في 13 تموز/ يوليو 2019، توعّد قائد قوات الدعم السريع محمد حمدان "حميدتي"، في أثناء نشوته بالسُّلطة وبعد 40 يوماً فقط من فض اعتصام سلمي حول محيط قيادة الجيش، سكان العاصمة الخرطوم بأن تصبح عمارات الخرطوم "مأوى للكدايس" (القطط)، في حال استمرت أحداث فض الاعتصام شهراً واحداً.
والآن، وفي ظل الاشتباكات بين الجيش والدعم السريع المُندلعة منذ 15 نيسان/ أبريل الجاري، بدأ البعض يتذكر حديث حميدتي ويسخر منه؛ لكن فعلياً فرّ آلاف الأشخاص من العاصمة إلى المدن الآمنة في ولايات الجزيرة والشمالية وسنار والقضارف، بالإضافة إلى اللجوء إلى مصر وإثيوبيا.
في السودان "الكل خسران وحزين"… حتى القطط
انعدام مقومات الحياة
يقول أسعد الحاج، الذي استطاع النزوح مع أسرته المكونة من 6 أفراد في خضم الاشتباكات، إنه غادر منزله في الكدرو شمال الخرطوم، إلى محطة مؤقتة للتنقل بين الولايات، ومنها إلى مدينة سنار وسط السودان، بسعر تذكرة للشخص الواحد بلغ 30 ألف جنيه، فيما كان سعرها لا يتعدى الـ8 آلاف جنيه (كان الدولار قبل الحرب يساوي 600 جنيه).
ويشير لرصيف22، إلى أنه ترك خلفه كل مقتنيات المنزل التي قضى سنوات طوالاً في شرائها، مؤثراً تأمين سلامة أفراد أسرته، ليس خوفاً من الموت بقذائف المدفعية العشوائية وحسب، بل أيضاً تلافياً للوقوع فريسةً للعصابات المسلحة التي بدأت تُمارس عمليات نهب واسعة مستغلةً حالة انعدام الأمن.
وتحدث الحاج عن شيء آخر دفعه لمغادرة العاصمة الخرطوم يتعلق بزوجته فاطمة عباس الحامل في شهرها الثامن، إذ ظل يُراقب صعوبة الوصول إلى المستشفيات التي خرج 71% منها في مناطق الاشتباكات عن الخدمة نتيجةً لتعرضها للقصف والإخلاء القسري وشح الكوادر والمعينات الطبية وشح المياه الجارية والانقطاع المتقطع للكهرباء، وفقاً لتمهيدية نقابة الأطباء.
وفاطمة خالد، هي واحدة من جملة 219 ألف امرأة في العاصمة الخرطوم، تسود مخاوف من عدم حصولهن على ولادة آمنة.
وقررت أسرة هند الشريف، النزوح من حي المهندسين في أم درمان إلى مدينة الدبة في الولاية الشمالية، بعد انعدام مقومات الحياة تماماً.
وتقول هند لرصيف22: "انعدم الغذاء ومياه الشرب، والخروج من المنزل في ظل الحصار المفروض علينا يعني الموت بالرصاص والقصف الطائش، وبدلاً من مغادرة المنزل بشكل يومي للبحث عن المواد الغذائية والمياه، فضّلنا مغادرة العاصمة بملابسنا التي نرتديها فقط".
يقول مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، إن نقص الغذاء والماء والأدوية والوقود في الخرطوم والمناطق المحيطة بها أصبح حادّاً.
طرد قسري
يتحدث ناشطون في مواقع التواصل الاجتماعي عن قيام قوات الدعم السريع بإخلاء منازل بعض المواطنين قسرياً، مما جعلهم مشردين، خاصةً في حي الختمية في الخرطوم بحري. ويقول آخرون إن الجيش طلب من سكان الأحياء المجاورة لمقر التلفزيون في أم درمان إخلاءها.
ويؤكد سامي النعيم، إبعادهم عن منازلهم في حي الختمية، بواسطة قوات الدعم السريع، مما اضطرهم إلى الذهاب لمنزل أحد أقربائه في سوبا شرق الخرطوم، الذي مكث فيه يوماً واحداً، ومنه غادر إلى ولاية القضارف التي ينحدر منها.
في الوقت الذي يتشدق فيه الجنرالات بالحديث عن الديمقراطية يدكّون بيوت الشعب
تمركز الخدمات في العاصمة
يُشكل النزوح من الخرطوم إلى الولايات ضغطاً هائلاً على قطاع الخدمات فيها، خاصةً التعليم والصحة والغذاء، وهي الخدمات التي تتركز بصورة كبيرة في العاصمة التي كان يقطنها 8.6 ملايين نسمة وفقاً لتقديرات مركز الإحصاء الحكومي في 2021، فيما تذهب تقديرات أخرى إلى أن عددهم يفوق الـ10 ملايين نسمة.
تُوجد معظم مصانع الأدوية والمواد الغذائية والشركات الكبرى في الخرطوم، وهي متوقفة تماماً عن العمل منذ اندلاع الاشتباكات، وهذا ما قاد إلى ارتفاع الطلب على السلع في ظل انخفاض العرض الذي نتج عنه ارتفاع كبير في الأسعار، ومع استمرار حالة الهلع في شراء أكبر قدر من السلع يتوقع أن تشحّ وتنعدم.
وكان عدد النازحين قبل الحرب قد وصل إلى 3.7 ملايين نازح. صحيح أن معظمهم في إقليم دارفور، لكن تزايد أعدادهم وانتشار موجات النزوح في كثير من المناطق يمكن أن يفاقم الأوضاع الإنسانية والصحية والبيئية.
نشط مواطنو ولاية الجزيرة المحاذية للعاصمة الخرطوم، في بث رسائل تطمينية للنازحين من الخرطوم، أبدوا فيها استعدادهم لاستقبالهم في منازلهم. وفي خضم ذلك استغل مُلّاك العقارات الأزمة ورفعوا أسعار الإيجارات، حيث بلغ سعر إيجار الشقة المفروشة في مدينة الحصاحيصا، 600 ألف جنيه، وكانت قيمة الإيجار فيها قبل الحرب لا تتعدى الـ150 ألف جنيه.
بعد أقل من أسبوعين من القتال الذي يُدور بشكل رئيسي حول محيط قيادة الجيش والقصر الرئاسي والأحياء السكنية التي تتواجد فيها قواعد الدعم السريع، بدت الخرطوم وكأنها مدينة أشباح. ومع ذلك، بدأ بعض المواطنين يتحركون إما للفرار أو لشراء احتياجاتهم مستفيدين من هدنة يتبادل طرفا القتال اتهامات خرقها.
ويُتوقع، في حال عدم تجديد الهدنة الهشة التي تنتهي ليل غد الخميس، أن يبدأ الجيش بملاحقة قوات الدعم السريع في المناطق المأهولة بالسكان، مما يعني فرار عشرات الآلاف من العنف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
نُور السيبانِيّ -
منذ 14 ساعةالله!
عبد الغني المتوكل -
منذ يوموالله لم أعد أفهم شيء في هذه الحياة
مستخدم مجهول -
منذ يومرائع
مستخدم مجهول -
منذ 5 أيامكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ أسبوعتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت