ليس غزواً فضائياً يهدف إلى القضاء على البشر واستبدالهم، بل هو من صنع البشر لاستبدال بعض المهام البشرية، لطالما كان وجوده مقتصراً على أفلام الخيال العلمي، إلى أن بدأ هذا الخيال بالتشكّل على أرض الواقع في صورة بشر من معدن، يستطيعون تنفيذ ما هم مبرمجون عليه فقط، وهذا ما يطمئن الناس حين يتأكدون من عدم قدرة تلك الكائنات على امتلاك إرادة حرّة، ولكن يبدو أن تلك الكائنات المعدنية لا تختلف عنا كثيراً، فأخذت تتطوّر أو "يتم تطويرها" إلى أن ظهر لها ما هو أشبه بأدمغة وعقول ذات قدرة فائقة على التمييز، والتفكير، وإبداء الآراء وكتابتها، وغيرها من الأعمال التي ظنّ البشر "الطبيعيون" لفترة أنها مقتصرة عليهم ولن يتم المساس بها، هذا هو باختصار شديد "الذكاء الاصطناعي".
قبل بدء حديثنا يجب التنويه إلى شيئين، الأول أننا هنا نركز على الذكاء الاصطناعي ومجال الكتابة لأن هذا ما يعنينا، ولهذا حين أتحدّث عن الذكاء الاصطناعي أقصد بالأخص chatGPT، لأنه أكثر الأنظمة ارتباطاً بمجال الكتابة والأكثر انتشاراً هذه الفترة، ولكن هذا لا ينفي وجود أنظمة أخرى متعلقة بالكتابة، وأنظمة أخرى من الذكاء الاصطناعي تهتم بألوان أخرى من الأعمال الإبداعية.
فالذكاء الاصطناعي الآن يستطيع أن يجمع بيانات حول أي موضوع ويرتبها في أي عدد من الكلمات يُطلب منه، ويستطيع أن يؤلف قصصاً وروايات، وأن يترجم أي نص، بالإضافة إلى كل ذلك، يستطيع تصويب الأخطاء اللغوية والنحوية، بكل لغات العالم
أما الشيء الثاني، فكل ما سيذكر في هذا المقال معرّض بمنتهى السهولة لأن يكون "منتهي الصلاحية" في غصون شهور أو أسابيع أو حتى أيام، وهذا ليس تقصيراً مني ولكن أشكال تطور الذكاء الاصطناعي حالياً أصبح من الصعب التنبؤ بها.
وإن كنت لا تعلم، فالذكاء الاصطناعي الآن يستطيع أن يجمع بيانات حول أي موضوع ويرتبها ويوظفها بوضعها في أي عدد من الكلمات يُطلب منه، ويستطيع أن يؤلف قصصاً وروايات، ويستطيع أن يؤلف أغاني بأي أوزان أو قواف، وأن يترجم أي نص، ترجمة تليق بسياق الكلام وليست ترجمة حرفية، بالإضافة إلى كل ذلك، يستطيع تصويب الأخطاء اللغوية والنحوية، ولا يقتصر الأمر على لغة واحدة بل بكل لغات العالم.
الآن يمكنك أن تستشعر قليلاً لماذا وصفته بمستقبل لا يبشّر بالخير، وستفهمني أكثر حين تقبل على استخدامه وتنبهر بقدراته.
بين متكبّر ومستهزئ وقلق، انقسم الناس، فمنهم من يرى بأن الذكاء الاصطناعي ليس بتلك الخطورة المنتشرة، بل وتمادى البعض منهم فأخذ يسخر من بعض الأخطاء التي يرتكبها الذكاء الاصطناعي، متهكماً أن كيف لشيء يخطأ مثل تلك الأخطاء بأن يستبدلني أو حتى "يسيطر على العالم"، و مثل هذا إما جاهل، ووجب علينا أن نعذر جهله ونعلمه، أو متكبر و وجب علينا نصحه، فما توصّل له الذكاء الاصطناعي مؤخراً ليس بالأمر الهين. حجم التطور والمهارات التي أصبح يستطيع القيام بها مرة واحدة كفيلة بأن تستبدل الكثير من البشر في مختلف الأعمال، وبالنسبة للأخطاء، فأخطاء كتلك في البدايات مغفورة بلا شك، ولأنه دائم التعلم ستقلّ أخطاؤه تدريجياً.
أما إن كنت القلق، فاطمئن، الوضع ليس بهذا السوء الذي حمله خطابي السابق، ومع كل هذا، ما أنا متأكد منه هو أننا كبشر لن ننقرض، ولن يسيطر الذكاء الاصطناعي على العالم.
و الحل للكل حتى يمكننا الخروج بأقل الخسائر من تلك المعركة الشرسة مع الذكاء الاصطناعي، يكمن في كلمة واحدة هي التكيف.
في مجال الكتابة الإبداعية، التكيف مع الذكاء الاصطناعي يكون من خلال استعماله كأداة تساعدك على التأليف أو التحرير أو عرض أفكار، لكل كاتب خاصته التي تساعده في الكتابة أو عرض وجهات نظر مختلفة أو ترشيح مراجع، ومن ثم قد تساعدك في عملية التحرير من حسن اختيار ألفاظ وحسن ترتيب وتقديم للأفكار، وحتى وإن لم يكن لك تلك الخاصة، فأي دار نشر توجب مرور عملك على محرّر قبل عملية النشر والعرض على الجمهور.
الآن ماذا إذا أخبرتك عن توافر تلك الخاصية على هيئة شخص واسع الاطلاع، ملم بكل ما قيل في كل المواضيع التي قد تخطر أو لا تخطر على بالك، ألن يكون من الأفضل أن تكسبه كصديق؟ حتى ولو تطور الذكاء الاصطناعي وأصبح قادراً على كتابة مقالات وقصص وأغان، فستظل تفتقد تجربتها البشرية، وإن جلّ ما يميز كل تلك الأعمال هي تجربتها البشرية، أن تعبّر عني وتلمسني، أن أتفاجأ كيف فهمتني، كيف تشابهت تجاربنا، فتجربة البشر المعقدة لا تُفهم إنما تُحسّ، ولهذا لن يقدر عليها سوى البشر.
كل ما عليك فعله الآن أن تتوقّف عن القلق أو الاستهزاء بالذكاء الاصطناعي، وأن تتقبّله وترحب به، وتحاول اكتسابه كصديق وضمّه إلى خاصتك، تعلم كيف تتعامل معه
وكان رد الذكاء الاصطناعي نفسه حين سألته حول علاقته بالكتابة، كانت إجابته كالآتي: "يمكن القول إن الذكاء الاصطناعي سيساعد الكتاب في تحسين جودة النصوص وتسهيل عملية الكتابة، ولكنه لن يحلّ محل الموهبة والإبداع الذي يتمتع به الكاتب".
و كلامي حول أهمية التكيف ليس هذا ليس مبنياً على رغبات وأهواء، ولكن ما غفل عنه الناس أن التاريخ يتكرّر أمام أعينهم، ولكننا قلّما درسنا التاريخ لنتعلم، بل ندرسه لندونه في الكتب والمجلدات لتزيين المكتبات.
في القرن الثامن عشر ظهرت أجهزة معقدة يصعب للمواطن البسيط فهم آلياتها، وتسرّح بسببها عدد لا بأس به من العمال، وهنا تضاربت الأقوال بين الناس، فمنهم من ظن أن تلك الآلات لن تستطيع القيام بالعمل كما كانوا هم يقومون به، بل ومنهم من أخذ يسخر منها، منتظراً ثبوت فشلها في غصون فترة قليلة، وعلى الجهة الأخرى، هناك من أدرك وجوب مواكبة هذا التطور الذي يصعب فهمه، وتلك الآلات مازالت تحتاج من يشرف عليها ويتابعها، وما نراه الآن أن الماكينات أجادت الصناعة، من ناحية الدقة والإنتاجية والجودة أفضل بكثير من البشر، ولم يثبت فشلها خلال فترة قصيرة أو طويلة من ظهورها.
وإن كنت تظن أن المثال السابق بعيد كل البعد عمّا نحن بصدده الآن، فأحب أن أذكرك باختلاف الأحوال واختلاف شكل الحياة، ولهذا لا تأخذ كلامي بشكل حرفي بل خذه بالقياس، ولكن تأكيداً لكلامي وطمأنة لشكوكك، دعنا نأخذ مثالاً آخر، مع بداية الألفية الثانية كان للإنترنت ظهور قوي، حتى وإن كان قد اخُترع من قبل هذا بسنوات، ومع ظهوره شعر البشر برعب يقترب منهم، شيء غير معلوم يستطيع أن يجول بهم حول العالم، ويسمح لهم بالتواصل والتجارة فيما بينهم، والتعليم، وعدد لا حصر له من المعاملات أصبحت تنقضي بكبسة زر، ويتكرّر السيناريو بين متكبّر ومستهزئ وقلق، ومتعلم ومتطور.
كل هذا يوضح لنا أمرين، أما الأول فالحياة لم تنته، وعن الثاني لا يجب أن نغفل أن هناك بعض الأعمال قد مُحيت تماماً، سواء بعد الثورة الصناعية أو بعد ظهور الإنترنت، ومن استطاع البقاء منها هو فقط من استطاع التكيّف.
ختاماً، كل ما علينا فعله الآن أن نتوقّف عن القلق أو الاستهزاء بالذكاء الاصطناعي، وأن نتقبّله ونرحب به، ونحاول اكتسابه كصديق وضمّه إلينا، لنتعلم كيف نتعامل معه، فالأمر ليس ببساطة كتابة أوامر ويقوم هو بتنفيذها، فكلما تمكننا من حسن الحوار معه، كلما كانت النتائج أكثر إثماراً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 10 ساعاتمقال مدغدغ للانسانية التي فينا. جميل.
Tester WhiteBeard -
منذ يومtester.whitebeard@gmail.com
Ahmed Adel -
منذ 3 أياممقال رائع كالعادة
بسمه الشامي -
منذ أسبوععزيزتي
لم تكن عائلة ونيس مثاليه وكانوا يرتكبون الأخطاء ولكن يقدمون لنا طريقه لحلها في كل حلقه...
نسرين الحميدي -
منذ أسبوعلا اعتقد ان القانون وحقوق المرأة هو الحل لحماية المرأة من التعنيف بقدر الدعم النفسي للنساء للدفاع...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعاخيرا مقال مهم يمس هموم حقيقيه للإنسان العربي ، شكرا جزيلا للكاتبه.