هوليوود سينما تبشيرية بالموت، تلعب في العالم، وخصوصاً في ما يخص الذكاء الاصطناعي، فبعد مرحلة القدرة على تطويع الأركان الأربعة وغيرها من المعادن التي تماثل الأساطير والآلهة عبر أشخاص كل واحد له قدرة تطويع للمعادن أو النار أو الماء أو الجليد كأفلام "مارفل" والتي تستبطن القوة والسيطرة على الطبيعة، أتت اليوم مرحلة الذكاء الاصطناعي. كانت هذه السينما تصور لنا كيف أن هذه التكنولوجيا والآلة تتطور وتنقلب على الإنسان، أو أن يقوم بعض العلماء الأشرار بتوظيفها لتدمير البشرية، ما يضع العالم كله بتحالف ضدها تحت قيادة المخلص/السوبرمان-أمريكا، الدولة التي تدير العالم.
كانت هذه السينما تصور لنا كيف أن الذكاء الاصطناعي يتطور وينقلب على الانسان، أو أن يقوم بعض العلماء الأشرار بتوظيف هذه التكنولوجيا لتدمير البشرية، ما يضع العالم كله بتحالف ضدها
وهذا ما قاله روبوت الدردشة الذكي الاصطناعي "سيدني" من مايكروسوفت، والذي يخرج يوماً بعد يوم عن السيطرة مطلقاً العنان لتهديداته المثيرة للقلق، والتي وصلت حد سرقة الرموز النووية وإطلاق العنان لفيروس ما، حسب صحيفة "نيويورك تايمز"، بمعنى أن هذه التكنولوجيا سوف تنقلب على الإنسان بسسب تفوقها بالذكاء على البشر نتيجة تطورها الذاتي ما سوف يشكل خطراً وهذا ما يقوله صناعها لأن تقنيات الذكاء الاصطناعي تتطور بسرعة كبيرة، وتصبح أكثر تعقيداً كل عام.
وتكمن الخطورة في دمج تقنيات الذكاء الاصطناعي مع الروبوتات مما قد يتسبب بظهور آليات خطيرة، خاصة إذا وصلت تلك الآليات إلى مرحلة الوعي أو الإدراك الذاتي فتبدأ الروبوتات بالتفكير والتصرف من تلقاء نفسها، فيحصل ما تبشر به أفلام الخيال العلمي من تمردها على البشر وربما يصل الأمر إلى الحرب عليها!
وهذا ما أشار إليه سابقاً ستيفن هوكينغ قائلاً إن الذكاء الاصطناعي يمكن أن يقضي على البشرية ،وهذا ربما ما دفع عراب الذكاء الاصطناعي، جيفري هينتون، ولو ظاهرياً، إلى تقديم استقالته من شركة غوغل. أي أن الموضوع هو أنه فضلاً عن أن هذه التقنيات سوف تهدد الإنسان من الناحية الإبداعية والابتكارية، وأيضاً من ناحية تهديد الملايين بترك وظائفهم، ما سوف يخلف مزيداً من الفقر والأزمات من أجل زيادة المردود، وهي الاستعارة الأساسية لرأس المال، أي "ما يفيد".
يبدو أن هذه التقنية هي التي سوف تصبح تبرمج الناس رمزياً، أي من خلال التحكم المطلق، وهنا نكون أمام موت الإنسان رمزياً. وقبلها تم قتل الإله واستبدال القدرة للإنسان كإعلان عن السيادة المطلقة. وأيضاً لا ننسى أن موت الكاتب لم يعد من خلال البعد البنيوي للنص، إنما أصبح من خلال شيء آخر ،لأنه ومع هذه الحالة فإن جميع البنى سوف تصبح في مكان آخر، وبالتالي غير معلوم كيف سوف يكون مصير النص والأدب والشعر، إلخ.
الموت الجديد ربما هو موت الفاعلية للإنسان واستبداله بالذكاء الاصطناعي الذي ربما يعطي الكثير من المعلومات المزيفة وسوف يلعب دور الكتاب والمؤلفين والصحافيين، وأيضاً الفنانين والأطباء، وكأن العالم بحاجة إلى مزيد من السطحية والتسليع.
من هنا فإن هذا العصر مع بداية القرن الفائت افتتح بالموت (نيتشه ،فوكو، بارط)، ومن هنا ربما فإن الموت الجديد هو موت الفاعلية للإنسان واستبداله بالذكاء الاصطناعي الذي ربما يعطي الكثير من المعلومات المزيفة، وسوف يلعب دور الكتاب والمؤلفين والصحافيين، وأيضاً الفنانين والأطباء، وكأن العالم بحاجة إلى مزيد من السطحية والتسليع. وهذا هو الموت الرمزي، ولكن بعد موت الإله والإنسان والكاتب. أي موت بانتظارنا وما الذي سوف تقتله هذه الحضارة بعد؟
ولكي نعيش اليوم في هذا العالم، ألسنا بحاجة إلى موت للرمز-التقنية باعتباره السلطةَ المقدسة التي تتحكم في هذا العالم، أي أن نتدرب على الموت ولو للحظات في هذا العالم وما فيه من وسائل مراقبة وتدجين واستبعاد؟
أن نموت/نرحل عن هذا العالم ربما هو فعل استعادة وارتحال بمعنى العودة إلى الفعل-الإرادة، لأنه إذا استمر الحال على هذا المنوال، فإنه هو التبشير الجديد للموت. وهنا نطرح تساؤل: هل سوف يكون موت للفعل؟ طالما أن الآلة سوف تحل محل الإنسان في جميع الوظائف، وبالتالي فإن العلاقة سوف تتحول؛ أي أنه في السابق كان الإنسان يتحكم بالآلة لتصبح الآلة هي من يتحكم! وبالتالي هي من سوف تعمل على تشكيل الإنسان وبرمجته، إذاً، هل رغبة الإنسان التي لا ترتوي بالقدرة والتملك والتحكم هل سوف تتخطاه؟
تحضرني هنا مقولة في محاولة من الاستبصار لماكس فيبر إزاء العقلنة والتقنية وكيفية إزاحة السحر عن العالم في الحضارة الحديثة حيث يقول إن الآلهة القديمة تخرج من قبورها وعلى شكل قوى لا شخصية، لأنها فاقدة للمعنى، وتسعى من جديد لإخضاع حياتنا لسلطتها في ظل استئناف صراعاتها الأبدية.
أصبحنا أمام عالم يحتوي على كل الخيالات والتصورات لمستقبله وكيفية علاقات الإنسان بالإنسان وعلاقته مع هذه التقنيات والآلات، أي أن المستقبل ربما يتخطى العقل الأحادي والتشيؤ للإنسان
وبالعودة إلى السينما التبشيرية بالموت، والتي كانت تحاكي الوعي الجديد من خلال خلق الصور والزمن وتحريكهما، وهذا استبطان للقدرة أي إعادة الخلق، تتحول هذه المرة ليكون هذا التبشير من خلال المحايثة أي موت المعنى بالحضور، وموت التفكير من خلال التحكم والإخضاع، لأن التفكير هو أن نرغب في الرغبة ذاتها. والسؤال الأهم: هل تنتهي أسئلة الحداثة بانتهاء تحويل الإنسان-الذات إلى موضوع لصالح الآلة؟ بمعنى أن الموضوع الجديد هو الآلة بوصفها ذاتاً-احتمالاً!، خصوصاً أن "المستحيل ممكنٌ صامت"، كما يشير ميشيو كاكو من خلال ما يقدمه ويبرزه تاريخ العلوم، لهذا ربما يضاف إلى حقوق الإنسان والحيوان، حقوقُ الروبوتات والالآت، ويتم إنشاء اجتماعيات ونفسانيات لأجلها.
ربما هذا الكلام لا معنى له، وقد يبدو كلاماً مضحكاً، لكننا أصبحنا أمام عالم يحتوي على كل الخيالات والتصورات لمستقبله، وكيفية علاقات الإنسان باللإنسان، وعلاقته مع هذه التقنيات والآلات، أي أن المستقبل ربما يتخطى العقل الأحادي والتشيؤ للإنسان صوب اختفاء الفاعلية بالمعنى الرمزي لصالح الأفعولية التقنية المطلقة، وهذا ما تلمح إليه هوليوود التي تهيئ وتعطي إشارات عن أسرار المستقبل.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون