تمكن جنكيز خان من توحيد قبائل المغول والتتار تحت قيادته في بدايات القرن الثالث عشر الميلادي/السابع الهجري. ولم تمر سنوات معدودة حتى اجتاحت الجيوش المغولية الأراضي المتاخمة لها في كل من الصين وجنوب شرق آسيا وبلاد ما وراء النهرين وآسيا الوسطى. وعلى وقع ضربات السيوف المغولية تعرف المسلمون على الشعب المغولي للمرة الأولى.
اهتم المؤرخون المسلمون بالحديث عن المغول باعتبارهم أحد الشعوب التي تمكنت من إقامة دولة واسعة في العراق وإيران وأذربيجان وأجزاء من بلاد الشام والأناضول. في هذا السياق، تطرقت بعض المصادر التاريخية للحديث عن ساتي بيك، وهي الأميرة المغولية التي قُدّر لها أن تصل إلى سدة الحكم في الدولة المغولية الإيلخانية في سنة 739ه.
من جنكيز خان إلى محمود غازان
قاد جنكيز خان المرحلة الأولى من التوسعات الحربية المغولية. وبعد وفاته اضطلع حفيده هولاكو خان بمهمة إكمال التوسعات في الأراضي الإسلامية. في سنة 1256م اجتاح هولاكو إيران وقلاع الحشيشية الإسماعيلية، ثم توغل غرباً ليستولي على بغداد عاصمة الخلافة العباسية، وفي 1260م تمكن المغول من السيطرة على كل من حلب ودمشق، وباتوا على أعتاب الوصول إلى مصر.
لم ينشغل المؤرخون بنقل مشاعر ساتي بيك في تلك المرحلة. لم يحدثنا أي مصدر عن تلك الأميرة الصغيرة التي قُتل زوجها على يد أخيها. تُرى هل فُجعت في زوجها المغدور؟ أم أنها استبشرت خيراً وفرحاً بانفراد شقيقها بالسلطة المطلقة في الدولة؟
في أيلول/سبتمبر سنة 1260م وقعت معركة عين جالوت بين المماليك والمغول بالقرب من بيسان في أرض فلسطين. هُزم المغول وارتدوا إلى بلاد الشام. وصار هولاكو حاكماً لدولة واسعة شملت العراق وإيران وأذربيجان وأجزاء كبيرة من بلاد الشام والأناضول. وعُرفت تلك الدولة باسم الدولة الإيلخانية. وهي كلمة مغولية الأصل تعني الدولة التابعة لسلطة "خان" المغول الأعظم في قراقورم.
لم يمر وقت طويل حتى تمكن الإسلام من نفوس المغول. تذكر بعض الروايات أن العالم الشيعي نصير الدين الطوسي تمكّن من إقناع هولاكو باعتناق الإسلام، وذلك عندما رغب حفيد جنكيز خان من الزواج بإحدى الأميرات المسلمات، فأخبره الطوسي بأن ذلك لا يمكن إلا بعد أن يسلم وينطق الشهادتين، فأعلن هولاكو عندئذٍ إسلامه ونطق الشهادتين وتزوّج من الأميرة المسلمة. يعلق شمس الدين الذهبي في كتابه "سيَر أعلام النبلاء" على تلك الرواية، فيقول: "إنْ صح هذا فلعله قالها بفمه لعدم تقيده بدين، ولم يدخل الإسلام إلى قلبه... فإن كان الله تعالى مع هذا وفقه للإسلام فيا لسعادته. لكن حتى يصح ذلك، والله أعلم".
كان أحمد تيكودار ابن هولاكو هو أول أمراء المغول الإيلخانيين الذين أعلنوا بشكل واضح عن اعتناقهم للإسلام. ولكن برغم ذلك، بقي إسلامه شأناً خاصاً، ولم يحاول فرضه على المغول. تبدلت الأوضاع في سنة 1295م، حيث اعتنق الإيلخان الجديد غازان بن أرغون الإسلام. وأعلن الدين الإسلامي ديناً رسمياً لدولته. لم يغير إسلام المغول الإيلخانيين من واقع المعادلة السياسية في المنطقة.
كان الصراع محتدماً بين المماليك في مصر والشام من جهة والمغول الإيلخانيين في إيران والعراق من جهة أخرى. في سنة 1299م، تعرض المماليك لهزيمة قاسية على يد قوات غازان خان، في معركة وادي الخازندار. ولكنهم -أي المماليك- سرعان ما أخذوا بثأرهم عندما هزموا المغول في سنة 1303م في معركة شقحب.
أخت الإيليخان وزوجة قائد الجيش
في سنة 1304م توفي غازان خان، وخلفه أخوه محمد أولجايتو على العرش في العاصمة "سلطانية" الواقعة في شمال غرب إيران. ولد للإيلخان الجديد عدة أبناء، ومنهم ابنته الصغيرة ساتي بيك والتي لم تكن تعرف أن الأقدار تخبئ لها الكثير فيما هو قادم.
كعادة الملوك والأمراء في ذلك العصرو قام أولجايتو بتزويج بناته من كبار قادة الدولة حرصاً على ضمان ولائهم له. في هذا السياق زُوّجت ساتي بيك من الأمير جوبان المُلقب بأمير الأمراء، وكان يشغل منصب قائد الجيش الإيلخاني. لا نعرف عمر ساتي بيك في تلك الفترة، ولكن تتحدث المصادر التاريخية أنها أنجبت ابنها سيورغان بعد فترة قصيرة من الزواج.
في سنة 1316م توفي محمد أولجايتو، وتسبب ذلك في حدوث مشكلة كبيرة في حكم الدولة الإيلخانية. يشير الدكتور محمد صالح القزاز في كتابه "الحياة السياسية في العراق في عهد السيطرة المغولية" إلى تلك المشكلة فيقول: "وقعت الإيليخانية عند وفاته في أزمة لعدم وجود المرشحين لها البالغين سن الرجولة، إذ أن ولديه الأكبرين بسطام ويزيد كانا قد توفيا خلال حياته، وكذلك ثالثهما طيفور، ولم يترك أولجايتو خلفاً له سوى طفله القاصر أبي سعيد -شقيق ساتي- الذي أصبح المرشح الوحيد للإيليخانية والذي تم تتويجه من قِبل خواتين الأسرة وبناتها".
كعادة الملوك والأمراء في ذلك العصر. قام أولجايتو بتزويج بناته من كبار قادة الدولة حرصاً على ضمان ولائهم له. في هذا السياق زُوّجت ساتي بيك من الأمير جوبان المُلقب بأمير الأمراء، وكان يشغل منصب قائد الجيش الإيلخاني.
في ظل تلك الظروف وصل أبو سعيد بهادُر إلى الحكم ولم يكن قد تعدى الثالثة عشرة من عمره بعد. استغل القائد جوبان تلك الفرصة فصار الحاكم الحقيقي للدولة. يذكر شهاب الدين النويري في كتابه "نهاية الأرب في فنون الأدب": "أن الملك أبا سعيد بن خربندا حصل له الحصار من نائبه جوبان وأنه استقل بتنفيذ الأمور دونه ولم يبق له في المملكة إلا مجرد التسمية.".
في سنة 1328م تمكن بهادُر من التخلص من جوبان بعد أن ضاق ذرعاً بمشاركته له السلطة والحكم. ولكن الإيلخان الشاب لم يهنأ طويلاً بفرض سيطرته المطلقة على الدولة إذ توفي بشكل مفاجئ في سنة 1335م وهو في طريقه إلى الحرب ضد مغول القبيلة الذهبية. بوفاة أبي سعيد بهادر انفرط عقد الدولة الإيلخانية، وانفرد كل أمير بما تحت يديه من البلاد والأقاليم. يذكر الرحالة المغربي ابن بطوطة في كتابه أسماء الأمراء المتغلبين على أنحاء المملكة الإيلخانية بعد وفاة أبي سعيد بهادر، فيقول: "منهم الشيخ حسن... تغلب على عراق العرب جميعاً. ومنهم إبراهيم شاه ابن الأمير سنيته تغلب على الموصل وديار بكر. ومنهم الأمير أرتنا تغلب على بلاد التركمان المعروفة أيضاً ببلاد الروم. ومنهم حسن خواجة بن الدمرطاش بن الجوبان تغلب على تبريز والسلطانية وهمدان وقُم وقاشان والري ورامين وفرغان والكَرَج. ومنهم الأمير طغيتمور تغلب على بعض بلاد خُراسان. ومنهم الأمير حسن بن الأمير غياث الدين تغلب على هراة ومعظم بلاد خراسان. ومنهم ملك دينار تغلب على بلاد مكران وبلاد كبج. ومنهم محمد شاه بن مظفر تغلب على يزد وكرمان وورقو. ومنهم الملك قطب الدين تَمهْتَن تغلب على هرمز وكيش والقطيف والبحرين وقلهات. ومنهم السلطان أبو إسحاق... تغلب على شيراز وأصفهان وملك فارس. ومنهم السلطان أفراسياب أتابك تغلب على إيذَج وغيرها من البلاد.".
الوصول للعرش
لم ينشغل المؤرخون بنقل مشاعر ساتي بيك في تلك المرحلة. لم يحدثنا أي مصدر عن تلك الأميرة الصغيرة التي قُتل زوجها على يد أخيها. تُرى هل فُجعت في زوجها المغدور؟ أم أنها استبشرت خيراً وفرحاً بانفراد شقيقها بالسلطة المطلقة في الدولة؟
ظهر اسم ساتي بيك في الكتابات التاريخية بعد وفاة أبي سعيد بهادُر. لم يوجد ذكور مناسبين للحكم من ذرية أولجايتو، ولذلك تم تنصيب أربا خان، وهو واحد من أحفاد جنكيز خان، إيليخاناً جديداً للدولة. وفي محاولة لصبغ حكمه بالصبغة الشرعية تزوج من ساتي بيك "لكي يجمع بها بقية الأمراء المتعلقين بأسرة هولاكو حوله"، وذلك بحسب ما يذكر القزاز في كتابه.
لم يستقر حكم أربا بسبب كثرة الثورات التي قامت ضده، وقُتل بعد أقل من ستة أشهر من تنصيبه، ودار الصراع على الحكم بعدها بين فريقين، وهما أسرة جوبان التي يتزعمها حسن بن تيمورتاش بن جوبان، والمُلقب بحسن الصغير، وأسرة الجلائريين التي يتزعمها حسن الجلائري، والمُلقب بحسن الكبير.
في البداية، استولى حسن بن تيمورتاش بن جوبان على السلطة. وتحالف مع ساتي بيك ورشحها لتتولى الحكم في الدولة الإيلخانية. يلقي الدكتور محمد سهيل طقوش في كتابه "تاريخ المغول العظام والإيليخانيين" الضوء على الأحداث التي وقعت في تلك المرحلة فيقول: "عندما دخل حسن الصغير مدينة تبريز، ومعه عدد من أمراء الجوبانية، طلب منه هؤلاء أن يختار أحد أفراد أسرة جنكيز خان ليكون إيليخاناً، وحيث أنه لم يبق أحداً من الذكور من أفراد هذه الأسرة وقع اختياره على ساتي بيك لتكون إيليخاناً، ويبدو أن الذي شجعه على اختيارها خلافها مع حسن الجلائري. وخُطب لساتي بيك على المنابر ونُقش اسمها على السكة، وجعلت وزارتها مشاركةً بين ركن الدين شيخي الرشيدي وغياث الدين محمد عليشاهي".
"يبدو لنا من سياق الأحداث أن ساتي بيك لم تكن تمتلك الخبرة الكافية في المجال السياسي، فضلاً عن أن كثرة الحروب والتنافس على العرش وتفاقم سلطان حسن بن تيمور ونفوذه، أسهم في إضعاف دورها سياسياً ووضع حد لسلطتها"
ساد الهدوء في الدولة لبضعة شهور بعدما تم عقد الصلح بين كل من حسن بن تيمورتاش وساتي بيك من جهة، وحسن الجلائري من جهة أخرى. ولكن سرعان ما تجدد الصدام بين الحسنين مرة أخرى لأن كلاً منهما كان يستشعر غدر غريمه. بدأ حسن الجلائري بنقض الهدنة فتراجع عن الاعتراف بحكم ساتي بيك. ونصب شاه جهان تيمور خان إيلخاناً جديداً للدولة. من جهته، أدرك حسن بن تيمورتاش أنه يحتاج لأن ينصب رجلاً على العرش حتى يجتمع حوله القادة والمحاربين. فاستقدم سليمان بن يوسف شاه، وهو أحد أحفاد هولاكو. وأجبر ساتي بيك على الزواج منه بدعوى أنها لا تستطيع إدارة الدولة بمفردها. لتنتقل بذلك السلطة بشكل شرعي إلى سليمان خان.
انتهى الصراع بين الطرفين بعد عدة سنوات بتدمير الدولة المغولية الإيلخانية. ولم تذكر المصادر التاريخية شيئاً عن مصير ساتي بيك. في كتابها "صفحات من تاريخ المغول" تحاول الدكتورة سعاد الطائي أن تلتمس الأعذار لفشل تجربة حكم ساتي بيك فتقول: "يبدو لنا من سياق الأحداث أن ساتي بيك لم تكن تمتلك الخبرة الكافية في المجال السياسي، فضلاً عن أن كثرة الحروب والتنافس على العرش وتفاقم سلطان حسن بن تيمور ونفوذه، أسهم في إضعاف دورها سياسياً ووضع حد لسلطتها". وهكذا أُسدل الستار على سيرة تلك الأميرة المغولية التي أُجبرت على الزواج أكثر من مرة تحقيقاً لرغبة أقربائها من الذكور في الاستحواذ على السلطة المطلقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع