تحت نيران الحرب في الخرطوم، تبادل سودانيون على موقع تويتر جملة نصائح لإفادة النازحين والهاربين من جحيم النيران، تغريدات اتفقت على قائمة من الأغراض يجب على المسافر أن يحملها معه إذا أراد أن يخرج بسلام من العاصمة، أو من البلد كلها.
كانت آخر "قائمة" نصائح من هذا القبيل، قد تم تداولها على النطاق الواسع إبّان ما عُرف – أو كان يُعرف – بالربيع العربي. تبادل شبان التظاهرات أيامها قائمة شبه موحّدة: حذاء خفيف يصلح للركض السريع. زجاجة كولا لغسل الوجه من الغاز المسيل للدموع. محفظة فارغة إلا من بطاقة الهوية وبعض الأوراق المالية. رقم هاتف لأحد المحامين الحقوقيين. وحبذا لو معرفة لا بأس بها بأزقة المدينة، للذوبان داخلها إذا لزم الأمر.
يعرّف القاموس" العدة والعتاد" بأنها ما يُعدّ للحرب من آلات وأسلحة وأدوات، فمن قال إن العربي المعاصر لا يعيش بالفعل حرباً ما، أو أنها لا تنتظر تحت وسادته لتندلع في أي وقت
كان السودان – للمفارقة – آخر المنضمّين للربيع، ربما لأنه شهد في الماضي الفصل نفسه أكثر من مرة، ولم تختلف في الربيع السوداني، بين 2018 ــ 2019، قائمة مستلزمات التظاهر، أما القائمة الأخيرة التي حملها تويتر، في الحرب التي اندلعت في الخرطوم منتصف نيسان/ أبريل الماضي، فكانت مختلفة؛ إذ تنصح السوداني أن يحمل معه:
- مبلغاً من الدولارات.
- أوراق سفر سارية أو لم تنته قبل وقت طويل.
- أوراق ملكية المنزل ليطالب به حين تعود.
- زجاجات ماء وبعض الأطعمة "لأنك لا تعرف كم سيطول الطريق".
كما كانت "قائمة التظاهرات" تصلح لأي بلد من بلدان الربيع، أو حتى بلدان العالم، فإن "القائمة السودانية" الأخيرة، بقليل من التأمّل، قد تصلح بدورها للعديد من المواطنين على امتداد معظم بلدان العالم العربي، الذي ما إن تشتعل فيه عاصمة حتى تلحقها أخرى، وما إن ينشب فيه نزاع حتى يقلّده آخر في بلد قريب أو بعيد، وما إن يخرج منه لاجئون، حتى يلحق بهم نازحون من جنسية شقيقة، حتى لم يعد مستغرباً أن يساعد لاجئون سوريون أشقاءهم السودانيين في رحلتهم إلى مصر، أو يستفيد كلاهما بنصائح لاجئ فلسطيني حول الحدود والمطارات. وحين اشتعلت السودان، تداول مصريون خريطة هزلية، مأساوية بالأحرى، تبدو فيها الحدود المصرية مشتعلة من كل اتجاه، من جهة فلسطين، ليبيا، وأخيراً السودان، فلا يبقى إلا البحر في الشمال، المتوسط بقواربه ومهاجريه وغرقاه ومآسيه.
يمكن رؤية "الخريطة المشتعلة" هذه، في كل موقع عربي، من اليمن جنوباً إلى العراق وسوريا شمالاً، ومن الانقسام الليبي إلى "الردة" التونسية و"الخصام" المغاربي. إنها خريطة تدهور دول ما بعد الاستقلال، التي هدمت كيانات الاستعمار ولم تنجح في بناء كيانها الحديث، وتبتعد كل يوم عن أن تنجح
لكن "الخريطة المشتعلة" تلك، مع قليل من التغيرات، يمكن رؤيتها في كل موقع عربي، من اليمن جنوباً إلى العراق وسوريا شمالاً، ومن الانقسام الليبي إلى "الردة" التونسية و"الخصام" المغاربي. إنها خريطة تدهور دول ما بعد الاستقلال، التي هدمت كيانات الاستعمار ولم تنجح في بناء كيانها الحديث، وتبتعد كل يوم عن أن تنجح.
هكذا، فمن قال إن المواطن في مصر أو في لبنان مثلاً، في ظل الأزمات الاقتصادية وتدهور سعر العملة، ليس بحاجة إلى أن يحتفظ دائماً بـ "مبلغ من الدولارات" كما تنصح بالذات القائمة السودانية، ومن قال إن المواطن العربي، عاجلاً أو آجلاً، بسبب السياسة والنزاعات أو بسبب الاقتصاد والبطالة والإحباط، لا يجب عليه أن يحتفظ دائماً بجواز سفر سارِ وجاهز للمغادرة الفورية إن أتيحت له الفرصة أو استطاع إليها سبيلاً، ومن قال إن "المؤونة" من ماء وطعام، وأوراق وإثباتات، يجب ألا تكون في وضع الاستعداد، تحسباً لاندلاع نزاع دموي، أو احتجاجات شعبية، أو حتى كارثة طبيعية ليست مرافقه الصحية بجاهزة للتصدي لها.
يعرّف القاموس" العدة والعتاد" بأنها ما يُعدّ للحرب من آلات وأسلحة وأدوات، فمن قال إن العربي المعاصر لا يعيش بالفعل حرباً ما، أو أنها لا تنتظر تحت وسادته لتندلع في أي وقت.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ 3 ساعات??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 23 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون