هذا المقال جزء من مجموعة مقالات ينجزها رصيف22، عن العملات الرقمية والاستثمارات الجديدة، في محاولة لتقديم خريطة طريق نحو "اقتصاد آمن"، بعيداً عن احتكارات البنوك، وفساد الحكومات، والتغيرات السياسية العالميّة.
تُعدّ العملات الرقميّة والـNFTs، من أشهر تطبيقات تقنية الكتل المتسلسلة Block chain، لكن تقنية "تخزين المعلومات" هذه ذات تطبيقات أوسع، خصوصاً أنها تضمن الشفافيّة وعدم القدرة على التلاعب بالمعلومات التي يتم تخزينها.
تتيح هذه التقنية إمكانية تبادل المعلومات ونشرها وتوزيعها من دون إمكانية تعديلها لاحقاً، ما يعني أننا أمام شكل من أشكال العقود أو التواصل التي يمكن عبرها ضبط مراحل الإنتاج مثلاً أو دورة المال، أو أي شكل من المعلومات من دون إمكانية حذفها أو تدميرها.
روّجت الأمم المتحدة نوعاً لهذه التكنولوجيا، إذ نشرت على موقعها مقالاً عن "سلسلة الكتل والنمو المستدام" لكاثي موليغان، وهي خبيرة وزميلة في مجلس المنتدى الاقتصادي العالمي المعني بتقنية سلسلة الكتل، تشير فيه إلى أن هذه التقنية ليست ناضجةً بعد، لكنها جزء من حلول المستقبل.
سارعت الحكومات العربيّة بشكل عام إلى تقنين العملات الرقميّة التي تعتمد على البلوك شاين، ومنعها في العديد من الحالات خوفاً على نظام البنوك المركزيّة، لكن ذلك لا يعني عدم استثمارها في قطاعات أخرى. الإمارات مثلاً، عززت استخدام هذه التقنية في القطاع البنكي، وأعلنت وزارة التغير المناخي والبيئة العام الماضي، البدء بتوثيق المعاملات عبر البلوك شاين، والأمر ذاته تم في مصر التي بدأت تأخذ بعين الاعتبار احتمالات استخدام هذه التقنيّة في مجال البنوك، إذ وقّع البنك الأهلي في مصر اتفاقيةً مع شركة Ripple ما يتيح استقبال حوالات المصريين في الخارج بسرعة وشفافيّة.
واسعة هي تطبيقات تقنية سلاسل الكتل، وهي ذات فوائد تدفعنا لإعادة النظر في النظام المالي والاقتصادي والإداري في المنطقة العربية، وهنا بعض ما يمكن أن نجنيه في حال تم تطبيق هذه التقنيّة، وتوفير البنى التحتية الخاصة بها في العالم العربي.
الرعاية الصحيّة
تتيح تقنيّة سلسلة الكتل ملاحقة الوصفات الطبيّة، والتأكد من البيانات الطبيّة وفعاليتها، بحيث تساعد على تجنّب فوات مدة الصلاحيّة، والأهم أنها تجعل المرضى على اتصال دائم بأطبائهم والمشافي التي يتبعون لها، وبصورة أخرى، بيانات المريض الطبيّة والبيانات الدوائيّة، مسجّلة بصورة تتيح عدم التلاعب، وتكشف بدقة عن سلسلة الإنتاج والاستهلاك بشفافية كبيرة.
سارعت الحكومات العربيّة بشكل عام إلى تقنين العملات الرقميّة التي تعتمد على البلوك شاين، ومنعها في العديد من الحالات خوفاً على نظام البنوك المركزيّة، لكن ذلك لا يعني عدم استثمارها في قطاعات أخرى
نذكر هنا فضيحة الأدويّة منتهية الصلاحيّة التي حدثت في لبنان، إذ بقيت في المستودعات بعد وصولها من كندا، وحين اقتراب فترة انتهاء صلاحيتها، طُرحت في المشافي. العديد من العوامل تتداخل هنا، لكن تقنية البلوك شاين، لو تم استخدامها، لكنا أمام صورة أوضح، وعلنيّة، وبيانات تمكننا من ملاحقة الأدويّة منذ لحظة خروجها من كندا إلى حين وصولها إلى لبنان وتخزينها، ويمكن حينها توجيه الاتهام بوضوح إلى من قام بالتأخير والاستفادة.
حقوق الملكيّة
تضمن تقنية سلسلة الكتل حقوق الملكية الفكريّة، فالعقود الذكية حين تُسجّل في نظام سلسلة الكتل تضمن ملكية العمل الفني أو الأدبي لصاحبه الأصل. يُمكِّن العقد الذكي صاحب العمل الفني من الحصول على نسب من المبيعات المستقبليّة بصورة مضمونة وأوتوماتيكيّة، ما يعيق عمليات التزوير والاستخدام غير الشرعيّة. بصورة ما، تتحول الحقوق إلى عقد لا يمكن تغييره، عقد ربما قد لا تنتهي صلاحيته، بل يساعد على كشف من يقوم بانتهاك هذه الحقوق عبر ملاحقة الكيفية التي حصل بها على المُنتج وأماكن استخدامه.
يمكن تطبيق هذه التقنيّة على المنتجات الحالية من لوحات وأعمال فنية وكتب، بحيث تضمن حقوق كل القائمين على عملية الإنتاج، ناهيك عن أنها تتيح استخدامها من أي أحد، شريطة توقيعه العقد الذكي ولو لم نعرف هذا المستفيد، أي يمكن لأغنية على سلسلة الكتل، أن تُطرَح للتداول العلني التجاري، ثم يمكن اقتباس أجزاء منها واستخدامها لاحقاً مع الحفاظ على نسبة الأرباح لصاحبها.
يمكن تطبيق هذه التقنيّة على القطع الأثرية، إذ يمكن الاحتفاظ بالبيانات الخاصة بالقطعة إلى الأبد، وضمان صاحبها وعودتها إلى أصحابها في حال اختفت أو سُرقت. ويمكن القول: يتحول صكّ الملكيّة إلى وثيقة لا تفنى، تحوي تاريخ القطعة التجاري وأسلوب بيعها وشرائها، والجهة التي تستفيد منها.
خطوط الإنتاج والتوزيع
تساهم تقنية سلسلة الكتل في مراقبة خطوط الإنتاج وفعاليتها، إذ تساعد الشركات على مراقبة المهام، وسير البضائع المادية والرمزيّة، سواء كنا نتحدث عن الإنتاج والشحن والتوزيع، أو عمليات الإنتاج الفكري، من كتابة التقارير الحساسة وتدقيقها وتحريرها.
تضمن هذه التقنيّة سير العمل بصورة بعيدة عن التلاعب، وتبتعد عن الخطأ البشري البريء، أو المتعمّد، كعمليات التسريب وإفشاء الأسراء، كون مسيرة المعلومات مدوّنةً بدقة، ويمكن رصد المسؤولين فوراً.
تتيح هذه التقنيّة تفادي عمليات التهريب لاحقاً أو التقصير أو سوء التوزيع، ويمكن مثلاً، لو كان السيناريو بعيداً، أن يطبّق ذلك على عمليات توزيع المساعدات، أو الصادرات التي تتم سرقتها، بحيث يمكن تتبع مسيرتها ومعرفة مصير كل قطعة، منذ لحظة الإنتاج حتى الاستهلاك، لكن بالطبع، يفترض ذلك بنيةً تحتيةً مجهزةً بشدّة.
الشفافية ومعرفة أسلوب تحرّك الأموال والجهات المسؤولة عن صرفها وقبضها ضمن تقنية البلوك شاين، يساهمان بشدة في مكافحة غسيل الأموال، بسبب إمكانية تتبع أثر المبالغ الماليّة من دون أن تضيع في البنوك أو يتم التلاعب بها
التصويت
يمكن القول إن استخدام سلسلة الكتل في عمليات التصويت، واحد من أشد تطبيقات هذه التقنيّة فائدةً في عالمنا العربيّ، إذ يضمن التصويت الرقميّ وفرز الأصوات رقمياً، والحصول على نتائج ثابتة لا يمكن التلاعب بها، كما يضمن شفافيةً كاملةً لأعداد المصوّتين وهوياتهم، وأيضاً إحصائيات متناهيةً في الدقة.
يمكن استخدام هذه التقنية عبر ماكينات تصويت رقمية متصلة بشبكة سلسة الكتل، ما يتيح رصد الأصوات وعدّها وإعاقة التلاعب بها والتقليل من إشكاليات التزوير، والنتائج المرعبة، كـ90 في المئة أو 99 في المئة، التي تكشف مدى الفساد السياسيّ.
مكافحة الفساد وغسيل الأموال
الشفافية ومعرفة أسلوب تحرّك الأموال والجهات المسؤولة عن صرفها وقبضها ضمن تقنية البلوك شاين، يساهمان بشدة في مكافحة غسيل الأموال، بسبب إمكانية تتبع أثر المبالغ الماليّة من دون أن تضيع في البنوك أو يتم التلاعب بها.
تسهّل هذه التقنية أيضاً على السلطات تتبع أصول الأموال والممتلكات، أي بصورة أخرى، نحن أمام تاريخ كامل للنقود من لحظة وضعها في البنك، وكيفية تحركها وصرفها والجهات التي تدخلت فيها، وفي حال أي لبس في أي عملية نقديّة، يتم إيقافها بصورة آلية، كما تتيح مراقبةً كاملةً على العمليات المالية. والأهم، دراسة شبكة التحويلات بأكملها ومحاولة تفادي المخاطر في حال كانت موجودةً عبر عمليات الحوسبة العملاقة التي تتيح لا فقط دراسة السوق، بل أيضاً مصائر الأموال التي تطرح فيه وإمكانيات حركتها.
يكفي الاطلاع على الأوضاع المصرفيّة والصفقات في لبنان وسوريا ومصر لمعرفة أهمية تطبيق هكذا تكنولوجيا قادرة على تتبّع الأموال وصفقاتها بين الشركات والبنوك وملّاكها، وكيفية الاستفادة من المصارف والغموض في بعض عمليات التبادل للكشف عن المستفيدين.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 6 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...