*ملاحظة: تم أخذ آراء جميع الأطفال الذين شاركوا في التقرير بموافقة وحضور عائلاتهم.
داخل واقع فلسطيني متصلب، غير قابل للتجدد، يدور بالأفكار والطاقات الإنسانية ليعيدها لمكان انطلاقها وكأن الحياة تدور في دائرة مفرغة؛ يُقدم فريق من الشباب من قطاع غزة على تنفيذ مشروع حقوقي فني إبداعي يحمل اسم "دولة الأطفال"، بتمويل من "صندوق روى لدعم المبادرات الشبابية في فلسطين"، وتم تنفيذه بالتعاون مع "مجلة 28" و"جمعية مركز غزة للثقافة والفنون".
تقوم فكرة دولة الأطفال على بناء مجتمع من الأطفال بإشراف مدربين مختصين في المجال الحقوقي والفني والإعلامي. يهتم هذا المجتمع الطفولي بتعريف هوية الطفل كإنسان، وتمتد فكرة المشروع لتشمل مشاركة الطفل في تحليل قوانين حماية الطفل، وسبل مشاركته الاجتماعية، مع الحفاظ على منسوب عالٍ من الأمان، والشغف تجاه الحياة.
في دولة الأطفال، أعدّ المشاركون دعاية انتخابية شخصية لخوض انتخابات تشريعية، وفق القانون الفلسطيني الأساسي، وأعلن البعض منهم ترشحه لخوض الانتخابات التشريعية. وبمتابعة المدربين المختصين في مجال الحقوق، تم تشكيل قوائم انتخابية تحت عناوين مختلفة، منها: العقول، نستطيع أن نغيّر، المُفكّرين، نحو وطن أجمل، الشاطئ الجميل.
داخل واقع فلسطيني متصلب، غير قابل للتجدد، يدور بالأفكار والطاقات الإنسانية ليعيدها لمكان انطلاقها وكأن الحياة تدور في دائرة مفرغة؛ يُقدم فريق من الشباب من قطاع غزة على تنفيذ مشروع حقوقي فني إبداعي يحمل اسم "دولة الأطفال"
حياة متوقفة
لسنوات طويلة في فلسطين، جرى تعطيل فكرة الانتخابات للمؤسسات الرسمية الفلسطينية. ففي عام 2006 كانت آخر انتخابات تشريعية ورئاسية، ومنذ ذلك الوقت مضت عجلة الحياة في اتجاه معاكس.دارت العواصف الفلسطينية في نفس الحيز نحو عقدين من الزمن، إذ تبدو الحياة شبه متوقفة اليوم بسبب تعطيل تنفيذ القوانين الحيوية في التشريع الفلسطيني.
أجيال متعاقبة من الشباب يشعرون بفجوة بينهم وبين الحياة، تمنعهم من ممارسة أدنى حقوق الحرية من خلال انتخاب من يمثل أفكارهم.
نفض للغبار عن الشاشة
لربما كانت فكرة دولة الأطفال بمثابة نفض للغبار عن الشاشة من خلال التجريب مع الأطفال، والوصول بالمستقبل إلى شاشة شديدة الوضوح.تقول منسقة المشروع الفنانة لميس الشريف لرصيف22: "نطمح من خلال هذا المشروع إلى أن نعزز فكرة الحياة عند الأطفال، حياة تقوم على احترام فكر الآخر، وتقبل رأيه".
وتضيف: "الفكرة ليست في الانتخابات، فهي فكرة تجريبية وتحفيزية لا أكثر، لكننا نطمح أن ننشىء مجتمعاً طفولياً يقوم على القدرة على التعايش مع الآخرين على اختلاف توجهاتهم، وأشكالهم، وألوانهم".
وتكمل: "لقد تمكنّنا من تشكيل مجتمع من الأطفال يمكنه التفكير بشكل منهجي، عبر توجيه الطفل لتحليل المعلومة، والتفكير فيها بشكل نقدي، ومن ثم تتبع أفضل الحلول التشاركية بهدف الخروج برؤية مقاربة للحقيقة".
في دولة الأطفال يتشكل المجتمع من صغار تراوح أعمارهم بين 11 عاماً و16 عاماً، يأتون للمكان بعقول متفتحة نحو الحياة، ويحاولون أن يجدوا مساحة جديدة، تسترجع جزءاً من الحياة المهدرة في الواقع الفلسطيني
غناء جماعي
في دولة الأطفال يوجد مقتنيات فنية، وآلات موسيقية كالعود الشرقي، والغيتار، والكاخون "آلة إيقاع غربي" والناي، والقانون الشرقي. هذه الآلات يحملها الأطفال ويعزفون عليها، ويغنون ألحاناً خالدة من التراث العربي مثل "زوروني كل سنة مرة"، "الحلوة دي"، "آه يا للي"، ليكونوا بذلك أول فرقة كاملة في غزة تعزف آلات مختلفة وتغني بشكل مبهج.يقوم الأطفال بالغناء الجماعي والفردي في هذه الفقرات الفنية الجذابة، إذ يصطف أكثر من عشرين طفلاً يرددون بصوت موحّد متناغم. فيبدو صوتهم الجماعي، كأنما وردة تتفتح. وبتأمّل بسيط لعيونهم، يمكن رؤية النهر الذي يلمع فيها، من هول الطاقة التي تجمعهم.
لربما كانت فكرة دولة الأطفال بمثابة نفض للغبار عن الشاشة من خلال التجريب مع الأطفال، والوصول بالمستقبل إلى شاشة شديدة الوضوح.
وتشير إلى أن فلسفة الغناء الجماعي بفريق الكورال في دولة الأطفال تقوم على صوتهم الجماعي الذي هو تناغم من نوع آخر، فالصوت النابع من دواخلهم يتحد مع الإيقاع والجملة اللحنية ليقدم صوتاً جميلاً جديداً، وكأنما هوية ما، يتم تقديمها خلال ذلك، وهذا يتقاطع مع فكرة الدولة، التي تصبو إلى تشكيل مجتمع متناغم، بكل أشكاله، يختلف في الصفات والرغبات، لكنه يخرج في النهاية بصوت موحّد يعبّر عن الجميع.
وتختم الشريف بقولها: "نأمل أن تنمو هذه التجربة مع الأطفال المشاركين في التجربة، بحيث تكون معهم في المستقبل القريب، وتمكنهم من تشكيل إطار مغاير لهويتهم، ولهوية المجتمع من حولهم، كما نأمل أن نستمر في نقل التجربة للمزيد من الأطفال، من خلال تناول فئة جديدة، ومجاورتها مع الأطفال الموجودين حالياً داخل الدولة".
توزيع الأيام بشكل صحيح
في دولة الأطفال يتشكل المجتمع من صغار تراوح أعمارهم بين 11 عاماً و16 عاماً، يأتون للمكان بعقول متفتحة نحو الحياة، ويحاولون أن يجدوا مساحة جديدة، تسترجع جزءاً من الحياة المهدرة في الواقع الفلسطيني.من خلال حديثنا مع الأطفال الأعضاء في الدولة، منهم من يمتلكون موهبة الغناء، ومنهم من يمتلك موهبة عزف الموسيقى، وقد أسهم المعهد الفني في دولة الأطفال في صقل مواهبهم، وتعليمهم أساليب جديدة للعزف، وكذلك دمجهم ومشاركتهم في العمل الموسيقي الجماعي.
وهنالك من يمتلكون الموهبة في الكتابة الإبداعية. تقول رتاج الشرقاوي (15 عاماً) لرصيف22: "هنا في دولة الأطفال، يعاد توزيع الأيام بشكل صحيح، نأتي لنمارس الأنشطة المختلفة، في الحقوق والفن والكتابة في إشراف مدربين يمتلكون الكفاءة والقدرة على توجيهنا نحو الأفضل".
وتكمل: "لكل دولة نظام معيّن، وقوانين. هنا في دولتنا، يختار كل منا قطعة الحلم التي يريدها، ويكمل شغفه من خلالها، فمنا من ترشح للانتخابات، ومنا من تم اختياره ضمن تشكيلة حكومة دولة الأطفال، ومنا من مارس الرسم، لكننا جميعاً شاركنا في الغناء الجماعي، وغنّينا نشيد دولة الأطفال الذي يجسد هويتنا وتطلعنا للمستقبل".
"حلم بعيد بيجمعنا"
للدولة نشيد مسجل يحمل كلمات تعبر عن رؤية الأطفال أعضاء الدولة، وهم يغنون جماعياً كل صباح، داخل المكان المخصص للأنشطة. ومن كلمات النشيد:لو بدنا نحكي ونقول.. شو بدنا نحكي عنا
إلنا قلوب وإلنا عقول.. وحلم بعيد بيجمعنا
إحنا يا سادة بدينا.. نحكي والماضي يحاكينا
بضحكة الأمل جايينا.. وللمستقبل بدنا نقول
إحنا أطفال موهوبين.. إحنا أطفال مبدعين
إحنا همسة من تحدي.. جيل الإبداع والتصدي
إحنا إحنا دولة الأطفال المبدعين
الأيام لها طعم خاص
وتختم الكاتبة الصغيرة رتاج: "شيء ممتع أن تكون جزءاً من هذه الدولة الصغيرة، فالأيام فيها لها طعم خاص، ولا بد من أن هذه الدولة بذكرياتها، وأيامها، وسكّانها، قد حفرت في الذاكرة، فقد أعادت لنا جانباً من طفولة تركنا روحها، في الطريق لمعرفة العالم".مساحة خاصة
هذا المجتمع باختلاف توجهاته يتدرب على المضي في تشكيل ذات جماعية تتطلع للمستقبل، وتحلم بمساحة أوسع من التعبير عن الأفكار والخيال، وذلك الدمج يتم بزراعة بذور الوعي في العمل الجماعي، ومهارات التقبل للآخرين.تقول الطفلة لجين المعصوابي (12 عاماً) لرصيف22: "في دولة الأطفال، لدينا قوانين اجتمعنا عليها، ونرغب من خلالها في تحقيق مساحتنا الخاصة التي سلبها المجتمع الكبير".
وتضيف: "في بداية انضمامي للدولة، حدث أن ترشحت للانتخابات التشريعية، لكن يبدو أني فشلت في إقناع الأطفال بدعايتي الانتخابية، ولما تم فرز النتائج، بكيت بحرقة، لأني خسرت. لكن بعد حوار مع المدربين، عرفت أن هذه هي الحياة في الواقع، وأنني عرضة للخسارة، لكن في النهاية عليّ أن أحترم النتائج، وأقدم الدعم بكامل إمكاناتي للفائز. وفي النهاية كلنا فائزون".
وتختم: "ليت مجتمعنا يشبه في تعامله الحياة في دولة الأطفال، أظن أن الحياة ستكون أجمل بكثير".
هذا المجتمع باختلاف توجهاته يتدرب على المضي في تشكيل ذات جماعية تتطلع للمستقبل، وتحلم بمساحة أوسع من التعبير عن الأفكار والخيال، وذلك الدمج يتم بزراعة بذور الوعي في العمل الجماعي، ومهارات التقبل للآخرين
ماذا تعني لي آلتي؟
يقول العازف الصغير على آلة العود سميح المدهون (14 عاماً): "جميل أن أعزف على آلتي المفضلة مع مجموعة من الزملاء في دولة الأطفال، فآلتي تعني لي الكثير، وهي تخرجني من حزني في معظم الأوقات، وقد تحققت أمنيتي في العزف الجماعي بعد تجربتي هنا في دولة الأطفال".ويكمل: "الفن طريقة ممتعة للتعبير عن حقوق الإنسان، وأجد من خلال عزفي مع المجموعة، أننا نترجم أفكارنا ومشاعرنا ونقدم عبر الفقرات الفنية مطالبنا في الحرية والحياة والأمان للمجتمع والمسؤولين، والعالم أجمع. فنحن نريد أن نوصل صوتنا للعالم بالتعبير الفني والغنائي".
"دولة الأطفال" تجربة فريدة تقوم على تبني الحياة لا الحرب، وتعطي الأطفال دفعة نحو التجريب في حيز مختلف عما يدور في الواقع، وعما يتعلمونه في المنهاج المدرسي. هذه التجربة تفتح على المزيد من الأمل، في تكوين جيل يتعامل مع الأدوات داخله، ومن حوله، بشكل مختلف.
وبقيت عيون الأهل على الدوام مشدودة إلى أحلام أطفالهم خلال هذه المساحة، وانطلقوا نحو مشاركة أطفالهم حلم الدولة الصغيرة بالمشاركة في الورشات، والحفل الذي تم تقديمه.
"دولة الأطفال" تجربة فريدة تقوم على تبني الحياة لا الحرب، وتعطي الأطفال دفعة نحو التجريب في حيز مختلف عما يدور في الواقع، وعما يتعلمونه في المنهاج المدرسي
يقول عاصم الأيوبي الذي يشارك ابنه في المشروع: "الفرحة كبيرة لدى رؤية أطفالنا ينطلقون بأحلامهم وأصواتهم، وإبداعاتهم داخل هذا المكان. إننا نرى ما يحدث ونندهش بهذه الفكرة". مشيراً إلى أن هذه الأنشطة تضيف الكثير من الأدوات لأطفال غزة، وتزيد من مستوى وعيهم بالأشياء من حولهم، لأنهم يفتقدون هذه الدوائر في القطاع. كل طفل يصنع مجتمعه الخاص، ويفكر، ويتعلم، ويغني، ويرسم، وينتخب.
ويختم الأب: "الطفل في هذا المجتمع لم يعش حياة اعتيادية، فمن وسط هذه الحروب والضغوط الاجتماعية والثقافية، صار الطفل مجرد وعاء يتلقى، من دون أن يفكر وينتج. وهنا وجدنا إنتاجاً إبداعياً ومختلفاً".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يوممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع