شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
القوارض شريكة الأهالي شمال سوريا... من يعالج الكارثة؟

القوارض شريكة الأهالي شمال سوريا... من يعالج الكارثة؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

بيئة ومناخ نحن والبيئة

الأحد 14 مايو 202311:59 ص

حالة من اللامبالاة واليأس وصل إليها زكوان في خيمته المهترئة أصلاً، فما إن يتخلص من جرذ حتى يظهر آخر، وما إن يرقّع قماش خيمته حتى يُفاجأ بثقوب أخرى.

يشكو زكوان لرصيف22: "لم يعد الوضع يحتمل، تعبنا من الشكوى، أطلقنا عدة نداءات للمنظمات والجهات الفاعلة لعلاج مشكلة انتشار القوارض لكن لا مجيب، قبل مدة قضمت هذه القوارض أذن جار لي وهو نائم في خيمته محدثة ندوباً عميقة".

على بعد 54 كيلومتراً من مدينة إدلب شمال سوريا يقع تجمعُ مخيمات الكمونة، الذي يضم قرابة 20 ألف مهجر موزعين على 11 مخيماً، يعيشون حياة مأسوية، لتكمل مشكلة انتشار القوارض والأفاعي والعقارب داخل خيامهم معاناتهم، بعد أن زادت نسبتها بشكل كبير جراء الزلزال، إذ وجدت هذه القوارض في الركام والنفايات موئلاً لتكاثرها.

منذ الزلزال تفاقمت معاناة قاطني الأحياء السكنية والمخيمات شمال سوريا، بسبب القوارض والأفاعي والكلاب.

خوف وذعر

زكوان محمد زين الدين، مدير مخيم بسمة أمل ضمن تجمع مخيمات الكمونة، يوضح المشكلة: "يشهد التجمع يشهد انتشاراً كبيراً للأفاعي السامة والعقارب والجرذان الكبيرة، وباتت تشكل مصدر قلق كبير لقاطني الخيام، بعد رصد عدد من حالات عض خطيرة للأطفال".

ويضيف: "وضع التجمعي المأسوي من حيث البنية التحتية وتدهور شبكات الصرف الصحي، وكثرة المستنقعات المائية وقلة المياه، تساهم بشكل كبير في وجود هذه الحيوانات الغريبة في طباعها وسلوكها وحجمها، فهي بحجم القط، وعدائية لا تخاف من البشر، ومستعدة لمهاجمة ضحيتها، لدرجة أنها باتت كابوساً مرعباً للأطفال وخاصة في الليل".

ويبدو أن هناك ضعف استجابة من المنظمات والجهات الفاعلة لمكافحة هذه الظاهرة، فالمكافحة فردية مقتصرة على وضع طعوم سامة وهي غير ناجعة بسبب العدد الكبير، فما إن تتخلص من واحد حتى يظهر غيره بين الملابس وداخل كراتين المواد الغذائية، محدثاً تلفاً للفرش والأغطية والملابس والأغذية، ما يجبر أصحابها على التخلص منها فوراً خوفًا من أي مرض محتمل.

ويتساءل زكوان: "هل المطلوب التعايش مع هذه الظاهرة؟ هل يمكن أن نراها تتحول إلى وباء دون أن يحرك الفاعلون ساكناً؟".

وتواصل رصيف22 مع مكتب وزارة الزراعة في الحكومة المؤقتة التابعة للمعارضة السورية، للاطلاع على هذه الظاهرة وانتشارها، ومعرفة كيفية التعامل معها، وما إذا كان هناك حلول وإجراءات احترازية لا سيما بعد الزلزال الذي أدى لاكتظاظ سكاني مرعب ضمن الأحياء والمخيمات، إلا أننا لم نتلق من المكتب أي رد.

كيف ساهم الزلزال بتفاقم الظاهرة؟

منذ وقوع زلزال 6 شباط/ فبراير تفاقمت معاناة قاطني الأحياء السكنية والمخيمات شمال سوريا، من حيث انتشار القوارض والأفاعي السامة والكلاب المسعورة، إذ أصبحت هذه الحيوانات تنافس السكان على الإقامة في بيوتهم وخيامهم، وتشاركهم في شوارعهم وحقولهم بشكل غير عادي، بل تعدى ذلك إلى تشكيلها خطراً يهدد حياتهم ولا سيما حياة أطفالهم.

وضع التجمع من حيث البنية التحتية وتدهور شبكات الصرف الصحي، وكثرة المستنقعات المائية وقلة المياه، تساهم بشكل كبير في وجود هذه الحيوانات، فهي بحجم القط، وعدائية لا تخاف من البشر، ومستعدة لمهاجمة ضحيتها، لدرجة أنها باتت كابوساً مرعباً للأطفال وخاصة في الليل

ومع الغياب شبه الكامل لخدمات التنظيف، واستمرارية صيانة شبكات الصرف الصحي، وضعف الاستجابة العاجلة للتخلص من الأوساخ والركام والمخلفات والأبنية المتضررة المهجورة التي خلفها الزلزال، تفاقمت المشكلة أكثر فأكثر، وشكّلت حالة من القلق والتوتر والخوف من انتشار أمراض وأوبئة تحملها هذه القوارض مع حلول فصل الصيف.

وتؤثر الكوارث الطبيعية من أعاصير وفيضانات وزلازل على مواقع تكاثر ناقلات الأمراض وانتقال الأمراض بالنواقل، وكان خبراء فرنسيون قد أرجعوا سبب انتشار القوارض في باريس عام 2016 إلى الفيضانات التي عرفها نهر السين وأجبرت الجرذان على الهروب والانتشار في المدن.

بالمقابل تحدث مدير التنوع الحيوي بوزارة الإدارة المحلية والبيئة في حكومة النظام، بلال الحايك، لصحيفة الوطن المحلية، في آذار/ مارس الفائت، عن ظهور الأفاعي والزواحف بصورة عشوائية في المناطق التي تعرضت للزلزال، الذي أثر على جحورها ومساكنها وأدى لتخريب مساراتها، وبالتالي خروجها على سطح الأرض ريثما تجد مكاناً ملائماً جديداً تتخذه مسكناً لها.

وتشير الإحصائية النهائية لفريق "منسقو استجابة سوريا" إلى تضرر قرابة 23 ألف منشأة ومبنى خاص وعام شمال غربي سوريا بسبب الزلزال، وهدم 214 مبنى كان آيلاً للسقوط، وإيواء أكثر من 28 ألف أسرة في خيام.

توازياً كان الدفاع المدني السوري قد أعلن في بيان أصدره في التاسع من آذار/ مارس، انطلاق مرحلة إزالة الأنقاض على نطاق جغرافي يشمل جميع المدن والبلدات المنكوبة شمال غربي سوريا، مضيفاً أن عمليات رفع الأنقاض ستكون وفق نهج صديق للبيئة بما يخفف تبعات وجودها داخل الأحياء السكنية ويساعد على إعادة تأهيل البنية التحتية.

أفضل طريقة لمحاربة الجرذان هي القطط والأفاعي والطيور الجارحة، وكذلك تدخين الجحور وسدها بالإسمنت.

تهديد خطير للمزروعات والحبوب

معروف أن القطاع الزراعي في شمال سوريا يعاني تدهوراً كبيراً يتمثل في شح الموارد المائية، وغلاء أسعار الأسمدة والمبيدات وأجور الري، رغم أنه مصدر دخل رئيسي لأكثر من 70 في المئة من سكان تلك المنطقة.

لاحظ أبو بدر الحسيوي، وهو مزارع ومربي مواشٍ في جسر الشغور في ريف إدلب، غزو عدد كبير من الجرذان الحقلية لحقوله الزراعية، ما يهدد بتلف هكتارات واسعة من مختلف المزروعات، بسبب التخريب وعبث جرذان الحقل بالمنتوجات الخضراء.

يقول الحسيوي لرصيف22 إن كثرة الجرذان تصيب أغلب المزروعات كالخضراوات والفواكه، لأنها تتلف منها أكثر مما تتغذى عليها، إضافة لالتهام حبوب القمح والذرة والشعير، كما تهاجم الحبوب والبقول والأعلاف المخزنة وتلوث جزءاً كبيراً منها ببرازها، فضلاً عن مهاجمتها الأفراخ والبيض في المداجن، وهو ما يسبب خسائر فادحة.

وعن إجراءات الوقاية التي يتخذها الحسيوي، أشار إلى أن أفضل طريقة لمحاربة الجرذان هي القطط والأفاعي والطيور الجارحة، ثم تأتي مرحلة تدخين الجحور بالغازات السامة والبخارية قبل سدها بالإسمنت، مضيفاً أنه "وجد في طُعم فوفسيد الزنك السام علاجاً فعالاً رغم ارتفاع ثمنه".

طرق للمكافحة

تتكاثر الجرذان بوتيرة عالية، وهي تحمل طفرات جينية تجعل مقاومتها عالية، والقضاء عليها أمراً صعباً، ويمكن أن تسبح في مجاري الصرف الصحي وتخترق الإسمنت المسلح والحديد، وهي تنقل أمراضاً متنوعة بكتيرية وفيروسية وطفيلية، وعلى رأسها الطاعون، عن طريق ملامسة الماء أو التربة أو النباتات الملوثة أو تناول الطعام الملوث ببول القوارض، إلى جانب حمى عضة الجرذ التي تنتقل عن طريق العض ويمكن أن تنتج عنها التهابات خطيرة تصل إلى معظم أعضاء الجسم الداخلية.

كثرة الجرذان تصيب أغلب المزروعات كالخضراوات والفواكه، لأنها تتلف منها أكثر مما تتغذى عليها، إضافة لالتهام حبوب القمح والذرة والشعير، كما تهاجم الحبوب والبقول والأعلاف المخزنة وتلوث جزءاً كبيراً منها ببرازها، فضلاً عن مهاجمتها الأفراخ والبيض في المداجن، ما يسبب خسائر فادحة

قال لرصيف22 الخبير البيئي جميل الخضر: "الجرذان تضم أكثر من 40 عائلة و1700 نوع، وتنتشر في جميع بقاع المعمورة بمختلف مناخاتها، وتعد من أكثر الحيوانات خصوبة، إذ بإمكان زوج واحد منها إنتاج ألفي قارض خلال سنة واحدة إذا ما توافرت الظروف الملائمة، وتعتبر من الحيوانات الذكية جداً، فعند شعورها بأنها تناولت مادة سامة مثلاً، تعود إليها وتبول عليها إنذاراً للبقية بعدم الاقتراب منها وتناولها، أو تقوم بتقديم أضعفها لتناول الطعم وتجربته".

وحسب الخضر، فإنها "تعيش قريبة من مصادر طعامها، وتختبئ في أكوام النفايات والحقول والحظائر والمستودعات وأكوام الأنقاض"، لافتاً إلى أن مكافحتها تتطلب جهداً كبيراً وتعاوناً ما بين الأفراد والجهات المختصة، خاصة إذا زاد انتشارها عن الحد المقبول الذي يمكن التعامل معه.

ولخّص الخضر جملة من الإجراءات الوقائية التي يمكن اللجوء إليها، لافتاً إلى أن مكافحة الآفة لا تعني استئصالها، وإنما تقليل أعداد القوارض لمستويات لا توثر على التوازن البيئي. ومن هذه الإجراءات:

ظاهرة انتشار القوارض شمال سوريا بحاجة لتدخل عاجل من الجهات المختصة.

- المكافحة الميكانيكية باستخدام المصائد والأقفاص وهدم جحور القوارض.

- المكافحة الكيميائية من خلال استخدام طعوم سامة فتاكة.

- القضاء على أماكن توالدها في فتحات الصرف الصحي والركام والمستنقعات المهجورة وتجمعات النفايات.

- تجهيز البنية التحتية بشمل أفضل، وصيانة شبكات الصرف الصحي.

- نقل النفايات المتكدسة بسرعة والتخلص منها بشكل علمي، لأنها تشكّل ملاذاً آمناً للأطعمة وتكاثر هذه الحيوانات.

- اتباع إرشادات النظافة والالتزام برمي النفايات في أماكنها المخصصة فقط.

ويبدو أن الظاهرة بحاجة لتدخل عاجل من الجهات المختصة، مع شيوع الاضطرابات لدى القوارض خلال الكوارث الطبيعية من جهة، وحالة التدهور المستمر للقطاع الخدمي والطبي في الشمال السوري من جهة أخرى، وخاصة ضمن المخيمات المتناثرة والتي يعيش فيها 2.1 مليون مدني، وتعاني ضعفاً في الاستجابة الإنسانية وغياب خطط طوارئ بديلة وتقلص نسبة المساعدات ضمن معظم القطاعات وعلى رأسها القطاع الصحي.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

ما أحوجنا اليوم إلى الثقافة البيئية

نفخر بكوننا من المؤسّسات العربية القليلة الرائدة في ﻣﻴﺪﺍﻥ ﺇﺫﻛﺎﺀ ﺍﻟﻮﻋﻲ البيئيّ. وبالرغم من البلادة التي قد تُشعرنا فيها القضايا المناخيّة، لكنّنا في رصيف22 مصرّون على التحدث عنها. فنحن ببساطةٍ نطمح إلى غدٍ أفضل. فلا مستقبل لنا ولمنطقتنا العربية إذا اجتاحها كابوس الأرض اليباب، وصارت جدباء لا ماء فيها ولا خضرة.

Website by WhiteBeard
Popup Image