شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
كَقوس قزح... مبدعون معاصرون رحلوا قبل الأربعين

كَقوس قزح... مبدعون معاصرون رحلوا قبل الأربعين

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأربعاء 10 مايو 202302:03 م

ظاهرة الإبداع ليست لها علاقة مباشرة بطول العمر أو قصره، فقد امتد عمر بعض المبدعين إلى المئة عام أو تجاوزوه، فيما لم يتجاوز عمر البعض الآخر الأربعين عاماً. وفي الوطن العربي انتهت الرحلة مبكراً لكثير من المبدعين في مختلف مجالات العلم والثقافة والأدب والفن، من أمثال غسان كنفاني، وسميرة موسى، ورمّال رمّال، وسيد درويش، وسميرة موسى، والشابي، وإبراهيم طوقان، وجرجي حداد.

الشابي وطوقان... تشابهات في الموت والحياة

من المبدعين الذين رحلوا مبكراً الشاعران إبراهيم طوقان (1905- 1941) وأبو القاسم الشابي (1909- 1934) وقد تشابها في حياتهما وفي ملابسات رحيلهما.

يعدّ إبراهيم طوقان أحد رموز الشعر الفلسطيني وأحد أقطاب الشعر العربي الحديث، لقّب بشاعر الوطنية، وتعتبر قصيدة "موطني" من أشهر قصائده، تغنّى بها الفلسطينيون، وأصبحت النشيد غير الرسمي لهم لسنوات طويلة. أما أبو القاسم الشابي فيعتبر أحد الرموز الناتئة في الشعر التونسي، وقد أُخذ النشيد الوطني التونسي من شعره، وهو صاحب القصيدة الشهيرة "إرادة الحياة" التي يقول مطلعها "إذا الشعب يوماً أراد الحياة/ فلا بد أن يستجيب القدر... ولا بد لليل أن ينجلي/ ولا بد للقيد أن ينكسر".

في الوطن العربي انتهت الرحلة مبكراً لكثير من المبدعين في مختلف مجالات العلم والثقافة والأدب والفن. ويلاحظ أن كثيراً من هؤلاء يكون لديهم توهج في الحس الوطني

ولدا الشاعران وتُوفيا في زمن متقارب، وحمل كل واحد منهما مرضاً خطيراً، ولعلّ هذا المرض قد أذكى في نفسيهما جذوة الشاعرية، فكتبا أجمل قصائدهما، كما أن كلّ واحد منهما اشتدّ عليه المرض في أواخر أيامه، ونُقل إلى مستشفى أجنبي في عاصمة بلاده، وتوفي فيه، فنقل في اليوم التالي إلى مسقط رأسه. فقد تُوفي الشابي في المستشفى الإيطالي بتونس العاصمة، ونقل جثمانه في اليوم التالي إلى الشابية. وتوفي إبراهيم طوقان في المستشفى الفرنسي بالقدس، ونقل جثمانه في اليوم التالي إلى نابلس.

من الشعراء الذين رحلوا مبكراً أيضاً، الشاعر العراقي بدر شاكر السياب، الذي لم يتجاوز عمره 38 عاماً، ويعتبر أحد الذين أحدثوا تحولاً في الشعر العربي الحديث فهو من مؤسسي الشعر الحر الذي لاقى اهتماما عربياً لافتاً. كما قام السيّاب بترجمة العديد من الأعمال الأدبية العالمية لجارسيا لوركا، وإزرا باوند، وطاغور، والإيطالي أرتورو جيوفاني.

السيّاب... وانعكاس اليُتم على إبداعه وحياته

عانى السيّاب اليُتم مبكراً بعد موت والدته وهو في السادسة من عمره، وقد نزعت أشعاره إلى الشكوى والألم والأنين بسبب فقره وفقده أمه صغيراً، ولذلك انتشرت معاني الحزن والفقد واليُتم على قصائده، وظلت نصوصه الأولى أسيرة تصوراته الرومانسية والشعور بالاغتراب. من دواوينه الشعرية "أزهار ذابلة"، و"أساطير"، و"أنشودة المطر"، و"حفار القبور"، و"منزل الأقنان"، و"المعبد الغريق"، وقد جمعت بعد وفاته في ديوان حمل اسمه.

مات السيّاب بمرض السل بالكويت، ودُفن بالبصرة، وأفردت في سيرته وشعره كتب كثيرة أهمها كتاب الدكتور إحسان عباس "بدر شاكر السياب، دراسات في حياته وشعره".

في كتابه المعنون بـ"بين الموهبة والموت... مبدعون عرب معاصرون رحلوا قبل الأربعين" يتناول الكاتب الأردني أحمد العلاونة سِير أكثر من مئة من المبدعين العرب في مختلف المجالات الأدبية والثقافية والعلمية والفنية ممن لهم مؤلفات أو آثار فنية، معظمهم شعراء،

ويبين أسباب رحيلهم المبكر، فمنهم من توفوا جراء مرض مزمن، ومنهم من أقدم على الانتحار، ومنهم الذين أعدموا، ومنهم الذين قُتلوا أو استشهدوا، ومنهم من ماتوا بحادث سير، ومنهم من مات ميتة طبيعية، وقد بلغ عدد النساء في هذه التراجم تسعا فقط. وقد تضمن الكتاب 107 ترجمة بينهم إثنان من غير العرب، هما محمد عبد الحي اللكنوي الهندي، ومحمد الخانجي البوسنوي، لأن مؤلفاتهما بالعربية.

غسان كنفاني... رحيل الإبداع

من الأسماء البارزة في النضال والإبداع العربيين وتضمنتها التراجم، سيرة الكاتب والروائي والمناضل الفلسطيني غسان كنفاني الذي ولد في عكا سنة 1936، ورحل مع عائلته إلى بيروت عقب نكبة فلسطين 1948. عمل في الكويت مدرساً، وبدأ ينشط من خلال تنظيم حركة القوميين العرب هناك، ثم عاد إلى بيروت عام 1960، حيث عمل بالصحافة البيروتية، وانضم إلى الحركة الشعبية لتحرير فلسطين، وأصبح عضواً في مكتب الحركة السياسي وناطقاً رسمياً باسمها.

من أعماله الروائية: "رجال في الشمس"، "ما تبقى لكم"، "أم سعد"، "عائد إلى حيفا"، "العاشق"، "سقوط الجليل"، وله "أدب المقاومة في فلسطين المحتلة"، و"المقاومة ومعضلاته"، و"في الأدب الصهيوني". نسفت سيارته، وتوفي في بيروت عام 1972.

من المبدعين الذين رحلوا مبكراً الشاعران إبراهيم طوقان (1905- 1941) وأبو القاسم الشابي (1909- 1934) وقد تشابها في حياتهما وفي ملابسات رحيلهما.

من الأعلام العرب الذين ماتوا دون الأربعين ويترجم لهم الكتاب الأديب والكاتب الفلسطيني أحمد الكرمي، والشاعر والزجال المصري إسماعيل الحبروك، وأديب إسحاق، وأحمد العاصي، والتجاني يوسف بشير، وجاك تاجر، وجرجي حداد، وجعفر الحلِّي، وحافظ بن أحمد الحكمي، وحبيب اليازجي، وخليل اليازجي، وحسين جليل، وخالد الخطيب، ورفعت الصليبي، ورفيق سلوم، والمناضل المصري مصطفى كامل الذي لم يتجاوز 34 عاماً.

فضلاً عن الشاعرة الرقيقة أمينة نجيب (1887-1917) والدة الشاعر أحمد زكي أبو شادي، والتي ولدت بالقاهرة وحظيت بتربية راقية واستقدم والدها المعلمين دون أن تذهب إلى مدرسة، وقد أجادت التركية، وظلت قصائدها متفرقة في الصحف والمجلات ولم تجمع حتى الآن.

سيد درويش... نهضة الموسيقى العربية

من الفنانين في هذا السياق الملحن والمطرب المصري سيد درويش الذي لقّب بفنان الشعب، وهو المحدِّث الأول وصاحب نهضة الموسيقى والغناء في مصر والوطن العربي، استطاع أن يحطّم أغلال الفن من قيوده التقليدية القديمة ونقل الموسيقى العربية إلى آفاق أخرى. وُلد عام 1892، لحن وغنّى العديد من الأغاني التي أصبحت جزءاً من التراث المصري مثل "شد الحزام"، و"أنا هويت"، و"قوم يا مصري"، كما لحن النشيد الوطني.

نشأ سيد درويش فتى معمماً وحفظ القرآن الكريم وأجاد تجويده، وما لبث أن تحول إلى التلحين والغناء. علت شهرته وذاع صيته وعمل بالفرق المسرحية التي أسسها جورج أبيض، وسلامة حجازي، ونجيب الريحاني واستقل بفرقته الخاصة. وكان ضعيف الذاكرة فاستعان بآلة تسجيل صوت ليسجل عليها ما يلحنه شيئاً فشيئاً. وتجاوب مع أحداث ثورة 1919 لحن عنها عدة أغان. مات بالإسكندرية سنة 1923، وقيل إن سبب رحيله جرعة زائدة من المخدرات، إلا أن أحفاده نفوا ذلك بعد أن وجدوا رسالة بخط يده إلى أحد أصدقائه يقول فيها إنه أقلع عن السهر.

أسمهان... من جبل الدروز إلى القاهرة

على صعيد الغناء أيضاً تأتي المطربة السورية أسمهان صاحبة الصوت العذب الرخيم ضمن المبدعين الذين لم يتجاوزوا الأربعين، فقد ولدت عام 1912 على ظهر باخرة كانت تقل عائلتها من تركيا إلى جبل الدروز في سوريا حيث أصل الأسرة، اضطرت إلى مغادرة الجبل إثر نشوب الثورة السورية عام 1925 إلى مصر، ثم تزوجت الأمير حسن الأطرش سنة 1934 فعادت إلى سوريا، وما لبثت أن عادت إلى القاهرة بعد طلاقها منه.

تابعت الغناء وعرفت بصوتها المميز، وكادت تنافس أم كلثوم، وقيل إنها أفضل من غنت الموشحات النبوية، ومن أشهر أغانيها "مجنون ليلى"، و"يا بدع الورد"، و"يا حبيبي تعالى الحقني"، و"عليك صلاة الله وسلامه"، و"محلاها عيشة الفلاح"، ومثلت في عدد قليل من الأفلام السينمائية. ثارت أقاويل حول اتصالاتها بالإنجليز في حياتها وحول وفاتها بانزلاق سيارتها غرقاً في ترعة بين القاهرة والسويس عام 1944.

رمّال وسميرة موسى... مقتل العلماء

أما الفيزيائي اللبناني رمّال رمّال الذي ظهر نبوغه مبكراً، وشارك في عشرات المؤتمرات، واحتفت الصحافة العالمية بإنجازاته، فلم يعش طويلاً، ورحل إثر حادث سير في مدينة غرونويل سنة 1990، قيل إنه حادث مدبّر.

الأمر نفسه حدث من قبل مع عالمة الذرة المصرية سميرة موسى (1917- 1952) التي لم تتجاوز حياتها 35 عاماً فقد حصلت على درجة الدكتوراه من بريطانيا، وسافرت إلى الولايات المتحدة الأمريكية بدعوة جامعية، وبينما كانت في طريقها لزيارة معامل نووية بضواحي كاليفورنيا، اصطدمت سيارة بسيارتها وهوت في واد عميق، فماتت، واتُّهمت إسرائيل بقتلها، وأُلف فيها كتاب "اغتيال العقل العربي" للدكتور حسين كامل بهاء الدين.

تيسير السبول... الاختيار الأخير

من الأسماء التي لا تُغفل هو المحامي والشاعر والأديب الأردني تيسير السبول، الذي ولد في الطفيلة سنة 1939، وأنهى دراسته الثانوية في عمان، وابتعث إلى الجامعة الأمريكية ببيروت، لكنه تحول عنها إلى دراسة القانون بجامعة دمشق، ثم اشتغل بالمحاماة، وما لبث أن انقطع عنها وعمل في الإذاعة.

شعر أن أحلامه لم تعد ممكنة، فانتحر بإطلاق النار على نفسه بعمان في أعقاب حرب تشرين/أكتوبر 1973 ولقاء المصريين والإسرائيليين عند خيمة الكيلو 101. وكان قد أصدر مجموعة شعرية بعنوان "أحزان صحراوية"، ورواية "أنت منذ اليوم".

أما الصحافي والأديب اللبناني جرجي حداد فقد ولد في زحلة سنة 1880، وتعلم بدمشق وعمل بالصحافة وولي تحرير بعض الصحف، وترجم عن الفرنسية رواية "نكارتر". حكم عليه ديوان عالية العرقي التركي عام 1916 بالإعدام، فشنق ببيروت.

المتصوف المغربي ومؤسس الطريقة الكتانية محمد عبدالكبير الكتاني، قدم إلى القاهرة للاستشفاء من مرض عضال، فتوفي بها ودفن بالقاهرة بناء على وصيته. كذلك رحل محمود السيد، رائد القصة الحديثة، في العراق، والشاعر والمترجم نجيب الحداد أحد رواد التأليف المسرحي في لبنان، والقاص والناقد وحيد النقاش (1937- 1971) وكان يتوقع له مستقبل أدبي كبير، وهو أخو الناقد المعروف رجاء النقاش والكاتبة اليسارية فريدة النقاش. وقامت الدكتورة عبير سلامة بعد وفاته بنشر قصصه وترجماته في كتاب "إسراءات الرجل الطيف".

منهم من توفوا جراء مرض مزمن، ومنهم من أقدم على الانتحار، ومنهم الذين أعدموا، ومنهم الذين قُتلوا أو استشهدوا، ومنهم من ماتوا بحادث سير، ومنهم من مات ميتة طبيعية

أما أطوار بهجت فهي مذيعة في قناة العربية الفضائية تم اختطافها وقتلها أثناء تغطيتها لتفجير مرقد قبة الإمامين العسكريين في سامراء في 22 شباط/فبراير 2006. وهي أديبة وصحافية عراقية، وُلدت في سامراء عام 1976، صدر لها ديوان شعري بعنوان "غوايات البنفسج"، ورواية "عزاء أبيض". عملت في عدة صحف ومجلات، ثم عملت مذيعة في قناة العراق الفضائية، ثم الجزيرة، فقناة العربية.

من الشخصيات اللافتة أيضاً التي لم تتجاوز الأربعين، الشاعرة والرائدة النسائية المصرية ملك حفني ناصف (1886- 1918) التي اهتمت بقضايا المرأة والتعليم، وكانت أول امرأة تجاهر بدعوة عامة لتحرير المرأة والمساواة مع الرجل، وكانت تجيد الإنكليزية والفرنسية. أُطلق عليها لقب "باحثة البادية"، وكانت من أوائل النساء اللاتي اهتممن بالتعليم، وكتبت مي زيادة كتاباً عنها بعنوان "باحثة البادية".

غاب عن الكتاب اسم الشاعر السوري رياض صالح الحسين الذي لم تتجاوز مسيرته الحياتية 28 عاماً، فقد بزغ نجمه وحققت أشعاره شهرة كبيرة، وقد عاش حياة شديدة التعقيد والبؤس بسبب ظروف الإعاقة. أصدر ثلاث مجموعات شعرية، ورحل في مستشفى المواساة بدمشق عام 1982.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image