شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اترك/ ي بصمَتك!
نعوات في سوريا تجاهر بالأخطاء الطبية... محاولة يائسة للصراخ؟

نعوات في سوريا تجاهر بالأخطاء الطبية... محاولة يائسة للصراخ؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحقوق الأساسية

الجمعة 5 مايو 202312:40 م

"دخل ابني لأخذ خزعة من فخذه في مشفى العباسيين في دمشق، حيث أعطوه جرعةً من التخدير ولكن تم ذلك في غرفة جانبية، وليس في غرفة العمليات، وهي غرفة ليست مُعَدّةً بتجهيزات لكشف الأكسجة مثلاً، ونبضات القلب والضغط وسوى ذلك، بل ليست معدّةً لشيء إطلاقاً. كان يفترض أن تؤخذ الخزعة من فخذه الأيسر، وقد أبلغني الطبيب أنّ ولدي سيخرج خلال نصف ساعة، ولكن فجأةً توقّف قلب ابني وتوفي دماغياً ودخل في غيبوبة، وظلّ أربعين يوماً على تلك الحال، إلى أن توفى".

بعيون دامعة وصوت فيه ما فيه من الحشرجة، تخبر أم جود، صباح إبراهيم، رصيف22، قصة وفاة طفلها الذي قضى نتيجة إهمال طبي. تقول: "المشفى لم يقف معنا، لا مادياً ولا إنسانياً ولا عاطفياً. كنا ندفع بدل تكاليف يومية بين 600 إلى 800 ألف (نحو مئة دولار أمريكي). وكأن دور المشفى هو فقط استقبال المرضى، وأنا كنت أتكفل بجلب طاقم طبي كامل من الخارج لرعاية ولدي في العناية المشددة".

إلى القضاء

بالتزامن مع ذلك، رفعت الوالدة دعوى قانونيةً أمام القضاء السوري لاسترجاع حق ولدها، ولا زالت القضية منظورةً في المحاكم حتى الآن، وما انبثق عنها مؤخراً هو توقيف فنّي التخدير "أبو أحمد" الذي أجرى التخدير للطفل مدّعياً أنّه طبيب التخدير في المشفى. وتؤكد أم جود أنّ تقرير الطبابة الشرعية قد خذلها حين جاء في نصّه أنّ المشفى كان مجهّزاً والغرفة التي كان فيها طفلها كانت غرفة عمليات وهي أيضاً مجهزة بكل شيء، وهو ما تنفيه تماماً. وما زاد من وجع الأم أنّ التقرير حمّل المسؤولية لفنّي التخدير وطبيب التخدير الغائب، مبرّئاً المشفى من مسؤوليته الجزائية والقانونية والطبية.

حين لجأت إلى القانون، لم أكن أريد تعويضاً. أنا أريد حق ابني، أنا أمّ، ولو الكون كلّه عُرض عليّ مقابل حياة جود، فسأختار حياة جود. نحن لسنا في غابة، وأتمنى ألا تعلو سلطة المال على القانون

تروي إبراهيم أنها ذكرت أمام الأمن الجنائي أنّ مدير المشفى عرض عليها مئات الملايين مقابل إسقاط حقها وعدم التشهير بمشفاه، لكنّها ظلّت متمسكةً بالرفض ومطالبةً بحق طفلها المتوفى. تقول: "أنا بقيت أصرّح لوسائل الإعلام، ولن أتوقف عن ذلك، ولن تغريني كل الأموال التي دفعها مدير المشفى".

وتضيف: "حين لجأت إلى القانون، لم أكن أريد تعويضاً. أنا أريد حق ابني، أنا أمّ، ولو الكون كلّه عُرض عليّ مقابل حياة جود، فسأختار حياة جود. نحن لسنا في غابة، هناك قانون ونظام، وأتمنى ألا تعلو سلطة المال على سلطة القانون".

بقهر واضح تقول الجملة الأخيرة، ويكاد صوتها يختفي وهي ترددها، فالأم المكلومة خائفة اليوم، ومن حقها الخوف في بلد كسوريا، حيث تُطوى الجرائم والمآتم والمقاتل مقابل الأموال، وما أكثر الأموال في الحرب. يبدو خوفها مشروعاً، فكم من قضية كتلك أُغلقت؟ وكم من طبيب ومشفى تنصلا من العقاب؟ وكم تكسرت النصال على رقاب العباد، وراحوا يوارون أحبابهم الثرى بصمت مهيب لا شيء يغلبه إلّا دموع يتيمة تلعن القاتل؟

"كلنا أولادك يا أم جود"؛ كان هذا نصّ نشره سوريون كثر على صفحاتهم في مواقع التواصل الاجتماعي، ولكن يسأل سائل: ماذا بعد؟ جرت العادة في سوريا أن تشهد أي قضية ذروتها قبل أن يتم تمييعها لصالح طمس معالم الحقائق، مع استثناءات متعلقة بأشخاص لا يسكتون عن الحق، ويدافعون عنه، ونجحوا غير مرة، فهل ينجحون في قضية الطفل جود سكر؟

في هذا الإطار، يعلّق رئيس اللجنة العلمية في الرابطة السورية ﻷطباء التخدير وتسكين اﻷلم، الدكتور فواز هلال، بأن "حادثة وفاة الطفل جود سكر في مشفى العباسيين، بسبب خطأ طبي، من الممكن أن تتكرر في حال اﻻعتماد على فنّيي التخدير الذين يحتاجون إلى مزيد من الخبرة أو إلى أشخاص غير اختصاصيين".

ويقول لرصيف22: "القادم أسوأ، وهناك في الحياة أخطاء تبدو فرديةً، ولكنها في الحقيقة نتاج تجاهل حكومي لمشكلات متراكمة"، محذراً من قلة أطباء التخدير، ما سبّب وفاة الطفل جود.

"إهمال وليس خطأً"

ثمة قوانين متجددةً تنصف ضحايا الإهمال أو الأخطاء الطبية، وقد تؤدي إلى إيقاف الطبيب عن العمل لعامين متتالين

في نعي الطفل جود سكر، ورد أنّه توفي نتيجة إهمال طبي. تقول أمه إنّها تعمدت أن يُكتب "نتيجة إهمال طبي"، وليس "نتيجة خطأ طبي"، قائلةً: "تعمدت ذلك، ولم أخَف من أي عاقبة مهما كانت، أنا مصرّة على أنني في بلد فيه قانون، وهناك فرق شاسع بين الإهمال والخطأ، فولدي أُدخل إلى غرفة ليست غرفة عمليات وليس فيها شيء من تجهيزات تدارك أي موقف لو حصل. أليس هذا منتهى الإهمال؟ وأنا أحمّل مسؤولية الإهمال كاملةً للمشفى بكل من فيه، ومن ضمنهم صاحبه ومديره، وصولاً إلى فنّي التخدير الذي ادّعى بأنّه طبيب، وبالمناسبة هذا الفنّي طلب مني 'بقشيشاً' إذا تبيّن أن ولدي سليم... تخيّل السخف!".

تضيف أم جود، أنّها في انتظار قرار القضاء وتتمنى أن يكون "على حق"، وأنّها لن تسامح ولن تتهاون وستنقض القرار إن كان مجحفاً في حقها، وتتابع: "أي قرار سيصدر لصالح الجناة سيكون لديّ عندها تصرف آخر، فهؤلاء هم من قتلوا ولدي".

"أتعلم أين القصة؟ كنا نشك في وجود سرطان في فخذ ابني، ولكن حين ظهرت نتيجة الخزعة بعد ثلاثة أيام، وهو في الغيبوبة، تبيّن أنها سليمة، فتخيّل لأي سبب قُتل ولدي الذي ما كان يشكو من شيء... والله العظيم لقد شرحت لهم مراراً قبل التخدير أن ابني لديه ربو قويّ، وطمأنوني بأنّهم يعرفون ما يفعلون".

رأي النقابة

إن أراد المرء أن يكتب عن الأخطاء الطبية التي تتكرر كثيراً في سوريا، فسيتطلب الأمر جهداً ليس يسيراً في الرصد، وسيتطلب الأمر فرد صفحات لا حدود لها، فكثر هم الذين ذاقوا مرارة التعافي في المشافي، بدل أن يذوقوا طعم حلاوته، ناهيك عن أولئك الذين قضوا تحت مباضع الجرّاحين وفي غرف العمليات، وقد لا يكون الحق دائماً على الطبيب، ولكن على من الحق إذاً؟

هذا سؤال جدلي يرفض أهل الضحايا حتى نقاشه، ويملك الأطباء مبرراتهم حياله، لكن من البديهي أن يقف القانون، عبر نقابة الأطباء، خلف الأطباء مهما كانت أخطاؤهم جسيمةً.

يشير مصدر مطّلع في نقابة الأطباء، رفض الكشف عن اسمه، لرصيف22، إلى أنّ ثمة قوانين متجددةً تنصف ضحايا الإهمال أو الأخطاء الطبية، وقد تؤدي إلى إيقاف الطبيب عن العمل لعامين متتالين، مع منعه من استخدام شهادته أو مزاولة المهنة، وفي بعض الحالات يكون مصيره السجن المؤقت، وفي حالات أخرى غرامات مالية تقررها الجهة القضائية الناظرة في الموضوع.

ويضيف: "الخطأ الطبي هو خطأ بشري وارد الحدوث، ونظراً إلى كونه غير متعمّد، فيجب التعامل معه بعناية وحرص، لذا فإنّ وزارة العدل قررت دراسة الشكاوى المقدمة بتأنٍّ بعد تكليف لجنة من قبل الوزارة يرافقها ممثل عن وزارة الصحة، وقرارهم الجماعي يحدد عقوبة الطبيب".

أين يتداوى المريض؟

في أواخر العام الماضي، خضع الشاب علاء زياد لعملية جراحية إثر حادث مروري أليم أدى إلى جملة من النتائج منها تضرر شبه دائم في يده اليسرى. يقول علاء: "كلّفتني العملية في مستشفى خاص ملايين عدة، وكانت نتيجتها تضرر عصب ساعدي بشكل كامل، والتصاق إصبعين في يدي، كما فقدت القدرة على التحكم بالثالث".

أتعلم أين القصة؟ كنا نشك في وجود سرطان في فخذ ابني، ولكن حين ظهرت نتيجة الخزعة بعد ثلاثة أيام، وهو في الغيبوبة، تبيّن أنها سليمة، فتخيّل لأي سبب قُتل ولدي الذي ما كان يشكو من شيء

علاء اشتكى على الطاقم الطبي، واكتفت الوزارة بتوجيه إنذار إلى المستشفى من دون اتخاذ أي إجراء رادع.

وقبل عامين، قضت سيدة إثر إجرائها عمليةً لانزلاق غضروفي في فقرات الظهر، وقالت ابنتها سلمى غفير، حينها، إنّ العملية بسيطة، ولكن كان هناك إهمال طبي، وإنّها اشتكت على الطبيب الذي هرب إلى خارج البلاد لأنّه كان أيضاً قد تسبب في حالة وفاة ثانية بطريقة مشابهة.

يروي الشاب أحمد محمد لرصيف22، قصةً حصلت معه قبل عامين، حين سقط على يده اليمنى وتورّمت، وتبين أنّ فيها كسراً، فأسعف نفسه فجراً إلى أحد المستشفيات الحكومية ليوقظوا له الطبيب المناوب، وهو طبيب مقيم (تحت الاختصاص)، وبعد الأخذ والرد والمعاينة وتحت وطأة النعاس كانوا سيجبّرون يده اليسرى: "في تلك اللحظة انتابتني موجة ضحك عارمة، فيدي اليمنى متورّمة للغاية وهي التي صوّرناها، ولكن الطبيب أراد أن يجبّر اليسرى، وبعد أن شرع في العملية أخبرته بأنّ عليه أن يجبّر الأخرى".

وتقضي المادة 550 من قانون العقوبات بأنّ الخطأ الطبي هو ضرر غير مقصود، أي تنتفي الصفة الجرمية القصدية عنه، والمحامي معين الساطي، في حديثه إلى رصيف22، يعدّ تلك المادة قاصرةً وتحتاج إلى التعديل والنظر فيها من جديد، إذ إنّها تعدّ الخطأ الطبي جنحةً من اختصاص محاكم الجزاء، وتالياً مهما كانت العقوبة مشددةً فلن تكون كافيةً.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel
Website by WhiteBeard
Popup Image