لعلّ صورة الرئيس السوري بشار الأسد، وهو يدخل إلى مكان انعقاد القمّة العربية، ويستقبله الولي العهد السعودي محمد بن سلمان بحرارة، تختصر ما تبقّى من ساعات جلس فيها حكام الدول العربية يتلون كلمات تتكرر مع كُل قمّة، وتطغى حتى على تواجد الرئيس الأوكراني فلودومير زيلنسكي، كضيف شرف يجول في العالم لمحاولة حشد الرأي العام مع بلاده التي تتعرض منذ أكثر من سنة لحرب روسية شرسة.
تأتي القمة العربية الـ32 التي انعقدت أمس الجمعة في جدة، في السعودية، في وقت تمرّ فيه المنطقة في ظروف استثنائية، كما يقول "القادة" الحاضرون، أبرزها أنها تأتي في وقت يُعاد فيه تشكيل التحالفات لا سيما بعد الاتفاق السعودي-الإيراني الذي على ما يبدو أنهى المواجهة غير المباشرة بينهما في أكثر من بلد، أمّا الصراعات الداخلية لكل بلد، فليست استثناءً، كون الكثير من دول العالم العربي، من العراق إلى السودان، لم تعرف الهدوء لسنوات طويلة مضت.
تم التوافق خلال اجتماع عمان على حل سياسي في سوريا والقرار 2254، وإيقاف تجارة الكبتاغون
وخلصت القمّة إلى التأكيد على "إعلان جدة"، وأبرز عناوينه "الحفاظ على وحدة سوريا وعودة اللاجئين، تغليب لغة الحوار في السودان، حل الأزمة في ليبيا عن طريق إجراء انتخابات، دعم جهود الحل السياسي في اليمن، انتخاب رئيس للبنان وتشكيل حكومة، والترحيب بالاتفاق السعودي-الإيراني"، وبالطبع لم تغِب فلسطين عن القمّة، ورئيس سلطتها الذي رحّب كثيراً بعودة "الرئيس الأسد"، فعاد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية عربياً وعلى المبادرة العربية كسبيل لحلها.
في المقابل، كان قد تم التوافق خلال الاجتماع الذي عُقد في العاصمة الأردنية عمان في 5 أيار/ مايو الجاري، بحضور وزراء خارجية السعودية والأردن ومصر والعراق وسوريا، على ضرورة "إنهاء الأزمة السورية عبر حل سياسي يحفظ وحدة سوريا وتماسكها وسيادتها، بما ينسجم مع قرار مجلس الأمن 2254، ويعالج جميع تبعات الأزمة الإنسانية والسياسية والأمنية، والتوافق على التقارب خطوةً خطوة، وإيقاف تجارة الكبتاغون"، بحسب ما جاء في نص البيان الرسمي الذي تلا الاجتماع، الذي سبقه التقارب السعودي-الإيراني، وهي بنود غابت غالبيتها عن قمّة جدة.
السعودية وتصدّر المشهد
افتُتحت القمة بكلمة لرئيس وزراء خارجية الجزائر أيمن عبد الرحمن، الذي سلّم بن سلمان رئاسة القمة العربية في دورتها الـ32، والذي بدأ كلمته بالترحيب بالرئيس الأوكراني، وببشار الأسد بعد قطيعة دامت أكثر من 12 عاماً، آملاً أن "تشكل عودة سوريا إلى الجامعة العربية نهايةً لأزمتها"، ما يعاكس خطاب السعودية قبل سنوات عربياً ودولياً، والتي كانت ترفض التطبيع مع نظام الأسد.
وتحاول السعودية اليوم تصدّر المشهد العربي بقيادتها القمة، عبر ملفات عربية وإقليمية عدة، منها دعم الجهود الدولية لحل الأزمة الأوكرانية، واستعدادها لبذل جهود للوساطة بين روسيا وأوكرانيا، فضلاً عن الجهود "لإنهاء الصراع في منطقة الشرق الأوسط وإحلال السلام الذي يهدف إلى الاستقرار والتنمية الاقتصادية"، كما يؤكد قادتها.
يعتقد الباحث والسياسي بسام القوتلي، المختص بـ"قانون الهجرة وإدارة النزاعات"، أن "عودة بشار الأسد إلى الجامعة العربية مشروطة"، ويقول خلال حديثه إلى رصيف22: "هناك آمال عربية؛ منها إنهاء ملف إنتاج المخدرات وتهريبها، وإعادة بعض اللاجئين. العرب يقومون فعلياً بتنفيذ خطة بيدرسون 'خطوة بخطوة'، لكنني غير متفائل بأنهم سيحصلون على خطوات مقابل ذلك".
السعودية لاعب رئيسي في المنطقة، ويجب أن يكون لها دور، لكن يبدو أنها مقبلة على فترة من الانكفاء الذاتي، ولهذا تسعى إلى حلحلة معظم القضايا التي تنخرط فيها
ويضيف: "السعودية لاعب رئيسي في المنطقة، ويجب أن يكون لها دور، لكن يبدو أنها مقبلة على فترة من الانكفاء الذاتي، ولهذا تسعى إلى حلحلة معظم القضايا التي تنخرط فيها، وأي مبادرات ستقدّمها في هذه الفترة ستكون جزءاً من محاولاتها إظهار حيادها في الصراعات الإقليمية والدولية، ولن تكون لها أبعاد أخرى".
صورة بخطاب مكرر
المصالحة السعودية الإيرانية بمبادرة صينية، التي تلتها قمة عمان الخماسية التي عُقدت في الخامس من أيار/ مايو الجاري، بمشاركة وزراء خارجية كل من سوريا والأردن والسعودية والعراق ومصر، انتهت بدعوة الأسد للعودة إلى "الحضن العربي"، الأمر الذي لم يفوّته الأخير وشدد عليه في خطابه، قائلاً: "سوريا ماضيها وحاضرها ومستقبلها، العروبة، لكنها عروبة الانتماء لا عروبة الأحضان، فالأحضان عابرة أما الانتماء فدائم، وربما ينتقل الإنسان من حضن إلى آخر لسبب ما، لكنه لا يغيّر انتماءه".
وتوجه إلى "القادة العرب" بالقول إن "عودة سوريا تعتبر فرصةً تاريخيةً لإعادة ترتيب شؤونها بأقل قدر من التدخل الأجنبي، وهو ما يتطلب إعادة تموضعها في هذا العالم الذي يتكون اليوم، كي نكون جزءاً فاعلاً فيه"، وهاجم الأسد تركيا عادّاً أنها خطر عثماني توسعي مطعّم بنكهة إخوانية منحرفة، كما لم يسلم الغرب من خطابه حول الليبرالية التي تستهدف الدول والمجتمعات.
لا يرى الكاتب والمحلل السوري فراس علاوي، أن الأساس في عودة الأسد إلى جامعة الدول العربية مفتاحه قمة عمان، بل بدأ فعلياً في اجتماع القمة في الجزائر، ويقول لرصيف22: "كانت هناك وعود بالموافقة على عودة النظام في حال ساعدت الأجواء الإقليمية والدولية على ذلك، الأمر الذي جعل قمة الجزائر قمة التوافق، حيث بدأت إشارات عودة النظام وإزالة بعض العقبات، الأمر الذي سهّل المسارعة العربية التركية إلى العودة إلى سوريا، فحاول العرب أن يكونوا أسرع من الأتراك، لذلك كان الهدف من تأجيل موعد القمة العربية إلى ما بعد الانتخابات التركية، رؤية كيف تسير الأمور في المنطقة من أجل إعادة نظام الأسد".
ويضيف: "مؤتمر عمّان لم يركّز على السياسة، بل ركز على الأمن المجتمعي والاقتصادي، وتهريب الكبتاغون وإنتاجه وعودة اللاجئين، وطلبات بشار الأسد لم تكن طلبات سياسيةً بل طالب فقط بأن تتم عودته بعيداً عن العقوبات الأمريكية، وتالياً كانت شروط الطرفين لا تتعلق بالسياسة، وهذا ما لاحظناه في اجتماع القمة بغياب القرار 2254 عن معظم الكلمات، عدا كلمة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي والأمير الكويتي نواف الأحمد الجابر، اللذين ركّزا على هذه النقطة، بينما ركّز الملك الأردني عبد الله الثاني على مرجعية اجتماع عمان والباقون تحدثوا في العموم".
المقداد: المشاريع والقوانين المطروحة خلال الاجتماع عكست وجهات نظرنا لتجاوز الأزمة
وبرأيه، "حضور بشار الأسد لم يُضف شيئاً إلى الموقف السوري، ولا إلى الموقف العربي، وسينتهي بحضور القمة، لأنها لم تخرج بخريطة طريق للتعامل مع الشأن السوري، وإنما مجرد مبادرات وهذه المبادرات تأخذ وقتاً طويلاً، لذلك لن يتغير شيء بالنسبة للسوريين، وربما تكون هناك بعض العلاقات الجانبية مع الدول التي كانت تقيم في الأساس علاقات معه مثل الجزائر وغيرها من الدول، ولكن الموقف العربي بشكل عام سيبقى على ما هو عليه، لذلك يجب أن ننتظر القمة القادمة كي نرى ما سيستجدّ من تطورات".
من جهته، يرى قوتلي أن "التقارب السعودي الإيراني أساسي في ما حصل، خصوصاً أن السعودية ترغب في الخروج من مستنقع اليمن، والتركيز على القضايا الداخلية، وهناك تلاقٍ أيضاً مع الوضع الأردني والأزمات التي يمر بها".
ويضيف: "هناك مخاوف عربية من النفوذين الإيراني والتركي في سوريا، ورغبة في الحصول على دور أيضاً. الأسد لا يستطيع تقديم أي شيء في وجه إيران، وتالياً هو يعطي الدول العربية الشعور بأنه سيكون في وجه النفوذ التركي، كما يجب ألا ننسى أن تجميد الصراع الأمريكي يضع أعباء كبيرةً على دول المنطقة ويجعلها تعمل على الخروج من هذه الصراعات بأي ثمن".
وكان وزير الخارجية السوري فيصل المقداد قد قال في تصريحٍ صحافي عقب اجتماع وزراء الخارجية العرب التحضيري في جدة إنّ "المشاريع والقوانين المطروحة خلال الاجتماع عكست وجهات نظرنا لتجاوز الأزمة، واحترام الدور الذي تقوم به سوريا على المستويين الإقليمي والدولي".
زيلنسكي يخطف الأضواء
مقابل حضور الأسد الذي يُعدّ حليفاً لروسيا، وقد أيّدها في غزوها أوكرانيا، كان هناك حضور زيلينكسي في زيارة أولى له إلى الشرق الأوسط منذ بدء الحرب الروسية على أوكرانيا في شباط/ فبراير 2022، فدعا في كلمته إلى دعم السلام في بلاده، كما أعرب عن ترحيبه بالاستثمارات العربية، وأمله في أن يعود السياح العرب لرؤية بلاده قريباً "خاليةً من الاحتلال الروسي"، وقال إن بلاده "لن تستسلم ولن تخضع لأي محتل أجنبي"، مناشداً الحضور "حماية شعبنا والجالية الأوكرانية المسلمة".
ويعتقد القوتلي "أن حضور زيلينسكي يهدف إلى إحداث توازن مع حضور الأسد، بحيث لا تبدو دعوة الأسد وكأنها انحياز للمعسكر الروسي على حساب الولايات المتحدة".
خلصت القمة العربية إلى التأكيد على اعتماد "إعلان جدة"، الذي يتحدث بالعموميات، فيما كان لافتاً أن اجتماع وزراء الخارجية كان قد خلص إلى ما هو أوسع وأكثر تفصيلاً، فما الذي تغيّر؟
من جهته، يرى علاوي أن "حضور زيلنسكي للقمة مبادرة سعودية وليست عربيةً، ولكن وُضع الرؤساء العرب بصورتها، ويجب ربطها برسالة بوتين إلى القمة العربية، والذي بدوره لم يهاجم القمة بل أكد تأييده للحل"، ويضيف: "على ما يبدو، هناك دور ما لدول الخليج لتلعبه، هو ما أدى إلى حضور زيلنسكي القمة ومن الممكن أن تكون وساطة سعودية مدعومة عربياً".
ويتابع: "الرئيس الأوكراني وجّه خطابه للعموم وكلامه عن الإسلام واضح، جاء لكسب التعاطف العربي الإسلامي، وانتقد الدعم الروسي من بعض الدول، كما خصص جزءاً مهماً من كلمته للمسلمين الأوكرانيين، وكان أحد أعضاء وفده مسلماً أوكرانياً".
وكانت السعودية قد صوتت لصالح قرارات مجلس الأمن المنددة بالغزو الروسي وضم موسكو مناطق في شرق أوكرانيا، وفي الوقت نفسه واصلت التنسيق بشكل وثيق مع روسيا حول السياسات النفطية، بما في ذلك قرار خفض الإنتاج الذي اتُخذ في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، والابتعاد النسبي عن حليفتها الأولى، سابقاً، الولايات المتحدة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين