شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!

"ابن المفرشخة ولألعن أبو السفستك تبعك"... عن الشتائم في دراما رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن وحرية التعبير

الخميس 27 أبريل 202312:30 م

تختلف الأعمال الدرامية المُنتَجة لشهر رمضان، عن بقية الأعمال التي تُعرض خلال العام، ليس فقط من الناحية الفنية كونها تمتد على ثلاثين حلقةً، أو من الناحية التسويقية كون الشركات تبذخ أموالاً، بل لأنها تُعَدّ الإنتاج الرئيسي ضمن العام الواحد، كونها الأكثر ربحاً وباقي ما تبقى أقل تكلفةً وتوزيعاً. أما من ناحية المادة المطروحة، فإما تكون دينيةً وتدعو إلى الفضائل والأخلاق من خلال المسلسلات التاريخية، أو فكاهيةً للتسلية، حتى باتت هذه الأعمال تُسمّى بـ"الدراما العائلية" التي تناسب جميع أفراد الأسرة كونها خاليةً من الأفكار العنيفة والمشاهد الجريئة أو الملابس الفاضحة.

بدأ هذا المفهوم يتغير تدريجياً حتى باتت بعض الأعمال تخرج من عباءة الأعمال التقليدية وتتشابه مع بقية الأعمال التي كانت بعض القنوات تحذّر في بدايتها من خلال عبارة "يُنصح بوجود الأهل"، ويبرر البعض الأمر بأن الواقع أصبح أشد قسوةً وتعقيداً، والعالم أكثر انفتاحاً من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي لا تُضبط، فمن غير الممكن تقديم دراما "معقمة" لا تشبهنا.

"الشتائم" موضة جديدة على الدراما

من يتابع تاريخ الدراما التلفزيونية العربية، يعرف أنها خالية تماماً من الشتائم، والأمر ينطلق من فكرة أن التلفزيون يدخل جميع البيوت، خصوصاً في شهر رمضان، وحتى الرقابة لم تُجِز ورود عبارات تعدّها غير لائقة.

ولكن في السنوات الأخيرة اختلفت هذه الفكرة، إذ بتنا نلاحظ وجود بعض الشتائم أو عبارات السباب المتداولة في الشارع وبين الناس، ويبرر البعض الأمر بأن الشخصية الدرامية هي من الواقع، ولا يوجد شخص في الواقع لا يشتم أحياناً، أو لا يلعن مثلاً أو يؤنب من حوله، وقد يصل الأمر إلى شتائم جنسية أو عبارات رذيلة. ولكن مؤخراً، وخصوصاً في الموسم الماضي، لاحظنا أن هذه الشتائم باتت جزءاً من الحبكة الدرامية أو من صفات الشخصية، وكأنها "محط كلام" تعتمد الشخصية تكراره في سياق الانفعال أو السخرية، وحتى بعض الأعمال باتت تستخدم الشتائم على لسان معظم الشخصيات.

دافع بعض الفنانين/ ات عن وجود هذه الشتائم، كالمخرج السينمائي جود سعيد الذي كتب عبر صفحته على فيسبوك: "نعم للشتائم في الفن... وطز بسلامة آذانكم"

قدّم النجم تيم حسن، هذا العام، من خلال مسلسل "الزند_ذئب العاصي"، شخصية عاصي، وهو بطل حكاية شعبية يستخدم الكثير من الشتائم في حديثه، وجميعها مرتبطة بوالدة الطرف الآخر، لأن الأم وشرفها وفقاً للمفهوم العربي مسألتان خطيرتان تهينان الشخص وتزعجانه، لذا استخدم عبارات "ابن الزانية"، "ابن العاهرة"، "ابن المفرشخة"،و"بدي إفلح ع أمك"، وانتشرت هذه العبارات كالنار في الهشيم عبر مواقع التواصل الاجتماعي، وأصبحت مثاراً للتندر والاستخدام.

وفي حين انتقد البعض هذه العبارات وعدّها خارجةً عن سياق الآداب العامة ولا تناسب الشهر الرمضاني، ذكر البعض أنها فعلاً مستخدمة في المنطقة الوسطى في سوريا التي اتُخذت مسرحاً للأحداث، وتالياً لم يخترع صنّاع العمل شيئاً، ودافع بعض الفنانين/ ات عن وجود هذه الشتائم، كالمخرج السينمائي جود سعيد الذي كتب عبر صفحته على فيسبوك: "نعم للشتائم في الفن... وطز بسلامة آذانكم".

في الحقيقة، ما أثار الجدل هو تكريم نقابة الفنانين في سوريا لتيم حسن على خلفية النجاح الذي حققه في العمل من خلال درع تكريمي في مقر النقابة، فأتت العديد من التعليقات التي تنتقد النقابة التي منعت بعض الأسماء مثل سارة زكريا وريم السواس من الغناء، بسبب وجود شتائم في أغنياتهنّ مثل "واطي ولاك"، وكرّمت تيم الذي يحتوي عمله على شتائم أثقل بكثير، ما عدّه البعض ازدواجيةً في المعايير وكيلاً بمكيالين.

في هذا السياق، يقول المخرج والصحافي الفني عبد الهادي الركب، لرصيف22: "دائماً ما نقول كصحافيين إن الشتائم يمكن تبريرها عندما يضعها النص في مكانها الصحيح من دون إقحام صريح لجذب الانتباه، فهناك بعض المشاهد التي تبدو ضعيفةً فيما لم يستخدم الكاتب الشتائم كجزء من التوصيف الحقيقي للحدث، وتالياً فقد تحولت هنا إلى ضرورة درامية بحتة، ولا يمكن مقارنة شتائم الأغاني بشتائم العمل الدرامي، لأن الأخير يمنحنا الوقت الكافي للحكم من خلال حلقات عدة، وتالياً فإن العمل الغنائي لا يمنحنا هذه الفرصة لذا لا نستطيع أن نبررها".

قدّم تيم حسن، هذا العام، من خلال مسلسل "الزند_ذئب العاصي"، شخصية عاصي، وهو بطل حكاية شعبية يستخدم الكثير من الشتائم في حديثه، وجميعها مرتبطة بوالدة الطرف الآخر، لأن الأم وشرفها وفقاً للمفهوم العربي مسألتان خطيرتان تهينان الشخص وتزعجانه، لذا استخدم عبارات "ابن الزانية" ، "ابن المفرشخة" و"بدي إفلح ع أمك"

كما حظي مسلسل "للموت"، بنصيب وافر من الانتقادات هذا العام لورود بعض الشتائم المختلفة على لسان الشخصيات، وكان العمل قد تعرض للنقد في العام الفائت لكثرة الشتائم والسباب بين الشخصيات، خصوصاً على لسان بعض الشخصيات مثل الطفلة تالين أبو رجيلي، التي كانت تشتم بعبارة "والله لألعن أبو السفستك تبعك"، وأبقى صنّاع العمل هذه الشتيمة على لسانها هذا العام أيضاً.

كما بقيت شخصية "ريم" التي لعبت دورها النجمة دانييلا رحمة، تستخدم عبارة "يا حيوان"، هذا الموسم بشكلٍ متكرر، ولكن أضيفت عبارة "أنيل" إلى قاموس مفردات "سحر"، وهي الشخصية التي لعبت دورها النجمة ماغي بو غصن، بصورة أوحت إلى بعض المشاهدين/ ات بأنها تستخدم العبارة ولكن مع تبديل حرف الكاف في النهاية بحرف اللام، لأن هذه الكلمة مصرية وغير مستخدمة في لبنان، وتذكّرنا هذه الشتيمة بمسلسل "الهيبة" حين كان جبل شيخ الجبل يقول في أكثر من حلقة عبارة: "أخو الشر المترابط" وهي عبارة دارجة يستعاض بها لعدم ذكر الشتيمة الأصلية.

والمفارقة أن الاعتراض على مسلسل "للموت"، جاء أقسى، لأن المجتمعات العربية ترفض الشتيمة الصادرة من امرأة، وهذا ما يبرر عدم استخدام النساء لمثل هذه الكلمات بشكل علني على الأقل، فالبعض قد يعدّها غير مؤدبة وكأنها محلَّلة للرجل مثلاً والبعض الأخر يعدّها مثاراً للإثارة الجنسية.

ملابس فاضحة وإيحاءات جنسية وكحول

لم يتعرض مسلسل "للموت" للنقد بسبب الشتائم وحسب، بل بسبب الملابس التي عُدّت جريئةً أحياناً، خصوصاً بعض الألبسة الجلدية أو القصيرة، بالإضافة إلى بعض المشاهد مثل شرب الكحول المتكرر ومشاهد الرقص على العمود التي لها دلالات جنسية لدى البعض.

وينقسم المعارضون إلى قسمين: القسم الأول يرى أن هذه اللقطات غير مقبولة في شهر رمضان، خصوصاً أن العمل يدخل البيوت عبر الشاشة الصغيرة، والقسم الثاني يرفض هذه المشاهد بشكلٍ مطلق ويعدّها لا تناسب المجتمعات العربية وهدفها إثارة الجدل وركوب "التراند" لا أكثر.

الاعتراض على مسلسل "للموت"، جاء أقسى، لأن المجتمعات العربية ترفض الشتيمة الصادرة من امرأة، وهذا ما يبرر عدم استخدام النساء لمثل هذه الكلمات بشكل علني على الأقل

كما طال النقد مسلسل "صبايا"، أيضاً، لوجود بعض الملابس الضيقة أو الجريئة من قبل نجمات العمل، علماً أن محتوى العمل خفيف ولا يرتبط بالملابس، فالعمل معاصر وكل نجمة اختارت ما أرادت من ملابس، ولا يوجد ارتباط بين الملابس والشخصيات، مما دعا البعض إلى عدّ الأمر مقصوداً للترويج وزيادة نسب المشاهدة أو للتعليق بشكلٍ كوميدي بأن العمل عندما يكون نسائياً تحاول كل نجمة أن تجذب الأنظار نحوها كنوع من "الكيد".

والنوع الآخر من النقد جاء حول العنف في بعض الأعمال والمشاهد، والتي تمثّل عدداً كبيراً من الأعمال لهذا الموسم، لوجود بعض العصابات التي تخطف الفتيات وفيها الكثير من العنف وإطلاق النار مثل مسلسل "وأخيراً"، أو لوجود مشاهد القتل والدماء، كمشهد المعركة في مسلسل "الزند"، بالإضافة إلى خطف الأطفال في مسلسلات مثل "زقاق الجن"، وكل تلك الانتقادات أتت تحت بند "مش ناقصنا عنف"، وأن المشاهد بحاجة إلى تعديل المزاج ببعض القصص الجميلة والطريفة هرباً من الواقع الصعب، لتأتي الحجة واضحةً وصريحةً من صنّاع المسلسلات بأنهم يحاولون عكس الواقع، وبأن الفن وسيلة لنقل ما يحدث ومعالجته.

والمضحك أن عبارة "في رمضان"، التي وردت على لسان الملحن المصري عمرو مصطفى، تعليقاً على مسلسل "كيد النسا"، الذي احتوى على مشاهد عدّها الأخير لا تناسب هذا الشهر، باتت مستخدمةً بكثرة من خلال بعض التعليقات التي حوّلت صورته إلى "ستيكر" مع عبارة "في رمضان" كدليل على اعتراض واستياء أو سخرية ربما حين تحتوي بعض الأعمال مشهداً خارجاً عن المألوف.

يعقب عبد الهادي الركب، على هذه الفكرة بالقول: "يحق للجمهور الاعتراض وإبداء الرأي في نوعية المحتوى الدرامي خلال شهر رمضان وخارجه، لأنه ببساطة يمثل الشريحة المستهدفة من قبل صنّاع الأعمال، ولا توجد دراما من دون جمهور، وتالياً هو جزء لا يمكن الانتقاص من شأنه ورأيه".

ويضيف: "يمكن ببساطة أن تعتمد بعض الأعمال على نظام تنبيه المشاهد بطبيعة المحتوى وتصنيفه تبعاً لما يتضمن من مشاهد عنف أو جنس مثلاً، ليكون المتفرج على دراية تامة بما ينتظره في هذا العمل، وبعد التحذير لا يمكن لوم صنّاعه".

الجدير بالذكر أنه حين يتحدث الناس عن طبيعة هذه المشاهد تترافق بعض العبارات والمحاججات مثل "الأعمال الأجنبية بتعرض هيك مشاهد وفيها شتائم"، ليأتي الرد "بس المجتمع العربي مختلف وما فينا نطبق كل شي بيعرضوه برّا"، ثم "لكن ليش منحضر الأعمال الأجنبية ومنحبها، وبس منرفض أعمالنا؟"، فعبارة من هنا وعبارة من هناك كجزء من معضلة أزلية مستحيلة الحل، فهل المشاهد العربي أكثر حساسيةً أم أكثر تحفظاً؟ 


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

معيارنا الوحيد: الحقيقة

الاحتكام إلى المنطق الرجعيّ أو "الآمن"، هو جلّ ما تُريده وسائل الإعلام التقليدية. فمصلحتها تكمن في "لململة الفضيحة"، لتحصين قوى الأمر الواقع. هذا يُنافي الهدف الجوهريّ للصحافة والإعلام في تزويد الناس بالحقائق لاتخاذ القرارات والمواقف الصحيحة.

وهنا يأتي دورنا في أن نولّد أفكاراً خلّاقةً ونقديّةً ووجهات نظرٍ متباينةً، تُمهّد لبناء مجتمعٍ تكون فيه الحقيقة المعيار الوحيد.

Website by WhiteBeard
Popup Image