شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ضمّ/ ي صوتك إلينا!
شجرة الفقه الإسلامي... هكذا غرسها عمر بن الخطاب وابنه

شجرة الفقه الإسلامي... هكذا غرسها عمر بن الخطاب وابنه

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الجمعة 26 مايو 202303:40 م

في السنة الثانية للهجرة، وقعت غزوة بدر الكبرى، وفيها أسر المسلمون عدداً من المشركين، نحو سبعين أسيراً، ونظراً إلى عدم وجود نص شرعي في الحكم على الأسرى، استشار الرسول أصحابه، فكان أول من تكلّم أبا بكر الصديق؛ وكان يرى أن تؤخذ منهم الفدية ويُتركوا، أما عمر بن الخطاب فرأى أن يُقتل الأسرى، حسب ما ذكر راغب السرجاني، في كتابه "السيرة النبوية".

الاجتهاد في عهد النبي

وكانت هذه أول صورة للاجتهاد في الإسلام في عصر النبوّة، عندما استشار النبي أصحابه في شأن الأسرى، حسب ما أورد الدكتور مناع القطان، في كتابه "تاريخ التشريع الإسلامي"، وقد اجتهد النبي فأخذ برأي أبي بكر بإطلاق سراح الأسرى بعد أخذ الفداء منهم، فنزل القرآن الكريم معاتباً النبي، وموضحاً له أن رأي عمر بن الخطاب هو الأفضل في تلك الظروف، فقال الله (عز وجل): "مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَن يَكُونَ لَهۥ أَسرَىٰ حَتَّىٰ يُثخِنَ فِي ٱلأَرضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ ٱلدُّنيَا وَٱللَّهُ يُرِيدُ ٱلأٓخِرَةَ وَٱللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيم (67) لَّولَا كِتَٰب مِّنَ ٱللَّهِ سَبَقَ لَمَسَّكُم فِيمَآ أَخَذتُم عَذَابٌ عَظِيم (68)" (سورة الأنفال).

وضع أبو بكر وعمر، منهجاً لاجتهاد الفقهاء، فأمروهم أن ينظروا أولاً في القرآن الكريم، ثم السنّة، ثم يستشيروا أكثر الناس علماً، فإذا اجتمع رأيهم على شيء يقضوا به، حسب ما ذكر زيدان

ويتضح من نزول الآيات بعد مشورة النبي لأصحابه، وإصدار حكم بخصوص الأسرى، أن ما فعله كان فسحةً لهم للاجتهاد والبحث والنظر في ما يطرأ لهم، فما كان صواباً أقرّه الله، وما كان غير ذلك ردّ الله رسوله إلى الصواب، حسب ما ذكر عبد الوهاب خلاف، في كتابه "علم أصول الفقه وخلاصة تاريخ التشريع".

بجانب القرآن الكريم والسنّة كمصدر للتشريع الإسلامي، كان الاجتهاد سواء من النبي أو الصحابة، ويذكر الدكتور عبد الكريم زيدان، في كتابه "المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية"، أن الاجتهاد في هذه الفترة كان مصدراً للفقه وتشريع الأحكام، فاجتهاد النبي (ﷺ) مردّه إلى الوحي فإن أقرّه عليه صار تشريعاً، وكذلك اجتهاد الصحابة مردّه إلى النبي، فإن أقرّه وفقاً للوحي صار تشريعاً، فالاجتهاد بكل مستقل ليس مصدراً للتشريع بل وسيلة لاستنباط الأحكام من مصدرَي الشريعة: القرآن الكريم والسنّة.

الفتوحات الإسلامية والثروة الفقهية

وبحسب القطان، اتسعت رقعة الدولة الإسلامية مع كثرة الفتوحات في عهد الخلفاء الراشدين، ونتجت عن ذلك قضايا فقهية جديدة في المدن المفتوحة، والتي لم تظهر من قبل في أرض الحجاز، مما شجّع الفقهاء على الاجتهاد بالرأي في حالة عدم وجود نص في القرآن الكريم والسنّة، فتنوعت الفتاوى مما أوجد ثروةً فقهيةً.

ووضع أبو بكر وعمر، منهجاً لاجتهاد الفقهاء، فأمروهم أن ينظروا أولاً في القرآن الكريم، ثم السنّة، ثم يستشيروا أكثر الناس علماً، فإذا اجتمع رأيهم على شيء يقضوا به، حسب ما ذكر زيدان، مؤكداً أن المكثرين في الفتوى من الصحابة سبعة، هم: عمر بن الخطاب، وعلي بن أبي طالب، وعبد الله بن مسعود، وعائشة أم المؤمنين، وزيد بن ثابت، وعبد الله بن عباس، وعبد الله بن عمر بن الخطاب.

مدرستا الحديث والرأي

أدى ذلك المنهج إلى اختلاف الصحابة في الفتوى، وهذا بسبب تفاوتهم في فهم معاني الألفاظ في القرآن الكريم والسنّة، وكذلك تفاوتهم في العلم بالسنّة (حفظ الأحاديث النبوية)، بحسب ما أوضح مناع، مما أدى إلى ظهور مدرستين في الفقه الإسلامي؛ الأولى، تميل إلى النصوص (القرآن والسنّة)، وترفض الرأي (مدرسة الحديث)، والأخرى ترى أن لا مانع من الرجوع إلى الرأي في إصدار الفتوى على أساس القواعد الشرعية والمصالح الكلية في حالة عدم وجود النص (مدرسة الرأي).

الحجاز موطن مدرسة الحديث

في دار الهجرة، المدينة المنورة، سار الفقهاء من التابعين على خطى صحابة الرسول، وخاصةً عبد الله بن عمر، الذي اهتم بالسنن والآثار، فكان يفتي بظاهرها، تاركاً القول بالرأي، ويرجع ذلك إلى وجود ثروة هائلة من الأحاديث وأقضية الرسول وفتاوى كبار الصحابة، هذا إلى جانب عدم ميلهم إلى البحث عن العلل أو تفريع المسائل أو فرض الوقائع ثم البحث عن الأحكام الخاصة بها نتيجة بساطة الحياة في المدينة، وبعدهم عن مواطن الفتن مثل العراق، بحسب ما ذكر زيدان.

اعتزاز ابن عمر ومن سار على منهجه بآثار الرسول، وعدم الإفتاء في أي مسألة إلا مع وجود النص، جعل لمدرستهم سمات عامةً؛ منها، كراهية كثرة السؤال، ورفض المسائل المفترضة التي لم تحدث بعد، والعناية بالكتاب والسنّة والآثار لأنها أصل التشريع ومصدر الفقه، كما ذكر مناع.

ويوضح مناع، أن من ورثوا عن ابن عمر منهجه هم: سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، والقاسم بن محمد، وخارجة بن زيد وأبو بكر بن عبد الرحمن بن الحارث بن هاشم، وسليمان بن يسار، وعبيد الله بن عبد الله بن عتبة بن مسعود، وقد عُرفوا بالفقهاء السبعة، وعنهم انتشر فقه أهل المدينة.

مدرسة الرأي تزدهر في الكوفة

عُرف عن عمر بن الخطاب، أنه أكثر الصحابة اجتهاداً وقولاً بالرأي، وعلى منهجه سار عبد الله بن مسعود، وتأثر به وبآرائه، وقد اعتمد ابن الخطاب على التفكير والاستنباط والرأي في حالة عدم وجود النص الشرعي، بحسب ما ذكر مناع.

فلما انتقل عبد الله بن مسعود إلى الكوفة، نقل معه بجانب ما يحفظه عن الرسول (ﷺ) وفتاوى الصحابة، فتاوى عمر بن الخطاب ومنهجه، فوضع منهجاً فقهياً يعتمد على الرأي والاجتهاد، وقد ساهم التوسع في استعمال الرأي لدى فقهاء العراق، أن علماء الحديث وضعوا شروطاً محددةً لقبول رواية الحديث عن الرسول، وذلك نتيجة انتشار الأحاديث الموضوعة، فأصبح الحديث المقبول قليلاً، بحسب ما ذكر الدكتور أحمد عليان في كتابه "تاريخ التشريع والفقه الإسلامي".

هناك المذاهب السياسية، مثل الإمامية والزيدية والإسماعيلية من الشيعة، والسمة الغالبة عليها عدم الأخذ إلا بآراء علمائها، فهم يفسرون النصوص وفق مبادئهم، ولا يأخذون بالإجماع ولا بالرأي.

ويذكر زيدان، أن مدرسة أهل الرأي لا تقف عند ظاهر النصوص عند الفتوى، بل يغوصون في النصوص والبحث عن العلل والحكمة فيها ومعناها، وهذا ما جعلهم يفتون أحياناً بخلاف الأحاديث في حالة وجود قاعدة شرعية أو مصلحة كلية تؤيدها، وهذا ما جعلهم يكثرون من الفقه الافتراضي، وفرض المسائل بخلاف فقه الواقع.

ويرجع ظهور تلك المدرسة وازدهارها في الكوفة إلى تأثر الفقهاء فيها بالصحابي عبد الله بن مسعود، الذي سار على درب عمر بن الخطاب، إذ كان يميل إلى الرأي والبحث عن علّة النص، والإفتاء وفقاً للقواعد الشرعية العامة والمصلحة الكلية، وأيضاً لكثرة الأحاديث الموضوعة، هذا إلى جانب أن الحياة في الكوفة وما حولها لم يكن بسيطاً مثل أرض الحجاز، حيث توجد التقاليد والعادات المختلفة، كل ذلك ساهم في ازدهار مدرسة الرأي، بحسب زيدان.

ورث مدرسة الرأي التي أسسها ابن مسعود، إبراهيم النخعي وعلى يده تعلّم حماد بن أبي سليمان، شيخ الغمام أبي حنيفة، ومن علماء تلك المدرسة أيضاً عامر الشعبي، وسعيد بن جبير، بحسب زيدان.

الخلاف الفقهي بين المدرستين

ففي مسألة القراءة خلف الإمام، ترى مدرسة الحديث القراءة مع الإمام في ما أسرّ، وعدم القراءة في ما يجهر فيه، أما مدرسة الرأي فترى عدم القراءة خلف الإمام في ما جهر وفي ما أسرّ على السواء.

وفي مسألة التلفظ بالنية، ترى مدرسة الحديث عدم استحباب التلفظ بالنية في الوضوء والاغتسال والصلاة والصيام، لرؤيتهم أنها بدعة، أما مدرسة الرأي فيستحبّون التلفظ بالنية في العبادات.

وفي مسألة القضاء باليمين مع الشاهد، فجمهور مدرسة الحديث يرون القضاء بالشاهد واليمين في الأموال، أما جمهور مدرسة الرأي فيذهبون إلى أنه لا يقضى إلا برجلين، أو رجل وامرأتين، ولا يقضى بشاهد ويمين في شيء من الأشياء تمسكاً بالقرآن في قوله تعالى في سورة البقرة: "وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ".

وفي مسألة جزاء المحرم إذا أتلف صيداً، ذهبت مدرسة الحديث إلى القضاء بما يشهد صورة ما أتلف فالضبع بكبش والغزال بعنز، أما مدرسة الرأي فأوجبوا القيمة المالية في جزاء الصيد.

أدت المدارس الفقهية إلى ظهور المذاهب الإسلامية، التي تميزت معالمها ووضحت اتجاهاتها نتيجة عناية الفقهاء المؤسسين لها وتلاميذهم لها، وهؤلاء الفقهاء جعلوا لأنفسهم منهجاً في البحث وآراءً

وفي مسألة الجمع والقصر في الصلاة للحاج، ذهبت مدرسة الحديث إلى أن أهل مكة ومن لم يكن منها له الحق في الجمع والقصر في عرفة والمزدلفة، وأما مدرسة الرأي فترى أن أهل مكة يجب أن يتمّوا صلاتهم.

وفي مسألة صلاة الاستسقاء، مدرسة الحديث ترى أنها مشروعة، أما مدرسة الرأي فأنكرتها.

من المدارس إلى المذاهب

أدت المدارس الفقهية إلى ظهور المذاهب الإسلامية، التي تميزت معالمها ووضحت اتجاهاتها نتيجة عناية الفقهاء المؤسسين لها وتلاميذهم لها، وهؤلاء الفقهاء جعلوا لأنفسهم منهجاً في البحث وآراءً، وفقاً لمدرستي الحديث والرأي، هذا إلى جانب تدوين منهجهم فهذا ما ساعد على بقاء مذاهبهم إلى يومنا هذا، ومنها مذاهب أهل السنّة؛ مثل الحنفي والمالكي والشافعي والحنبلي، ويرجع الاختلاف في ما بينها للتباين في أصول الاستدلال ومناهج الاستنباط وتعدد طرق الاجتهاد وتفسير النصوص لدى فقهاء تلك المذاهب.

مذاهب سياسية

وهناك المذاهب السياسية، مثل الإمامية والزيدية والإسماعيلية من الشيعة، والسمة الغالبة عليها عدم الأخذ إلا بآراء علمائها، فهم يفسرون النصوص وفق مبادئهم، ولا يأخذون بالإجماع ولا بالرأي، بحسب ما ذكر مناع. أما الخوارج فهم فرق شتى، لكن يجمعهم أنهم كفّروا علي بن أبي طالب ومعاوية بن أبي سفيان، وأيضاً كفّروا من لم يعمل بأوامر الدين أو ارتكب الكبائر، كما ذكر مناع.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

WhatsApp Channel WhatsApp Channel

0:00 -0:00
Website by WhiteBeard