شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
عمامة وحجاب ورتبة عسكرية... الجدل يطرق أبواب مسلسلاتنا في رمضان

عمامة وحجاب ورتبة عسكرية... الجدل يطرق أبواب مسلسلاتنا في رمضان

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والحريات العامة

الثلاثاء 21 مارس 202301:59 م

برغم محاولة القنوات التلفزيونية والمنصات، كسر احتكار شهر رمضان عرض المسلسلات الدرامية، إلا أن العادة التي ترسخت في العالم العربي منذ أكثر من ثلاثين عاماً، ما زالت مستمرةً، إذ تسعى شركات الإنتاج إلى نشر البوسترات الترويجية أو البرومو الخاص بالعمل قبل العرض لجذب انتباه الجمهور كي يضع المسلسل على قائمة المشاهدة الخاصة بكل فرد من أفراده.

واختلفت طرق الترويج مع مرور السنوات، إذ كانت تكتفي في السابق بأن يكون أبطال العمل "شبّاك تذاكر"، وكان هذا كفيلاً بالترويج، أو بمحاولة رصد ميزانية ضخمة، أو من خلال اسم الكاتب/ ة والمخرج/ ة أحياناً، ولكن الوسائل اختلفت اليوم، وباتت الشركات تعتمد على اختيار النصوص التي تصنع مشاهد مثيرةً للجدل وحسّاسةً عند التلقّي، من خلال التركيز على المواضيع الدينية الإشكالية أو السياسية أو الجنسية، وحتى القضايا المعاصرة مثل أزمات اللجوء، كمسلسل "من شارع الهرم إلى" في العام الماضي، إذ ترك الناس العمل برمته وركزوا على شخصية الممثلة السورية روعة السعدي التي عُدَّت مسيئةً إلى اللاجئين/ ات السوريين/ ات.

"الدين" طبق سنوي في رمضان

أصبحت الأعمال التي تحمل في أفكارها جوانب دينيةً أو إسلاميةً على وجه الخصوص كثيرةً، وكأنها صارت "طبقاً سنوياً" يتم تقديمه من مختلف الأقطار العربية، كتناول ما فعله تنظيم داعش من خلال المسلسلات، في أثناء نشاطه، في أعمال عديدة مثل "شوق" و"غرابيب سود"، وما زال الحديث عنه مستمراً حتى اليوم في أعمال مثل "العائدون" و"بطلوع الروح"، حتى بتنا نشعر بأن المقصود ليس التركيز على القضية بل تناول موضوع أثبت نجاحه الدرامي ومضمونية تسويقه لدى المشاهد.

أصبحت الأعمال التي تحمل في أفكارها جوانب دينيةً أو إسلاميةً على وجه الخصوص كثيرةً، وكأنها صارت "طبقاً سنوياً" يتم تقديمه من مختلف الأقطار العربية، كتناول ما فعله تنظيم داعش من خلال المسلسلات، في أثناء نشاطه، في أعمال عديدة مثل "شوق" و"غرابيب سود"

كما تحمل الصراعات الطائفية والحساسيات المرتبطة بالقضية، مضموناً درامياً لوضع نقطة ربما على الطائفة الأخرى، أو تمجيد الشخصيات الخاصة بكل طائفة، وهذا ما لاحظناه مراراً من خلال تناول شخصيات الخلفاء في أعمال درامية كثيرة، مثل عمر بن الخطاب، هارون الرشيد، وعمر بن عبد العزيز وغيرهم، أو حتى شخصيات إشكالية في التاريخ الإسلامي مثل الحسن والحسين، المهلب بن أبي صفرة، صلاح الدين الأيوبي، خالد بن الوليد، والقعقاع بن عمر التميمي، وما يؤكد الأمر أن بعض الشخصيات ليست شهيرةً أو مهمةً إلى درجة أن يُصنع مسلسل كامل لها، ولكن الجدل الذي يأتي بعد انتقادات واسعة تعدّ أن بعض هذه الأعمال يغذي خلافات طائفيةً وقبليةً، كان كفيلاً بنجاح العمل وتحقيق الهدف.

يستمر الصراع هذا العام من خلال إنتاج مسلسل عن سيرة حياة الإمام الشافعي، ومسلسل ضخم عن الخليفة مؤسس الدولة الأموية معاوية بن أبي سفيان، الذي بمجرد الإعلان عنه انبرى كثيرون لمهاجمته من خلال تغريدات لأشخاص وحتى لرجال دين دعوا إلى توقيف عرضه مثل رجل الدين العراقي مقتدى الصدر، كما أعلنت هيئة الإعلام والاتصالات العراقية منع بث مسلسل "معاوية"، وفيلم "أبو لؤلؤة" الذي تؤكد الحقائق التاريخية قتله الصحابي عمر بن الخطاب، والذي عدّه البعض رداً على مسلسل معاوية.

يقول الصحافي والناقد الفني أنس فرج، لرصيف22: "يسعى صُنّاع الدراما في السنوات الأخيرة إلى اللعب على الأوتار الحساسة لجذب الانتباه عبر خلق حالة تراند حول العمل عند العرض، وهذا يخفق ويصيب، كون طرح التابوهات يحتاج إلى سيناريست متمكّن من مناقشة الأفكار الشائكة من دون مقاربة سطحية قد تجعل الطرح فارغاً".

ويضيف: "مع انتشار المقاطع الدرامية عبر مواقع التواصل الاجتماعي، تزداد حالة الاستفزاز لدى الجمهور وهذا تردد من خلال انتقاد ملامح الفنانة منى زكي مثلاً في مسلسلها الجديد "تحت الوصاية"، فالدراما حين طرحت شخصية المرأة المحجبة تراوحت الطريقة لتنصفها في أعمال قليلة، علماً أن مظهر المرأة المحجبة مظهر عادي ومعتاد في دمشق مثلاً، ولكن اعتياد عدم طرح شخصية محجبة خلق صورةً نمطيةً عن أن وجودها يعني أنها ملتزمة ومتشددة".

وليست الفنانة منى زكي من تواجه انتقادات كونها تلعب شخصية محجبةٍ في عملها الجديد، علماً بأنها لعبت دور المرأة المحجبة والمنقّبة في بعض حلقات مسلسل "لعبة نيوتن"، كما العديد من الشخصيات متل الفنانة كاريس بشار في مسلسلها الجديد "النار بالنار"، والفنانات رنا كرم، نانسي خوري، ومروة الأطرش وغيرهن في مسلسل "دوار شمالي"، ويعلّق البعض على أن هذه الأعمال لا تنصف في الغالب المرأة المحجبة وتظهرها إما متشددةً أو فقيرةً تعيش في أحياء شعبية.

تقول الفنانة رنا كرم، التي لعبت شخصية المرأة المحجبة أكثر من مرة، لرصيف22: "إن لعب دور الفتاة المحجبة غير مقصود لأنني أختار الدور الجيد، وقد تكون للمؤلف أسباب مختلفة لاختيار شخصية محجبة، وذلك لخدمة العمل، ونحاول في صناعة الدراما أن ننقل كل فئات المجتمع، والفتاة المحجبة هي فتاة سورية من الممكن أن تكون جيدةً وسيئةً وجميلةً وقبيحةً، ويجب ألا نربط بين صفات الشخصية والحجاب نفسه، لأن هذا ما يخلق فكرة الإساءة إلى الحجاب".

وتضيف: "بعض الأدوار اتجه نحو التنميط، وهذه من مشكلات القائمين على الدراما، فمن الضروري الحديث عن المرأة الضعيفة والمكسورة سواء أكانت محجبةً أم غير محجبة، وأرى أنني كنت أمينةً في نقل الدور وما يتطلب من أداء ومعطيات، كما أنني أحترم الدور الذي ألعبه وأحترم الفتاة المحجبة ولا أسمح بالإساءة إليها أو إلى الحجاب".

السياسة وما صنع الحداد

تأخذ المواضيع السياسية حصتها أيضاً من الأعمال الرمضانية التي تتخذ من الأحداث التاريخية أو حتى الأحداث الآنية، مواضيع وصوراً للأعمال، إما بقصد معالجتها، أو بقصد طرح وجهة نظر تدعم موقف الجهة المنتجة في حدث سياسي ما، وهذا ما يمكن ملاحظته بسهولة خلال سنوات الأزمة السورية، من خلال طرح وجهة نظر موالية، في أعمال مثل "لأنها بلادي" للمخرج نجدة أنزور. وفي المقابل، طرح وجهة نظر معارضة في أعمال مثل "وجوه وأماكن" للمخرج هيثم حقي، إذ تلعب الجهات السياسية دوراً في توجيه الرأي العام نحو هدفها من خلال الدراما التي تُستخدم كسلاح ناعم في وجه الخصم، ويتكرر هذا النموذج في التجربة المصرية من خلال أعمال تناولت ثورة كانون الثاني/ يناير وما تلاها مثل "الاختيار"، "ملف سرّي"، وغيرهما، بالإضافة إلى أعمال تتناول عمل أجهزة المخابرات والأمن مثل "كسر عضم" في سوريا، و"كلبش" في مصر.

تحمل الصراعات الطائفية والحساسيات المرتبطة بالقضية، مضموناً درامياً لوضع نقطة ربما على الطائفة الأخرى، أو تمجيد الشخصيات الخاصة بكل طائفة، وهذا ما لاحظناه مراراً من خلال تناول شخصيات الخلفاء في أعمال درامية كثيرة، مثل عمر بن الخطاب وهارون الرشيد

ويستمر الموسم الحالي في طرح الأعمال التي تحمل طابعاً سياسياً عسكرياً كالمسلسل المصري "الكتيبة 101" الذي يتناول الحديث عن هذه الكتيبة وتصدّيها للإرهابيين في شمال سيناء حسب وصف العمل، فيما تقدّم الدراما السورية مسلسل "ابتسم أيها الجنرال" للكاتب سامر رضوان، ويتناول العمل فكرة الحديث عن عائلة حاكمة في بلدٍ عربي تشتعل فيها الخلافات بين الرئيس وشقيقه العسكري، وذلك لتعزيز النفوذ وإحكام السيطرة على السلطة من دون مراعاة مصلحة المواطنين/ ات، وترى بعض الآراء أن العمل يجسد شخصيات سياسيةً سوريةً حقيقيةً، وكان هذا الأمر كفيلاً بإشعال الجدل عبر مواقع التواصل الاجتماعي، بين مؤيد لتعرية الشخصيات السياسية عدّه نقطةً إضافيةً تصبّ في مصلحة رأيه السياسي، وبين معارضٍ للعمل يرى أنه من المرفوض المساس بشخصيات سياسية واقعية يعدّها خطّاً أحمر.

في هذا الصدد، يقول الصحافي والناقد الفني أنس فرج: "يلعب تسييس الدراما دوراً في التأثير على القيمة الفنية حين يحمل العمل طابع التوجيه، وعلى الأخص حين تكون الأزمة أو الصراع مستحدثين وقابلين للحل في أي لحظة، ما قد يحكم على مصير أعمال بالزوال وعدم العرض".

يتابع: "التقلبات السياسية تحرّك دفة المسلسلات لإيصال رسائل سياسية آنية ما قد يؤثر على استمرارية عرض العمل أو عدم دخوله في أرشيف المكتبة الدرامية، ونحتاج إلى دراما تشبه حياتنا تتجرد من الإسقاطات التي قد توقع العمل في فخ الإلغاء، مع وجود المناخ التجاري اللاهث خلف المشاهدات والانقسام السياسي الحاد والمستقبل الضبابي".

لا يتوقف الخلاف السياسي على طرح آراء ووجهات نظر سياسية وحسب، بل يتخطاه إلى استخدام الدراما كصراع بين الدول، كمسلسل "ممالك النار" الذي هاجم فترة الاحتلال العثماني في أثناء الصراع التركي-الخليجي قبل أعوام قليلة، والذي عُدّ رداً على مسلسل "قيامة أرطغرل" التركي، كما أُنتج قبل عامين مسلسل بعنوان "السفر برلك"، يتناول فترة التجنيد الإجباري الذي انتهجته السلطنة العثمانية، ولكن بعد التقارب السياسي توقف العمل ولم يُعرض على شاشة mbc، لتعلن المجموعة عن عرضه في الموسم الرمضاني الحالي.

اللعب على حماسة الجمهور

حين عُرِض الجزء الأخير من مسلسل "الهيبة"، قبل عرض الفيلم السينمائي، انتظر الجمهور عرض الحلقة الأخيرة عبر منصة "شاهد"، ولكن لم يتم تحميل الحلقة حينها، وقيل إن العمل على مونتاج الحلقة مستمر، وهذا ما أحدث ضجةً واسعةً بين صفوف المشاهدين/ ات المطالبين/ ات بنشر الحلقة ليُعرف مصير بطلهم/ نّ "جبل شيخ الجبل"، ورأى البعض أن هذه الطريقة كانت مقصودةً للترويج ولزيادة الحماسة والمتابعة، وثبتت هذه الفرضية حين تكررت غير مرة، فالأعمال الدرامية حين لا يكون محتواها جاذباً أو مشاكساً، تعتمد القنوات وسائل مختلفةً في الترويج لها، مثلما حدث في مسلسل الهيبة، أو حين تلجأ بعض القنوات إلى إيقاف عرض الحلقة الأخيرة إلى ما بعد نهاية عيد الفطر، أو كما حدث مؤخراً مع مسلسل "الزند_ذئب العاصي"، حين توقفت إعلاناته فجأةً على منصة شاهد، ما خلق حالة جدل واعتراض واسعةً من الجمهور الذي ينتظر العمل، ثم عادت إعلانات العمل مجدداً، وهذا ما أعطى دفعاً تسويقياً قوياً للعمل.

كما تستخدم بعض القنوات طريقة استفزاز الجمهور من خلال اقتطاع جمل غير مكتملة من مشاهد واستخدام عناوين فضائحية، مع اندفاع جمهور مواقع التواصل الاجتماعي للرد بشكل عنيف وبناء أحكام مسبقة، لتأتي الشتائم والعبارات النابية وغيرها من ردود الأفعال على قلوب القناة التلفزيونية "أحلى من العسل"، لأنها تخدمها تسويقياً، فالإعلان السيئ هو إعلان جيد وفق المنطق التسويقي، ولكن الذي يُظلم في هذه الحالة هو الفنان الذي يأخذ نصيبه من غضب الجمهور وحماسته الملتهبة.

"التقلبات السياسية تحرّك دفة المسلسلات لإيصال رسائل سياسية آنية ما قد يؤثر على استمرارية عرض العمل أو عدم دخوله في أرشيف المكتبة الدرامية، ونحتاج إلى دراما تشبه حياتنا تتجرد من الإسقاطات التي قد توقع العمل في فخ الإلغاء"

تعليقاً على هذه النقطة، تقول الفنانة رنا كرم: "للأسف، أصبح الجمهور قاسياً ومتسرعاً في طريقة حكمه على الأعمال الدرامية، من دون مراعاة تأثير كلامه ونقده على الفنان الذي يبذل جهداً كبيراً لتقديم كل ما هو جيد له، وأرجو أن تكون قلوبنا أكبر وصدورنا أوسع، ونشاهد المسلسل أو الفيلم ثم يمكننا مناقشته والحكم عليه".

قد يخلق سقف الحرية المسموح لصناعة الدراما جدلاً واسعاً، بين أحقية الفنان في طرح ما يرغب فيه في العمل الدرامي، وبين المسؤولية والخطوط الحمراء التي تختلف بين جهة وأخرى، ودولة ودولة، كما يصنع الرأي والرأي الآخر واختلاف التقييم مشكلةً كبيرةً في عالم صناعة الدراما، فوفقاً للمنطق الرقابي في سوريا مثلاً، تم منع تصوير مسلسل "دوار شمالي" لحساسية طرحه، ما أجبر صنّاع العمل على تصويره في بيروت، فيما سُمِح بتصوير مسلسل "باب الحارة" برغم الاتفاق شبه الجماعي على إساءة العمل إلى المجتمع الدمشقي، وهكذا يكون الجدل واستخدام الدراما لكل أشكال الصراع، من الوسائل المشروعة، ومجرد مهاجمة أي عمل تعني مهاجمة الفن وحريته.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image