نشرت هذه المادة بالاتفاق مع "مواطن"
أن تكون صحافياً ناقداً ومستقلاً في الخليج، فأنت إما تحت المراقبة، أو تحت التهديد المستمر، وبلا شك ستدفع ثمناً باهظاً وتعيش وضعاً محفوفاً بالمشكلات والمخاطر.
هكذا هو الوضع؛ عقاب أبدي عبر التسجيل على قوائم المنع والدخول بين دول الخليج، ويوزّع اسمك على شبكة إلكترونية مشتركة بين دول مجلس التعاون الخليجي، تندرج ضمن الاتفاقية الأمنية والتعاون الأمني المشترك.
وبموجب قرار وزراء الداخلية في دول الخليج في اجتماعهم التاسع والعشرين، تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2010، تم تحديث وتطوير الاتفاقية الأمنية لدول مجلس التعاون، وهي عبارة عن مواد قانونية تعالج قضايا التعاون الأمني بين دول المجلس، وأصبحت سارية المفعول بعد مصادقة معظم الدول الأعضاء عليها.
تعززت هذه القوائم بصورة أكبر بعد أحداث الربيع العربي عام 2011، وعُممت بشكل أوسع في 2012، لتستمر حتى اليوم في مضايقة الصحافيين. وحتى لو تبدل حال الصحافي، وعمل في وظيفة أخرى، فسوف يبقى هذا الأمر يلاحقه حتى الموت، ويؤثر على خياراته في الحياة.
وتنقسم الاتفاقية إلى أقسام عدة تتعلق بالتنسيق الأمني، وضبط الحدود، والتعاون في مجال الإنقاذ، والالتزامات المتعلقة بتسليم الأشخاص، كما تدعو الاتفاقية دول مجلس التعاون إلى تسليم الأشخاص الموجودين في إقليمها الموجّهة إليهم اتهامات، أو المحكوم عليهم من السلطات المختصة لدى أي منها.
صحافي مستقل أم مجرم يهدد الأمن القومي؟
إذا كنت صحافياً بحرينياً، وأردت الدخول إلى السعودية والإمارات والكويت، فسيتم توقيفك، لإدراج البحرين أسماء الصحافيين والأطباء ورجال أعمال وغيرهم، بسبب اختلاف في الرأي أو العقيدة المذهبية أو العرق.
يقول صحافي بحريني، فضّل عدم ذكر اسمه: "حين أذهب إلى السعودية عبر طريق جسر الملك فهد، يتم توقيفي عند جمارك السعودية، ويُطلب مني إيقاف سيارتي في الجهة الأخرى، ويؤخذ جواز سفري من دون تعليق لأن الموظف يذهب ويستفسر عني".
"هناك قوائم أمنية تستهدف الناشطين والحقوقيين والصحافيين والمدوّنين والمعارضين السياسيين، تضيّق عليهم التنقل في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، والدول العربية بشكل عام"، حسبما أكد الناشط الحقوقي البحريني، سيد يوسف المحافظة
ويكمل مازحاً: "السبب أني لست صحافياً، ولكن مجرم يهدد الأمن القومي أو ضد النظام... المسميات كثيرة وكبيرة والتهم جاهزة".
ويضيف: في هذه الفترة أبقى جالساً في صمت، من دون أي إجابة عن سؤالي المتكرر حول سبب توقيفي إلى أن يتفضل الضابط، لو رغب في الرد، فيقول: "آه طلعت صحافي، اسمك مسجل في قوائم أمنية منذ العام 2012. وسوف يتم إيقافك كل مرة تأتي فيها إلى السعودية برّاً وجوّاً وبحراً".
في آخر زيارة إلى المملكة، برر الصحافي رغبته في دخول السعودية بالقيام بالحج هذا العام، فردّ الضابط: القوائم جاءت من البحرين، وتالياً نحن نؤدي عملنا، وما يؤمر من الضابط المناوب ننفذه، سنسمح لك بالمرور أو بالعودة إلى البحرين، متى يصلنا القرار بذلك".
ويستطرد: "سمح لي بالمرور في النهاية بعد الإيقاف الطويل، لكن عند العودة، تم توقيفي مرةً أخرى، وسلمت جوازي إلى موظف الجمارك في الجانب السعودي على جسر الملك فهد".
التوقيف كان لثلاث ساعات تقريباً، "وتسنت لي مشاهدة أعداد ليست بقليلة من البحرينيين الذين يتم توقيفهم بتلك الصورة المهينة وإهدار وقتهم، رجالاً ونساءً، ومن مختلف الأعمار".
ويكمل: "طُلب مني التوقيع مع زميلي على ورقة بأننا دخلنا السعودية بتاريخ ووقت محددين، ثم خرجنا الآن بالتاريخ والوقت... وبعدها أذِن لي الضابط بالذهاب، وعندما وصلت إلى جمارك البحرين، لم يكن هناك أي توقيف أو إهانة أخرى تنتظرني لمجرد أنني صحافي"، هذا الأمر في سفريات الصحافيين من الخليج، بالأخص البحرينيين.
"هناك قوائم أمنية تستهدف الناشطين والحقوقيين والصحافيين والمدوّنين والمعارضين السياسيين، وتضيّق عليهم التنقل في دول مجلس التعاون الخليجي بشكل خاص، والدول العربية بشكل عام". حسب ما أكد الناشط الحقوقي البحريني، سيد يوسف المحافظة.
ويضيف المحافظة: "هذه القوائم لا تؤثر على حرية الصحافة فقط؛ إنما تؤثر على الحقوق الأساسية للأفراد؛ ففي الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لكل شخص حرية التنقل، وأيضاً هذا موجود في جميع دساتير دول مجلس التعاون، ولكن ما يحدث هو انتهاك لحرية تنقل الفرد وانتهاك لحقوق المواطنة"، مشيراً إلى أن "فضيحة بيغاسوس شملت في قوائمها أسماء من البحرين؛ المنع من العمل، المنع من السفر".
أزهى عصور الحرية في البحرين!
في 14 أيار/ مايو 2023، كانت "جائزة رئيس مجلس الوزراء للصحافة" في دورتها السابعة، والحفل شهد حضور الوزراء وكبار المسؤولين، والصحافيين والإعلاميين، احتفالاً بيوم الصحافة البحرينية في 7 أيار/ مايو؛ حيث يكرّم الصحافيون والعاملون في حقل الصحافة، وتقدّم جوائز رئيس مجلس الوزراء للصحافة.
ويضيف الصحافي الذي تحفظ على ذكر اسمه: وعقب الاحتفال تخرج المانشيتات عن حرية الصحافة في البحرين، مع صور مسؤولين يبتسمون على الكذبة الكبيرة التي صنعوها. "التصريحات الرسمية في البحرين تعكس حال تزييف واقع الصحافة في البحرين وتقييده بسلطة أمنية وعسكرية، ولا يخرج من توجه الإعلام الواحد، الذي لا يقبل سوى صورة تجميلية واحدة لمشهد صحافي وإعلامي ميت".
وبعد أن كان المناخ الصحافي حيوياً في البحرين منذ 2002، ازداد التضييق من قبل السلطات في منتصف العقد الثاني من الألفية، وهو ما يؤكده الناشط الحقوقي سيد يوسف: "الصحافة في البحرين أصبحت موجهةً وصاحبة لغة واحدة بعد غلق صحيفة الوسط في حزيران/ يونيو 2017، الصحيفة الوحيدة التي كانت مستقلةً وحرةً في الطرح على مستوى البحرين والخليج".
وواجهت اتفاقيات التطبيع التي وقّعتها البحرين مع "إسرائيل" رفضاً شعبياً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الرفض لم يظهر بأي شكل من الأشكال في وسائل الإعلام المحلية خلال العام 2022.
ليصبح الأمر عبارةً عن بروباغندا إعلامية وأصوات تردد عن مكاسب عصر الحريات في البحرين، وبيانات تؤكد أن من بين السنوات الأخيرة، تعيش البحرين فترتها الأزهى على مستوى الحريات!
مثل هذا النموذج جاء في بيان وزير الإعلام البحريني رمزان النعيمي: "تجسد ما وصلت إليه الصحافة البحرينية من تطور وازدهار بفضل الدعم السامي من الملك حمد بن عيسى آل خليفة، ملك البلاد المعظم، ومشروع جلالته التنموي الشامل الذي جعل الصحافة في مملكة البحرين تعيش أزهى وأرقى عصور الحريات، ووفر لها المرتكزات لتمارس رسالتها النبيلة في خدمة قضايا الوطن ومكتسباته بكل حرية وانفتاح".
وإن تكرار مثل هذه التصريحات المتزامنة مع يوم الصحافة سواء العالمي أم البحريني، يعكس جانباً آخر لدور ما يُعرف بمركز الاتصال الوطني وتفاقم دوره في العام الماضي وصولاً إلى اليوم؛ إذ يهندس التصريحات بالحجم والصورة والتوجه المطلوب، كما وصفه التقرير السنوي لرابطة الصحافة البحرينية بأنه "يمثّل تحدياً آخر؛ بل خصماً جديداً للإعلام وحرية الصحافة، خاصةً الصحافة المكتوبة".
وعلى الرغم من أن إنشاء هذا المركز يعود إلى العام 2016، لأغراض توحيد الخطاب الإعلامي الحكومي، إلا أن دوره أخذ يتنامى بشكل مطرد، وأصبح يتحكم حالياً في صياغة المقابلات وفي عناوين الأخبار، ما جعل الصحف تتشابه من ناحية المحتوى، وكأنها عرض صحافي واحد بمسميات مختلفة.
وأشارت رابطة الصحافة البحرينية، التي تشكلت في لندن بعد العام 2011، في ظل غياب العمل النقابي للصحافيين في تقريرها السنوي، الذي حمل عنوان "الجزيرة الميتة"، إلى أن المؤشرات البارزة التي تم رصدها خلال العام 2022، هي ازدياد الشكاوى التي تقوم برفعها وزارة التربية والتعليم ضد منتقديها، إذ إن معظم الاستدعاءات والمحاكمات التي انعقدت لمواطنين بتهمة "إهانة هيئة نظاميّة"، كانت تخصّ وزارة التربية.
أشارت مراسلون بلا حدود في تقريرها السنوي 2023 إلى أن الصحافة "لا تزال تئن تحت وطأة السيطرة الخانقة في الشرق الأوسط؛ سواء على أيدي الأنظمة الاستبدادية، أو بفعل الرقابة التي تفرضها على وسائل الإعلام"
وواجهت اتفاقيات التطبيع التي وقّعتها البحرين مع "إسرائيل"، رفضاً شعبياً واسعاً عبر منصات التواصل الاجتماعي، لكن هذا الرفض لم يظهر بأي شكل من الأشكال في وسائل الإعلام المحلية خلال العام 2022.
وكان هناك أمل كبير وما زال، بحصول تغيير مع مجيء رئيس وزراء جديد لديه صلاحيات واسعة، لكن ذلك لم ينعكس حتى الآن بأي شكل على واقع الصحافة والإعلام أو الحريات بشكل عام؛ إذ إن العجلة تسير إلى الوراء بصورة جلية، في ظل وجود سلطة رابعة موجهة وغير مستقلة.
وتتبوأ البحرين اليوم، أدنى المؤشرات الدولية المتعلقة بحرية الرأي والتعبير والحريات السياسية، إذ حلّت في المرتبة الأخيرة على مستوى دول الخليج الست في مؤشر حرية الصحافة السنوي الذي تصدره منظمة "مراسلون بلا حدود" خلال العام 2022.
وأشارت "مراسلون بلا حدود"، في تقريرها السنوي 2023، إلى أن الصحافة "لا تزال تئنّ تحت وطأة السيطرة الخانقة في الشرق الأوسط؛ سواء على أيدي الأنظمة الاستبدادية، أو بفعل الرقابة التي تفرضها على وسائل الإعلام؛ إذ يُعدّ وضع حرية الصحافة 'خطيراً للغاية' في أكثر من نصف دول المنطقة".
وصلت البحرين إلى الترتيب 171 من ضمن 180 دولةً، وهو مستوى متدنٍ في التصنيف العالمي، وجاءت الرقابة والتجسس المستمر على الصحافيين، كأساليب للسيطرة على الصحافة في البحرين أو دول الخليج.
وحتى تعدّل من ذلك التصنيف المتدني، البحرين مطالبة برفع قوائم المنع الأمنية للصحافيين في دول مجلس التعاون الخليجي، الذين يتعرضون على الدوام، إما لرفض الدخول، أو الاحتجاز لساعات ويعاملون كالمجرمين، وهو ما يُعدّ ضد حقوق الإنسان ومنها حق التنقل.
وعليها أيضاً التخلي عن احتكار السلطة للإعلام التلفزيوني والإذاعي والمكتوب، لتجمل الصورة التي هرمت وترهلت من كثرة ممارسات القمع؛ فمع استمرار التضييق على الصحافيين والصحافة خلال السنوات الأخيرة، وصل الأمر في البحرين، إلى خلوّ الساحة تماماً من تغطية أحداث مهمة ومشكلات خاصة بالمواطنين، ما أدى إلى ارتفاع إعلام المنوعات، كأثر طبيعي لعدم السماح بأي تواجد لصحافة حرة أو مستقلة، ولا يختلف كثيراً وضع الصحافيين عن وضع مهنتهم في البحرين اليوم.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.