اندثر الملوك والسلاطين كلهم، وبقيت خزائن مجوهراتهم التي تزيّنوا بها وتباهوا، فإيران تحتفظ بواحدة من أندر كنوز المجوهرات حول العالم التي أبدعتها أنامل الفنانين.
بحَيرةٍ، يقول خبير المجوهرات الغربي تيفاني، في حواره مع صحيفة "ستار الكندية"، قبل 56 عاماً: "المجوهرات الملكية البريطانية لافتة للنظر كما المجوهرات الروسية والتركية، ولكن في عالم اليوم مجموعة المجوهرات الملكية الإيرانية أسطورية ورائعة من حيث الجودة والمقدار. وكلما نظرت إلى الصور التي أمتلكها لها، لا أصدّق كمية الجواهر التي في حوزتها".
لا توجد معلومات دقيقة حول كنوز الملوك حتى قيام الدولة الصفوية في القرن الـ15 ميلادي، وبعد ذلك اهتم سلاطين الشيعة بجمع الكنوز والأحجار الكريمة والذهب والفضة، وهذا ما أكده الرحالتان الفرنسيان اللذان زارا إيران في القرن السادس عشر، جان شاردان، وجان بابتيست تافيرنييه.
ليس السمع كالمشاهدة، ولا بد من زيارة متحف المجوهرات للوقوف على التفاصيل الفنية الإبداعية في التيجان، والعرش، والسيوف المرصعة، والمسكوكات، والآواني الذهبية، والشمعدان، وعشرات الأشياء الأخرى المزيّنة بالأحجار الكريمة
كما صرّح هؤلاء بأن ملوك إيران صبّوا جلّ اهتمامهم على جلب المجوهرات الهندية والعثمانية والفرنسية والإيطالية إلى مدينة أصفهان، عاصمة الدولة الصفوية.
وعند قيام الدولة الأفشارية سنة 1739، غزا مؤسسها نادر شاه أفشار الهندَ، واستعاد بعض المجوهرات المسروقة من إيران قبل سنوات، وأضاف إليها غنائم أخرى من الحلي الهندية.
زيّنت ملوك إيران وإنكلترا معاً
بعد اغتيال نادر شاه أفشار، سُرقت خزانة الدولة من جديد على يد أحد قادة الجيش، ومن ضمن هذه المسروقات التي تم الاستيلاء عليها في القرن الثامن عشر، قطعة ألماس تُسمّى "جبل النور"، إذ كانت أكبر القطع حجماً في العالم، ويبلغ وزنها 105 قراريط، أي ما يعادل 21 غراماً.
خرجت ولم تعد حتى اليوم، ثم استحوذت عليها شركة الهند الشرقية، وبعد ذلك أهدتها إلى الملكة فيكتوريا في سنة 1877، وأصبحت جزءاً من الخزانة الملكية البريطانية حتى اليوم، إذ يُحتفظ بها اليوم مع بقية المجوهرات في برج لندن في القصر التاريخي على الضفة الشمالية لنهر التايمز.
بعد وصول القاجاريين في نهاية القرن الثامن عشر إلى السلطة، لم يتغيّر الكثير في كنوز مجوهرات الملوك، وفي عهد مظفر الدين شاه القاجاري، تمت فهرسة المجوهرات بشكل دقيق لأول مرة.
جاء دور السلالة البهلوية في العقد الثالث من القرن العشرين، فأمر مؤسسها رضا شاه بهلوي، بأن يُصنع له تاج مختلف لمراسيم التتويج في سنة 1926، وأطلق على تاجه: "التاج البهلوي".
قرر البرلمان الإيراني بعد عشر سنوات من حفل التتويج ذاك أن يتم إيداع معظم المجوهرات الملكية في البنك الوطني كدعم للعملة الإيرانية، ومع تأسيس البنك المركزي في سنة 1960، انتقلت الخزانة إليه وما زالت محفوظةً فيه حتى اليوم، كما يُعرض جزء منها في متحف المجوهرات التابع للبنك.
ليس السمع كالمشاهدة، ولا بد من زيارة متحف المجوهرات للوقوف على التفاصيل الفنية الإبداعية في التيجان، والعرش، والسيوف المرصعة، والمسكوكات، والآواني الذهبية، والشمعدان، وعشرات الأشياء الأخرى المزيّنة بالأحجار الكريمة، حيث تتوزع على 37 جناحاً في المتحف، وأهمها:
تخت الطاووس
صنع الفنانون في مدينة أصفهان التخت المرصّع، بأمر من فتح علي شاه القاجاري سنة 1801، وسُمّي بـ"تخت خورشيد"، أي الشمس، إذ كان يمتلك مرآةً على هيئة الشمس.
ولكن بعد أن قضى الشاه ليلة زفافه على تخت خورشيد مع إحدى زوجاته الـ169، واسمها طاووس الملقّبة بتاج الدولة، وهي في الخامسة عشرة من عمرها، قرر أن يطلق على التخت الذي جمعه بهذه الصبية "تخت طاووس"، وذلك في سنة 1809، ليبقى الاسم متداولاً حتى اليوم، وهو اسم لشارع كبير في وسط طهران.
تربّع الملوك جميعهم من بعده على التخت، المصقول والمنقوش والمطرز بـ22 ألف قطعة من الأحجار الكريمة، وتفاصيلها كالتالي: 1،444 قطعة ألماس، و1،431 من الزمرد، و885 من الياقوت، و797 من حجر اللعل، و4،527 من بقية الأحجار الكريمة وشبه الكريمة. كما كُتبت أشعار في ثناء ملوك القاجار على جنبات التخت، وهناك نقش التنين تحته.
التاج الكياني
قبل أن يأمر فتح علي شاه، ثاني ملوك القاجار، بصناعة عرش الطاووس، كان قد طلب تاجاً ملكياً في سنة 1797، ليبقى تاج سلاطين القاجاريين حتى نهاية حكمهم.
بعد دخول الإسلام إلى إيران، كان تاج السلاطين عبارةً عن عمامة تُسمّى "جِقِه"، مطرزة بالريش والأحجار الكريمة كما هو الحال في الدولة العثمانية وبقية المماليك الإسلامية، فهكذا صُنع التاج الكياني. وفي عهد رابع ملوك القاجار ناصر الدين شاه، تم تغيير العمامة، وأضيفت إليها أعداد أخرى من الزمرد والألماس والريش، وحصل تغيير في تركيبة هذه الأشياء في التاج. وأخذ رسم التاج يُطبع على العلم الإيراني، والعملات النقدية وأوسمة الشرف والطوابع.
ألماس بحر النور
هي من أغلى قطع الألماس وأفخمها، وتشتهر بأنها أكبر قطعة حول العالم من الألماس وردي اللون، كان قد جلبها معه كغنيمة حربية، نادر شاه أفشار في غزوته للهند.
ووفقاً لآخر مرة تم فيها وزنها في آذار/مارس 2016، وصل ثقلها إلى 57/ 180 قيراطاً، أي ما يعادل 36 غراماً. ولونها الوردي الخفيف واحد من أندر الألوان في الألماس اللامع.
كان ناصر الدين شاه القاجاري، يعتقد بأن ألماس بحر النور، التي امتلكها سنة 1848، عند وصوله إلى العرش، جوهرة من جواهر تاج الملك كوروش، أحد أشهر ملوك الفرس ما قبل الإسلام.
لذا اهتم كثيراً بها، وكان يضعها على ذراعه، ثم أمر بأن يُصنع لها إطار مصغّر مزيّن بالشارة الملكية (الشمس والأسد)، وقد أضيفت إلى إطارها 457 قطعةً من الألماس، و4 من الياقوت صغيرة الحجم.
تاج الملك وتاج الملكة
عندما احتلت روسيا وبريطانيا، إيران، في أعقاب الحرب العالمية الثانية، فرّ رضا شاه من البلاد إذ كان يتضامن مع الزعيم الألماني هتلر، سنة 1941، وتربع ابنه محمد رضا (22 عاماً)، على العرش مكانه، لكن الاحتلال والفوضى اللذين كانا يعمّان البلاد وقفا حاجزاً دون إقامة حفل تتويجه.
لا تقتصر قيمة المجوهرات الإيرانية على قيمتها الاقتصادية، ولكنها تُعدّ احتياطي خزينة الدولة والداعم الرئيس لاقتصاد البلاد. ومن الناحية المهنية، لا يمكن لنخبة خبراء المجوهرات في العالم أن تسعّر تلك الخزانة، وإن تقريبياً
وبعد 26 عاماً، قرر الملك أن يقيم حفلاً ملكياً ضخماً لنفسه، ويتوَّج بالتاج البهلوي الذي كان على رأس والده لفترة 16 عاماً، وقد صُنع هيكل هذا التاج المخملي الأحمر، من الذهب والفضة، وجاء على غرار تيجان ملوك الساسانيين ما قبل عهد الإسلام، وليس كما كان في عهد ملوك الصفويين والقاجاريين والأفشاريين، ويصل وزنه إلى نحو 2،080 غراماً، ويحتوي على 3،755 قطعةً من الألماس والزمرد والياقوت والمرواريد.
كما أمر الشاه قبل إقامة الحفل سنة 1967، بصناعة تاج لزوجته فرح، باستخدام مجوهرات الخزانة الملكية، وكان ذلك حدثاً نادراً لم يشهده تاريخ إيران من قبل، حيث تم تتويج زوجة الشاه بتاج ملكي رسمي كما الملك. لذا قرر أن يتم التصميم من قبل شركة "فان كليف آند آربيلس"، بيد أن القانون الإيراني لا يسمح بخروج ممتلكات الخزانة إلى خارج البلاد، فأرسلت الشركة الفرنسية طاقمها إلى طهران ليعمل على صناعة تاج الملكة في فترة زمنية امتدت حتى 6 أشهر.
تفاصيل التاج كالتالي: على قبعة مخملية خضراء من اليشم، جاء التطريز بالذهب الأبيض، ثم زيّنته 38 قطعةً من حجر الزمرد، و34 من الياقوت، و105 من المرواريد، و1،446 من الألماس. أما واجهة التاج، فكانت قطعةً من الزمرد سداسية الشكل من 150 قيراطاً (30 غراماً)، ويُعدّ اليوم من أجمل وأرقى ما يمتلكه متحف المجوهرات.
لا تقتصر قيمة المجوهرات الإيرانية على قيمتها الاقتصادية، ولكنها تُعدّ احتياطي خزينة الدولة والداعم الرئيس لاقتصاد البلاد. ومن الناحية المهنية، لا يمكن لنخبة خبراء المجوهرات في العالم أن تسعّر تلك الخزانة، وإن تقريبياً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 5 أيامtester.whitebeard@gmail.com