أطلقت فرقة زنوبيا بقيادة ناصر حلاحلة (ملحّن وكاتب ومنتج موسيقي)، وعصام إلياس (عازف كيبورد)، ألبومها الموسيقي الجديد تحت عنوان "البطلات لا يمتن". بدأت قصة الألبوم تتبلور في فترة كورونا، حين توقفت فجأةً العروض والحفلات، وأخذ السؤال حول تسمية الفرقة بهذا الاسم يتبادر إلى أذهان المؤسسَين، وقد جاء العنوان من فكرة أنّ الملكة زنوبيا لم تمت، بل انتقلت إلى بعدٍ آخر، بُعد البطلات والمخفي عن عيون البشر.
وبعد بحثٍ طويل عن صدى صوت زنوبيا وخلودها في المنطقة العربية، وجد الموسيقيان آثارهما في الفلوكلور الفلسطيني، في غناء نساء فلسطين، في كلّ تفصيلة فيه؛ الكلمات، اللحن، وصف الحالة، العُرَب والموسيقى، وهنا قررت الفرقة إعادة إحياء هذا التراث وهذه الأغاني من خلال صوت زنوبيا ورؤيتها.
رحلة الألبوم كانت طويلةً من خلال التنقّل والبحث والغوص في الفلوكلور الشامي والفلسطيني، وقراءة القصص والأبحاث والدراسات حول هذا الفن، وزيارة مكتبات وتجارب واختبارات في كلّ من بلجيكا وفرنسا وفلسطين.
خلال هذا المقال، نسلّط الضوء بشكلٍ أكبر على رحلة الألبوم، سبب التسمية، الأفكار النّسويّة فيه، الموسيقى المجددّة، والطريق التي بسببها خرج إلينا هذا التوزيع الجديد لأغانٍ نعرفها سابقاً بشكلٍ آخر.
من أين أتت التسمية؟
يأتي اسم الملكة زنوبيا كثيمة تدلّ على توجّه الفرقة النّسويّ، من خلال اختيارها اسماً بارزاً في تاريخ النساء في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي. هذا التّوجه يفتح باب السؤال عن سبب اختيار هذا الاسم وعن توجّه الفرقة واختياراتها.
يأتي اسم الملكة زنوبيا كثيمة تدلّ على توجّه الفرقة النّسويّ، من خلال اختيارها اسماً بارزاً في تاريخ النساء في منطقة الشرق الأوسط والعالم العربي
خلال مقابلة حصرية مع رصيف22، يقول ناصر حلاحلة: "بعد إصدار ألبومنا الأول الذي كان تحت عنوان 'هلك هلك'، وخلال جائحة كورونا وتوقف العروض والحفلات، صار لدينا الوقت أكثر لنفكّر في مشروعنا ونتعمّق فيه؛ ما هو نوع الموسيقى التي ننتجها؟ ما هي قصة الاسم؟ وما هي هويتنا كمشروع كامل؟ من خلال طرح هذه الأسئلة أدركنا أنّ الفرقة تأخذ توجهاً نسوياً واضحاً، وحتى أعمالنا السابقة كانت توحي بذلك، فقد اخترنا العمل على مشروع سابق عبارة عن تحية للمطربة سميرة توفيق".
يكمل ناصر شارحاً حول اختيار الاسم للفرقة: "زنوبيا هو اسم ملكة من بلاد الشام العربية، ونحن نرى التشابه بينها وبين موسيقانا، كون الأخيرة تشبه المرأة من حيث التنوّع والليونة والمقدرة على التكوّر في اتجاهات عدة وغيرها من الاستنتاجات. من جهة ثانية، كان لدينا الوقت الكافي للتعمّق في الموروث الثقافي الشامي وبالأخص الفلسطيني، وخلال مرحلة معيّنة من البحث فهمنا أن زنوبيا بطلة، وأن البطلات لا يمُتن، وبإيماننا بأنّ البطلات لا يمُتن (كون نهاية زنوبيا كانت غير واضحة وتم تأويلها على احتمالات عدة)، وبوجود الفولكلور الفلسطيني الذي عزّز هوية المرأة في الأغاني الشعبية، حيث هناك أغانٍ كاملة لم تغنِّها سوى النّساء، بدأنا البحث وتجميع هذه الأغاني والعمل على توزيعها بصورتها الجديدة. هنا تشكّلت نهائياً فكرة الألبوم، حين وجدنا أنفسنا نتفاعل مع هذه الأغاني، وهو الموضوع الذي احتاج وقتاً طويلاً من البحث والعمل".
قصص أغاني الألبوم
جاء اختيار الأغاني للألبوم لتحمل ثيمةً نسويةً نضاليةً، تعبّر عن اسم الفرقة والألبوم على حد سواء، فأغاني مثل: "حيّد عن الجيشي"، "قولوا لأمه"، "يا يما" و"الترويدة"، هي أغانٍ شعبية شهيرة تم استخدامها لسنوات لتخدم المنطقة والحالة الفلسطينية النّسويّة والشعبيّة أيضاً.
أما عن قصة كلّ أغنية على حدة، وهو الأمر المهم معرفته في خلفية الألبوم الثقافية والغنائية وتوجهه السائد ورؤيته، فقد كانت كالتالي: "حيّد عن الجيشي" الأغنية الشعبية الّتي اشتهرت في أربعينيات القرن الماضي وتمت إعادة توزيعها بأصوات العديد من الفنانين الشباب اليوم، وتحكي الأغنية قصة حب بين حسناء وغبيشي هربا من قبيلتهما ليتزوّجا، ويتم غناؤها في الأفراح والأعراس.
أما أغنية "قولوا لأمه" الّتي بدأت تُغنّى في الأفراح الفلسطينية قبل النكبة، فقد انتقلت اليوم لتمثّل رمزاً للأغاني التي تتم تأديتها فوق رؤوس أمهات الشهداء في فلسطين.
أغنية "يا يما"، وهي أغنية حب مباشرة، تتحدث عن مباهج تأسيس أسرة. أما أغنية "الترويدة" فقد كانت تُستخدم من قبل النساء منذ أيام الانتداب البريطاني في ثلاثينيات القرن الماضي كوسيلة نقل رسائل مشفّرة بين السّجناء السياسيين وقراهم، ويتضمن التشفير تبادل الرسائل من خلال الكلمات.
أصوات نسائية وتوزيع جديد
جاء إصدار الألبوم بعد اختيار أصوات نسائية فلسطينية للعمل على إعادة غناء الأغاني والأهازيج، وقد تم اختيار الفنانات لتتناسب أصواتهنّ مع الرؤية الجديدة لزنوبيا من حيث التوزيع الموسيقي واللّون والشّكل. يقول ناصر: "تكمن أهمية التوزيع الجديد لهذه الأغاني أو رؤيتها في طرحها بشكلٍ مختلف، بشكلٍ يمنحها منطقةً جديدةً بالإضافة إلى العادية، ومن ناحية إنتاجية جزء كبير من جمهور زنوبيا من الأجانب ومن مناطق مختلفة حول العالم، ومنهم من يكتشف للمرة الأولى الأغاني والفن الشعبي الفلسطيني، وهذه رسالة مهمة بالنسبة لنا نرغب في التركيز عليها".
جاء الألبوم "البطلات لا يمتن" ليحيي دور النساء الفلسطينيات في حقبة تاريخية حاسمة ومهمة، مسلّطاً الضوء على جانبٍ مهم من دورهنّ في المنطقة
وأما عن الأصوات والفنانات اللواتي تم العمل معهنّ على إصدار هذه الأغاني فيقول ناصر: "يتم تنفيذ الأغاني من قبل 4 فنانات فلسطينيات، كل واحدة أدّت أغنيةً مختلفةً عن الأخرى، وهنّ: رولا عازر، سما شهوك، دنيا القرواني ورينا قردوش. تم اختيارهنّ لتناسبهنّ مع الرؤية والطرح الجديد الذي جاء به الألبوم".
إحياء دور المرأة الفلسطينية من خلال الأغنية الشعبية
في ظل عدم بروز دور المرأة الفلسطينية بشكلٍ كافٍ في التاريخ الفلسطيني الشعبي والشفوي والمكتوب، والتركيز على دور الرجل، خاصةً في ظل النكبة والاحتلال المفروض ودور الرجال عامةً في هذه السيرورة للشعب الفلسطينيّ، جاء الألبوم "البطلات لا يمتن" ليحيي دور النساء الفلسطينيات في حقبة تاريخية حاسمة ومهمة، مسلّطاً الضوء على جانبٍ مهم من دورهنّ في المنطقة.
يقول ناصر عن سبب اختيار الأغاني التي كانت تغنّيها بالذات النساء الفلسطينيات في الأفراح: "تجارب النساء بشكل عام مهمة جداً، وتجارب النساء الفلسطينيات مهمة وغنية جداً، ولها سمة إضافية، سمة إبداع وخَلق، والأغاني هي زاوية مهمة في الفلوكلور ومن واجبنا تسليط الضوء عليها أكثر، فمن خلالها نرى المرأة الفلسطينية بكامل جمالها من خلال اللحن، الكلام، المواضيع والمفردات، التي تعطي زاويةً مميّزةً نطل من خلالها على النساء الفلسطينيات خصوصاً في فترات سابقة. من المهم لنا كفريق، إيصال هذا الصوت وهذه الفكرة، وأن تكون المشاريع الخاصة بنا صاحبة رسالة حقيقية وليست فقط للتسلية وقضاء الوقت".
وعن إحياء فكرة الأغاني التي غنّتها نساء فلسطين بأصوات نسائية يضيف ناصر: "أتمنى أن يحرّك مشروعنا فنانين آخرين في المنطقة وفي مجالات مختلفة لتسليط الضوء على دور المرأة الفلسطينية في الأدب والفنون الشعبية، لأنّ التاريخ مليء بالتجارب والحكايات ومن واجبنا الحديث عنه أكثر".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون