أثناء البحث في المخطوطات المبكرة، وبالتحديد في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي، تعرَّفتُ على طائفة من المخطوطات التي جعلت من النص القرآني موضوعاً لها. في هذه المقالة أقف مع هذه المخطوطات التي بلغ عمرها فوق الألف عام، وبالتالي فهي تدخل ضمن ما يسمى بـ"المخطوطات الألفية". وقد عقدت مكتبة الإسكندرية مؤتمراً دولياً من قبل, وقد عُرض في هذا المؤتمر العديد من الأوراق البحثية حول هذا النوع من المخطوطات المبكرة.
البُستى يفسَّرُ القرآن في الإسكندرية
تحتفظ مكتبة الإسكندرية بمصر بقطعة من مخطوط يعود إلى القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي تحت رقم حفظ 233. جاء على صفحة هذه القطعة ما يفيد بأنها جزء من صحيح مسلم. ولكن هذه القطعة هي في الحقيقة نص في تفسير القرآن. فعندما زار كاتب هذه السطور المكتبة فإنه لم يتمكن من الإطلاع على الأصل المخطوط وذلك لأنهم قد احتفظوا بالمخطوط في صندوق زجاجي في ساحة لعرض نوادر مخطوطات مكتبة الإسكندرية.
صورة من قطعة تفسير البستي المعروضة في صندوق زجاجي بمتحف المخطوطات بمكتبة الإسكندرية مصر
وكحلّ بديل كان الاطلاع على نسخة رقمية داخل المكتبة. هذه القطعة المخطوطة من تفسير البُستي أُلصِق في أولها عن طريق الخطأ صفحة عنوان مكتوب عليها: "الجزء الثالث عشر من صحيح الإمام مسلم بن الحجاج النيسابوري"، وهذا الخطأ ينكشف عندما نفحص المخطوط ونعرف من طبيعة محتوى الكتاب أنه قطعة من كتاب تفسير ونعرف أيضاً عن طريق إسناد الكتاب أنه يُروى عن أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي(ت. 307/919-920).
تحتفظ مكتبة الإسكندرية بمصر بقطعة من مخطوط يعود إلى القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي تحت رقم حفظ 233. جاء على صفحة هذه القطعة ما يفيد بأنها جزء من صحيح مسلم. ولكن هذه القطعة هي في الحقيقة نص في تفسير القرآن
قام يوسف زيدان (كان يعمل رئيساً لقسم المخطوطات بمكتبة الإسكندرية) بفهرسة هذا المخطوط عن طريق الخطأ كقطعة من صحيح الإمام مسلم (انظر يوسف زيدان، نوادر المخطوطات بمكتبة الإسكندرية، رقم 20) إلى ألفت نظره أحد الباحثين المترددين على مكتبة الإسكندرية ويُدعى أكرم إلى أن المخطوط ليس بكتاب حديث (يوسف زيدان، "النسخة الألفية في مكتبة الإسكندرية"، ص ص 343-345). ربما اختلط الأمر على زيدان لأنه لم يفحص المخطوط واكتفى بما أفادته صفخة العنوان من معلومات. صفحة العنوان، كما هو معلوم لدى المشتغلين بعلم المخطوطات، هي ليست المصدر الرئيس لمعرفة مؤلف الكتاب وموضوعه وذلك خلافاً للمطبوعات. وربما أشكل على زيدان الأمر أيضاً لأن المحتوى التفسيري الذي جاء في الكتاب هو من نمط التفسير بالمأثور (والذي يعتمد على إيراد العديد من المرويات التي تتعلق بالآية محل التفسير)؛ فظنَّ أنه كتاب حديث!
وأما صاحب النص الذي ورد في هذه القطعة هو كما ذكرنا أبو محمد إسحاق بن إبراهيم البستي، وكما تدل نسبته فهو من مدينة بُست. كتب ياقوت الحموي في معجمه عن هذه المدينة (معجم البلدان، ط دار صادر، مج1، ص414-415): "مدينة بين سجستان وعزنين وهراة وأظنُّها من أعمال كابُل"، وفي سياق التعريف بأعلام هذه المدينة يضيف ياقوت: "وقد خرج منها جماعة من أعيان الفضلاء، منهم... إسحاق بن إبراهيم بن إسماعيل أبو محمد القاضي البستي... مات سنة 307هـ".
وانتهى المخطوط ببيان الختام: "تمَّ الجزء بحمد الله ومنِّه وقوَّته في شهر صفر من شهورِ سنة 3[5]8 بخط خلف بن حكم كتبه للشيخ الجليل الفاضل أبو الحسن محمَّد بن ابراهيم أطال الله بقاؤه وأدام عزه ودولته آمين".
مخطوط مكتبة الإسكندرية، رقم 233، ورقة 232ظهر، 233 وجه: خاتمة المخطوط
ونعرفُ من هذا البيان أن ناسخ المخطوط اسمه خلف بن حكم وأنه قد نسخ المخطوط لشخص يُدعى أبو الحسن محمَّد بن ابراهيم. ويمكن أن نفهم من هذا أن ناسخ المخطوط كان يحترف مهنة النساخة وينسخ للناس بالطلب. والمنسوخ له هنا يبدو أنه من الوجهاء وأصحاب المكانة إذ يصفه الناسخ بـ"الشيخ الجليل الفاضل" ويدعو له: " أطال الله بقاؤه وأدام عزه ودولته آمين".
ابن خالويه يقدم عرضاً فريداً للقراءات القرآنية في دبلن
تحتفظ مكتبة تشستربيتي بنسخة مخطوطة تحت رقم Arabic 3051، وتتيح نسخة رقمية عالية الجودة على موقعها على الانترنت لهذه المخطوطة. جاء على صفحة عنوان المخطوط ما يفيد بأن بين يدينا
"كتاب البديع في القرءات السبع وإضافة قراءة ثامنة" تأليف أبي عبدالله الحسين بن خالويه" .
مخطوط تشستربيتي Ar 3051: صفحة العنوان
ولأن هذا بيان العنوان والمؤلف مكتوب بخط جدّ مختلف عن الخط الذي كُتب به نص الممخطوط؛ فإن ذلك يجعلنا نقول بأنه قد كتبه قاريءٌ للمخطوط وليس ناسخه. والناظرُ في صفحات المخطوط يلاحظُ أن ثمة اعتناء كبير بكتابة المخطوط وتنظيم نصه تنظيماً بديعاً لا يتأتّى إلا لناسخٍ محترف.
أما مؤلف الكتاب فهو أبو عبدالله الحسين بن أحمد المعروف بابن خالوية (ت. 370هـ/980-81)، وهو من العلماء البارزين في القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي. ولد بن خالويه في مدينة همدان (إيران) ثم رحل إلى بغداد وعاش بها إلى أن تُوفي هناك. ساهم بن خالويه في عدة مجالات معرفية منها اللغة العربية وتفسير القرآن.
أما موضوع المخطوط فهو استعراض القراءات المختلفة للنص القرآني. ويقدم لنا بن خالويه في هذا المخطوط بطريقة لم يسبق إليها في عرض القراءات القرآنية. فقد رمزَ لكل قاريء برمز خاصٍ مميزٍ له وذلك من أجل الاختصار في العرض. ويأتي ترميز القراء على النحو التالي: عاصم = ع، أبو عمرو = و، نافع=ن، حمزة=ح، الكسائي=ك، ابن عامر = أ. وبذلك يسبق بن خالويه في استخدامه رموزاً للقراءات كلاً من الشاطبي (ت. 590/1194) في منظومته حرز الأماني وابن أبي مريم (ت. 565/1169-1170) في كتابه الموضح في وجوه القراءات وعللها والذي نُشر عن أصل رسالة دكتوراة أعدها عمر حمدان الكبيسي. وتفرد بن خالويه أيضاً بتوضيحه القراءات القرآنية الثمانية المشهورة في متن المخطوط ووضع القراءات الأخرى الشاذة في هوامشه. ولعل ما تفرد به بن خالويه من ترميز القراءات وعرضه القراءات المشهورة والشاذة كانا سبباً في تسمية الكتاب بالبديع، وفقاً للباحث أحمد محمد فريد.
مخطوط تشستربيتي Ar 3051 ورقة 2 ظهر: رموز القراءات القرانية في كتاب البديع
ينتهي مخطوط البديع بخاتمة: "تم كتاب البديع... في شهر ربيع الأول سنة سبعين وثلاثمائة وكتب غبزين بن عبدالله الرودباري".
جاء في هذه الخاتمة اسم ناسخ المخطوط: غبزين بن عبدالله الرودباري. ونحن لا نعرف شيئاً عن هذا الناسخ من خلال كتب التراجم (كتب التراجم لا تترجم في العادة لنساخ الكتب) ولكن النسبة- الرودباري- تشير إلى أن هذا الناسخ فارسي الأصل، و"رودْبار" هي مدينة في شمال إيران.
الفارسي حجة القراءات في اسطنبول
تقتني المكتبة السليمانية في إسطنبول (تركيا) جزءاً من مخطوط رقم حفظه شهيد علي باشا 27 ، يتكون هذا المخطوط في ذاته من أجزاء (من الحادي والعشرين إلى الثلاثين) تفيد صفحات عنوانه (لكل جزء صفحة عنوانه عنوان) بأننا أمام "الحجة للأئمة السبعة من قراء الأمصار صنعه الشيخ أبي علي الحسن بن أحمد بن عبدالغفار الفارسي النحوي".
وقد حاولت الاطلاع على أصل هذا المخطوط أثناء زيارتي للمكتبة السليمانية (سبتمبر-أكتوبر 2019) ولكن لم يتح لي ذلك فاكتفيت بالاطلاع على نسخة رقمية من المخطوط.
مخطوط السليمانية، شهيد علي باشا 27، ورقة 1 وجه: صفحة عنوان
أما مؤلف هذا الكتاب هو الحسن بن أحمد بن عبدالغفار الفارسي النحوي (ت. 377/987) وهو من علماء العربية المعروفين، فقد ولد في فسا (في بلاد فارس) وتجول في عدد من البلدان منها حلب وبغداد وانتهت رحلته في بغداد وتُوفي بها.
وكتاب الحجة هذا، مثل كتاب البديع الذي تحدثنا عن سابقا، هو كتاب في مجال القراءات القرآنية المختلفة.
وجاء في ختام المخطوط: "... وكتب العبَّاس بن أحمد بن أبي موَّاس في شعبان من سنة أربع وسبعين وثلثمائة".
مخطوط السليمانية، شهيد علي باشا 27، ورقة 30 وجه: خاتمة الجزء الحادي والعشرين
ومن خلال هذه الخاتمة يتضح لنا أنه تكمن أهمية هذا المخطوط في كونه قد نُسخ في حياة مؤلفه؛ إذ تم الفراغ من كتابته في شعبان سنة لسنة 374 (وهو ما يقابل ديسمبر 984 – يناير 985) وهذا قبل وفاة مؤلفه الحسن بن أحمد بن عبدالغفار الفارسي النحوي المتوفَّى سنة 377/987.
تدلنا الخاتمة أيضاً أنَّ ناسخ هذا المخطوط يُدعى العبَّاس بن أحمد بن موسى بن أبي موَّاس الكاتب (ت. 401/1010-1011). وبخلاف ناسخي المخطوطين السابقين فإننا يمكننا التعرف على هذا الناسخ. هذا الناسخ كان مشتغلاً بالحديث النبوي كما نفهم من الخطيب البغدادي (تاريخ بغداد: ج14، ص ص 56-57).
ويبدو أيضاً أنه كان يعمل وراقاً ينسخ الكتب لكسب عيشه كما تدلنا نسبته "الكاتب" وكما يدلنا كونه نسخ مخطوطاً آخر تحتفظ به تحتفظ به المكتبة السليمانية في اسطنبول أيضاً ( مخطوط لاله لي 1905، انظر خاتمته ورقة 314 وجه). فغالب الظن أن العبَّاس بن أحمد بن موسى بن أبي موَّاس الكاتب كان عالما في الحديث يكسب قوته من نسخ الكتب كعادة الكثير من علماء هذا الزمان.
ابن قتيبة يناقش مشكلات القرآن في القاهرة
تحتفظ دار الكتب المصرية بنسخة نادرة من مخطوط محفوظة تحت رقم 663 تفسير، وكما تدل صفحة عنوانه التي كتبت بخط مماثل لخط متن المخطوط فإنه بين يدينا "الجزء الأول من كتاب مشكل القرآن تأليف أبي عبدالله بن مسلم بن قتيبة". وقد تمكنت من الاطلاع على أصل هذا المخطوط الذي تجاوز عمره الألف عام.
مخطوط دار الكتب المصرية، 663 تفسير، صفحة العنوان
ومؤلف نص المخطوط هو عبدالله بن قتيبة بن مسلم المروزي (ت. 270/884 أو 267/889) الذي يرجع نسبه إلى أسرة فارسية كانت تقطنُ مدينة مرو في بلاد فارس. وكان بن قتيبة عالماً موسوعياً له سهمة في مجالات معرفية متعددة. كما عمل بن قتيبة قاضياً ووزيراً لدى الخلفاء العباسيين.
وأما موضوع كتاب مشكل القرآن فهو دراسة مواضع التشابه والإشكال في النص القرآني. وفي هذا الصدد يقول بن قتيبة: "وأصلُ التشابه أن يشبهُ اللفظُ اللفظَ في الظاهر والمعنيان مختلفان. ومنه يُقال: اشتبه علي الأمر؛ إذا أشبه غيره فلم تكد تفرق بينهما. وشبّهت علي إذا لبَّست الحق بالباطل. ثم يُقال لكل ما غمض ودقَّ متشابه، وإن لم تقع الحيرة فيه من جهة الشبه بغيره. ومثل المتشابه: المشكل؛ وسُمّي مشكلاً لأنه أشكل أي دخل في شكل غيره، فأشبهه وشاكله. ثم يُقال لما غمض -وإن لم يكن غموضه من هذه الجهة- مشكل. وقد بيَّنت ما غمض من معناه لالتباسه بغيره، واستتار المعاني المختلفة تحت لفظه" (انظر بن قتيبة، تأويل مشكل القرآن، شرحه ونشره السيد أحمد صقر، ص ص 101-102).
ويُختتم المخطوط ببيان انتهاء الكتابة: "تم كتاب المشكل... وكتب محمد بن أحمد بن يحيى رحمه الله في شهر ربيع الآخر من سنة تسع وسبعين وثلاثمائة..."
مخطوط دار الكتب المصرية، 663 تفسير، بيان الختام
أهمُ ما تفيدنا به هذه الخاتمة هو ناسخ هذا المخطوط هو محمد بن أحمد بن يحيى، وهو نفسه الذي كتب على صفحة العنوان: "لمحمد بن أحمد بن يحيى". مما يبين بأنه قد كتب هذا المخطوط لنفسه. لا يمكننا أن نتعرف على محمد بن أحمد بن يحيى بالنظر في كتب التراجم؛ فكثيرٌ هم من تشتمل أسمائهم على هذا التتابع من الأسماء "محمد بن أحمد بن يحيى"، ولكن يغلب الظن أن الناسح هنا محمد بن أحمد بن يحيى كان مشتغلاً بتفسير القرآن؛ فكتابة نصٍ متخصص كهذا للنفسِ (ليس للغير) فعلٌ يقدم عليه في الغالب رجل له اهتمامٌ بهذا التخصص.
ورغم أنَّ بيان صفحة العنوان، المذكور أعلاه، يخبرنا بأن هذا الكتاب هو "الجزء الأول من كتاب مشكل القرآن تأليف أبي عبدالله بن مسلم بن قتيبة" إلا أن بيان الختام هذا يفيد بتمام الكتاب واكتماله. ولعل الناسخ هنا أخطأ وظنَّ أن للكتاب أجزاءً أخرى ثم لم يجد أن الأمر كذلك، لكنه سُهي عليه ولم يصوِّب ما خطَّه على صفحة العنوان.
الزَّجَّاج يشرح معاني القرآن في إسطنبول
تقتني المكتبة السليمانية مخطوطاً تحت رقم حفظ فاضل أحمد باشا 43 جاء على صفحة عنوانه التي كتبت بخط يُغاير خط نص المخطوط: "الجزء الثاني من كتاب إعراب القرآن ومعانيه تأليف ابراهيم بن السري النحوي الزجاج". وقد أتيح لي اطلاعاً محدوداً على أصل المخطوط لذلك كان اعتمادي الأكبر على نسخة رقمية تتيحها حواسيب المكتبة السليمانية في اسطنبول.
مخطوط المكتبة السليمانية، فاضل أحمد باشا 43، ورقة 1 وجه: صفحة العنوان
أما المؤلف أبو إسحاق إبراهيم بن السري (ت. 311/923) فكان من علماء بغداد البارزين المشتغلين باللغة والأدب وتفسير القرآن. ولد ومات في بغداد وبها قضى معظم حياته. وكان يعمل في صناعة الزجاج وذلك قبل أن يتركها و يتفرغ للعلم.
وموضوع الكتاب كما يدل عنوانه فهو إعراب النص القرآني وشرح معانية وإيضاحها. وعلى وجه التحديد يتمثل عمل الزَّجَّاج في أنه "يبدأ عقب ذكر الآية القرآنية، باختيار ألفاظ منها ليحللها على طريقته هو في الاشتقاق اللغوي، فيذكر أصل الكلمة والمعنى اللغوي الذي تدل عليه، ثم يورد الكلمات التي تشاركها في حروفها أو بعضها ليردها جميعاً إلى أصل واحد، ويستشهد على رأيه بما يؤيده من كلام العرب شعراً أو غير شعر، وقد يستطرد فيشرح الأمثلة التي يستشهد بها ثم يعود لإعراب الآية إن كان فيها ما يحتاج لإعراب، وفي هذا المقام يناقش النحويين الآخرين فيرد رأْيهم أو ربما يؤيده، وفي هذا الصدد يورد قراءات اللغويين، وهي غالباً قراءات شاذة مما وراء العشرة، كما يورد القراءات المشهورة ليبين المعنى على هذه القراءات فيقبله أو يرده، وقد يقف عند حرف من حروف اللغة مثل "لن" أو "بل" أو "لا" ... فيشرحه شرحاً نحوياً حتى يستوفيه" على نحو ما أوضح محقق الكتاب عبدالجليل عبده شلبي (انظر الزجاج، معاني القرآن وإعرابه، تحقيق شلبي، مقدمة المحقق ، ص 22).
ويختتم الناسخُ المخطوطَ بهذا البيان: "آخر كتاب معاني القرآن... ابتدأ ابو اسحق ابراهيم السري النحوي الزجاج في إملاء هذا الكتاب في صفر من سنة خمس وثمانين ومائتين وأتمه في شهر ربيع الأول من سنة إحدى وثلاثمائة وكُتب في دمشق سنة خمس وتسعين وثلاثمائة..."
مخطوط المكتبة السليمانية، فاضل أحمد باشا 43، ورقة 334 ظهر، 335 وجه: بيان الختام
تبين لنا هذه الخاتمة أن الزجاج قد استغرق 16 عاماً في إملاء الكتاب، ولكن هذه المخطوطة التي بين أيدينا قد كتبت بعد هذا الإملاء بما يقارب القرن من الزمان في دمشق. ولكننا لا نعلم إن كانت ما إذا كانت تلك النسخة التي بين أيدينا قد نُسخت من تلك النسخة التي أملاها الزجاج أم من خلال نسخة أو نسخ وسيطة نقل لاحقها من سابقه؟
الطبري يفسِّرُ آي القرآن في المغرب
بفضل الباحث المغربي د. محمد علوان تمكنت من الاطلاع على نسخة رقمية من 18 مجلد من مخطوط جاء على صفحات العنوان الملحقة ببعضه ما يخبرنا بأن هذا كتاب:
"جامع البيان عن تأويل آي القرآن تأليف أبي جعفر محمد بن جرير الطبري". وهذا المخطوط كما يبين الختم الموجود على صفحات عنوانه هو من مقتنيات مكتبة القرويين بفاس في بلاد المغرب.
شهد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي نشاطاً في تأليف الكتب التي تتناول النص القرآني شرحاً وتفسيراً واستعراضاً للقراءات المختلفة للنص القرآني وكذلك تناول مواضع الإبهام والإشكال في هذا النص
أما مؤلف هذا الكتاب فهو أبو جعفر محمد بن جرير الطبري (ت. 310/923 ) الشهير بإمام المفسرين. ولد الطبري بآمُل عاصمة طبرستان وارتحل في طلب العلم إلى مصر وبغداد . وأما تفسيره الذي بين أيدينا فهو من أشهر تفاسير القرآن وقد تميز عن من سبقه من المفسرين بالشمولية والاستيعاب وتجاوز مجرد عرض الآراء إلى الاجتهاد والترجيح بينها.
مخطوط مكتبة القرويين، قسم 1 رقم 4-912، صفحة عنوان
ونتعرف على ناسخ المخطوط وتاريخ نسخه من بيان الختام الوارد في نهاية أحد مجلدات المخطوط: "كتب عبدالرحمن بن مروان في انسلاخ المحرَّم من شهور إحدى وتسعين وثلاثمائة".
مخطوط مكتبة القرويين 1/791 (ج 31) ، ص 35 ظهر، 36 وجه: بيان الختام
شهد القرن الرابع الهجري/العاشر الميلادي نشاطاً في تأليف الكتب التي تتناول النص القرآني شرحاً وتفسيراً واستعراضاً للقراءات المختلفة للنص القرآني وكذلك تناول مواضع الإبهام والإشكال في هذا النص. بل تجاوز الأمر ذلك إلى اتخاذ ساحة دراسة النص القرآني ساحة لدراسة اللغة كما فعل الزجاج في كتابه الذي ذكرناه. إضافة إلى ذلك نلاحظ أنه كان للعلماء المسلمين من أصل فارسي دور بارز في هذا النشاط التأليفي حول النص القرآني. لا زال أثر هذا النشاط التأليفي حول النص القرآني باقٍ وملموس من خلال المخطوطات التي ترجع إلى ذلك الزمان وقد استعرضنا بعضاً منها في هذا المقال.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...