شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!

"ديتينغ آبس، ديلفيري، وميمز"... لهذه الأسباب لا أتخيّل حياتي بدون انترنت

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

مدونة نحن وحرية التعبير

الثلاثاء 9 مايو 202303:52 م

هذا الشهر، يكمل الإنترنت عامه الثلاثين على كوكبنا الجميل، منذ اختراعه عام 1991 من قِبل العالم الانكليزي تيم بيرنرزلي. ومنذ ذلك الحين انقلبت حياتنا رأساً على عقب. هل فكّرتم يوماً كيف ستكون حياتنا بدون هذا الاختراع العظيم؟ إليكم بعض الأشياء التي لا يمكنني تخيّلها بدون وجود الانترنت

 أخبار أخبار أخبار

كانت ولا تزال الأخبار جزءاً مهماً من حياتنا اليومية، فالمنطقة العربية من أكثر المناطق الساخنة في العالم وبالطبع للقنوات الإخبارية دائماً الكثير لتقوله لك، كنا نجلس يومياً على العشاء لنتابع أبرز ما حدث اليوم من أخبار عاجلة وغير عاجلة حتى تبدأ النشرة الاقتصادية لنغيّر المحطة ونتابع مسلسلاً درامياً على سبيل المثال لا الحصر.

الجميع له نفس الرأي، فلا ناشطين من قلب الحدث يبثون لك ما يحدث في بيوت مجاورة ولا محللين على السوشال ميديا. المصادر معروفة: قنوات إخبارية، راديو، صحف ومجلات. وبالطبع يمكن الاتصال بابن خالتك للاطمئنان عليه بعد سماعك بقصف مدفعي يحصل في قريته. ربما لن يحالفك الحظ مرة واثنتين وثلاثاً. ستعيد الاتصال مراراً لا لأنه مصدر معلومات بالنسبة لك، ولكنك حقاً مهتم بالاطمئنان عليه.

لم يكن عليك قبل الإنترنت، معرفة رأي جارتك أم سعاد عن أزمة البيئة ولا رأي صديقك في المدرسة الابتدائية عن أزمة اللاجئين السوريين

لم يكن عليك معرفة ما رأي جارتك أم سعاد عن أزمة البيئة ولا رأي صديقك في المدرسة الابتدائية عن أزمة اللاجئين السوريين.

كمواطن من الدرجة العادية تتابع بصمت، تتبنى رأياً جاهزاً أو تقرأ مصادر أخرى تناقشها مع أصدقائك المقربين أو عائلتك في أمسية ما.

لا تنسَ ما رأيته، على الرغم من عدم وجود الكثير من الوجوه للمعلومة وعدم اكتفاء بالصور، فلا فيديو على الانترنت مع هاشتاغ يذكرك بمجازر حصلت في شارع كنتَ قد قضيت فيه عمرك ولا "تويت" تجعلك تعيد ترتيب آرائك السياسية قبل التفوه بحرف.

نعم يا عزيزي كانت الكذبة موحدة، علينا جميعاً، البعض يفهمها والبعض الآخر لا يسمعها أصلاً وشتّان بين الاثنين .

 "سنغِل" وحيد مع مليون خَيار

قبل ظهور شبكة الإنترنت كانت فرص لقائك بشريك أو شريكة حياتك ضئيلة للغاية، في الجامعة، في العمل، في حفلة ما. وإن حالفك الحظ ستلتقي بها وهي تنتظر الحافلة، ستركب خلفها ستلاحقها لمكان عملها أو دراستها، وهي لن تقول عنك "ستوكر" أو "توكسيك"، ستمشي خلفها أياماً وليالي حتى يحالفك الحظ عن طريق الصدفة لتعبر لها عن إعجابك إن لم تكن فتاة الأحلام "سِنغل" ستتفقان على الالتقاء مرة أخرى في يوم آخر. إن ظهرت في الموعد المحدد فأنت محظوظ جداً وإن لم تظهر فحظك قد يكون أوفر في حياة أُخرى، لا انستغرام تلاحقها عليه وتعرف منه الحفلات والمقاهي التي ترتادها ولا صور لها تواسي لياليك الموحشة.

ما إن ترى عيناك فتاة تعجبك حتى تبدأ مواقع التواصل الاجتماعي باقتراح حسابها عليك لتراها تغني، ترقص، تروي القصص. تحبها من بعيد، تشتاقها دون أن تضغط زر الإضافة.

أما الآن فالعالم قد تغيّر يا صديقي، فقد أتاحت لك شبكة الإنترنت التواصل أكثر، نعم . ببساطة ما إن ترى عيناك فتاة تعجبك حتى تبدأ مواقع التواصل الاجتماعي باقتراح حسابها على فيسبوك أو انستغرام وربما تيك توك لتراها تغني، ترقص، تروي القصص. تحبها من بعيد، تشتاقها دون أن تضغط على زر الإضافة حتى، أنت تعلم أنها متاحة أو هذا ما قيل على صفحتها على فيسبوك "سنغل" وأنت معجب بها حقاً! ولكن لمَ المغامرة وأنت لديك عشرات الخيارات الأخرى على مواقع التواصل والمواعدة وحتى "اللينكد إن".

ستنتهي القصة قبل أن تبدأ بعد أن رأيت فيديو "كرينجي" لها أو "ميم" لم تعجبك ولم تعتقد أنها كافية لتكون فتاة الأحلام المنشودة، وبهذا وفّر عليك الانترنت وقتاً طويلاً من علاقة أو مغامرة ربما ستكون فاشلة.

يتركك الانترنت وحيداً، ولكن ممتلئاً بالخيارات

 طبخات أمي

عندما خرجت أمي من منزلها في مدينة حلب حملت معها ضمن الأوراق الثبوتية كُتيّباً عفا عليه الزمن، يحتوي كل تلك الوصفات الأصلية التي جمعتها من جدّتي قبل وفاتها.

كل تلك الوصفات المعقدة مشروحة بدقة عالية بالنسبة لأمي التي لم تكن تحب المطبخ مع ملاحظات مثل: "لا تتذوقي المعمول قبل ما يبرد، أضيفي اللبن بحنية وحركيه وإنت مركزة"، أو عناوين مثل: "طريقة خالتي للملوخية، وطريقة ستي".

عندما بدأت أتعلم الطبخ لأن الطلب من الديلفيري صار يساوي ثروة بالنسبة لطالبة، أعطتني أمي الكُتيب لأستفيد من الوصفات الدقيقة. ولأني من جيل التسعينيات المشبع بالإنترنت لم أكن أفهم كيف يمكن أن أحضر أي وصفة من الوصفات المكتوبة، وأنا أستطيع بكبسة زر واحدة أن أشغّل فيديو لأشهر الطباخين ليروي لي تاريخ الطبخة ويعلمني كيف أصنعها بالتفصيل الممل، بل يمكنني أيضاً أن أوقف الفيديو وأدعي التعب وأعود لخيار الديلفيري بكبسة زر مجاورة.

الفرق بين البقدونس والكزبرة، زبدة حيوانية أو نباتية، كاري أو كركم؟ لماذا عليّ معرفة كل ذلك؟

نعم أعترف بفشلي في كل مرة أحاول فيها تحضير وجبة معقدة، ولكن الانترنت موجود لتصحيح الأخطاء، أليس كذلك؟ أو عدم القيام بها من الأساس.

 دكتور غوغل

كلما اتصلت بأمي لأقول لها بأني أشعر ببعض التوعّك تقول لي كأي أم فلسطينية:"إمي ادهني زيت زيتون على حلقك ونامي، اشربي كمان حبيتن سيتامول وان شاء الله بتفيقي ما فيكِ شي".

ولكني وكأي بشري يعيش في هذه الألفية لا أسمع هذا الكلام، لأني قبل اتصالي بأمي كنت قد سألت غوغل الذي قال لي: "ربما أنت مصاب بفايروس جديد انتشر تواً في بلاد لم تسمع عنها من قبل". اتصالي بأمي كان بعد ساعات من التفكير بأنها ربما الساعات الأخيرة لي على هذا الكوكب بعد قراءة عشرات المقالات واللينكات عن أشخاص عاشوا هذه الحالة مثلي وماتوا!

دكتور غوغل لا ينفكّ يساعدني لإيجاد السبب والأعراض والعوامل التي جعلت حرارتي مرتفعة وآلامي مُفاجئة.

مع أني ضمنيّاً أعلم أنها بسبب جلوسي على حافة الشباك لوقت طويل محاولاً تصوير القمر للمرة الألف وأنا أرتدي ثياباً صيفية في ليلة اعتقدتُ أنها ستكون دافئة.

ليتركني غوغل مفعمة بالتوتر الذي سيضاف للتوعّك الذي أشعر به.

نعم الانترنت ساعدني بأخذ الأمراض على محمل الجد وأضاف "الأنكزايتي" إلى حياتي، كيف يمكنني أن أثق بأنها مجرد نزلة برد؟ لولا غوغل الذي ألهمني وزاد وعيي وطلب مني في آخر كل مقال: "استشيري طبيبك المختص"

أذهب الى الطبيب في اليوم التالي مستنجدة فيقول لي بكل برود: "اشربي حبتين سيتامول ونامي".

نعم الانترنت ساعدني بأخذ الموضوع على محمل الجد وأضاف "الانكزايتي" إلى حياتي، كيف يمكنني أن أثق بأنها مجرد نزلة برد وليس فيروس حنجرة مثلاً؟ لولا غوغل الذي ألهمني وزاد وعيي وطلب مني في آخر كل مقال: "استشيري طبيبك المختص"، لم أكن لأرتاح وأعرف أني لا أحتاج سوى شيء من زيت الزيتون من بيت أمي.

 لا ملل مع الحياة ولا حياة مع الملل

تخيل كيف يمكن أن تنتهي ليلتك في بيت جدتك الريفي الممل بدون انترنت، ستقضي الليلة ربّما تعدّ النجوم أو تتحدث مع أفراد عائلتك عن ذكريات الطفولة، وستضطر إلى أن تلعب مع جدك أو جدتك لعبة النرد وتنتهي بخسارتك للمرة المئة وخمسين، أو ربما ستبدأ بقراءة كتاب ما ممل أيضاً.

تخيل كيف يمكن أن تنتهي ليلتك في بيت جدتك الريفي الممل بدون انترنت.

ولكن مع الانترنت لا ملل، الانترنت موجود في كل زمان ومكان، تستطيع أن تفتح التيك توك لتشاهد فتاة تأكل كميات كبيرة من الفاست فود على الرغم من نحافتها المفرطة لتقول لنفسك: "واو" أو تستطيع أن تلعب مع ناس مجهولين ألعاباً مختلفة حتى يطلع النهار. يمكنك أن تنام وأنت تشاهد ستوريات الإكس وهي سعيدة في حياتها مع حبها الأول، أو هذا ما كتبته بخط صغير أسفل الستوري لتراه أنت، لتتركك مع ذكريات تضربك يمنة ويسرة دون ملل، فكرة وراء فكرة حتى ينتهي بك الأمر فتعيد إنشاء حساب كنت قد أغلقته على" الديتينغ آبس" وتمضي السهرة في "سوايب ليفت" و"سوايب رايت" بانتظار الديليفري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

ذرّ الرماد في عيون الحقيقة

ليس نبأً جديداً أنّ معظم الأخبار التي تصلنا من كلّ حدبٍ وصوبٍ في عالمنا العربي، تشوبها نفحةٌ مُسيّسة، هدفها أن تعمينا عن الحقيقة المُجرّدة من المصالح. وهذا لأنّ مختلف وكالات الأنباء في منطقتنا، هي الذراع الأقوى في تضليلنا نحن الشعوب المنكوبة، ومصادرة إرادتنا وقرارنا في التغيير.

Website by WhiteBeard