شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
إلى رواندا

إلى رواندا "أرض الميعاد"... عن أحلام السوريين الهاربين إلى أي مكان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والمهاجرون العرب

السبت 6 مايو 202301:29 م

كيف أسافر من سوريا إلى رواندا؟ هل أحتاج إلى فيزا؟ ما هي تكلفة السفر؟ وما فرص العمل هناك وكم تبلغ أجور العاملين فيها؟ وهل رواندا بلد آمن؟ أسئلة عديدة بدأت بالانتشار بين السوريين على امتداد البلاد، وبعيداً إلى خارجها، وفي واقعهم الافتراضي أيضاً عبر صفحات الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعي المتعددة.

الهجرة إلى قلب القارة السمراء، إلى بلد صغير اسمه رواندا، لم تكن شائعةً من ذي قبل بين الحالمين بالخلاص والهجرة من بلاد ضاقت على أهلها. فأوروبا كانت الوجهة الأساسية لمعظمهم، لكن قبل سنتين تقريباً بدأت الأنظار السورية ترنو إلى رواندا، وتسمع باسمها، علّها تكون أمل نجاة أخير لمن لم يجد له درباً نحو شمال الأرض وراح يبحث في جنوبها عن الفردوس المفقود.

رواندا وأحلام الهجرة

فريد (اسم مستعار لشاب طلب عدم الكشف عن اسمه)، تحدث إلى رصيف22، عن نيته السفر إلى رواندا كخطوة جديدة، يأمل منها تأسيس مستقبل أفضل له ولعائلته، بعد أن عمل طويلاً، مهندساً في شركة خاصة في دمشق. قبل نحو سنة ونصف، تم ذكر اسم رواندا لأول مرة على مسامعه من المحيطين به، فبدأ البحث في صفحات الإنترنت للتعرف أكثر على فرص العمل والظروف المعيشية فيها والتخطيط للسفر إليها.

 قبل سنتين تقريباً بدأت الأنظار السورية ترنو إلى رواندا، وتسمع باسمها، علّها تكون أمل نجاة أخير لمن لم يجد له درباً نحو أوروبا

يقول لرصيف22: "وضعي المادي والمعيشي خلال الحرب في سوريا كان جيداً نوعاً ما، لكن تدنّي الأحوال المعيشية في البلد بشكل عام، وانعدام أي أفق لمستقبل مضمون وآمن، أيقظا حلمي القديم بالسفر إلى الخارج للبحث عن الحياة، وبصراحة لا أتمنى أن أرى طفلي الوحيد يكبر في بلد منهك تقطعت فيه كل حبال النجاة ولا بصيص أمل لإنقاذ من بقي فيه".

لا شك في أن أوروبا، بما فيها من دول، مكان جميل وجيد ومهم للسفر والعيش من جميع النواحي الحياتية، بحسب فريد، لكنه يستدرك قائلاً: "الصعوبة تكمن في طريقة الوصول إلى هناك، والمبلغ المالي الضخم الذي يجب بالضرورة أن يتوفر للشخص المسافر إن أراد الهجرة مع أسرته، فضلاً عن قلة تواجد فرص العمل لأشخاص مؤهلين علمياً ومهنياً، ولهم خبرة طويلة في مجال عملهم، لذلك كان السفر إلى رواندا وبطريقة نظامية هو الخيار الأنسب لي".

أرض المأساة والمعجزة

لماذا راوندا، الدولة الصغيرة في قلب القارة الإفريقية، وجهة سفر يتطلع إليها فريد؟ يجيب: "مستوى الأمان في هذا البلد عالٍ جداً، وهي دولة تعطي فيزا للسوريين وهذا مهم، ومجال الاستثمار فيها مُيسّر وسهل عبر الإجراءات الحكومية قليلة البيروقراطية، وهذا الدافع الأكبر بالنسبة لي ولأصدقائي لتأسيس مشروع استثماري فيها بمبلغ مالي مشترك في ما بيننا. التشجيع الاستثماري للأجانب من قبل السلطات الرواندية لافت للانتباه، وعامل قوة لاستقطاب المستثمرين من الخارج، خاصةً لانعدام شروط تعجيزية للحصول على رخصة للمشاريع الاستثمارية والمبالغ المالية المخصصة لها".

قبل اتخاذ القرار النهائي بالسفر إلى رواندا، ذهب فريد في رحلة قصيرة لمدة شهر إلى هناك لاستكشاف الوضع العام لتلك البلاد على أرض الواقع، ومقارنة ذلك مع العروض الترويجية والمشاهدات والقراءات التي جمعها فريد في جعبته عن رواندا عبر تصفح مواقع الإنترنت المختلفة، خاصةً أنها -بحسب مراقبين- تعيش الآن حالة نهضة حداثية وبدأت بفتح صفحة جديدة ناصعة البياض بعد أعوام كثيرة دخلت فيها البلاد دوامةً من العنف والصراع في حرب أهلية سطّرت خواتيمها مشاهد الإبادة الجماعية لمدة دامت مئة يوم، وخلّفت مئات الآلاف من الضحايا، فتم وصفها بأرض المأساة والمعجزة.

خطوة السفر إلى الخارج، وبشكل خاص إلى رواندا، تجب دراستها عميقاً قبل اتخاذها، إن كان للشخص حرية الاختيار في هذا الشأن. يختم فريد: "مجرد التفكير في اجتياز الحدود الجغرافية من سوريا إلى فضاء آخر (أي بلد في هذا العالم)، لا يعني بالضرورة الوصول إلى الجنة، وإلى بر الأمان والعيش الرغيد، وانتهاء فصول المعاناة الحياتية بشتى أنواعها، فرسم الأحلام الوردية ونسج الأوهام لن يفيدا أي شخص قبل أن تحطّ رحاله في البلد المنشود، ويعايش واقعه هناك بجوانبه كلها".

نهاية درب الآلام في رواندا!

لم يخطر على أذهان السوريين يوماً، أن تتبدل أحوال بلادهم ويندلع فيها صراع مسلح لسنوات مع ما رافقه من أشكال عديدة للمعاناة الإنسانية تجلّت إحداها في أزمة معيشية خانقة تضغط بثقلها على مآسيهم يوماً بعد آخر، ولم تظهر لهم بعد أي ملامح للفرج في الأفق القريب، ولم تخطر ببال الكثيرين منهم فكرة الهجرة والسفر إلى الخارج إلا بعدما اختبروا قسوة الحياة خلال سنوات الحرب، فلملموا ما تبقى لديهم من أملاك وحزموا حقائبهم وتمسكوا بخيط النجاة الأخير وعبروا الحدود في مختلف الاتجاهات.

"مجرد التفكير في اجتياز الحدود الجغرافية من سوريا إلى فضاء آخر، لا يعني بالضرورة الوصول إلى الجنة، وإلى بر الأمان والعيش الرغيد، لكن رواندا تستحق المحاولة"... لماذا إذاً؟

في الجنوب، كان البلد الإفريقي الصغير رواندا، يلوّح لهم من بعيد كضفة جديدة لنهاية درب الآلام وبداية مشوار الحياة، وهكذا كان حال عادل (اسم مستعار)، الذي يعيش منذ سنة ونصف في العاصمة كيغالي، وقد بدأ العمل في مشروع خاص به في مجال الزراعة وتربية الحيوانات.

"رواندا حالياً تشبه ما كانت عليه سوريا قبل بدء الحرب فيها، خاصةً بالنسبة إلى وجود الأمان الكبير وقلة ارتكاب الجرائم وتعدد فرص الاستثمار والعمل"، يقول عادل لرصيف22، شارحاً أبرز العوامل التي حفّزته إلى السفر إلى رواندا وتأسيس مشروع استثماري فيها، وقد بدأ التخطيط للسفر بعد عشر سنوات من بدء الحرب في سوريا، خاصةً أن عمله طوال تلك السنوات وبرغم الحرب التي كانت مستعرةً، كتاجر للمستلزمات المنزلية، كان يؤمّن له بالشكل الكافي مصاريفه هو وعائلته.

يقول: "بعد أن بدأ الدولار يقفز ويحلّق عالياً، لم أستطع مجاراته واللحاق به، فلجأت إلى السحب من مدّخراتي كي أجابه موجة الغلاء التي اجتاحت الأسواق السورية، وعندها لم يكن الخيار أمامي إلا جمع ما تبقى لي من أملاك، والسفر إلى رواندا لتأسيس مشروع استثماري هناك في الزراعة وتربية الحيوانات، وما شجعني أكثر هو سهولة الحصول على فيزا وكلفة السفر المقبولة نسبياً مقارنةً بتكاليف السفر إلى أي بلد آخر خاصةً الدول الأوروبية".

مثل فريد، يرفض عادل أيضاً الهجرة بشكل غير شرعي إلى خارج سوريا، نظراً إلى وجود زوجة وأبناء برفقته ولا يريد المخاطرة بحياتهم ومستقبلهم في رحلة لا ضمان لنتيجة آمنة فيها.

السهل الممتنع

يرى عادل أن مقومات النجاح لأي مشروع استثماري متوفرة بشكل خاص في العاصمة الرواندية، لكن النجاح بحد ذاته يعتمد على دراسة جدية للمشروع قبل تنفيذه مع التحلّي بالصبر لقطف ثمار الأرباح، ويضيف: "أستطيع وصف رواندا بأنها بلد سهل ممتنع، فهي بلد متعاون إلى أبعد الحدود مع المستثمرين الأجانب فيها، وهذا بالنسبة إلى الإيجابيات التي تتحلى بها رواندا، ومع ذلك ليس من السهل ضمان نجاح أي مشروع بسبب غلاء المواد الأولية وتكاليفها الباهظة وندرة وجود الخبرة المهنية لدى الروانديين بشكل عام، ومحدودية تنوع مجالات المشاريع القابلة للاستمرار، وتلك عوامل سلبية أدت للأسف إلى تعثر أغلبية مشاريع السوريين الذين جاؤوا إلى رواندا، بعكس ما كانوا يأملون".

معظم المستثمرين الذي أقاموا مشاريع تقليديةً شائعةً وسهلة التنفيذ كالمطاعم والكافيتريا، خسروا مشاريعهم

تجارب السوريين في العمل والاستثمار في رواندا يختصرها عادل بالقول: "كل سوري جاء إلى هنا، لا يمتلك الخبرة المهنية الكافية ولا يعلم متطلبات البلاد التشغيلية والاستثمارية. الكل يجربون حظوظهم، وهذا بالطبع لمن جاء حاملاً معه ممتلكاته ويريد الاستثمار في رواندا، لكن الجانب السلبي الأبرز هو أن تلك البلاد لا مكان فيها للخاوية جيوبهم والباحثين عن فرص العمل، وتبقى الجنسية الرواندية هي أفضل الخيارات المتاحة حالياً للسوري، إذا نجح في مشروعه وبقي طوال خمس سنوات متواصلة فيها، وهذا هو التحدي الوجودي الأكبر، فمعظم السوريين المستثمرين الذي أقاموا مشاريع تقليديةً شائعةً وسهلة التنفيذ كالمطاعم والكافيتريا والاستراحات، خسروا مشاريعهم ولم ينجحوا، لأن القيمة الشرائية للروانديين منخفضة جداً ولا يوجد اهتمام حقيقي لديهم بارتياد تلك الأماكن".

تباين بين الطموح والواقع

"قم بزيارة رواندا واستثمر فيها"؛ عنوانٌ لحملة الإعلانات الضخمة التي عملت عليها رواندا لتسويق نفسها، ونجحت في جذب الأشخاص من كل دول العالم إليها، وبالتحديد السوريين، خاصةً أنها من بين الدول القليلة التي تستقبل زائريها دون فيزا أو تقتصر الإجراءات على الحصول على فيزا إلكترونية عبر تقديم طلب من الموقع الرسمي الرواندي للسفر إليها.

في قلب العاصمة كيغالي، وبالتحديد في منطقة كميرونغو، تتمركز شركة "داماس للتطوير" المختصة بالسياحة والسفر وتأسيس مشاريع العمل للمستثمرين العرب، وخاصةً السوريين في رواندا، وبحسب إحصاءاتها لرحلات السفر، فإن رواندا تستقبل كل يوم شخصاً أو اثنين من الشباب السوري.

يشرح مالك الشركة ومديرها، أيسر مصري، لرصيف22، واقع ما يعيشه الشبان السوريون المسافرون إلى رواندا، الذين تصل نسبتهم بين الشباب العربي هناك إلى تسعين في المئة، فيقول: "شاهدت الكثير من الأشخاص الذين جاؤوا إلى هنا وفشلوا في البقاء، وتالياً خسروا آلاف الدولارات التي كانت معهم، وهذا بالطبع بسبب الصورة المزيّفة التي رسمها لهم أصحاب مكاتب الهجرة والشركات المتخصصة في تأمين فرص للسفر، وأيضاً المروّجون الكثر في صفحات التواصل الاجتماعي الذين غرروا بالمئات من السوريين، وخلقوا في مخيلتهم صورةً بعيدةً تماماً عن الواقع".

"بعض الشركات والأشخاص يستغلّون عدم معرفة الناس الكافية برواندا، ويقومون باصطياد الزبون وإقناعه بالسفر إلى هناك مقابل مبلغ مادي يتعدى الثلاثة آلاف دولار، مع وعود كثيرة بتحصيل الفيزا له وتوفير عقد نظامي للعمل"، بحسب ما يكشف أيسر، الذي يضيف: "لا يوجد شيء في رواندا اسمه عقد عمل أو إقامة عمل، وذلك ببساطة لأن الحكومة الرواندية لا تؤمّن فرص عمل للأجانب، وفرص العمل في البلاد تقتصر فقط على الروانديين، حتى أن راتب العامل الشهر فيها يتراوح بين 40 و80 دولاراً فقط، وهذا للأسف ما يجهله الكثيرون الذين يتعرضون لعمليات نصب واحتيال بوعود كاذبة من قبل ميسّري السفر".

القانون الرواندي لا يجامل

تُكلّف فيزا السفر إلى رواندا، خمسين دولاراً فقط، وخمسين دولاراً إضافيةً يدفعها الواصل إلى مطار رواندا كقيمة للحجز الفندقي لمدة شهر، وخلال تلك المدة يجب على الشخص الواصل حديثاً إلى البلاد أن يسارع إلى تأمين رخصة عمل ومقر وتجهيزات للبدء بمشروعه، ثم تحصيل فواتير بيع منتجات ذلك المشروع، وإن لم ينفذ مجمل تلك الإجراءات فعليه مغادرة البلد بشكل فوري.

يهرب كُثر من السوريين إلى رواندا وكأنها أرض الخلاص، من دون أن يُدركوا أو يعرفوا أي شيء عن البلاد سوى ما يسمعونه من هنا أو هناك، فتكون الخيبة في انتظارهم

يوضح أيسر: "القانون الرواندي حازم في هذا الأمر، ولا أحد يعلو عليه. لا يوجد فساد أو رشوة إطلاقاً، ولا توجد مجاملة لأصحاب المهن العادية مثل السماح لهم بالبقاء، فالعامل في ورش البناء على اختلاف أنواعها ومجالاتها، والطباخ والحداد والحلاق والموظف الإداري والكثير الكثير من ذوي الخبرات المهنية، غير مرحب بهم في رواندا، ولا مكان لهم أبداً فيها. الأبواب مفتوحة فيها فقط للمستثمرين".

"كثر من السوريين تمت إعادتهم من مطار رواندا إلى سوريا، نظراً إلى تعدد محاولات التحايل على السلطات الرواندية، التي بدأت الآن بالتدقيق المكثف ودراسة أوراق السوريين في المطار قبل دخولهم، ومن يقابَل بالرفض يعود أدراج الرياح إلى سوريا ويبدأ رحلة بحث جديدةً للسفر والهجرة إلى أي مكان خارج الأسوار السورية"، يختم مصري.

إنضمّ/ي إنضمّ/ي

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

"نؤمن في رصيف22، بأن متابعة قضايا العرب خارج العالم العربي، في المهجر/ الشتات/ المنفى، هي أيضاً نظرة إلى أنفسنا، وإلى الأسباب التي اضطر -أو اختار- من أجلها الكثيرون إلى الهجرة بحثاً عن أمانٍ في مكانٍ آخر، كما أنها محاولة للفهم وللبناء وللبحث عن طرائق نبني بها مجتمعات شاملةً وعادلةً. لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا مسيرتنا/ رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم. أخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا.

Website by WhiteBeard
Popup Image