شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"بنكك" لم يعد بنكك... السودان يعود بسرعة صاروخية إلى عصر ما قبل الإنترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة

الأربعاء 10 مايو 202312:06 م

ظل محمد النعيم، يبحث لأكثر من 10 أيام، عن سيولة نقدية مقابل تحويل مصرفي عبر تطبيق "بنكك" التابع لبنك الخرطوم، لتُعينه على فرار أسرته من العنف في العاصمة الخرطوم، دون جدوى، قبل أن يتوقف التطبيق عن العمل تماماً مطلع هذا الأسبوع، بعد تعثّر شبه دائم منذ اندلاع القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في 15 نيسان/ أبريل المنصرم.

يقول النعيم لرصيف22، إنه لا يملك الآن سيولةً لشراء الاحتياجات الأساسية ولا يستطيع الاطمئنان على أقربائه بعد توقف خدمات الاتصال الصوتي والإنترنت التي تُقدّمها شركتا MTN وسوداني، وقد انحصر تقديمها في شركة زين بجودة سيئة للغاية مصحوبةً بتوقفها لبعض الوقت.

يعتمد السودانيون بصورة كبيرة، على التطبيقات البنكية لتسيير شؤونهم الحياتية، إذ تُقدّم هذه الشركات خدمات تحويل الأموال وشراء الكهرباء وأرصدة الهواتف النقالة وسداد فواتير بعض الخدمات، ومن بينها خدمات حكومية، وازداد الاعتماد عليها بعد تعطل عمل المصارف في الخرطوم والكثير من المدن بعد اندلاع القتال.

ويبلغ عدد المشتركين في شركات الاتصالات الثلاث الموجودة في السودان، 34 مليوناً و497 ألف مشترك، وفقاً لآخر إحصائية صادرة من الهيئة القومية للاتصالات في خواتيم العام 2021، فيما يصل عدد مستخدمي الإنترنت إلى 19 مليوناً و585 ألف شخص؛ وذلك من مجموع عدد السكان البالغ 45.6 ملايين شخص تُمثل نسبة الأطفال فيهم أكثر من 40%.

تعطل الإنترنت انعكس على التطبيقات البنكية السودانية، ويشكل كارثةً للسودانين في الداخل والخارج


أسباب التوقف

وأدى توقف خدمات اتصال سوداني وMTN، إلى قلق كثيرين على أحبائهم في مناطق الصراع، خاصةً أن بعض السودانيين يستخدمون خدمة شركة واحدة، فيما يستخدم آخرون خدمات شركتين أو الثلاث شركات مجتمعةً.

ويحتاج سكان الخرطوم إلى خدمات الاتصال والإنترنت أيضاً، لمعرفة الأماكن التي تدور فيها الاشتباكات لتجنّبها، ومعرفة المرافق الطبية العاملة، علماً أن مواقع التواصل الاجتماعي منذ اندلاع الحرب أصبحت منصةً رئيسيةً لنداءات الإغاثة.

أعلنت شركة MTN، مطلع هذا الأسبوع، توقف جميع أقسامها عن العمل، ما أدى إلى انقطاع جميع الخدمات جراء انقطاع الإمداد الكهربائي وتعذر نقل وقود المولدات الحرارية إلى مواقعها بسبب الظروف الحالية؛ فيما لم تتحدث شركة سوداني عن أسباب توقف خدماتها.

أرجعت لجنة تكوين نقابة المهندسين، في بيان لها، تضرر خدمات الإنترنت التي تُقدمها شركات الاتصال إلى تضرر كابلات الفايبر الممددة عبر خطوط نقل كهرباء الخرطوم-بورتسودان شرق السودان، فيما تضررت خدمات شركة سوداني موبايل بسبب خروج موقع الخرطوم جنوب، عن العمل.

وأكدت توقف EBS، المشغل القومي لأنظمة الدفع الإلكتروني، بما في ذلك نقاط البيع ومعظم الصرافات الآلية والصكوك البنكية "الشيكات" والتحويلات الخارجية، وهو أيضاً المشغل الذي تعتمد عليه معظم تطبيقات الهواتف التي تُديرها الشركات وتربط الشركة بين المصارف وبنك السودان المركزي، نتيجةً لعدم وجود خطة فعالة لاستمرار الأعمال في حالة الطوارئ.

وأشارت إلى أن فريق الشركة فشل في الوصول إلى أنظمتها في الموقع الرئيسٍ في بنك السودان المركزي فرع الخرطوم، الذي يقع بالقرب من قيادة الجيش التي تدور في محيطها أعنف المعارك.

وقالت اللجنة، إن تطبيق "بنكك" ذا الاستخدام الواسع يعمل بشكل متقطع ويقدم خدمات محددةً، بعد أن استطاع فريق البنك الوصول إلى الموقع وإعادة الخدمات، لكن تذبذب التيار الكهربائي والاتصالات أعاق عمله بشكل متواصل، وهو الأمر نفسه الذي يُعاني منه تطبيق أوكاش التابع لبنك أم درمان الوطني، فيما توقف عمل تطبيق "فوري" التابع لبنك فيصل الإسلامي.

وأضافت: "توقف التطبيقات أثّر بشكل كبير على وصول الناس إلى أموالهم، كما أن صعوبة الوصول إلى رئاسات البنوك صعّبت حتى عمل المصارف في الأقاليم المستقرة".

لكن مواطنين، ومن بينهم محمد النعيم، قالوا إن التطبيقات البنكية التي تُحمَل في الهواتف النقالة وتشترط وجوداً مصرفياً لتفعيلها، توقفت عن العمل تماماً منذ مطلع هذا الأسبوع.

لم يتقاضَ موظفو الدولة، الذين تصل أعدادهم وفق بعض التقديرات إلى 5% من مجموع عدد السكان، رواتبهم عن شهر نيسان/ أبريل الماضي، بعد تعطل عمل أجهزة الدولة والمصارف

أزمات أخرى

ولم يقتصر الأمر على التحويلات المالية الداخلية، وإنما امتد إلى توقف خدمات التحويلات الخارجية، مما جعل الأسر التي تعتمد على تحويلات المغتربين تُعاني، خاصةً أولئك الذين لا يملكون أموالاً احتياطيةً لإنفاقها في أوقات الطوارئ.

يقول سامي الطيب، وهو مغترب في السعودية، إنه حوّل مبلغاً مالياً إلى أسرته عبر بنك الخرطوم في اليوم الثاني لاندلاع الحرب، لمساعدتها في الفرار بعد ارتفاع تكاليف النقل ثلاثة أضعاف على الأقل، لكن الأموال لم تُنزّل في حساب زوجته حتى ليل الثلاثاء 9 أيار/ مايو الحالي.

ويشير لرصيف22، إلى أن أسرته الآن لا تملك أي أموال، لشراء السلع الذي ارتفعت بنسبة تصل إلى 60%، في وقت لا تستطيع فيه الذهاب إلى أبعد من محيط مقرّ سكنها في الصافية في الخرطوم، أي إلى أحياء أخرى من أجل الإقامة مع أقربائها بسبب انعدام الأمن.

ويقول المتحدث باسم منظمة الهجرة الدولية التابعة للأمم المتحدة، بول ديلون، إن النازحين داخلياً في السودان، بلغ عددهم 700 ألف شخص، يصعب عليهم الحصول على المال، حيث أن أجهزة الصراف الآلي متعطلة والنظام المصرفي متوقف عن العمل.

ولم يتقاضَ موظفو الدولة، الذين تصل أعدادهم وفق بعض التقديرات إلى 5% من مجموع عدد السكان، رواتبهم عن شهر نيسان/ أبريل الماضي، بعد تعطل عمل أجهزة الدولة والمصارف.

وبالإضافة إلى ذلك، قادت عمليات النهب الواسعة لفروع البنوك في العاصمة الخرطوم، إلى تعاظم مخاوف بعض السودانيين من فقدان ودائعهم، برغم التطمينات التي بثها بنك السودان المركزي حول عدم تأثر هذا النهب بالأموال المودعة في المصارف التجارية.

لكن بشير إبراهيم يقول لرصيف22، إنه لا توجد ضمانات، موضحاً أنه سعى منذ اندلاع القتال وقبل بدء عمليات النهب إلى سحب أمواله من المصرف عبر التطبيق إبان عمله، لكنه لم يجد من يعطيه سيولةً مقابل التحويل؛ وهذه المخاوف وصلت إلى بعض تجار السلع الغذائية الذين أوقفوا التعامل بالمعاملات البنكية واقتصر شراء السلع على المبالغ النقدية فقط.

ويُتوقع في حال استمرار القتال، وفي ظل عدم إبداء طرفيه استعداداً لوقفه، توقف خدمات شركات زين أيضاً، وهذا يعني عودة السودان إلى عصر ما قبل  الإنترنت.

ولا يؤثر توقف خدمات الاتصال والإنترنت على التواصل الاجتماعي ومعرفة مكان الاشتباكات لتجنبها وتعطل خدمات التطبيقات البنكية والتحويلات المالية فقط، وإنما يمتد إلى عدم كشف المدنيين للانتهاكات التي يتعرضون لها من طرفي الحرب، بعد أن درجوا على كشفها وبثّ صور ومقاطع فيديو عنها في مواقع التواصل الاجتماعي. 

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard