شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
جزيرة النساء وبوهيميون يمارسون الجنس في الشوارع... أساطير ومبالغات الرحالة المسلمين عن الآخر

جزيرة النساء وبوهيميون يمارسون الجنس في الشوارع... أساطير ومبالغات الرحالة المسلمين عن الآخر

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رود تريب نحن والتاريخ

الأربعاء 7 يونيو 202301:14 م

تعددت دوافع الرحلة وأهدافها خلال مراحل التاريخ الإسلامي، ما بين جغرافية استكشافية تهدف إلى معرفة المسالك والخطوط بين البلاد القريبة والبعيدة، أو لمعرفة عادات الناس وطبائعهم، أو تجارية، غير أن الكثير من كتابات الرحّالة تضمّن مبالغات تتعلق بوصف شعوب البلاد التي زاروها، بل اتسمت في بعض الأحيان بـ"الأسطرة" التي تتعارض مع المنطق.

مخلوقات عجيبة وظواهر خيالية

يذكر الدكتور نوفل محمد نوري، في دراسته "الأسطورة والحكاية الشعبية وأثرهما في ثقافة الرحالة المسلمين"، أن تلك الرحلات لم تخلُ موضوعاتها وطرائق وصفها لأنشطة الحياة من مبالغات أو إعمال للخيال في رسمها للظواهر لدى الرحالة وفق ثقافته وتحليله لما يشاهده، أو تفسيره للسلوكيات التي رآها أو سمعها في رحلته من أناس مرّ ببلادهم، وذلك دون تمحيص للجوانب التي لا تتفق مع منطق الفطرة.

لم تكن أحكام الرحالة المسلمين بحق الآخرين بعيدةً عما ورثته الجغرافيا الإسلامية عن علوم جغرافيا الإغريق والفرس والهنود، والتي تتمحور حول فكرة الأقاليم وعلاقتها بالطبائع

وبات سرد هذه الأساطير والمبالغات هاجساً لدى كثير من الرحالة الذين اهتموا بذكر القصص التي تتضمن عنصرَي التشويق والمفاجأة، لا سيما إذا كان الرحالة أو صاحب الكتاب نديماً للخليفة، أو إذا كان قد أُرسل إلى بلاد بعيدة بتكليف من السلطان، وغالباً ما ينفق الخليفة على رحلاتهم هذه أموالاً كثيرةً لسبب ما. ثم إن الرحالة لا يستطيع العودة من مهمته صفر اليدين، من دون إنجاز ما كُلف به في الوصول إلى أقصى الأرض، لذلك يحاول أن يعظّم صغائر الأشياء أحياناً.

ويسوق نوري مثالاً على ذلك، ما ذكره أبو القاسم عبد الله بن خرداذبة (تـ280هـ)، في كتابه "المسالك والممالك"، إذ يورد حكايات عجيبةً عن مخلوقات غريبة لم يُسمع عنها إلا في الأساطير، ومنها ما ذكره عن وجود أفاعٍ في جبال تُدعى "الزابج" بالقرب من بلاد الصين، تستطيع بلع الرجال والجواميس، ومنها ما يبتلع الفيلة، كما يصف شجرة كافور تستطيع أن تُظلّ مئة إنسان وأكثر.

أيضاً ما ذكره أحمد بن فضلان في رحلته إلى بلاد البلغار عام 309هـ، والتي جاءت بتكليف من الخليفة العباسي المقتدر بالله، بعد أن أرسل ملك الصقالبة للخليفة كتاباً يطلب منه أن يرسل له من يفقّهه بالإسلام، وهو حديث عهد به، فاختير ابن فضلان على رأس وفد ضم فقهاء وعلماء ومعلمين لهذه المهمة.

وما أن يخرج ابن فضلان من الأراضي الإسلامية، وينفذ إلى بلاد بعيدة، حتى يطلق العنان لخياله الخصب. فعند أول نزوله بلاد البلغار، شاهد ابن فضلان احمرار السماء، ثم وصف دهشته عند سماعه أصواتاً تخيل أنها من السحاب، فإذا هو غيم أحمر يرى فيه أشكالاً مشابهةً لصور الناس والدواب، وهم يقتتلون في كل مساء كما روى له ملك الصقالبة نقلاً عن حكايات أجداده.

وبحسب نوري، فإن تلك تخيلات وأوهام تراءت لابن فضلان وحسبها حقيقةً، ولم تكن تلك سوى ظواهر طبيعية تتعلق بطبيعة المناخ هناك، وتداخل الغيوم ببعضها، والتي لم يسبق له أن شاهدها بتلك الكثافة في بلاده، إلا أنه فسّرها تفسيراً خرافياً تحدث فيه عن أشكال تراءت له في صور متنوعة نقلها من أساطير تُحكى عن تلك البلاد.

وحوى كتاب "آثار البلاد في أخبار العباد"، لزكريا بن محمد بن محمود القزويني (تـ682هـ)، الكثير من القصص والأساطير والخوارق، منها ما ذكره عن جزيرة في بحر الصين، أطلق عليها "جزيرة النساء"، إذ روى أنه لا يوجد فيها سوى النساء، وأن بقاءهن وتكاثر النسل فيهن يتم عن طريق تلقيح الرياح أو النبات، حيث يُلقّحن من ثمرة شجرة يأكلن منها ويلدن نساءً.

وما أورده القزويني في غرائب جزر الهند والصين، لا يقل عن سابقيه، ومنه وجود طائر كبير عظيم الجثة، إذا مات نصف منقاره وسقط يتخذه الناس مركباً في البحر، يركبونه ويحملون عليه أحمالاً كثيرةً، كما رأى أناساً لهم أجساد حيوانات ووجوهها، وحيوانات بوجوه أناس، حسب ما نقل نوري.

والغريب، كما يذكر نوري، أن القزويني شغل منصب القضاء في مدينة واسط في العراق أيام خلافة المستعصم بالله، ما يعني أنه كان يمتلك من المؤهلات العلمية ما يدفعه إلى عدم قبول مثل تلك الأساطير أو الغرائب من الحكايات، وربما كانت ميوله وخياله الواسع جزءاً من تكوينه الذاتي الذي ظل ملازماً له، ما انعكس في تفاصيل ما كتبه عن رحلته بهذا الشكل.

عقد مضمر بين الرحالة والمتلقين

ويذكر الدكتور محمد لطفي اليوسفي في دراسته "حركة المسافر وطاقة الخيال... دراسة في المدهش والعجيب والغريب"، والمنشورة في كتاب "الرحالة العرب والمسلمون… اكتشاف الآخر"، أن عقداً مضمراً مسكوتاً عنه كان بين الرحالة ومتلقّيه، مفاده أنه لا يمكن للمتلقي أن ينشدّ إلى الحكاية إلا متى وجد فيها ما ينتشله من ضجر المألوف والمعاد والمكرر، لذا عمد الرحالة دائماً إلى الغريب والفريد والعجائبي في الكائنات والمخلوقات لتحقيق هذا الهدف.

وينقل اليوسفي عن الرحالة شمس الدين الأنصاري، المعروف بـ"شيخ الربوة"، ما ذكره في كتابه "نخبة الدهر في عجائب البر والبحر"، عن البحر الأسود، ويسميه "بحر طرابزنده"، أو "بحر الروس"، قائلاً: "كثيراً ما يظهر بهذا البحر التنين الذي يزعم من لا علم عنده أنه حيوان حي، وأنه ينقله الملائكة من البحر إلى جهنم عند عتوه وطغيانه على دواب البحر، وأنه يكون في جهنم من جملة حيّاتها وأنواع العذاب فيها، وزعم آخرون أن التنائين تكون في قعر البحر فتعظم وتؤذي ما فيه من دابة، فيبعث الله السحاب والملائكة فتخرجها من البحر وتلقيها في أرض يأجوج ومأجوج فيأكلوها".

ويتحدث شمس الدين عن سمك بحر الروم (البحر المتوسط)، فيذكر أن هناك سمكةً لها وجه آدمي بلحية بيضاء، ولون جسده كلون الضفدع، وهي في جسم العجل، ويخرج من البحر ليلة السبت قبل غروب الشمس إلى البر، فيمكث إلى غروب شمس ليلة الأحد فيدخل البحر، لذا يسميه الناس "الشيخ اليهودي".

ويصف شمس الدين سمكةً أخرى على شكل رجل محارب، بيده سيف قصير، وبالأخرى ترس مدوّر، وعلى رأسه بيضة مثل الخوذة، وكل ذلك قطعة واحدة في جسم حي ويسمى "سياف البحر"، حسب ما نقل اليوسفي.

كما يشير إلى سمكة طولها شبران أو أقل، مكتوب على ظهرها بالعربية "لا إله إلا الله"، وبين أذنيها من خلف "محمد رسول الله"، وهذه السمكة توجد حول مياه قسطنطينية. وبحسب اليوسفي، عمد الرحالة هنا إلى تلبية حاجة المتلقي وإثارة مشاعره الدينية من خلال المزج بين الغرائبي والديني.

السلوك الجنسي في مدونات الرحالة

وكان منطقياً أن يطال الممارسات الجنسية لدى الشعوب نصيب من هذه المبالغات، وهو ما رصده عامر عجاج حميد، في دراسته "السلوك الجنسي موضوعاً إثنوغرافياً في كتب رحالة وجغرافيين عرب ومسلمين حتى نهاية القرن التاسع الهجري/الخامس عشر الميلادي".

ففي حديثه عن مدينة "حيوس" في وسط آسيا، يذكر ابن الفقيه الهمداني في كتابه "البلدان"، أن أهلها "الزنا فيهم ظاهر، يدخل الواحد منهم على منزل الآخر فيفترش حرمته، وهو ينظر إليه لا يمتعض من ذلك ولا ينكره، وأغلب رجالهم مؤنثون ويشربون الدم"، حسب ما نقل حميد.

بات سرد هذه الأساطير والمبالغات هاجساً لدى كثير من الرحالة الذين اهتموا بذكر القصص التي تتضمن عنصرَي التشويق والمفاجأة، لا سيما إذا كان الرحالة أو صاحب الكتاب نديماً للخليفة.

وبرغم أن سكان مدينة "دي"، مسالمون ويدفعون الإتاوة لمن يغلب عليهم، إلا أنهم "ينكحون كل ما لقوه من امرأة أو غلام أو حيوان"، وبحسب حميد، فإن الوصف بالغ الغرابة، فإذا قبلنا نكاحهم للبشر، فذكر الحيوان يدعو للعجب.

وينقل حميد عن الهمداني وصفه أهل مدينة "كريشم" بأنهم: "عراة كالبهائم، ويلقى الرجل المرأة في الطريق فيجامعها والناس ينظرون إليه". وأهل مدينة "كيساه" قرب بلاد الخزر: "أشرّ خلق، وإذا دخل الغريب مدينتهم نكحوه"، ولم يحدد الهمداني إن كان يقصد بالغريب رجلاً أو امراةً.

وفي مدينة "سكوب" يطلق الهمداني لنفسه العنان في وصف نسائها، فيقول: "الزنا في نسائهم طبع مركب، تنظر الواحدة منهن إلى الرجل الذي تشتهيه فتقبض عليه، ولا يملك شيئاً من نفسه، وتمضي به إلى جبل بالقرب من المدينة فيه غيران (مفرد غار) وكهوف، فتجعله في بعض تلك الغيران ولا يسهل له الخروج، وتجيئه بجميع ما يحتاج إليه، ولا يجوز لزوج -إن كان لها- أو أخ أو لولد منعها من ذلك. وكذا الرجل لا يمكنه الخلاص من يدها إن كانت امرأةً أو ولداً وغير ذلك من الأهل. فمتى يأبى عليها قتلته. وكذلك إن منعها منه استنجدت من النساء اللواتي على مذهبها، فقاتلن معها حتى يبلغن لها ما تريد، لأنهن على مذهب واحد فبعضهن بعضاً، فإذا ضجرت منه أو ملّته أو هويت سواه، صرفته إلى منزله".

ويرى حميد، أن ممارسات السلوك الجنسي في مدونات الرحالة الذين وصفوها بطرق مختلفة، لم تكن دقيقةً، فالفرق كبير بين ما يُرى وما يُعبَّر عنه تدويناً، إذ تتضخم الصورة، في محاولة من الرحالة لثتبيت الأمور العجائبية في مؤلفه لأغراض التشويق، أو لأغراض تتصل بإثبات صحة سلوكه ومعتقده مقارنةً بأقوام أخرى أقل تمدّناً في سلوكهم.

مركزية دينية وصورة إكراهية

ويقدّم الدكتور عبد الله إبراهيم في كتابه "عالم القرون الوسطى في أعين المسلمين"، تفسيراً لتلك المبالغات التي حوتها بعض كتب الرحالة المسلمين عن الشعوب الأخرى، فيذكر أن التصور الشائع عن الذات والآخر كان يستمد حيويته من المركزية الدينية، وتالياً ظهرت ثنائية الحق والباطل، فأصبحت قيم "دار الإسلام" هي الحقيقية والشاملة وهي مطلقة الصواب، وقيم الآخر مثار استغراب واستهجان، فهي وثنية، مُحقرة، مُدنسة، يلزم تطهيرها من النجاسة، وهذه صورة إكراهية كانت فاعلةً ومتحكمةً في تصورات كثير من الرحالة والجغرافيين تجاه الشعوب الأخرى.

وينقل إبراهيم ما أفرده إسماعيل بن علي أبو الفداء في كتابه "تقويم البلدان"، عن "الزنوج" في الجزء الجنوبي من الأرض، وهو ما يُعرف ببلاد السودان، حيث تبنّى أحكاماً شائعةً بشأنهم، منها أنهم "عراة"، و"مهملون"، وأنهم "كالبهائم"، وهم "كفار"، وسكان أعالي النيل مذمومون بين أجناس الحبشة، واشتهر عنهم أنهم يُخصون من يقع في أيديهم، ويدفعون ذكور الآدميين في صدقاتهم ويفتخرون بذلك.

ولم تكن أحكام الرحالة المسلمين بحق الآخرين بعيدةً عما ورثته الجغرافيا الإسلامية عن علوم جغرافيا الإغريق والفرس والهنود، والتي تتمحور حول فكرة الأقاليم وعلاقتها بالطبائع، فالموقع الجغرافي يحدد طبائع البشر وأخلاقهم وعقلياتهم وألوانهم، وقد أخذ الجغرافيون بهذه العلاقة وبنوا عليها تصوراتهم وتصنيفاتهم للأجناس البشرية.

ويضرب إبراهيم مثالاً على ذلك بالرحالة علي بن الحسين المسعودي، الذي لم ينأَ بنفسه عن السقوط في هذه الهوة برغم تجواله في كثير من البلدان والأقطار، فذكر في كتابه "مروج الذهب في معادن الجوهر"، أن أهل الشمال بسبب الأحوال المناخية الباردة "عظمت أجسامهم، وجفت طبائعهم، وتوعرت أخلاقهم، وتبلّدت أفهامهم، وثقلت ألسنتهم، ومن أوغل إلى أقصى الشمال فالغالب عليهم الغباوة والجفاوة والبهائمية"، في حين يرى أن أهل الشرق الذين ينتمي إليهم معتدلون ولديهم عزة نفس.

وبحسب إبراهيم، قام المسعودي بتنميط البشر حسب الأقاليم، وهو تنميط جنسي وأخلاقي وعقلي وشكلي يراد منه حبس الأجناس في طبائع ثابتة، تهدف إلى بسط سلسلة من الانطباعات الشائعة كأحكام نهائية يروم من خلالها إلغاء طرف وتبجيل آخر، وليس تقديم وصف.

ثقافة التزيين والتقبيح

ويذكر عقيل عبد الله ياسين، وسلام ناصر والي، في دراستهما "البواعث الثقافية في كتابة الأساطير والخرافات عند الرحالة العرب والمسلمين المشارقة (132-656هـ/ 750-1258م)، أن نظرة الرحالة المسلمين إلى الآخر جاءت في إطار ما يسمى بـ"التزيين والتقبيح على أساس مفاضلة ثقافة الذات على الآخر"، عبر استحضار التفوق الديني والحضاري، وذلك انطلاقاً من مقاييس حددها الرحالة نفسه، مستنداً في ذلك إلى أيديولوجيا دينية وحضارية وُلد فيها.

فعلى سبيل المثال، فإن النظافة التي هي صفة المسلم المؤمن لا يجدها الرحالة ابن فضلان عند الشعوب الأخرى التي وصل إليها، واصفاً أحدهم بأنه "لا ينزع الثوب الذي يلي جسده حتى ينتثر قطعاً"، وكذلك الحال عند اغتسالهم من الغائط والبول، فهو يشبههم بـ"الحمير الضالة لا يدينون لله بدين، ولا يرجعون على عقل، ولا يعبدون شيئاً".

ما ساعد الرحالة العرب والمسلمين على سرد هذه الأساطير والخرافات، هو ذلك الرصيد الذي تركه التراث العربي القديم والجاهلي، فضلاً عن الموروث الذي احتوى كرامات الأنبياء والرسل ومعجزاتهم وقصصهم

وارتبط نقل الرحالة لأساطير الشعوب وخرافاتها أيضاً بضعف ملكة النقد والتحليل لديهم، وعدم تحكيم العقل في ذلك، مما جعلها تنفذ إلى أفكارهم، بحسب الباحثين.

وما ساعد الرحالة العرب والمسلمين على سرد هذه الأساطير والخرافات، هو ذلك الرصيد الذي تركه التراث العربي القديم والجاهلي، فضلاً عن الموروث الذي احتوى كرامات الأنبياء والرسل ومعجزاتهم وقصصهم، وما فيها من أمور يقف أمامها العقل متحيراً، وتضاف إلى ذلك ثقافات الأمم الأخرى التي أصبحت قريبةً جداً من المجتمع العربي خلال العصر العباسي، وهو ما ساهم بشكل أو بآخر في تقبّل ما يروى في هذا السياق.

رحلات خالية من الأساطير

غير أن ذلك لا يعني أن رحالةً كُثر خلت كتبهم من هذه المبالغات، وهو ما رصده نوري في دراسته المذكورة آنفاً، إذ كانوا على درجة عالية من الوعي في ما يكتبون، فعلى سبيل المثال أحمد بن إسحاق اليعقوبي (تـ292هـ)، لم يكثرث في كتابه "البلدان" بقصص البلاد القديمة، واهتم بوصف الأماكن والطرقات والأنشطة الاقتصادية والاجتماعية من دون زيادة، وكذلك أحمد بن يحيى البلاذري (تـ279هـ) في كتابه "فتوح البلدان".

ولم يكتفِ أبو الريحان البيروني، الذي تجول في أنحاء الهند سنة 362هـ، برفض الأساطير والحكايات الخرافية، بل فنّدها، وذلك في رحلته الموسومة بـ"تحقيق ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة"، وكذلك الرحالة محمد الإدريسي (تـ548هـ) في كتابه "نزهة المشتاق في اختراق الآفاق"، حيث كان يتجنّب الخوض في القصص والحكايات غير الموثوق بصدقها، والأمر نفسه للرحالة ياقوت الحموي في كتابه "معجم البلدان".

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

‎من يكتب تاريخنا؟

من يسيطر على ماضيه، هو الذي يقود الحاضر ويشكّل المستقبل. لبرهةٍ زمنيّة تمتد كتثاؤبٍ طويل، لم نكن نكتب تاريخنا بأيدينا، بل تمّت كتابته على يد من تغلّب علينا. تاريخٌ مُشوّه، حيك على قياس الحكّام والسّلطة.

وهنا يأتي دور رصيف22، لعكس الضرر الجسيم الذي أُلحق بثقافاتنا وذاكرتنا الجماعية، واسترجاع حقّنا المشروع في كتابة مستقبلنا ومستقبل منطقتنا العربية جمعاء.

Website by WhiteBeard