ذهبت لإجراء هذا الحوار مع المطرب الكبير مدحت صالح في نهاية عام 1999، بعد أشهر من صدور ألبومه الغنائي "وعدي"، والذي حقق نجاحاً لافتاً في المبيعات، أعاده إلى الساحة الغنائية التي تراجع حضوره فيها لسنوات لمع فيها أكثر كممثل مسرحي وتلفزيوني، في حين كانت له بعض التجارب السينمائية المتعثرة.
في العادة، حين أذهب لإجراء حوار صحفي، أكون قد اتفقت من حيث المبدأ على نشره مع أحد مسؤولي الصحف والمجلات التي كنت أتعاون معها، سواءً داخل مصر أو خارجها، لكن هذا لم يحدث في حالة مدحت صالح، لأن كل من فاتحتهم في الموضوع، لم يبدوا اهتماماً بنشر حوار طويل معه، لاعتقادهم أن الحوار معه ليس مهمّاً، بوصفه من النجوم الآفلين منذ سنوات، مقارنة بنجوم مثل عمرو دياب وأبناء جيله، طالبين أن يكون الحوار قصيراً ومقتصراً على الحديث عن بعض الإشاعات التي كانت تثار حوله، أو الهجوم الذي طاله بسبب زيارته للأراضي الفلسطينية المحتلة للغناء في حفلات نظمها فلسطينيو 48، أو الفلسطينيون المقيمون داخل إسرائيل كما كان الإعلام يطلق عليهم.
ذهبت لإجراء هذا الحوار مع المطرب الكبير مدحت صالح في نهاية عام 1999، بعد أشهر من صدور ألبومه الغنائي "وعدي"، والذي حقق نجاحاً لافتاً في المبيعات
ولأنني لم أكن مقتنعاً بما قالوه، قرّرت أن أجري الحوار مع مدحت دون أن أبالي بما إذا كان سيُنشر أم لا، دون أن أخبر مدحت بذلك، وكان من لطفه أن وافق على إجراء الحوار دون أن يسألني عن الجهة التي سأنشره فيها، لأنه كان قد قرأ بعض مقالاتي في مجلة "الكواكب" وأعجب بها.
كنت بالطبع سأسأل مدحت صالح عن أهم ما يُثار حوله من اتهامات وإشاعات، دون أن يكون ذلك محور الحوار، فقد كنت مهتماً أكثر بفهم دماغه الغنائية، خاصة أنني كنت قبلها بسنوات قليلة قد تعرّفت عليه بشكل جديد، وأدركت مدى الظلم الذي تعرّضت له تجربته الغنائية الرائعة، والفضل في ذلك يرجع لبائع كاسيت يقع محلّه الصغير في ممرّ متفرّع من شارع شريف في وسط القاهرة، كان يقوم بتصفية مقتنياته من أشرطة الكاسيت بعد زحف عصر السيديهات.
ولأنني كنت أمتلك أغلب إنتاج الأسماء الشهيرة التي عرضها عليّ، قال البائع إنه سيعطيني خصماً خيالياً لو قمت بشراء أشرطة مدحت صالح، الذي قلت إنه ليس من مطربيّ المفضلين، وأقسم البائع أنني لن أندم لو قبلت عرضه، ولمزيد من الإغراء قال إنه سيسمح لي بإعادة الأشرطة إذا لم تعجبني.
كان عرضاً لا يُرفض، حصلت بفضله على أشرطة "أكيد"، "السهرة تحلى"، "غنّي"، "ح أتكلم"، "كوكب تاني"، "تندهيني"، "م القلب"، "ولا تسوى دموع"، "عاشق مجنون" والتي قدّمها مدحت صالح في الفترة من 1983 إلى 1993، وكنت متشككاً في قيمة ما حصلت عليه، لأنني لم أكن قد أحببت لمدحت صالح من قبل سوى أغنيات "كوكب تاني، السهرة تحلى، المليونيرات" التي كانت تُذاع من حين لآخر في برامج التلفزيون وفواصله الغنائية، بالإضافة إلى أغنية تتر مسلسل "أيوب البحر" التي كتبها أبو الشعراء فؤاد حداد، ولحنها مختار السيد، وكانت أول أغنية عرّفتني على صوت مدحت الجميل، وأغنية تتر مسلسل "أبو العلا 90" التي كتبها عمّنا أحمد فؤاد نجم ولحنها عمار الشريعي، في حين كنت أعرف أغلب، إن لم يكن كل، أغنيات مجايلي مدحت وسابقيه وكثير ممن تلاه من المطربين.
كان من حسن حظي يومها أنني بدأت بالاستماع إلى أغنيات شريط "تندهيني"، فوقعت في غرام كل أغنياته التي كتبها الشاعر وائل هلال، باستثناء أغنيتين للشاعر الكبير رضا أمين، وتقاسم تلحينها الملحنون، فاروق الشرنوبي، خليل مصطفى، صلاح الشرنوبي، رياض الهمشري وسامي يحيى، ولم يمرّ الليل حتى كنت قد أنهيت الاستماع إلى كامل الكنز الذي حصلت عليه برخص التراب.
في اليوم التالي لم أذهب فقط لشكر بائع الكاسيت السمّيع، بل لكي أسأله عما إذا كان لديه المزيد لمدحت صالح، فسألني بثقة الخبير عن الأغاني التي أحببتها أكثر، وحين قلت إنني أحببت الغالبية الساحقة من أغنيات الأشرطة التي حصلت عليها منه، قال إنني مع الأسف لن أجد في ألبومات مدحت الأحدث أعمالاً بنفس المستوى الفني، لكنه أعطاني شريطاً قام بتوليفه لمزاجه، يضم بعض أغاني مدحت صالح التي غناها في المسلسلات التلفزيونية.
كل من فاتحتهم في موضوع نشر حوار مع الفنان مدحت صالح، لم يبدوا اهتماماً بنشر حوار طويل معه، لاعتقادهم أن الحوار معه ليس مهمّاً، بوصفه من النجوم الآفلين منذ سنوات
كان من أجمل أغاني ذلك الشريط أغنية "شبيكي لبيكي" للشيخ زكريا أحمد، التي أعاد مدحت صالح غناءها، ولم يكن مدحت وقتها قد تألق وتعملق في إعادة غناء أجمل أغنيات التراث الغنائي ليكتسب جمهوراً جديداً من خلال حفلات دار الأوبرا المصرية المتتالية.
ومن جميل المفارقات أن مدحت غنى هذه الأغنية مع نخبة من أجمل أغانيه في حفل زفافي، بعد ثلاث سنوات من لقائي به، والذي أحياه هو وحكيم وتامر حسني، وكان من لطفه أنه لم يسألني لا ليلتها ولا قبل ذلك أو بعده لماذا لم ينشر ذلك الحوار الذي أنفق فيه ثلاث ساعات من وقته، وهو الحوار الذي أنشره هنا لأول مرة، وأظنه مهمّاً، ليس فقط لفهم وتأمل تجربة مدحت صالح الغنائية التي استمرّت حتى الآن، بل ولفهم وتأمل الحالة الغنائية التي عاشتها مصر في سنوات الثمانينيات وما تلاها، كما أظنه أيضاً حواراً ممتعاً، لكنني سأترك لكم الحكم على ذلك:
ـــ أستاذ مدحت، ألبوم "وعدي" يعتبر تجربتك الغنائية رقم كام؟
ـــ رقم 17.
ـــ بغض النظر عن تسمية التجارب دي ألبومات ولا شرايط، أعتقد إني سمعتهم كلهم بشكل مكثف خلال السنين الأخيرة، وبالنسبة لي، في منهم عشر ألبومات أو شرايط من الناحية الفنية من أجمل وأهم ما يمكن.
ـــ (ضاحكاً) تقدر تقول 14 مش بس عشر ألبومات، لإن في ثلاث ألبومات بس اللي باعتبر نفسي اتكعبلت وما اتوفقّتش فيهم.
ـــ اللي همّ؟
ـــ اللي همّ قبل "وعدي" على طول، وما تدبّسنيش والنبي في ذكر أسماء.
ـــ بتعتبر اللي حصل لهم إخفاق في المبيعات ولا إخفاق منك؟
ـــ لأ، إخفاق مني أنا شخصياً، بسبب عدم التركيز، لإن التمثيل كان واخدني خالص، وما كنتش باركز كفاية، لا في الاستديو وأنا بسجّل ولا قبل كده، يعني في الوقت اللي مفروض أسمع كلمات شعر وأسمع ألحان وأقعد مع موزعين وشعراء وملحنين، كان المسرح بياخد وقتي كل الليل والنهار في الاستديوهات بصوّر مسلسلات، وشغلي الأصلي ما كانش بياخد حقه.
ـــ إيه اللي خلاك في الفترة دي تراهن على التمثيل أكتر من الغنا؟
ـــ ما كانش رهان، كان اضطرار بدأ من ساعة مسرحية "حزمني يا" مع الأستاذ سمير العصفوري اللي حبيت جداً أتعلم منه، كانت مسرحية ناجحة جداً، قعدت أربع سنين ونص تتعرض، وكان ممكن تقعد أكتر من كده، وبعد ما فشل أول ألبوم لي، فكّرت كذا مرة إني أعتذر وأمشي عشان أركّز في الغنا، لكن كان صعب جداً إنك تهدّ نجاح مجموعة كاملة في المسرحية، قدرت تخليها تحقق أكبر إيرادات في المسرح المصري وقتها. كان صعب أبوّظ النجاح ده وأمشي، وبعد ما خلصت "حزمني يا"، كنت مرهق جسمانياً وذهنياً، وخدت قرار إني مش هاشتغل مسرح، لكن جالي المخرج الكبير الأستاذ جلال الشرقاوي وقال لي إنت إيه اللي مضايقك من المسرح؟ قلت له المواعيد، قال لي هاحل لك المشاكل دي كلها، وهتيجي في أوقات محددة وتمشي، فرجعت في كلامي واشتغلت لمدة سنتين في مسرحية "قشطة وعسل"، والثلاث ألبومات اللي نزلوا في فترة المسرح دول كانوا جايين في فترة إرهاق جسدي وذهني ففشلت فيهم، وأعتقد إن حتى الناس ما حسوش إني نزلت ألبومات في سوق الكاسيت، والكل كان بيتعامل معايا على إني موجود بس في المسرح ومسلسلات التلفزيون.
ـــ التركيز على التمثيل أكتر من الغنا كان وراه سبب مادي مع تدهور أوضاع سوق الكاسيت أو تراجع أسهمك فيها لفترة؟
ـــ صدقني والله الغناء بيكسب أكتر، يعني لو ركزت في الحفلات والأفراح هتكسب أكتر من التمثيل، يعني المسلسل بتقعد تصوره أحياناً سبع شهور، طيب أنت عارف مسلسل "شباب رايق جداً" ـ أذيع في بدايات 1999، من تأليف يوسف معاطي وإخراج محمد النجار وبطولة مدحت مع وائل نور ـ قعدنا نصوّره أكتر من سنة، من رمضان اللي فات ده لأ، اللي قبله، كان أصلا 13 حلقة وبعدين بقى 19 أو عشرين حلقة، ورحنا نصوّر في روما. أحسب بقى لو عملت حفلات وأفراح هاكسب قد إيه، وقارن ده بأجر المسلسل، هي الحكاية إني حبيت التمثيل وحبيت أثبت نفسي فيه، وبعدين عمل جاب التاني وهكذا.
ـــ نقدر نقول إنك من أوائل التسعينيات، يعني من 92 مثلاً اتسرقت ودخلت في مرحلة لخبطة وتوهان وقررت تفوق للغنا دلوقتي؟
ـــ يعني ما أقدرش أقول لخبطة أو توهان، بس تقدر تقول النجاح بتاع "حزمني يا" سحبني معاه، ولما تيجي تبص على الساحة الغنائية اللي أنت أصلاً منها، وتلاقي نفسك أسهمك مهدّدة بالتراجع والانهيار زي البورصة، لازم تاخد موقف وتصحّح مسارك وتسأل نفسك أنت عايز إيه بالضبط. أنا حسمت الإجابة، أنا عايز الغنا، باي باي للمسرح، خلاص، وفعلاً أخدت القرار ده من قبل ما أعمل "وعدي" وركّزت فيه، وبعد ما خلصت "وعدي" قعدت مركز تماماً أشتغل في الألبوم الجديد ـ حمل بعد ذلك بأشهر عنوان "الله يا سيدي"ـ من إنتاج شركة "عالم الفن"، ومسافر يوم الحد الجاي أثينا، عشان أصور فيديو كليب مع المخرج طارق العريان، وفريق العمل كله ومدير التصوير سافروا امبارح عشان يحضروا للتصوير.
مدحت صالح: "بعد ما فشل أول ألبوم لي، فكّرت كذا مرة إني أعتذر وأمشي عشان أركّز في الغنا، لكن كان صعب جداً إنك تهدّ نجاح مجموعة كاملة في المسرحية، قدرت تخليها تحقق أكبر إيرادات في المسرح المصري وقتها"
ـــ لكن في الفترة اللي سبقت تفرغك للمسرح، الكذا سنة اللي قبل "حزمني يا" عملت مجموعة شرايط أو ألبومات ممتازة، يعني من غير ترتيب باتكلم عن "هاتكلم"، "كوكب تاني"، "غنّي"، "عاشق مجنون"، "ولا تسوى دموع"، "السهرة تحلى"، ويمكن باستثناء النجاح الساحق لـ"كوكب تاني" و"ولا تسوى دموع" و"المليونيرات"، باقي الشرايط والأغنيات، برغم تميزها الفني المُبهر، ما حققتش نفس الأصداء على ساحة البيع، هل ده حسّسك بالحيرة والإحباط، وكان ورا قرار إنك تركز في المسرح والمسلسلات؟
ـــ شوف، أنا بحرص دايماً إني أعمل توازن مع نفسي، يعني البيع مقياس مؤقت عندي مش مقياس دائم، وهاقولك إزاي، في مطربين بيعتمدوا على الشهر اللي بينزل فيه الألبوم أو الشهر ونص، ده الوقت اللي بيبيعوا فيه، لكن أنا مش كده، وأعتقد إن في عدد قليل من المطربين يقدر يعمل توازن، بحيث يفضل على مدى السنين الناس تسأل على ألبوماته وشرايطه، ده الفرق بين البيع والنجاح المؤقت والبيع والنجاح طويل الأمد، روح اسأل بياعين الكاسيت، هتلاقي لحد النهارده "السهرة تحلى" ناس بيشتروها وبيسألوا عنها، بعد كام سنة؟ 16 سنة تقريباً، "كوكب تاني" نزلت من سنة 84 ولسه الناس بتشتريها، "ولا تسوى دموع" من 11 سنة والناس بتسأل عليها، "هاتكلم" بقى لها 16 سنة والناس بتحبها.
في فرق إنك تبيع وقت ما تنزل وتفضل مستمر، وإنك تبيع أول ما تنزل وبعدين خلاص، الناس بتستنى اللي بتعمله السنة الجاية وخلاص، أعتقد في عدد قليل من المطربين والمطربات اللي الناس بتحط لهم شرايط وألبومات في مكتبتهم مش بس بيسمعوهم في عربياتهم وخلاص.
ـــ في أواخر التمانينيات وبدايات التسعينيات، حصل تغير في أذواق الجمهور، وبقى الاتجاه أكتر لفكرة الإيقاعات السريعة، وبقى حتى الأغاني الحزينة فيها إيقاعات راقصة، انت كنت عملت أغاني إيقاعية في "السهرة تحلى" و"شبكوا إيديكو في إيدينا" وغيرها، ليه ما فكرتش تعمل إعادة توزيع لأغاني الثمانينيات، زي ما عمل محمد منير في تجربة "مشوار"، هل حاسس إن ده كان ممكن يفرق مع الجمهور الجديد؟
ـــ أنا كنت واخد قرار بعد نجاح "السهرة تحلى" إني ما أكرّرش التجربة، يعني مش هافضل أرقص وأتنطط في كل الألبومات، أنا كنت حريص إن الأغاني اللي باعملها تعبر عن تنوع الحالات النفسية، يعني أنا النهارده مبسوط بكره زعلان بعده نص نص، كنت حريص إن اللي أغنيه يعبر عني بصدق، والشعراء والملحنين اللي اشتغلت معاهم دايماً، بعيد عن الشغل، إحنا أصدقاء وفي بيننا تواصل، وعارفين حالتي إيه دلوقتي وإيه اللي ممكن أحسه وأحب أغنيه وأصدقه وأنا بغنّيه، حتى لو ما كانش ملائم لحالة المستمع وقت ما يسمع الغنوة، المهم إني أكون مصدق اللي بغنّيه، عشان المستمع يصدقني ويعيش معايا، بالنسبة لتجربة "مشوار" ما فكرتش فيها، ومش بالضرورة كانت تنجح معايا زي ما نجحت مع منير، وبالنسبة لي الأفضل من إني أعيد شغل قديم هو إني أركز في حاجة جديدة، وده اللي انت شفته في "وعدي" وهتشوفه في الألبوم الجديد، ومع الوقت الناس هتحس بالتواصل معايا تاني والشغل الجديد ده هيخليهم يتواصلوا مع الشغل القديم، ده اللي أنا مراهن عليه.
ـــ معقولة ولا مرة لخبطك نجاح تجارب تانية بشكل أكبر بكتير من اللي بتقدمه، يعني أنت بتبذل مجهود مذهل في ألبوم كلام ولحن وتوزيع، وينزل ألبوم "لولاكي" لعلي حميدة يكتسح، معقولة ده ما هزكش وخلاك تسأل هو إيه اللي أنا عملته غلط؟
ـــ صدقني لا، لإن أنا حققت نجاح كبير قبلها وبأرقام ضخمة، والتأسيس الفني فرق معايا الحمد لله، يعني لما تشوف الجيل اللي قبلنا، جيل عبد الحليم حافظ، ممكن أعد لك أسامي كتيرة كانت جنبه، محرّم فؤاد وعبد اللطيف التلباني وأحمد سامي وماهر العطار وكمال حسني ومحمد رشدي ومحمد العزبي ده غير المطربات، وكل اسم من دول نجحت له أغاني في فترة أكتر من أغاني لعبد الحليم، طيب تعال دلوقتي بعد عشرين أو خمسة وعشرين سنة وشوف مين اللي عاش له أغاني أكتر ومين اللي الناس فاكرة له بس الأغنية اللي نجح بيها ومش فاكرة له أغاني كتير، مين اللي قدر يعمل تواصل عبر السنين.
مع الأسف الصحافة كانت دايماً مستعجلة في الحكم على جيلنا، جيل التمانينيات، وحابة تصور إنه خلاص جيل في أزمة، وفي غلطة كبيرة بيعملها غير المتخصّصين في النقد الموسيقي والغنائي، إنهم بيبعدوا عن تحليل الأغاني ونقدها، ويركزوا في المقارنات، وبشكل متسرع الحقيقة، طبعاً قارن واحكم براحتك يا سيدي، لكن ما تاخدش المسائل ببساطة، وللأسف بتحصل مقارنات بشكل ظالم. يعني قبل ما تحكم علي وتسألني ليه ألبومك ما حققش النجاح الضخم ده، تعال اسأل ليه ما بيتمّش إذاعة أغانيّ في التلفزيون والشبكات الإذاعية زي ما بيحصل لأغاني انت بتتهمها بالرداءة بس بتوفر لها فرص إذاعة أكتر، فتبان إنها اللي موجودة والأغاني الكويسة لأ.
ـــ انت حاسس إنك مظلوم في أجهزة الإعلام؟
ـــ لأ، أنا شخصياً مش حاسس إني مظلوم، أنا بتكلم بشكل عام عن الكلام اللي بيتقال عن جيلي ومقارنته بأسماء نجحت بعد كده، أعتقد إن جيلنا اتظلم في حتة المقارنة من غير دراسة، يعني لو عايز تقارن لازم يبقى في تكافؤ فرص، يعني زي ما بندخل لجنة الامتحان، كلنا عدد من الطلاب في لجنة واحدة في وقت واحد وبنخلص في نفس الوقت، وبعد كده بيحصل تقييم عادل وكل واحد ياخد حقه.
ـــ هل أنت راضي عن مساحات إذاعة أغنياتك في وسائل الإعلام الحكومية؟
ـــ بالنسبة لناس كتير أنا أحسن بكتير، لكن طبيعة النفس البشرية تطلب المزيد، وخلي بالك أنا مش من اللي بيطالبوا بمنع مطربين زي ما البعض يقولك فلان ده أخنف وفلانة دي مش عارف مالها، أنا ضد فكرة إنك تمنع شغل ناس عشان الصحافة بتهاجمهم أو شايفة أغانيهم مش كويسة، أنا بطلب بس إن كل الناس شغلها يتشاف ويتسمع ونسيب الحكم للجمهور.
ـــ يعني ما بتتضايقش لما تلاقي أسماء معينة بيتذاع لها شغل كتير مقارنة بشغلك وشغل أبناء جيلك؟
ـــ زي ما قلت لك أنا مش بحسّ إني مظلوم، وما بحبش أعيش في دور إني مظلوم، لكن السؤال اللي بسأله، هل رد فعل الشارع والجمهور على الأغاني والمغنين مترجم بشكل طبيعي في الإذاعة والتلفزيون، ده اللي يهمني أكتر من إني أخلي الحكاية حكاية أجيال وظلم لأشخاص ومحاباة لأشخاص.
مدحت صالح: "أنا حسمت الإجابة، أنا عايز الغنا، باي باي للمسرح، خلاص، وفعلاً أخدت القرار ده من قبل ما أعمل "وعدي" وركّزت فيه، وبعد ما خلصت "وعدي" قعدت مركز تماماً أشتغل في الألبوم الجديد"
ـــ في فنانين من أبناء جيلك والأجيال اللي قبلكم بيستسهلوا فكرة اتهام الجمهور بإن ذوقه فسد وأثرت عليه حالة التلوث الغنائي زي ما بيسموها؟
ـــ لا، لأ، ده خطأ واللي بيتهم الجمهور يبقى غلطان، لو كان في تقصير فهو من عندنا كفنانين، وبعدين آديك شايف الجمهور بيسمع كاظم الساهر وبيموت في القصايد اللي يغنيها، يبقى فين بقى فساد الذوق، اللي بيقول كلام زي ده دماغه عطلانة وواقف في طريق واحد مش عايز يحيد عنه، مش عايز يطور من نفسه ويواكب اللي بيحصل من تطورات، مش ركوب موجة، لأ مواكبة بشكل مدروس وبفهم والحفاظ على احترام الناس ليك، إنما نفضل زي ما احنا ونقول ذوق الجمهور فسد، لأ، قول بقى أنا اللي دماغي عطلت ومش عارف أوصل للحاجة اللي تخليني منور وسط الناس وأخليهم يسمعوني.
ـــ أكيد قريت للأقلام اللي كتبت عن "وعدي" واعتبرته مجاراة للموجة، وإن مدحت صالح بعد بيه عن لونه وشخصيته الغنائية اللي ارتبط بيها جمهوره؟
ـــ الصحفي أو الناقد اللي كتب كده، يا ترى لسه بيكتب بالورقة والقلم ولا بيكتب على كمبيوتر؟ ده أنا أسمع إن كان في ناس بيتعبوا في قراية الصحفيين اللي خطهم وحش ولما ينزلوا اللي كاتبينه المطبعة اللي بيكتب بيحتاس (يضحك) طيب مش ده لازم يستعمل كمبيوتر، ولا نقول له وقف التكنولوجيا والتطور، في المقابل أنا برضه ما ينفعش أوقف التكنولوجيا اللي دخلت مجال الغنا.
يعني لما يبقى عندي جهاز خاص بيقدم إيقاعات، بيديني خمسين أو 100 نوع إيقاعات كلهم أجمل من بعض، ولازم تبقى مذاكر كل إيقاع من دول وتاخد مازورة من ده ومازورة من دي، ده تعب كبير جداً، لكن في الوقت نفسه في مواكبة للتطور، ممكن حد يحكم من بعيد يقول لك ده شغل إيقاعات، من غير ما يحاول يفهم اللي ورا ده، وإن الأغاني مش بتتنفّذ سلق بيض، لأ كل أغنية وراها ليالي طويلة تفكير وتغيير وتعديل، وممكن تعملها وترضى عنها وبعدها تسمعها وتقول لأ وتغيرها، غير الأغاني اللي بتعملها وما بتنزلش، لكن هل تطويري في التوزيع والصوت والمكساج خلاني أنسى اختيار الكلمة أو اللحن، هل بغنّي حاجة أنا مش مصدقها أو مش متحمس لها، يعني في "وعدي" كان ممكن أعمل كل الثمان أغاني من نفس سكة "وعدي"، لكن عملت حالات مختلفة. عندك أغنية تراجيدي باحبها جداً، اللي هي "أختيارك كان غلط" دي لوحدها أنا باعتبرها في سكة تانية خالص وباحبها جداً، في "دور حتلقاني" حالة تانية.
ـــ في كلام اتكتب في السنوات الأخيرة فيه سخرية من محاولة جيلك إنه يواكب التجديد اللي حاصل في الفيديو كليب، ولو إنه للأمانة الكلام ده لا ينطبق عليك لإنك بدأت التجديد في النقطة دي من بدري؟
ـــ هو ناس كتيرة من الكتاب والصحفيين الأفاضل كانوا متعودين على إن جيلي كله بيصور أغانيه في استديوهات التلفزيون، ونقف قدام تلات كاميرات واحدة في النص وواحدة يمين وواحدة شمال، وانت بتقف ثابت والخلفية اللي وراك هي هي، بيغنّي قدامها علي الحجار ومحمد الحلو وعفاف راضي وليلى نظمي وعايدة الشاعر وفاطمة عيد، كلنا نفس الباك جراوند ونفس الديكور، ما فيش أي متعة بصرية.
ماشي، أنت حابب الصوت بس الصورة إنسى، طبعاً ده اختلف مع الجيل اللي جه بعدنا، استفادوا من التطور التكنولوجي في الصورة وجربوا بشكل كويس وساعدهم جداً، لكن زي ما أنت قلت أول فيديو كليب عمل تغيير وكسر الدنيا كان غنوة "المليونيرات" سنة 89، يعني فات عليها دلوقتي 11 سنة، وكان تغيير مرتبط بالمضمون، مش إنك تجيب رقاصات وخلاص أو مناظر خلابة، لأ في صورة بس مرتبطة بالغنوة نفسها.
طبعاً بقرا ساعات لناس بتنقد بشدة استخدام الموديلات في الفيديو كليب، لكن مش بالاقيهم بينتقدوا ده في أفلام الأبيض والأسود، إن المطرب دايما بيغني وحواليه استعراضات وبنات بترقص، مش عارف ليه بننسى ده أو بنتناساه، لكن على أي حال من حق الناس تنقد اللي ما يعجبهاش بس لما تيجي تعمل مقارنات يكون فيه عدالة برضه في التقييم، لإني الحقيقة بلاقي في استسهال في الكلام، يعني افتراض إن أي حد عايز يعمل أغاني تنجح عند الناس يتقال إنه بيعمل فن تجاري، طيب ما هو برضه كان بيتقال على عبد الحليم إنه كان بيغازل الجمهور لما غنّى "زي الهوى" و"على حسب وداد قلبي"، والأغاني دي عاشت، وأعتقد ده هيحصل مع أغاني كتير بيتم اتهامها إنها بتغازل ذوق الجمهور.
مدحت صالح: "أنا بحرص دايماً إني أعمل توازن مع نفسي، يعني البيع مقياس مؤقت عندي مش مقياس دائم، وهاقولك إزاي، في مطربين بيعتمدوا على الشهر اللي بينزل فيه الألبوم أو الشهر ونص، ده الوقت اللي بيبيعوا فيه"
ـــ في تركيز دايما في الكتابة الصحفية على فكرة البعد المادي وعلاقة جيلكم بيه، كإنه ما يصحش إنكم تفكروا في المادة والمقابل المادي، بتشوف إزاي الحكاية دي؟
من فترة كان في صحفي بيعمل معايا حوار وفاكر إنه هيستفزني لما يسألني إزاي فنان زيك يشتغل في الملاهي الليلية، وفوجئ لما قلت له أنا أفخر إني اشتغلت في الملاهي الليلية، لإن الفنان المحترم هيكون محترم في كل حتة بيغني فيها، في الفرح، في عيد الميلاد، في السطوح، في الشارع، في أي تجمع هيبقى محترم، يعمل مسلسل، يعمل سينما، يغني في حفلات عامة أو أفراح، مش دي المنافذ المتاحة للغناء بالإضافة إلى الكاسيت والألبومات، طيب إيه المطلوب من الفنان، هل لو ما اشتغلش حد هيتبناه زي زمان ويقول له خد عيٍّش أهلك وناسك واصرف على نفسك كويس؟ يعني لما باقرا كلام من النوعية دي بيبقى ردي هو: إذا أردت أن تُطاع فأؤمر بما يستطاع.
ـــ أعتقد إن كثير من النقاد والصحفيين المهمين دلوقتي هما اللي عاصروا صعود جيل الثمانينيات، وبيتعاملوا معاك ومع أبناء جيلك بوصفكم معبرين عن ذوقهم الغنائي وعشان كده أي محاولة تغيير في الصورة أو في الإيقاع أو في الكلام بيكون في حدة شوية في التعامل من منطلق إنكو بتتمردوا على العلاقة اللي اتشكلت بينكم وبينهم؟
ـــ همّ أحرار في وجهة نظرهم، وما أقدرش أنكر إن في حاجات كانت بتتكتب عني كنت باخدها بزعل، خصوصاً في الفترة اللي ركزت فيها كممثل، وبعدين لما فكرت فيها لقيت إن الناس دي بتنقد مدحت بحب وخايفين عليه، فاحترمت ده، لكن ساعات بحسّ إنه في رغبة عدوانية عند البعض زي ما يكون عايز مدحت ده يقعد في البيت، يا سيدي انت ليه عايزه يقف عند نقطة معينة، وليه مستكتر على مدحت إنه بيشتغل في أكتر من مكان، انت نفسك كصحفي مش بتشتغل في كذا جرنان ومجلة عشان تعرف توفي التزاماتك، مش بتعمل ده عشان ظروف الحياة، طيب مش المهم إنك ما بتذلش نفسك وما بتهينش مهنتك وبتكتب حاجات بتحترمها، طيب ما هو المطرب بيغني نفس الأغاني في أكتر من مكان، ليه مستكتر ده عليه.
ـــ لسنين طويلة كان بيتقال عليكم انت وعلي الحجار ومنير ومحمد الحلو وهاني شاكر إنكم جيل الطرب الأصيل وبتتحطوا في مواجهة الجيل اللي مش طرب ولا أصيل، وبيتنشر ساعات على لسانكم هجوم على اللي عمله الجيل اللي بعدكم في الأغنية، وحتى لو ما نسبوش الكلام لكم، بيكون مجرد ذكركم في مواجهتهم زي استعداء عليهم، بتشوف ده إزاي؟
ـــ بأمانة شديدة، أنا ما ليش احتكاك قوي بالصحافة، هتلاقيني مُقلّ جداً، وتسعين أو خمسة وتسعين في المية من اللي بيتكتب عني ما بيبقاش لي علاقة بيه ولا بشوفه، بكلمك بأمانة وحياة ولادي، بمناسبة اللي بتقوله ده يعني شيء لذيذ إنهم شايفيني أنا وأبناء جيلي في حاجة محترمة، بس هما بينسوا إن أي حاجة محترمة لازم تتطوّر وهي محترمة، يعني لما أغني "وعدي" طب ما فيها تطريب برضه، هي أغنية خفيفة زي "توبة" و"أول مرة تحب يا قلبي"، وهل معنى إني غنيتها إني هابطل أغاني طربية، يعني انت عارف لما عملت "السهرة تحلى" كنت متأثر فيها بالأغاني بتاعة الرحلات اللي كنا بنغنيها لما بنطلع رحلات الجامعة، وكلها أغاني إيقاعها راقص، ونزلت ونجحت، وأنا بعتبر إن تأثر الناس بالإيقاع دي ظاهرة صحية جداً، لإن بداية الإحساس بالموسيقى هو بداية الإحساس بالرتم.
****
نختم الأسبوع القادم بإذن الله وحديث عن المنافسة مع عمرو دياب والإشاعات وفيفي عبده والاتهامات بالتطبيع.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ 4 أيامتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ 4 أيامحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أيامالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...
HA NA -
منذ أسبوعمع الأسف
Mohammed Liswi -
منذ اسبوعينأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.