انخرطت المرأة البحرينية في العمل، وتحديداً في القطاع الخاص، في خمسينيات القرن الماضي، ثم بدأت في امتلاك سجلات تجارية والمنافسة في مجال ريادة الأعمال في الستينيات وصولاً إلى تشكيل ما نسبته 32.8% من جملة العاملين في القطاع الخاص بالبلاد وامتلاك نحو 39% من السجلات التجارية الفردية، وفق إحصاءات عام 2016.
مع ذلك، ما يزال عمل المرأة محل نقاش بل يواجه معارضة قوية وتحريضاً من عدد كبير من الدُعاة والمشايخ وأتباعهما بذرائع بدائية وأبويّة مكرّرة من قبيل أن عمل المرأة يزيد نسب البطالة بين الشباب ويؤثر على تربية الأبناء ويؤدي إلى زيادة معدلات الطلاق… إلخ.
وفي أحدث موجة من التحريض ضد عمل المرأة في البحرين، وصف الشيخ أحمد الساعي عمل المرأة بأنه شكل من أشكال "البطر" أي التكبّر على النعمة حتى تزول، وذلك في خطبة اللية الـ17 من شهر رمضان.
قال الشيخ: "أدري الكلام يزعج، والكلام موجع ربما في بعض الأحيان بس ما جاي أصفي قلوب، أنا جاي أتكلم بما يرضي الله وأكشف مشاكل اجتماعية وحقيقية موجودة عندنا. وأعيد وأكرر أجول بدون حاجة… أخرجنا المرأة من بيتها وجئنا بها إلى سوق العمل… بطر".
زعم أنهن يعملن "بدون حاجة" للإنفاق على "الرفاهيات"… أحد الشيوخ يحرّض ضد عمل المرأة في #البحرين، ويصفه بأنه "بطر" ويتسبب في "بطالة الذكور"، ومغردون يذكرونه بالمرأة المعيلة والكادحة وبحق النساء في العمل عموماً
واستفاض يسأل ويجيب نفسه: "أنا محتاج مهندسات؟ أنا محتاج محاسبات؟ أنا محتاج طبيبة، أنا محتاج أخصائية اجتماعية، أنا محتاج باحثة اجتماعية، أنا محتاج إلى صيدلانية، أنا محتاج إلى ممرضة، أنا محتاج إلى خيّاطة، أنا محتاج إلى طبيبة نفسية… أنا محتاج مو مو محتاج ولكن ما محتاج ابني عنده أولاد اثنين، حامل الـc.v. ومن شركة إلى شركة وكل ما يأتي إلى شركة طلب له محاسبة. وعنده أولاد يصرف عليها، وعنده زوجة. وهذي الأخت ماخدة الـ600 دينار راتب وجاعدة خلف هذا الكرسي محاسبة وهي ما محتاجة".
وزعم الشيخ أن المرأة تعمل لأجل الإنفاق على الرفاهيات على غرار "قسط سيارة أحدث موديل، وكشختها، وسفرتها إلى تركيا" - على حد وصفه - بينما ترفض المشاركة في نفقات المنزل والمعيشة، قائلاً إن هذا هو "البطر".
وعدّد الشيخ الوظائف التي يزعم أنه ليس من الضروري أن تعمل فيها النساء، ومن بينها وظائف المطار، وعرج على مصير الأبناء في فترة دوام المرأة العاملة، زاعماً أن "فطرة وخلقة وتكوين الطبيعة" أن تتولى المرأة رعاية الأطفال. وخلص إلى أن عمل المرأة دليل على "لعبنا في المنظومة الاقتصادية، لعبنا في المنظومة الاجتماعية. أخذنا هذه الوظائف، بدل ما ابني وابنك المهندس والمحامي والمحاسب إجت (المرأة) أخدتها. أنا مو محتاج هاي الموظفة".
"تستحق النساء في وطننا الإنصاف"
على إثر حديث الشيخ الساعي، دار سجال واسع في البحرين عن عمل المرأة. دافع العديد من الشيوخ والأتباع عن حديث ومزاعم الساعي بل وصفوا كل من اعترض عليها وانتقده بأنه "لا ديني". في المقابل، استنكر الكثير من الأشخاص العودة إلى مثل هذا النقاش البدائي في حين أن المجتمع بحاجة لتضافر جهود جميع مواطنيه للتقدم.
حتّى بعض أولئك الذين رفضوا حديث الشيخ ووصفوا تشبيهه بأنه خاطئ، طرحوا تساؤلات من قبيل: "متى يُصنف عمل المرأة بأنهُ بطر على المستوى المعيشي في البحرين؟ هل مجرد كونها متزوجة والرجل يصرف عليها لا يحق لها العمل؟ ولو كانت المرأة ثرية، فهل شرعاً لا يحق لها العمل؟".
"عمل المرأة ليس ترفاً بل ضرورة وحاجة في أغلب الأحيان، بيوت قائمة على عمل المرأة بجانب زوجها أو أبيها... متى تتغير نظرتنا للمرأة ولا نستصغرها؟" في #البحرين
على الجانب الآخر، أوضح منتقدو الشيخ الساعي أن ما "أخرج المرأة للعمل هو حاجة المجتمع الملحة لمدرسات وطبيبات وممرضات وبائعات لتلبي حاجة المرأة الأخرى، وفي صدر الإسلام كانت النساء يطببن الجرحى في الحروب"، مشددين على أن عمل المرأة ليس سبباً للبطالة المتفشية في أوساط الشباب.
ورد صالح الدرازي على هذا النقاش ساخراً بقوله: "مو كأنه السيدة خديجة كانت تعمل بالتجارة؟ هل طلع أحد قال لها اشتغلي مربية ولا تزاحمين الرجال في التجارة؟ وهل طلع أحد يدقق عليها قاعدة تصرف فلوسها على شنو؟".
وانتهز البعض الفرصة للتعبير عن الفخر بعمل النساء في محيطه ودورهن في المجتمع. من هؤلاء الناشط المعني بمراجعة الموروث الفكري والسياسي نادر عبد الإمام الذي غرّد: "أفتخر أن زوجتي تعمل وبناتي يعملن، ويساعدن في تحمل تبعات مشقة الحياة. عمل المرأة ليس ترفاً بل ضرورة وحاجة في أغلب الأحيان، بيوت قائمة على عمل المرأة بجانب زوجها أو أبيها... متى تتغير نظرتنا للمرأة ولا نستصغرها؟".
وفي تغريدة مطوّلة عبر تويتر، خاطب الصحافي البحريني فيصل هيات الشيخ الساعي قائلاً: "شيخنا الفاضل، من حق المرأة أن تعمل وتكسب رزقها حتى لو كان زوجها رجل أعمال، أو مليونيراً، تماماً مثل حقها أن تنفق كسبها بالطريقة التي تريد، بالسفر أو غيره من كماليات طالما أنها لا تؤذي أحداً ولا تنتهك حق أحد. وكل هذه المعطيات لا تحملها مسؤولية ولو صغيرة في بطالة ولو رجل واحد".
وسأل هيات الشيخ: "هل تعلم أن هناك العديد من النساء مضطرات إلى الرضوخ لحياة بائسة تفتقد كل مقومات الأسرة مع أزواج يسيئون معاملتهن مستغلين أن هذه الشريحة من النساء لا تملك خيارات، فلا ملجأ لهن لو قررن الدخول في معارك الطلاق؟ والسبب إنهن بلا عمل! بلا مصدر للرزق! كيف ستعيش وتنفق حتى لو نالت الطلاق وبيت أهلها إما يرفضها أو مكتظ، لا مكان لها فيه حرفياً! أيمكن لأحد أن يتخيل مقدار الضغط الذي يعيشه إنسان لا يملك خياراً واحداً ينقذه من بؤس يغمره؟".
وبينما شدد على أن "الغالبية العظمى من النساء العاملات هن شريكات فعليات بكل دخلهن في سبيل مواجهة متطلبات الحياة التي تضغط كل الأسر"، أضاف هيات أن المرأة "تشقى في عملها لساعات وتعود لاستكمال مشوار آخر من الاستنزاف في البيت، طبخ وكنس وغسل ملابس، وتتحسر على موسم سفر تلتقط فيه أنفاسها!".
وختم الصحافي البحريني بحث الشيخ: "شيخنا الفاضل، تستحق النساء في وطننا الغالي مساحة من بحوث المشايخ والخطباء لإنصافهن وجبر الضرر الواقع عليهن، زوجات ومعلقات ومطلقات… لأن معاناة العديد منهن لا يقبلها منصف مثلكم".
وصفت بأنها "قوانين تافهة" وتؤدي إلى "خراب المجتمع"... مجلس النواب في #البحرين يفشل في تمرير تعديلات على قانون الحماية من #العنف_الأسري بسبب مخاوف من أن تفتح باباً لـ"العقوق والتفكك الأسري"
حتّى قوانين العنف الأسري "مرفوضة"
بالتزامن، كان هناك نقاش حول اقتراح بإضافة مادة جديدة لقانون الحماية من العنف الأسري الصادر عام 2015 في مجلس النواب البحريني. شهدت النقاشات هجوماً عنيفاً على قوانين مكافحة العنف الأسري والجمعيات المدافعة عن حقوق المرأة واتهامهما بمحاولة "هدم المجتمع البحريني".
تعلّق التعديل بتوصية مقترحة من لجنة الخدمات في مجلس النواب بالموافقة على إضافة مادة جديدة إلى القانون تنص على فرض عقوبة الحبس أو غرامة ألفي دينار (نحو 5300 دولار أمريكي) على كل موظف يتستر على جرائم التعنيف الأسري نجم عنها وفاة أو عاهة مستديمة، بما في ذلك الأطباء أو المعلمون أو الموظفون العموميون الذين قد يتعاملون مع المعنَّف/ة.
من بين أشد المعارضين للمشروع النائب أحمد قراطة، الذي وصف خلال الجلسة قوانين مكافحة العنف الأسري بأنها "تافهة"، مضيفاً "عندما نشرّع قوانين وأنظمة لـ‘خراب المجتمع‘، هذا مرفوض بتاتاً يا معالي الرئيس. هذا القانون يدمّر الأسرة البحرينية وإحنا اللي نطالب فيه الحفاظ على تماسك الأسرة البحرينية".
وزاد قراطة: "الشق الجنائي، نحن مع القانون في الشق الجنائي. لكن الأمور ‘البسيطة‘ يجب أن لا توصل إلى المحاكم ولا إلى مراكز العنف الأسري. فيجب أن يكون هناك تفريق بين الجانبين"، معتبراً أن عدد حالات العنف الأسري التي تعاملت معها السلطات - 3000 حالة - "موب أطباع ولا عادات ولا تقاليد المجتمع البحريني".
النائب جميل ملا حسن هو الآخر طالب بسحب مشروع القانون زاعماً أنه "يفتح المجال للعقوق والتفكك الأسري"، ومتباهياً "المجلس الموقر كله من جيل الطيبين، وتكرمون كلنا ضربنا بالزنوبة والعصي".
في المقابل، ردت النائبة إيمان شويطر بالتأكيد على أن العنف الأسري ظاهرة موجودة في المجتمع البحريني وبحاجة إلى قوانين حازمة للتعامل معها، موضحةً أن قوانين العنف الأسري لا تعمل لصالح المرأة فقط وإنما تحمي الرجل من عنف المرأة أيضاً والآباء من عنف الأبناء وغيرها من الحالات.
كما رفض وزير مجلسي النواب والشورى غانم البوعينين وصف قانون الحماية من العنف الأسري بـ"التفاهة"، مذكّراً بأنه صدر عام 2015 وأقرته السلطة التشريعية وصادق عليه الملك البحريني.
انتهى الجدل في نهاية المطاف بموافقة مجلس النواب على توصية لجنة الخدمات بسحب تقريرها بشأن إضافة مادة جديدة برقم (17 مكرراً) إلى القانون رقم (17) لسنة 2015 لمدة أسبوعين.رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Ahmad Tanany -
منذ يومتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياملا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ 6 أيامأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه