أعلنت حركة النهضة التونسية المعارضة، عبر حسابها في فيسبوك، عن مداهمة منزل رئيس الحركة، راشد الغنوشي، واقتياده إلى "جهة غير معلومة" مساء الاثنين 17 نيسان/ أبريل 2023، في ما عدّته "تطوراً خطيراً جداً" يفتقر إلى "أبسط الإجراءات القانونية" في سياق أعم لـ"استباحة النشطاء السياسيين المعارضين"، مناشدةً "كل الأحرار" في البلاد الوقوف صفاً واحداً في وجه "هذه الممارسات القمعية المنتهكة للحقوق والحريات".
منذ 25 تموز/يوليو 2021، استأثر الرئيس التونسي قيس سعيد بالسلطات وأجرى تعديلات دستورية لإنشاء نظام رئاسي وأسس لبرلمان جديد لا يتمتع بصلاحيات فعلية. كما قام باعتقال و/ أو توجيه تهم تتعلق بالتآمر والإرهاب لمعارضيه السياسيين بشكل متزايد.
منذ بداية شباط/ فبراير 2023، أوقف ما لا يقل عن 10 شخصيات بارزة غالبيتها من المعارضين المنتمين إلى حركة النهضة وحلفائها، علاوة على رجل الأعمال النافذ نور الدين بوطار، وهو أيضاً مدير محطة إذاعية خاصة كبيرة. اعتبر سعيد الموقوفين "إرهابيين" واتهمهم "بالتآمر على أمن الدولة الداخلي والخارجي". في حين رأت منظمة العفو الدولية غير الحكومية أن حملة الاعتقالات "لها اعتبارات سياسية" وهي "محاولة متعمّدة للتضييق على المعارضة ولا سيما الانتقادات الموجهة للرئيس".
عقب اعتقال رئيسها راشد الغنوشي وأربعة من مرافقيه وانقطاع التواصل مع قياديين بارزين فيها ومداهمة مقرها المركزي وإخلائه… حركة النهضة التونسية تقول إنها تتعرض لـ"مظلمة تاريخية جديدة". ما القصة؟
"تنكيل"؟
وخلال الآونة الأخيرة، مثل الغنوشي (82 عاماً)، وهو أحد أبرز معارضي سعيد ورئيس البرلمان الذي حلّه في العام الماضي، عدة مرات أمام القضاء في إطار تحقيقات بقضايا مرتبطة بالإرهاب والفساد.
وقال مصدر أمني لوكالة تونس أفريقيا للأنباء شبه الرسمية إن سبب الاعتقال هو "تصريحات تحريضية" حديثة للغنوشي اعتبر فيها أن "تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، تونس بدون أي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية" و"هذا إجرام في الحقيقة".
وكان الغنوشي قد عقّب على استدعائه قضائياً سابقاً بأن "خصومنا عجزوا عن مواجهتنا بالوسائل الديمقراطية فلجأوا إلى استخدام القضاء". وأضاف: "هناك استهداف سياسي للمعارضة ويتم بملفات فارغة. محاكمات وملفات مفبركة... تستهدف المعارضة بملفات فارغة... للتمويه وصرف النظر عن المشكلات الحقيقية لتونس".
في 19 تموز/ يوليو 2022، اتُهم الغنوشي في قضية تتعلق بتبييض أموال وفساد، وهي التهمة التي نفتها حركة النهضة. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2022، خضع للتحقيق أمام قاضٍ متخصص في قضايا الإرهاب متهماً بـ"تسفير جهاديين" من تونس إلى سوريا والعراق.
وفي مؤتمر صحافي عقب اعتقاله بالمقر المركزي للحركة في منطقة "مونبليزير"، ندد نائب رئيس "النهضة" منذر الونيسي بـ"الاعتقال التعسّفي" و"اختطاف" الغنوشي، قائلاً إنه تأكد للحركة نقله إلى "ثكنة العوينة"، مضيفاً أن منزله تعرض لـ"تفتيش تعسّفي" فيما مُنع محاموه من حضور التحقيق معه عقب اعتقاله. أكد الونيسي أن الحركة لم تتلق أي تفسير رسمي لسبب اعتقال رئيسها، مشدداً على أن النهضة "حزب مدني" يعمل "تحت الضوء وتحت قانون الأحزاب" يتعرض إلى "مظلمة تاريخية جديدة".
قال الونيسي إن الغنوشي لم يعتقل وحده وإنما اعتُقل معه ثلاثة أفراد من مرافقين الحماية التابعين له وشاب رابع.
واستنكر الونيسي أن تُعامل "شخصية في هذا الوزن" و"بهذه القيمة الاعتبارية" بما "لا يليق بأي دولة محترمة"، مستدركاً "معنّاش تفسير آخر إلا التنكيل" من قبل سلطة "فشلت في تقديم حلول للأزمة الاقتصادية الخانقة وغلاء الأسعار" بـ"منطق معناها نسيّبوا مشاكل تونس، نسيّبوا الأزمة الاقتصادية والمالية والاختناق اللي يعانوه التوانسة عشان نشد راشد الغنوشي".
عقب تصريحه بأن "تونس بدون إسلام سياسي، تونس بدون يسار، تونس بدون أي مكون من المكونات هي مشروع حرب أهلية"، شُنّت حملة تحريضية إلكترونية ضد راشد #الغنوشي (82 عاماً) انتهت باعتقاله
ولفت الونيسي إلى المفارقة في أن قانون الإرهاب الذي شُرّع في ظل برلمان يرأسه الغنوشي لمحاكمة "الإرهابيين" يتحوّل إلى ذريعة لمحاكمة "الخصوم السياسيين" والتنكيل بهم، قائلاً إن هذا "عيب" لأن "العمل السياسي مباح في تونس". وحمّل الونيسي النظام التونسي المسؤولية كاملةً عن "أي مساس بسلامته الجسدية والنفسية"، مطالبةً بالإفراج الفوري عنه.
من جهتها، أوضحت ابنة زعيم النهضة، يسرى الغنوشي، عبر حسابها في تويتر: "كان بإمكان أمن سعيد إيقاف والدي خلال الاستنطاقات العديدة التي حضرها خلال العام الماضي لتهم ملفقة تثير السخرية لكنه اختار اعتقاله بعد مداهمة منزله بعد أذان المغرب في ليلة السابع والعشرين من رمضان".
اعتقالات "غير محددة"
في وقتٍ لاحق، أفادت "النهضة" بأن قوات الأمن دهمت مقرها الرئيسي فجر الثلاثاء 18 نيسان/ أبريل، مع "تهديد الموجودين هناك بالاعتقال" وعدم السماح لمحاميّ الحركة بحضور إجراءات التفتيش.
صباح الثلاثاء أيضاً، قال محامي الغنوشي، مختار الجماعي، في تصريحات إذاعية، إن عدد الموقوفين ليلة الاثنين من قيادات حركة النهضة "غير مُحدد"، لافتاً إلى انقطاع التواصل مع القياديين في الحركة محمد القوماني وبلقاسم حسن عقب المؤتمر الصحافي الذي أتبع اعتقال الغنوشي.
كما اعتبر المحامي التونسي أن ما تعرض له رئيس النهضة "إخفاء قسري" لعدم إظهار وثيقة قانونية عند مداهمة منزله وإيقافه، وعدم السماح لفريق دفاعه بدخول مقر الفرقة الأمنية المحتجز فيها أو إعلامه بشكل رسمي بأسباب إيقافه والتهم الموجهة إليه. وصف الجماعي عملية توقيف الغنوشي بأنها "استفزاز للمشاعر الدينية المقدسة" و"استعراض للقوة" لحدوثها بالتزامن مع أذان المغرب ووقت الإفطار، مؤكداً استشعار الرغبة في اعتقاله في الأشهر الأخيرة.
وعبر حسابها في فيسبوك، قالت المحامية التونسية إيناس حراث إنه ما من مبرر قانوني لعدم استدعاء الغنوشي للمثول إلى التحقيق طواعيةً بالطرق الإدارية وخلال التوقيت الإداري، أي وقت العمل الرسمي، مستشهدةً بأنه لم يتخلّف عن طلبات التحقيق السابقة. وأضافت أن "الانتهاكات" التي شابت توقيف رئيس "النهضة" من شأنها أن تُعرّض المتورّطين فيها "للمحاسبة الجزائية عاجلاً أو آجلاً" لأنه "لا أحد فوق القانون والوضع الحالي لن يستمر إلى الأبد".
أعرب تونسيون عن رفضهم للنهج "القمعي" في استهداف الغنوشي وغيره من المعارضين برغم الاختلاف مع أيديولوجيته، مطالبين بأن يكون توقيفه لغرض محاسبته على جرائم تورط فيها خلال وجوده في السلطة لا بسبب آرائه
أما العضو التنفيذي لحركة "النهضة" ووزير الخارجية التونسي الأسبق، رفيق عبد السلام، فلفت إلى أن اعتقال الغنوشي كان "متوقعاً" بالنظر إلى الحملة التي أوّلت تصريحاته في الأيام الماضية واتهمته بالتحريض ضد السم الأهلي، مضيفاً "كما جرت العادة منذ عهد بن علي تبدأ الجوقة الاستئصالية في الإعلام ثم يتحرك جهاز البوليس لاستكمال المهمة بعد ذلك. الرجل يتحدث عن خطر الإقصاء وأن تونس تتسع للجميع، وهم يبثون كل عوامل الفتنة والتقسيم والتحريض على امتداد سنوات متتالية، ثم ينسبون صنيعهم الفاسد إلى غيرهم".
على الجانب الآخر، أعرب موالون للرئيس قيس سعيد عبر الإنترنت عن دعمهم للإجراءات ضد "النهضة" ورئيسها، لافتين إلى أن "تونس لن تعود للوراء". وتداول بعضهم مقاطع مصورة لما وصفوه بـ"احتفالات التوانسة في شارع الحبيب بورقيبة باعتقال الغنوشي"، وهو ما لم يتسن لرصيف22 التحقق منه بشكل منفصل.
في غضون ذلك، أعرب تونسيون عن رفضهم للنهج "القمعي" في استهداف الغنوشي وغيره من المعارضين برغم الاختلاف مع أيديولوجيته، مطالبين بأن يكون توقيفه لغرض محاسبته على جرائم تورط فيها خلال وجوده في السلطة - قالوا إن بينها "الاضطهاد، وقطع الطريق أمام محاسبة الفاسدين، والمساهمة في ضياع حق الجرحى والشهداء، والرشوة في الانتخابات، والمتاجرة بالدين، وقمع الاحتجاجات" - لا لتعبيره عن رأيه.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...