شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
جورج خبّاز لرصيف22: مشهد المقبرة الجماعية كان الأصعب في

جورج خبّاز لرصيف22: مشهد المقبرة الجماعية كان الأصعب في "النار بالنار"

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والتنوّع

الخميس 4 مايو 202311:05 ص

اسمه نموذج خالص لجملة "فنان من رأسه حتى أخمص قدميه". فنان من الطراز الرفيع، متمكن من أدواته، مضيء في كتابته وإخراجه وتمثيله في المسرح والتلفزيون والسينما والشعر.
أطل بعد غياب 11 عاماً عن الأعمال التلفزيونية، وللمرة الأولى في موسم رمضاني فسرق القلوب في شخصية "عزيز" التي قدمها في مسلسل "النار بالنار" وحصد نجاحاً باهراً. إنه النجم اللبناني المتميز، والذي يسمّيه زملاؤه وزميلاته بالـ"خلوق" جورج خبّاز.

في هذا الحوار تحدث إلى رصيف22 عن النجاح الكبير الذي حققه في مسلسل "النار بالنار"، وما الذي استفزه في شخصية "عزيز" التي قدّم من خلالها قضية المفقودين اللبنانيين في الحرب، وشؤوناً أخرى. 

بداية، فقد لبنان قبل أيام الكاتب والمخرج اللبناني القدير سامي خياط، هل من كلمة تحب أن تقولها في هذه المناسبة؟

رحيله خسارة كبيرة، كان رائداً من رواد المسرح اللبناني. فقدنا واحداً من أكثر الناس توزيعاً للبهجة، كان يضحكنا برُقي بعيداً عن أي ابتذال، وأضفى على مسرح "الشونسونيه" جواً خاصاً به، فتميز بنقده اللاذع غير الجارح. هذا الرجل الفرنكوفوني الذي جمع هويتين وعكس على طريقته بيئة معينة موجودة في لبنان، كان مليئاً بالحياة والحيوية وبقي كذلك حتى الرمق الأخير.

مع انتهاء الموسم الرمضاني كيف تُقيّم النجاح الذي حققه "النار بالنار"؟ 

سعيد جداً بردود الفعل وبالنجاح الكبير، فقد حصد المسلسل الحصة الأكبر من المشاهدات في شهر رمضان عند الناس.

هل كنت تتوقع هذا النجاح؟ 

 لا، توقعت أن ينال الإعجاب ويشكل خصوصية عند بعض الناس، لكن لم أتوقع كل ما حصده من أصداء. 
خبّاز: توقعت أن ينال "النار بالنار" الإعجاب ويشكل خصوصية عند بعض الناس، لكن لم أتوقع كل ما حصده من أصداء ونجاح  

ماذا كان سرّه؟ 

الواقعية، والجرأة، وتعاون الممثلين الكبار فيه والذين حملوه على أكتافهم. 

"عزيز" أعادك إلى التلفزيون بعد هجرانك له لسنوات؟

من أعادني إلى التلفزيون كان مسلسل "براندو الشرق"، لكن شخصية "عزيز" في "النار بالنار" أدخلتني للمرة الأولى في حياتي إلى الموسم الرمضاني، بعد غياب 11 عاماً عن الشاشة، وبعد مسيرة فنية طويلة قدمت فيها العديد من الأعمال التلفزيونية. 

كيف تصف هذه التجربة؟

ممتازة من جميع نواحيها. فشركة "الصبّاح" محترمة جداً، نفتخر بها كلبنانيين، وقد أصبحت رائدة في الإنتاج الدرامي، وأعطت المسلسل حقه. وعلى صعيد الكتابة والإخراج والتمثيل تحية للكاتب رامي كوسى والمخرج محمد عبد العزيز، والرائعين عابد فهد وكاريس بشار اللذين أسعدني جداً الوقوف إلى جانبهما، إضافة إلى كل الزملاء اللبنانيين الرائعين طوني عيسى، طارق تميم، زينة مكي، ساشا دحدوح، أحمد قعبور، دوري السمراني. 

ماذا كان أول رد فعل لك عندما طرحت عليك فكرة العمل في البداية، هل كانت لديك تحفظات أو شعرت بالخوف من معالجة موضوع شائك بهذه الخطورة؟

على العكس استُفززت بطريقة إيجابية بهذه الشخصية التي تعيش هذا الكم من الصراعات الداخلية والجدليات. هذه الأنواع من الشخصيات تغريني كممثل، لذا شعرت بتحدٍ ودافع كبير لتقديم دور جديد ومختلف كدور "عزيز". 

كم يستطيع الفن أن يغير في المجتمع خصوصاً في قضايا عالجها "النار بالنار" كالعنصرية، وقضية اللاجئين والنازحين، وكم تؤثر المعالجة سلباً أو ايجاباً في المتلقي؟

الفن بشكل عام يحّرض على ثلاثة أمور مهمة وأساسية، هي الجمال والفرح والحرية، وهذه العناصر الثلاثة تصب في صلب الإنسانية وتعتبر من عناوينها الأساسية. بالتأكيد الفن يضع إصبعه على الجرح ويضيء على جدليات وصراعات مجتمعية، لكنه يستطيع أن يصب الماء على النار أيضاً. بصدق لا أعرف إلى أي مدى يمكنه أن يغير في مجتمعاتنا العربية، يكفي أن يكون محرضاً على الإنسانية. فنحن نقوم بواجبنا ونقول كلمة حق والباقي على الله.  

ما العبرة التي تُركت في قلوب الناس بعد "النار بالنار"؟

العبرة أو العنوان الأساسي من هذا العمل هو "لا للتعميم" إن قالوا عنك عنصرياً فهل تصبح كل بلدتك عنصرية؟ النماذج السيئة موجودة، وكذلك النماذج الجيدة موجودة في كل بلد وفي كل مجال، والعمل يدعو إلى عدم التعميم. 

ما تعليقك على ما يحدث اليوم وحملة العنصرية المتبادلة بين الشعبين اللبناني والسوري خصوصاً على مواقع التواصل الاجتماعي؟

لم أتابع ولا أتابع ما يحصل، وأفضّل عدم الخوض في هذا الموضوع والدخول في زواريب السياسة. 

ماذا كان أصعب مشهد واجهته في "النار بالنار"، أم أن الفنان المتمكن من أدواته مثلك لا يخاف شيئاً؟ 

هناك مشاهد صعبة على الممثل مهما كان متمكناً من أدواته. مشاهد لها علاقة بمشاعر موجعة،  أو مشاهد جسدية صعبة، كمشهد الصفعات المتبادلة مع كاريس بشار، ومشهد بحث  "عزيز" عن والده المفقود والاعتقاد بأنه وجد جثمانه في مقبرة جماعية. هذا المشهد كان من أصعب المشاهد لأنه يختزل مشاعر كثير من الناس الذين يعيشون هذا الصراع، وهذا يحمل أي ممثل مسؤولية كبرى لإيصال هذه المشاعر بكل صدق واحتراف.  

حمل المسلسل قضية المفقودين خلال الحرب، تلك القضية التي كاد يطويها الزمن، كم عنت لك وهل تعتقد أنك تمكنت من إيصال الرسالة؟ 

هي قضية كل بيت فقد عزيزاً على قلبه في الحرب. هذه القضية لن يطويها الزمن بالتأكيد، لأنها جرح نازف منذ سنوات طويلة ومستمر إلى اليوم. في رحلة بحث "عزيز" عن والده نبرز الصعوبات والصراعات التي يمر بها من ذاقوا لوعة هذه المصيبة، وفي الوقت نفسه نضيء على نقطة أساسية وهي أن لا حقيقة تظهر في عالمنا الثالث. 
الفن يحّرض على ثلاثة أمور هي الجمال والفرح والحرية، وبالتأكيد للفن أن يضع إصبعه على الجرح ويضيء على جدليات وصراعات مجتمعية، لكنه يستطيع أن يصب الماء على النار أيضاً 

ما أكثر التعليقات التي أثّرت بك بعد أداء مشهد معرفة مصير والدك، وماذا تقول لكل من لا يزال ينتظر معرفة مصير مفقود؟ 

العديد من الرسائل العلنية وغير العلنية وصلتني من أهالي مفقودين أثرت وعلّمت بيّ كثيراً، وأثنت على الأداء، ملخصها "أنك مثّلتنا خير تمثيل ومشاعرك أصابت حقيقة مشاعرنا وكأنك تعيش مأساتنا وتفاصيل حياتنا".

هل من رسالة توجهها لكل شخص لا يزال ينتظر مفقوداً؟  

"الله يصبركن"، أتمنى أن تكتشفوا مصير أعزاءكم إن كانوا أحياءً أو أمواتاً لا سمح الله، وألا تبقوا معلقين بين السماء والأرض. 

ما تعليقك على الانتقادات التي طالت النهاية، وهل فعلاً سيكون هناك جزء ثان من العمل؟ كلنا تساءل عما بقي مبهماً فيما يتعلق بشريط الكاسيت والرسالة، وغيرهما من النقاط.

من دون شك أنا كمشاهد لدي العديد من الملاحظات على النص في الجزء الأخير، وكل الأسئلة التي طرحها الناس هي تقريباً أسئلتي. لا أعرف إن كان عند المخرج نية تقديم جزء ثان، لكن أعتقد أن الأمر لا يحتمل، لأن شخصية "مريم" التي تعتبر خطاً أساسياً في العمل قد توفت. أتمنى طرح هذا الأسئلة على المخرج لأنه المسؤول عن الإجابات. 
خبّاز: أقول لأهالي المفقودين أتمنى أن تكتشفوا مصير أعزاءكم إن كانوا أحياءً أو أمواتاً لا سمح الله، وألا تبقوا معلقين بين السماء والأرض

أخبرنا عن اللقاء مع كاريس بشار وكيف تصف النجاح الذي تحقق في هذه الثنائية؟ 

كاريس ممثلة رائعة شغوفة تحترم عملها وتقدسه، وهي شريكة بكل ما للكلمة من معنى في ما تحقق من نجاح وانتشار. أسعدني جداً وقوفي إلى جانبها في هذا العمل.

عبّرت كاريس بشار في وقت سابق عن خوفها من الوقوف أمامك وأشارت إلى أن اسمك "فيو وهرة"؟

لأنها متواضعة وحساسة وتحترم الآخرين، وأنا أحيّي تواضعها ومهنيتها. 

يعود طارق تميم في شخصية "جميل" بعد غياب عن التلفزيون، شعرنا وكأنكما تخرجان عن النص وتتفاعلان ببساطة في الكثير من المشاهد؟ 

طارق صديقي الذي أكن له كل الحب. أصررت كثيراً على وجوده في هذا العمل، وشركة الصبّاح رحبت ترحيباً كبيراً بالأمر. هو غائب عن العمل الدرامي التلفزيوني منذ ثماني سنوات، وكان يبحث عن الدور الذي يليق بعودته، وأعتقد أن دور "جميل" جاء مناسباً جداً له. الانسجام بيننا "فظيع"، يظّهر هذا في بعض المشاهد التي شهدت ارتجالاً عفوياً بين "عزيز" و"جميل".  هذا الارتجال ينطلق من حقيقة علاقة الصداقة التي تجمع"جورج" و"طارق". 

وماذا عن شخصية عابد فهد ونموذج "عمران" الذي جسدّه في المسلسل؟ 

عابد عملاق، ممثل من الطراز الرفيع، متمكن من أدواته، وفعلاً من لا يعرفه يجهله. كان يضحكنا كثيراً في الكواليس وقد أدى شخصية "عمران" المركبة بطريقة رائعة جداً تعطيكِ الكثير من المتعة وأنت تتابعينه.

في رمضان أيضاً ظهرتَ في مشهدين من مسلسل "سفر برلك". ما الذي يغري ممثل مثلك في هذه الإطلالة؟

المغري فعلاً هو مخرج كبير مثل الليث حجو، كان لي الشرف أن أطل بمشهدين فقط في الحلقة 11 بدور ضابط عثماني. التجربة كانت رائعة جداً. وهذا العمل من الأعمال التي نقف لها احتراماً واجلالاً.

ماذا تابعت من مسلسلات رمضان ومن أعجبك؟ 

تابعت "النار بالنار" والقليل من "الزند" و"سفر برلك" و "للموت". لاحظت التقنية العالية في هذه الأعمال لكن لا يمكن أن أعطي رأيي بصراحة إلا بعد أن استكمل متابعتي الكاملة.  
خبّاز: كاريس ممثلة رائعة شغوفة تحترم عملها وتقدّسه، وعابد فهد عملاق وممثل من الطراز الرفيع 

في كل مرة ينجح ممثل لبناني بدور، يعود الحديث عن أن الممثل اللبناني "اسمه ما بيبيع"، عل العكس من الممثل السوري، ما رأيك بهذا الكلام؟

أنا مع الرجل المناسب في المكان المناسب. نحن والسوريون نستفيد من قدراتنا المشتركة في الدراما. أعتقد أننا كممثلين لبنانيين أثبتنا ماذا يعني الممثل اللبناني في مسلسل "النار بالنار"، وأننا "قد الحمل وزيادة".

حدّثنا عن دورك في مسلسل "براندو الشرق"

تجربة رائعة جداً مع النجمة الرائعة أمل عرفة، والمخرج الرائع أمين درة وشركة الصبّاح المتألقة. العمل حقق نجاحاً كبيراً عبر منصة "شاهد"، وإن طلب مني يوماً أن أنتقي ثلاثة أعمال أفتخر بها من أعمالي طوال مسيرتي، فسأجيب أن "براندو الشرق" هو واحد منها.

لماذا؟

لأنه يختزل الفلسفة في الكتابة ورحلة البحث عن الشخصيات. أحداثه "محيكة حياكة" وكل التفاصيل والشروط الفنية والتقنية مكتملة فيه، من التمثيل إلى الإخراج إلى الـ"art directions" وصولاً إلى الأزياء. 
خبّاز: أعتقد أننا كممثلين لبنانيين أثبتنا ماذا يعني الممثل اللبناني في مسلسل "النار بالنار"، وأننا "قد الحمل وزيادة" 

هل من أعمال تحضّر؟ 

سأتوجه إلى ألمانيا لتصوير فيلم مع الممثلة "أنّا شيغولا" وهي واحدة من أهم الممثلات الألمانيات. العمل من كتابة وإخراج أمير فخر الدين، والإنتاج إلماني فرنسي إيطالي، تتحدث القصة عن شخص يقرر الانتحار، ويلتقي بامراة تغيّر له مفهومه ونظرته  للحياة. كذلك أحضر لفيلم مع ميشال كمون، "الواوي" من إنتاج الصبّاح، وأعكف على كتابة مسلسل من 15 حلقة من النوع الرومانسي. لكن رومانسية مختلفة قليلاً. 

لا بد أن نختم بالعودة إلى المسرح الذي ابتعدت عنه قسراً في السنوات الأخيرة. ماذا عنه؟  

قد أقدّم في الخريف المقبل مسرحية جديدة هي في طور الكتابة.

رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

منبر الشجعان والشجاعات

تكثُر التابوهات التي حُيِّدت جانباً في عالمنا العربي، ومُنعنا طويلاً من تناولها. هذا الواقع هو الذي جعل أصوات كثرٍ منّا، تتهاوى على حافّة اليأس.

هنا تأتي مهمّة رصيف22، التّي نحملها في قلوبنا ونأخذها على عاتقنا، وهي التشكيك في المفاهيم المتهالكة، وإبراز التناقضات التي تكمن في صلبها، ومشاركة تجارب الشجعان والشجاعات، وتخبّطاتهم/ نّ، ورحلة سعيهم/ نّ إلى تغيير النمط السائد والفاسد أحياناً.

علّنا نجعل الملايين يرون عوالمهم/ نّ ونضالاتهم/ نّ وحيواتهم/ نّ، تنبض في صميم أعمالنا، ويشعرون بأنّنا منبرٌ لصوتهم/ نّ المسموع، برغم أنف الذين يحاولون قمعه.

Website by WhiteBeard
Popup Image