عاد ملف "تسفير الشباب إلى بؤر التوتر"، إلى الأضواء مجدداً، بعد التحقيق مع قيادات من حزب حركة النهضة، وهم رئيس الحركة راشد الغنوشي ونائبه علي العريض وعضو مجلس الشورى الحبيب اللوز والنائب السابق عن الحزب محمد فريخة.
قرر قاضي التحقيق في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب، تأجيل الاستماع إلى راشد الغنوشي، إلى يوم 28 تشرين الثاني/ نوفمبر المقبل، وتأجيل الاستماع إلى العريض إلى 19 كانون الأول/ ديسمبر المقبل، فيما تقرر إبقاء اللوز وفريخة في حالة سراح مع تأجيل الاستماع إليهما موعد لاحق.
غياب الضمانات القانونية؟
يتم التحقيق في ملف "تسفير الشباب إلى بؤر التوتر"، بعد تقديم النائبة عن حزب نداء تونس فاطمة المسدي، شكوى للمحكمة العسكرية اتهمت فيها قياديّين من الحركة بالتورط في الملف مؤكدةً أنها قدّمت أدلةً وإثباتات على ذلك.
تزامناً مع انطلاق سلسلة التحقيقات في ملف التسفير، نفذ عائلات تونسية عدة وقفةً احتجاجيةً أمام قطب مكافحة الإرهاب مطالبةً بتسريع التعاطي مع ملف التسفير وإعادة أبنائهم من بؤر التوتر إلى تونس ومحاكمتهم فيها، فيما عدّت النهضة وأنصارها أن الهدف من القضية استهداف قياداتها وإلهاء الشعب التونسي عن "القضايا الحقيقية" و"الأزمة الاجتماعية التي تعيشها البلاد".
نبهت حركة النهضة إلى ما وصفته بـ"خطورة التوجه الذي تنهجه السلطة ومحاولاتها استهداف المعارضين بالتشويه والقضايا الكيدية ومحاولات الضغط على القضاء وتوظيفه"، ورأت في بيانٍ أن ما يحدث يندرج في "إطار إلهاء الرأي العام عن قضاياه وهمومه الاقتصادية والاجتماعية وأوضاعه المعيشية المتدهورة".
يتم التحقيق في ملف "تسفير الشباب إلى بؤر التوتر"، بعد تقديم النائبة عن حزب نداء تونس فاطمة المسدي، شكوى للمحكمة العسكرية اتهمت فيها قياديّين من الحركة بالتورط في الملف
من جهته، رأى عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية "التسفير إلى بؤر التوتر"، سمير ديلو، أن التهم الموجهة إلى موكليه متعددة، لكن لا يمكن الحكم على مجرى القضية الآن بحكم أنه تم تأجيل الاستماع إلى موكليه، لافتاً إلى أن لا فكرة لديه عن الملف بأكمله، لكن حسب اطلاعه على ما يهمّ موكليه، فإن الملف فارغ والدليل على ذلك أنهم في حالة سراح.
يرى ديلو في حديثه إلى رصيف22، أن الضمانات القانونية غير موجودة، لكن الأهم من ذلك هو أن يحصل موكلوه على حقوقهم مشيراً إلى أن الحقيقة الإعلامية لا يجب أن تسبق الحقيقة القضائية، وأن الاتهام يجب أن يكون مبنياً على أدلة وقرائن وحجج قوية.
وشدد المتحدث على أن للقضية خلفيةً سياسيةً والشكوى خلفيتها كيدية، معرباً عن استنكاره لانتظار موكله راشد الغنوشي لمدة 14 ساعةً يوم التحقيق، وأضاف: "ما حدث غير مقبول خاصةً أنه تمت مراجعة النيابة العمومية وأصرّت الأخيرة على بقائه لكننا أثرنا ذلك ودوّناه في المحاضر. يجب أن يتمتع موكلونا بحقوقهم شأنهم شأن جميع المواطنين".
ختم عضو هيئة الدفاع عن المتهمين في قضية "التسفير إلى بؤر التوتر"، بالإشارة إلى أن القضية في طور التحقيق وبعد أن تتم المرافعات ستتضح خلفية الملف ومن هم المعنيّون به منبّهاً إلى سرّية التحقيق وضرورة الالتزام بها.
من جهته، قال راشد الغنوشي في تصريح إعلامي عقب الإبقاء عليه في حالة سراح، إنه لا علاقة له ولحزبه بقضية التسفير وإنه قضى يومين في الإجابة عن أسئلة لا علاقة لها بالقضية، مشيراً إلى أن الأسئلة كانت بلا سند ولا دليل ولا اتهامات. فيما رأى علي العريض، أنه يتم توظيف ملف التسفير للنَّيْل من المعارضين والقيادات الوطنية على رأسهم حركة النهضة، على حد تعبيره.
ملف سياسي؟
ملف التسفير شمل كذلك العديد من الشخصيات، من بينها النائب عن ائتلاف الكرامة محمد العفاس، وقد رأى النائب عقب إطلاق سراحه أن الملف سياسي بامتياز ويضم 817 شخصاً إلى الآن، خلافاً لما سينتج عنه البحث، وأن البحث يعود إلى سنتي 2012 و2013، مشيراً إلى أن الأسئلة إرشادية وأنه لا علاقة لملف التسفير بهذه القضية سوى في العنوان.
ورأى ممثل منظمة "محامون لحماية الحقوق والحريات"، المحامي مالك بن عمر، أنه بالنسبة إلى موضوع التسفير، لا وجود لجريمة اسمها "التسفير" والجرائم المتعلقة باجتياز الحدود خلسةً نجدها في القانون المنظم لوثائق السفر، أما في الإرهاب فهناك جريمة مساعدة الغير للالتحاق بتنظيمات إرهابية وجريمة الانتداب للالتحاق بأنظمة إرهابية والتحريض على الالتحاق بتنظيم إرهابي.
التحقيق في ملف التسفير إلى "بؤر التوتر" يضم 817 شخصاً والبحث يعود إلى سنتي 2012 و2013
وقال بن عمر، في حديثه إلى رصيف22، إن القضية المطروحة اليوم لا شك في أنها سياسية لأنه لا يمكن تصور أن حزباً يحكم البلاد سيقدم على مساعدة الشبان على السفر إلى بؤر التوتر، خاصةً أنه صنف حزب تنظيم "أنصار الشريعة" تنظيماً إرهابياً واتخذ إجراء "S17"، لمنع الشباب من السفر إلى بؤر التوتر. كما أشار إلى أنه في سنوات 2004 و2006 قبل الثورة، التحق ألفا تونسي بالعراق بعد الغزو الأمريكي، وفي التسعينيات كذلك هاجر كثيرون إلى أفغانستان، أي أن الهجرة والالتحاق ببؤر التوتر ظاهرة قديمة تدخل فيها ملفات إقليمية وتنظّمها عصابات كبيرة.
ويرى بن عمر، أن "التأثير الخطابي" موجود لكنه لا يعتقد أن للحزب يداً في القضية، عادّاً أنه من الواضح أن الملف تصفية حسابات مع معارضة سياسية من قبل السلطة القائمة في تونس، والدليل على ذلك أنه تم إطلاق سراح الجميع.
أضاف المتحدث: "في القطب القضائي لمكافحة الإرهاب لا يمكن إطلاق سراح شخص إلا عندما تكون للقاضي قناعة بأن الشبهة ضعيفة إن لم نقل منعدمةً. في ملف كبير كهذا سُلّطت عليه الأضواء والضغوط، لم يجد القاضي تفاصيل يُصدر على أساسها بطاقة إيداع في السجن".
كما رأى أن ملف الإرهاب تتم معالجته بكثير من الهستيريا وتصفية الحسابات السياسية وليس بطريقة عقلانية.
ضغط على المسدي
أعلنت فاطمة المسدي، التي قدّمت الشكوى، عن تهديدات جدية طالتها بعد تطور ملف التسفير وتم إعلامها مؤخراً بأنها تحت المراقبة والحماية الأمنية خوفاً على سلامتها وسلامة عائلتها الجسدية عادّةً في تصريح إعلامي أن ذلك دليل على وجود ضغط كبير من المتطرفين الذين يعملون مع النظام الإخواني، وفق تعبيرها.
وقالت المسدي، إنها المرة الأولى التي يتم فيها فتح بحث قضائي تحقيقي جدي بعد 10 سنوات، وهي خطوة إيجابية عادّةً أن الملف ليس فارغاً كما يصرّح محامي المتهمين، وأنه لو كان فارغاً لما تمت إحالته إلى قطب مكافحة الإرهاب.
من جهته، يقول عميد المحامين إبراهيم بودربالة، عن القضية: "لا أعتقد أنها تستهدف حزباً، لأن من تم استدعاؤهم لم يُستدعوا لانتمائهم إلى حزب معيّن، وإنما بصورة شخصية، واستُجوبوا عن أفعال صادرة عنهم لا أكثر ولا أقل".
أظهر بودربالة، في حديث إلى رصيف22، أن القضية في مرحلة استقرائية وفي الأبحاث الأولية وتعهدت بها فرقة البحث وتم الإبقاء على المشتبه بهم في حالة سراح في انتظار مواصلة التحقيقات، ولذلك القضية لا تخرج عن إطار وجود شكوى تقدمت بها نائبة سابقة في البرلمان ووجود أخبار عن سفر العديد من المواطنين بطرق غير عادية إلى سوريا عبر تركيا، مشيراً إلى أن كل إنسان بريء حتى تثبت إدانته من خلال محاكمة تُضمن له فيها حقوق الدفاع.
ردّاً على "الإخلال بالإجراءات" الذي تحدثت عنه هيئة الدفاع عن المتهمين، قال بودربالة إنه من الطبيعي أن يقوم المحامون بدورهم في الدفاع عن موكليهم وإثارة كل إخلال وعلى القضاء أن يتحمل مسؤوليته في الرد على هذه الدفوعات، فإذا كانت وجيهةً هو ملزم بالاستجابة، وإذا كانت غير وجيهة فعليه تبرير قراره.
وعن طول انتظار راشد الغنوشي، قبل التحقيق معه، قال بودربالة إن القضايا التي تضم العديد من الأشخاص مع بعضهم يتم فيها استدعاؤهم في توقيت واحد، ويتم انتظار المشتبه به الأول حتى يكتمل الاستنطاق مضيفاً: "الانتظار مفهوم نظراً لحجم القضية، وقيل إن الملف ضخم جداً وعلى المحقق التحرّي في تفاصيل الملف وتالياً المسألة تستغرق الكثير من الوقت".
كما لفت المتحدث إلى غياب ثقافة احترام الوقت في تونس، وإلى أنه يفترض استدعاء الشخص في ساعة معينة والتحقيق معه في تلك الساعة، لكن هذا يحدث في جميع القضايا وليس في قضية التسفير فقط.
جدير بالذكر أنه بعد اندلاع الثورة التونسية والإطاحة بنظام زين العابدين بن علي، تفشت ظاهرة التحاق الشباب التونسي ببؤر التوتر في سوريا وليبيا والعراق للقتال، وقدّرت منظمات حقوقية أن عدد الشباب التونسي الذي غادر البلاد للقتال في هذه البلدان يُقدَّر بالآلاف.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...