لم يفاجئني فوز الفيلم المغربي "Hounds" أو "عصابات"، بجائزة لجنة تحكيم مسابقة "نظرة ما"، في الدورة السادسة والسبعين لمهرجان كان السينمائي (16-27 أيار/ مايو 2023)، التي شهدت حضوراً قوياً للسينما العربية؛ فالفيلم، وهو العمل الروائي الطويل الأول لمخرجه كمال الأزرق، يبدو كملحمة مبهرة وممتعة، برغم كآبتها ووحشيتها وجنونها، والعنف الدموي بإيقاع لاهث يكتم الأنفاس.
في مدينة الدار البيضاء التي اختارها المخرجُ حلبةَ صراع لشخصيات بائسة غريبة الأطوار تعيش تحت خط الفقر، الجميع يحاربون من أجل البقاء أحياء، ومع ذلك، الموت هو النهاية الحتمية والطريق الوحيد للخلاص. تبدأ الأحداث التي تقع في أربع وعشرين ساعةً فقط، بمصارعة بين كلاب شرسة، تنهش بعضها في معركة عنيفة، ويضع نهايتها رجل أكثر عنفاً من الكلاب، حين يقتل أحدها بدم بارد، أمام صاحبه "ديب" (عبد الله البكيري)، الذي يثور ويتوعد بالانتقام، ويتفق مع "حسن" (عبد اللطيف المستوري)، لخطف قاتل الكلب. في هذا الحي الوحشي، هناك دائماً من لديه استعداد لتنفيذ أي مهمة قذرة من أجل المال؛ يخطف "حسن" الرجل المطلوب، ويفاجئ "ديب" بقتله!
في مدينة الدار البيضاء التي اختارها المخرجُ حلبةَ صراع لشخصيات بائسة غريبة الأطوار تعيش تحت خط الفقر، الجميع يحاربون من أجل البقاء أحياء، ومع ذلك، الموت هو النهاية الحتمية والطريق الوحيد للخلاص
يستوقفني اختيار الاسم العربي للفيلم: "عصابات". أعتقد أن "كلاب الصيد" ترجمة أكثر صدقاً وتعبيراً عن محتوى الفيلم، وربما اختار المخرج افتتاحيته بمعركة الكلاب إسقاطاً على ما بعدها من أحداث، وكلها تدور في أربع وعشرين ساعةً فقط، في هذا العالم السفلي، حيث التخلص من أي كيان هو الخيار الأول، والقرار الأسرع، فلا صوت يعلو هنا على صوت الرصاص والدم!
نتتبّع "حسن" في مهمة قذرة جديدة لخطف أحدهم، يشاركه في تنفيذها ابنه "عصام" (أيوب العيد)، وينجحان فيها، لكنهما يقتلانه من دون قصد، أو بقصد، لا يهم. المهم أن عليهما الآن التخلص من القتيل قبل الصباح، وهنا تتصاعد الأحداث بشكل مروع وغريب، ويُدخلنا المخرج في جدل مقصود، عن الازدواجية والفصام اللذين يسيطران على جيل الأب "حسن"، بحيث يفاجئنا تمسكه بتطبيق قواعد الإسلام في التعامل مع الميت، إذ يصرّ "حسن" على غسل الميت "القتيل"، وتكفينه ودفنه وفق الشريعة الإسلامية، بينما يصرّ الابن "عصام"، على التخلص سريعاً من هذه الجثة وبأي شكل. يدخلان في صراع جدلي يهاجم فيه الابن الشاب والده الذي يتمسك بتعاليم المسلمين مما يجرّ عليهما المتاعب!
النقاش الصادم الذي يعرّي ازدواجية الأب وشراسة الابن، ينتهي بقرار التخلص السريع من جثة القتيل. بإيقاع يكتم الأنفاس، يتنقل "حسن" و"عصام" من خرابة إلى أخرى، ويصلان إلى شاطئ بعيد حيث يقع اختيارهم على صياد، لا يختلف عنهم أبداً، إذ تتشابه الملامح والأرواح في العالم السفلي للمدينة المغربية وهو ما لم نشاهده في المغرب من قبل. يوافق الصياد على مساعدتهم في التخلص من الجثة بإلقائها في البحر، لكن تفشل المحاولة، ونعود من جديد إلى صخب الخلاف بين الأب وابنه، اللذين يدركهما رجال عصابات آخرون، ليضع المخرج نهايةً تناسب مرارة الواقع. يقول كمال الأزرق: "الفيلم تدور أحداثه في أكثر المناطق فقراً في الدار البيضاء، وليس في مدنها وضواحيها وشواطئها المعروفة للجميع، هناك في تلك المناطق المجهولة للكثيرين حكايات جديرة بالسرد".
ما بين اليأس المسيطر على أبطال الفيلم والتمزق الداخلي الذي مرجعه ديني، والرغبة في حياة لا تتحقق إلا بموت الآخرين، يرسم المخرج الشاب صورةً مخيفةً للعاصمة المغربية، حيث البطالة والفقر، وبعدهما من الممكن تخيّل أي شيء. في صراع من أجل البقاء، يفترس القوي الضعيف، كما حدث مع الكلاب التي افتتح الأزرق بها فيلمه الرائع، برغم قسوة الفيلم والمخرج المغرم بتصوير وحشية شخصياته التي لا تنطق كثيراً ولكن تكفي تعبيراتها المذهلة، وبرغم أن معظمهم ليسوا ممثلين محترفين، وبعضهم من العاطلين الحقيقيين في العاصمة المغربية.
اختار المخرج زوايا حادةً، وحاصرنا بألوان قاتمة تنوعت بين الأسود والأزرق القاتم والبرتقالي والأحمر العميق، تعبيراً عن سيطرة الشيطان على الحياة في العالم السفلي
لا يفضّل كمال الأزرق العمل مع المحترفين من الممثلين، ففي فيلميه السابقين القصيرين "الرجل والكلب" و"دراري"، اختار أبطاله من الهواة وبينهم كيمياء خاصة. حرص المخرج على التقاط صور مع بطليه عبد اللطيف المستوري وأيوب العيد، اللذين حضرا معه العرض الأول للفيلم في المهرجان، ولما سألته عن سبب اختياره لهما، قال إنه يحب العمل مع ممثلين جدد غير محترفين، وقد رأى فيهما روحاً وشبهاً من نجوم السينما الإيطالية (المتأثر بها المخرج)، وهما موهوبان، وأضاف: "في المغرب الكثير من المواهب التمثيلية غير مكتشفة ونحن محظوظون بذلك".
اختار المخرج زوايا حادةً، وحاصرنا بألوان قاتمة تنوعت بين الأسود والأزرق القاتم والبرتقالي والأحمر العميق، تعبيراً عن سيطرة الشيطان على الحياة في العالم السفلي، وكله من الرجال، ويبدو أن صنّاع الأفلام العربية في مهرجان كان هذا العام اتفقوا على شيطنة الرجال!
"عصابات" كمال الأزرق، كان سفيراً مشرفاً للسينما المغربية في مهرجان كان السادس والسبعين، وهو إنتاج مغربي فرنسي بلجيكي مشترك، بدعم سعودي من صندوق البحر الأحمر، ومؤسسة الدوحة للأفلام.
انضم/ي إلى المناقشة
jessika valentine -
منذ أسبوعSo sad that a mom has no say in her children's lives. Your children aren't your own, they are their father's, regardless of what maltreatment he exposed then to. And this is Algeria that is supposed to be better than most Arab countries!
jessika valentine -
منذ شهرحتى قبل إنهاء المقال من الواضح أن خطة تركيا هي إقامة دولة داخل دولة لقضم الاولى. بدأوا في الإرث واللغة والثقافة ثم المؤسسات والقرار. هذا موضوع خطير جدا جدا
Samia Allam -
منذ شهرمن لا يعرف وسام لا يعرف معنى الغرابة والأشياء البسيطة جداً، الصدق، الشجاعة، فيها يكمن كل الصدق، كما كانت تقول لي دائماً: "الصدق هو لبّ الشجاعة، ضلك صادقة مع نفسك أهم شي".
العمر الطويل والحرية والسعادة لوسام الطويل وكل وسام في بلادنا
Abdulrahman Mahmoud -
منذ شهراعتقد ان اغلب الرجال والنساء على حد سواء يقولون بأنهم يبحثون عن رجل او امرة عصرية ولكن مع مرور الوقت تتكشف ما احتفظ به العقل الياطن من رواسب فكرية تمنعه من تطبيق ما كان يعتقد انه يريده, واحيانا قليلة يكون ما يقوله حقيقيا عند الارتباط. عن تجربة لم يناسبني الزواج سابقا من امرأة شرقية الطباع
محمد الراوي -
منذ شهرفلسطين قضية كُل إنسان حقيقي، فمن يمارس حياته اليومية دون ان يحمل فلسطين بداخله وينشر الوعي بقضية شعبها، بينما هنالك طفل يموت كل يوم وعائلة تشرد كل ساعة في طرف من اطراف العالم عامة وفي فلسطين خاصة، هذا ليس إنسان حقيقي..
للاسف بسبب تطبيع حكامنا و أدلجة شبيبتنا، اصبحت فلسطين قضية تستفز ضمائرنا فقط في وقت احداث القصف والاقتحام.. واصبحت للشارع العربي قضية ترف لا ضرورة له بسبب المصائب التي اثقلت بلاد العرب بشكل عام، فيقول غالبيتهم “اللهم نفسي”.. في ضل كل هذه الانتهاكات تُسلخ الشرعية من جميع حكام العرب لسكوتهم عن الدم الفلسطيني المسفوك والحرمه المستباحه للأراضي الفلسطينية، في ضل هذه الانتهاكات تسقط شرعية ميثاق الامم المتحدة، وتصبح معاهدات جنيف ارخص من ورق الحمامات، وتكون محكمة لاهاي للجنايات الدولية ترف لا ضرورة لوجوده، الخزي والعار يلطخ انسانيتنا في كل لحضة يموت فيها طفل فلسطيني..
علينا ان نحمل فلسطين كوسام إنسانية على صدورنا و ككلمة حق اخيرة على ألسنتنا، لعل هذا العالم يستعيد وعيه وإنسانيته شيءٍ فشيء، لعل كلماتنا تستفز وجودهم الإنساني!.
وأخيرا اقول، ان توقف شعب فلسطين المقاوم عن النضال و حاشاهم فتلك ليست من شيمهم، سيكون جيش الاحتلال الصهيوني ثاني يوم في عواصمنا العربية، استكمالًا لمشروعه الخسيس. شعب فلسطين يقف وحيدا في وجه عدونا جميعًا..
محمد الراوي -
منذ شهربعيدًا عن كمال خلاف الذي الذي لا استبعد اعتقاله الى جانب ١١٤ الف سجين سياسي مصري في سجون السيسي ونظامه الشمولي القمعي.. ولكن كيف يمكن ان تاخذ بعين الاعتبار رواية سائق سيارة اجرة، انهكته الحياة في الغربة فلم يبق له سوى بعض فيديوهات اليوتيوب و واقع سياسي بائس في بلده ليبني عليها الخيال، على سبيل المثال يا صديقي اخر مره ركبت مع سائق تاكسي في بلدي العراق قال لي السائق بإنه سكرتير في رئاسة الجمهورية وانه يقضي ايام عطلته متجولًا في سيارة التاكسي وذلك بسبب تعوده منذ صغره على العمل!! كادحون بلادنا سرق منهم واقعهم ولم يبق لهم سوى الحلم والخيال يا صديقي!.. على الرغم من ذلك فالقصة مشوقة، ولكن المذهل بها هو كيف يمكن للاشخاص ان يعالجوا إبداعيًا الواقع السياسي البائس بروايات دينية!! هل وصل بنا اليأس الى الفنتازيا بان نكون مختارين؟!.. على العموم ستمر السنين و سيقلع شعب مصر العظيم بارادته الحرة رئيسًا اخر من كرسي الحكم، وسنعرف ان كان سائق سيارة الاجرة المغترب هو المختار!!.