تجلس قريبتي في وسط غرفة الجلوس، تنظر إلى الجدران وتمصمص شفتيها غير راضية. تنظر إلى وتشير بيدها وتسأل: "هو أنتي مغسلتيش الحيطان بالميه والصابون؟". نظرت إليها ولم أعرف كيف أرد. هل تُغسل الجدران بالصابون؟ أزاحت عينيها عني لتركز على السجاد وتقلب شفتيها قائلة: "السجاد مغسلتهوش كمان".
يعاني الكثير من الأشخاص، نساءً ورجالاً، في بلادنا من "هوس النظافة المرضي" والتباهي في المناسبات العامة، فتجد المرأة قبل حلول الأعياد وفي المناسبات الخاصة وقبل استقبال الزوار تقوم "بهدم البيت وبنائه" من جديد، وتعلن حالة الطوارئ ويعاني بسببها كل أفراد المنزل، وكل ذلك لأنها قرّرت فجأة أن تجعل بيتها لامعاً، وكأن من يأتي سيكافئها على تعبها، بل وسيمنحها كأس النظافة.
نظافة العيد
"خلصتي نظافة الشقة؟ غسلتي السجاد؟ لمعتي الخشب والموبيليا؟ حماتك هتعايب عليكي... أخت جوزك هتشبعك تريقة". كل هذه الجمل تردّدها النساء قبل حلول الأعياد. تبدأ المرأة بشحن طاقتها والبدء في قلب البيت رأساً على عقب، وتغيير نظامه بالكامل وإخراج الأطقم المخبئة في الدولاب، فتخشى الزوجات، وخاصة الجديدات منهن، من الإهمال أو التقصير حتى لا يتعرّضن للتلسين واللوم من قبل عائلتها وعائلة زوجها التي لا ترحم، فلا تترك مكاناً إلا ودعكته، تغسل ما يُغسل وما لا داعي لغسله من الأساس. تمر على كل ركن في المنزل حتى تنظفه ليلمع وتنجح في هذا الاختبار الصعب الذي تتعرض له عند زيارة الأهل.
"خلصتي نظافة الشقة؟ غسلتي السجاد؟ لمعتي الخشب والموبيليا؟ حماتك هتعايب عليكي... أخت جوزك هتشبعك تريقة". كل هذه الجمل تردّدها النساء قبل حلول الأعياد
عادات نسائية متبادلة تزيد من مشقة المرأة وتعبها في العام أكثر من مرة، فهناك نظافة عيد الفطر وعيد الأضحى ورمضان، إلى جانب الأفراح والمناسبات. يأتي رجل متحذلق أو امرأة مسنة لتنظر بعينيها، وتكاد تمرّر قطنة مبلولة على كل مكان لتعرف إن كان المنزل نظيفاً كما ينبغي أم لا. وتشكر صاحبة المنزل ربها عندما تنتهي الزيارة وتفكر- خطأ- أنها بهذه الطريقة رفعت رأسها وشرّفت زوجها بين الأقارب والأهل، وإن كان على حساب تكسير عظام وفقرات ظهرها الذي يظل يؤلمها لأيام بعد ذلك بسبب هذا العبث والجنون.
تنظر إلى المرأة لتسالني ثانية: "مغسلتيش السجاد؟". لم أجد مشكلة هذه المرة من أن أخبرها أن لا وقت لدي، وأنني لا أعاني الهوس من ضرورة أن يلمع كل شيء في منزلي، وأنني أكتفي أحياناً بأن أمرّر المقشة على السجادة لأتخلص من بقايا الطعام التي يخلفها الأولاد وراءهم. لا تقتنع المرأة فأقرّر ألا أهتم، ولما أضع حياتي رهن حكم امرأة تظن أن لديها "كارد" الخبرة الذي يسمح لها بتمرير النصائح التي قد لا تتفق معي ولا تناسبني؟
لم أقتنع أبداً أن بيتي يجب أن يلمع من النظافة، ولن أقوم يوماً بإضافة المزيد من الأعباء عليّ لمجرد أن أترك صورة جيدة لدى بعض الزوار الذين لا أهتم برأيهم في شخصي أو في بيتي، ولا أريد أن أنال رضاهم، ويكفيني الحد المناسب من التنظيف الذي لا يرهقني ويجعلني أعاني طويلاً.
حق التدخّل
تسأل صديقتي في غيظ "هو لازم أطلع السلم ألمع النجف، وهو حد هيبص لفوق أوي كده؟"، أضحك لها وأخبرها: "دول بيبصوا في كل حتة، حتى تحت الكراسي"، يزيد غيظها وخاصة أنها تشعر بالدوار بمجرد أن تنظر إلى الأعلى. تخبرني بعد انتهاء زيارة أقاربها أن قريبتها "الحرباء" علقت على كل شيء في منزلها، ولم تترك شيئاً إلا وانتقدته.
يقول زوجي إن هذه عادة جيدة، مستشهداً بحديث رسول الله "النظافة من الإيمان"، والحقيقة أن لا اعتراض عندي على النظافة في حد ذاتها، ولكني اعترض وأرفض التدخل السافر من البعض الذين يعطون لأنفسهم حقوقاً ليست لهم، ويقبلون أن يدخلون كزوار إلى المنزل فقط ليعلقوا على كل شيء ويسخروا، ثم يخرجوا ليعيدوا سرد ما حدث على الغير، قائلين إن صاحبة البيت مهملة، ولا تهتم ببيتها. والحقيقة المرة التي يجب أن نقبلها أننا مهما فعلنا لن نرضيهم، لذلك عزيزتي المرأة، لماذا تحاولين إرضائهم من الأساس؟
رغبة كبيرة في التباهي وإظهار الذات والمنظرة الفارغة في نظر أناس ربما لا يهتمون بك مثقال ذرة. يرتفع ضغطك بمجرد سماعك جملة غير عادلة تعكر عليك صفو حياتك. لما؟ ماذا تحاولين أن تثبتي ولمن؟
لن يرفع لك الآخرون القبعة بعدما تبذلين هذا الجهد الخرافي الذي يجعلك تنامين في السرير. لن يفيدك أن تكوني عند حسن ظن أحد لا يشعر بما تمرّين به، لا يعرف شيئاً عن معاركك الخاصة
قررت منذ فترة طويلة، وتحديداً منذ زواجي، ألا أهتم برأي أحد في أي شيء. نظافة بيتي لي، فهو ملكي، ورأي الآخر مجرد رأي من حقي ألا أستمع إليه لأني لم أطلبه من الأساس. فمن أعطى الحق لأناس غرباء لا يعرفون ما يدور في البيت أن يطلقوا أحكاماً على صاحبته ويزعجوها لمجرد أن يشعروا أنهم الأعلى والأكثر فهماً؟
في صغري، كانت أمي، وما زالت، تهتم بنظافة الحمام كثيراً، أكثر مكان تنظفه في البيت هو الحمام. ورثت منها هذه العادة. عندما كان يأتي الزوار كانت تقول لي وأخوتي: "ادعكي الحمام لحد ما يبقى مراية وشك يبان فيه". في الأيام العادية تهتم طبعاً بنظافته ولكن لا يكون بهذا القدر.
عزيزتي المرأة، اجتماعياً ودينياً وأخلاقياً، ليس من حق أي شخص أن يتدخل في حياتك لينصّب نفسه رئيساً عليك وحكماً. البيت بيتك... مملكتك، أنت فقط من يحق له أن يقرّر ما تفعلين. لن يرفع لك الآخرون القبعة بعدما تبذلين هذا الجهد الخرافي الذي يجعلك تنامين في السرير من التعب لمجرد أن تتركي لديهم صورة جيدة. لن يفيدك أن تكوني عند حسن ظن أحد لا يشعر بما تمرّين به، لا يعرف شيئاً عن معاركك الخاصة. معاركنا التي لا تحتمل أن نزيد عليها هوساً جديداً يأخذ من راحتنا وينتقص من ثقة غالية بالكاد اكتسبناها بمرور السنوات.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
علامي وحدي -
منذ ساعة??
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 21 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون