عدسة قادرة على اختراق تجويف الرحم بكل سهولة وبلا ألم، وأحياناً تتم العمليّة من دون مخدر موضعي أو بنج، كما طوّرتُ أيضاً مناظير رحم عدة قادرة على إزالة الأورام الليفيّة من جذورها.
كذلك تصحيح بعض التشوّهات والعيوب الخلقيّة كالحاجز الرحميّ، الذي يُسبّب الإجهاض المتكرر للسيّدة، والنتوءات والأورام الليفيّة التي تسبب النزيف الحاد المستمر.
فقديماً، كانت هناك صعوبة كبيرة في جراحة تلك الأورام. كانت العملية تتم عن طريق شق بطن المريضة وكذلك شق الرحم، لاستخراج الورم الليفيّ. وفي نهاية العملية، يقوم الطبيب/ ة بخياطة الأعضاء الداخليّة للبطن ثمّ البطن كاملةً. أما الآن، فيتمّ الدخول بواسطة ذلك المنظار من خلال فتحة صغيرة في عنق الرحم، ومن ثمّ يسهُل الوصول إلى تجويف الرحم لرؤية ومعالجة هذه الأورام بسلاسة وفعاليّة كبيرة. خلاصة القول، إنّه بناء متكامل من مناظير النّساء لتسهيل إجراء جراحيّ داخل تجويف الرحم من دون شق البطن.
هل صادفت حالات مستعصيةً لفتيات؟
نعم، كانت هناك حالة لفتاة عذراء تُسمى "لحميّة داخل تجويف الرحم"، وهي مُتدلّية من غشاء البكارة، تُسبّب للفتاة نزيفاً حادّاً طوال الشهر، وهي عبارة عن نتوءات لحميّة عدة، وقد امتنع الكثير من الأطباء عن القيام بهذه العملية، تخوفاً من تمزّق غشاء البكارة الذي ما زال حتى الآن بمثابة هاجس للكثير من المجتمعات الشرقيّة والعربيّة. ولو تُركت تلك اللحميّة، فسوف تسبب تمدداً كبيراً لغشاء البكارة. ولكن عن طريق التّقنية المتطوّرة التي ابتكرتها، يتم الدخول إلى تلك اللحمية وانتزاعها بشكل جذري من جذورها، والحفاظ على غشاء البكارة من دون أدنى تمزّق أو ألم. ومن خلال هذه الحالة تحديداً، أستطيع القول إنّ منظار الرحم قدّم طفرةً جديدةً وثورةً في علاج أمراض النساء عامةً.
هل صادفتَ حالات مستعصية العلاج لسيدات أيضاً؟
نعم، هناك حالة لسيدة تدعى "متلازمة إشرمان"، وتعني التصاقات جدار الرحم؛ وهي متلازمة خطيرة، أصفها بأنها كابوس لكلٍّ من الطبيب/ ة والمريضة على حدٍّ سواء. فتقنية جراحة المنظار في هذه الحالة، من أصعب ما يكون وتحمل كمّاً كبيراً من التحديات، لكن باستخدام التقنية المتطوّرة لديّ، تمّ الوصول إلى تجويف الرحم بسهولة من أجل إزالة تلك الالتصاقات، وتستطيع السيدة الحمل بعد ذلك بطريقة طبيعيّة.
هل ما زالت مناظير جراحة النساء عاجزةً عن علاج بعض أمراض النساء؟
بشكل عام، نجحت جراحة مناظير النساء في فتح آفاق جديدة لدى فتيات وسيدات، من أجل صحة إنجابيّة جيدة، ولكن هناك القليل من العيوب الخلقيّة كالرحم الطفيليّ الذي لا تستطيع جراحة المناظير تصحيحه أو علاجه، كما أنّ هناك بعض الأمراض مثل سرطان عنق الرحم الذي لا يتم علاجه بالمنظار، أما الحل الجذري والأمثل له فهو الاستئصال.
إنّ جراحة المناظير قد فتحت آفاقاً جديدةً أمام الكثير من الفتيات والنّساء على مستوى العالم بأسره من أجل العيش من دون ألم والتّمتع بصحة إنجابيّة مثاليّة
أما بطانة الرحم المهاجرة حالياً، فيتم علاجها بسهولة عن طريق الأدوية، من دون تدخّل جراحيّ إذا كان حجم الكيس لدى السيدة أقل من 6 سم، أما إذا كان حجم الكيس أكبر من ذلك، فيصبح التدخل الجراحيّ واجباً في هذه الحالة عن طريق المنظار الباطنيّ وليس منظار الرحم.
وبالنسبة إلى حالة انسداد قناة فالوب، والتي تؤدي إلى تأخّر الحمل، فقد أصبح العلاج الأمثل لها هو الحقن المجهريّ بدلاً من التدخّل الجراحيّ بالمنظار.
في الختام، يمكن القول إنّ جراحة المناظير قد فتحت آفاقاً جديدةً أمام الكثير من الفتيات والنّساء على مستوى العالم بأسره من أجل العيش من دون ألم والتّمتع بصحة إنجابيّة مثاليّة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...