بعد الانتهاء من مشاهدة فيلم "ابن الحاج أحمد"، البطولة المطلقة الأولى لشيكو، لم أخرج سعيداً، ليس فقط بسبب مستوى الفيلم والذي كان مقبولاً نوعاً ما، بل لشعوري بأن إمكانيات شيكو الكوميدية أكبر مما هي عليه، وأنه لا يستحق أن يكون الخاسر الأكبر في حال عمله بعيداً عن هشام ماجد وأحمد فهمي.
ما يفتقده الفيلم هو ما يفتقده كل أعضاء ذلك الثلاثي الذي صار ثنائياً حين يعمل بمفرده، الرؤية التي تتحقق عبر عملهم الجماعي، والكوميديا اللامبالية، الجريئة لدرجة القسوة، التي أدعي أنها كانت أول طفرة حقيقية في الكوميديا بعد جيل سمير غانم وعادل إمام، وأظن أن الجزء الأخير الخاص بالقسوة، والذي لا يخشى السخرية من "الرموز والأيقونات"، يعود إلى أحمد فهمي في أفلامه ومسلسلاته متذبذبة المستوى، إذ انتقل معه هذا الجزء في أعماله دون الرؤية والخيال المركب.
وقد ظهر ذلك التأثر حتى في ثنائيات شيكو وهشام الناجحة، كـ"قلب أمه"، و"حملة فريزر" ومسلسل "اللعبة"، رغم نجاحها وقدرتها على الإضحاك، إلا أنها لم تذهب بعيداً كتجاربهم في "سمير وشهير وبهير" و"الحرب العالمية الثالثة" و"الرجل العناب". كأن كل عضو من الثلاثي كان يحمل شيئاً يضاعف من موهبة الباقيين ويدعمها فتظهر كأنها لا تقهر. يتفوق أحمد فهمي في الكتابة، ويتفوق هشام ماجد كعقل هادئ منظم، ويتفوق شيكو ككوميديان.
من بين الثلاثي، بلور شيكو عبر مسيرته أداء فريداً، لا يعتمد على سمنته، ربما يسمح بمجرد الإشارة إليها، كأن يكون اسمه "مجدي تختوخ" في فيلم "قلب أمه"، لكنه لا يسمح بالسخرية منها أو بناء مواقف درامية على أساسها، كما يرى الناقد رامي المتولي، بل تعتمد الكوميديا التي يقدمها على براءة ملامحه، وعلى التلقائية الشديدة مع مسحة من الطفولية والرومانسية.
قدرات شيكو في الكوميديا والكتابة الكوميدية، وخبرة معتز التوني كواحد من ألمع مخرجي الكوميديا، لم يستغلا في الفيلم الذي اعتمد للأسف على إفساد الفكرة الجيدة بالاستسهال في التنفيذ
لا أبكي هنا على اللبن المسكوب، فمن حق كل منهم أن يجرب نفسه على ساحة البطولة المطلقة، ولا أقول إنهم لا يستحقون مساحة النجومية المنفردة، بل على العكس، أرى أنهم في مرحلة نضج فني تبلورت فيها لدى كل منهم مساحات أداء مميزة، تؤهلهم للعمل بمفردهم، أو من خلال استكمال الثنائيات من آن لآخر، وهو ما يبدو أن شيكو وماجد سيفعلانه، بينما سيواصل أحمد فهمي، الذي لا يقل عنهما موهبة في التجريب، حتى يستعيد إيقاعه أو يصل إلى خلطة فنية تليق بعقله، أو هكذا أتمنى، شريطة أن ينسى أن زمن السخرية من الثمانينيات قد ولى.
قدرات شيكو في الكوميديا والكتابة الكوميدية، وخبرة معتز التوني كواحد من ألمع مخرجي الكوميديا، لم يستغلا في الفيلم الذي اعتمد للأسف على إفساد الفكرة الجيدة بالاستسهال في التنفيذ.
تدور قصة فيلم "ابن الحاج أحمد" بطولة شيكو، حول "شلتة"، أو أحمد، الذي يعمل في محل للبقالة، ويعيش أحلام يقظة مستمرة، ويتخيل نفسه السوبر هيرو الذكي والشاب الجذاب المحبوب من الفتيات، ويظل داخل قوقعة هذه الخيالات والأوهام، حتى يكتشف أن والده له ماض مثير وغامض، ويدخل بصحبته في مغامرات عنيفة للهرب من عصابة كانت تبحث عن الأب منذ 30 سنة.
الفكرة منسوبة للمخرج عمرو سلامة، وشخصية "أحمد شلتة"، وبحسب الكاتب إيهاب التركي، فبعض تفاصيلها تذكر بشخصية "والتر ميتي" التي قدمتها هوليوود في فيلم بعنوان The Secret Life of Walter Mitty "الحياة السرية لوالتر ميتي"، مرة بطولة داني كاي في عام 1947، ومرة ثانية بطولة بن ستيلر في عام 2013.
ووالتر ميتي شاب خجول ومنطو، يعمل محرراً بسيطاً في دار نشر روايات المغامرات والجريمة، وهو شارد يعيش في أحلام يقظة دائمة، ويسخر منه المحيطون به، وأغلب أحلام يقظته مقتبسة من أحداث الروايات التي يُحرّرها، وعلى أرض الواقع يتعرف على فتاة حسناء غامضة ووالدها المشلول، ويجد نفسه داخل مغامرة تجسس حقيقية.
فكرة "ابن الحاج أحمد" صاغ لها السيناريو محمد المحمدي وأحمد محي، فأدت إلى تمصير سطحي مُبتذل للنسخة الأمريكية، وتشويه لمضمون الشخصية المحورية للشاب الحالم المعتل اجتماعياً، وهي شخصية ثرية ومليئة بالتعقيدات النفسية والعاطفية، لم تستغل في الفيلم.
أتمنى ألا يطول انسحاق الثلاثي (شيكو وهشام ماجد وأحمد فهمي) تحت عجلة المينستريم، تحت دعوى الخفة والتسلية، فهي صفة لم تنتف عن أعمالهم المهمة، فالحفاظ على منطق رؤيتهم للكوميديا، من مواقع خبرتهم ككتاب بدأوا مستقلين، مربح أيضاً للمنتجين
حبكة رغم أنها تبدو الأفضل بين الأفلام الكوميدية المعروضة معه، إلا أن النتيجة هي تفوق فيلم "بعد الشر" لعلي ربيع، عليه في الإيرادات، رغم ما هو ما معروف عن مستوى الكوميديا التي يقدمها ربيع، والتي لا تعول على الفكرة أو الموقف قدر ما تعول على إطلاق أكبر كم ممكن من الإيفيهات المرتجلة التي تعجب البعض، حتى لو لم تكن مضحكة، أو لم تتناسب مع الموقف الدرامي، ولنكن واقعيين: قد نتسامح مع الأفلام الكوميدية حتى لو افتقرت للجودة أو البناء الجيد، طالما أضحكتنا، وهو ما لم يتحقق في فيلم "ابن الحاج أحمد"، الذي كان بالتأكيد سيخرج بشكل أفضل لو كتبه عمرو سلامة.
أما رحمة أحمد، بطلة الفيلم، فيبدو أن مشكلة الصراخ المزعج صارت مشكلة حقيقية لديها، بعيداً عن حملات السوشيال الموجهة ضدها بعد مسلسل "الكبير أوي"، وعليها أن تعالجها بجدية.
يستحق شيكو ما هو أفضل، وأتمنى ألا يطول انسحاق الثلاثي تحت عجلة المينستريم، تحت دعوى الخفة والتسلية، فهي صفة لم تنتف عن أعمالهم المهمة، فالحفاظ على منطق رؤيتهم للكوميديا، من مواقع خبرتهم ككتاب بدأوا مستقلين، مربح أيضاً للمنتجين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...