شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

انضمّ/ ي إلى ناسك!
من قال لكم إن اللهُ يحبّ المرأة المُهانة؟!

من قال لكم إن اللهُ يحبّ المرأة المُهانة؟!

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

رأي نحن والنساء

الثلاثاء 14 مارس 202311:44 ص

من قال لكم إن اللهُ يحبّ المرأة المُهانة؟!

استمع-ـي إلى المقال هنا
Read in English:

Who said God likes women humiliated? The divine myth that traps Arab women

كنت في الجامعة عندما سمعت زوج جارتنا يشتمها بأبيها "منادياً"، بينما كانت تقف مع أمي في مدخل بيتنا. فوجئت بها وقد وقفت لتلبي نداء الزوج الذي كرّره أكثر من مرّة. سألتها أمي وقالت: "هو لسانه طويل ليه كده؟"، ضحكت الجارة وأخبرتها: "دا دلع مش شتيمة... باخد ثواب".

الأمر يتكرّر من وقت إلى آخر. مؤخراً سمعته يناديها قائلاً: "يا جاموسة"، فما كان مني إلا أن قلت لها أن تطلب من زوجها ألا يعاملها بهذا الشكل، ولكنها أخبرتني بكل قناعة أنها اعتادت على هذه الطريقة وأن صبرها عليه هو مفتاح جنّتها المنتظرة.

ما يحدث لم ألاحظه مع جارتنا فقط بل مع العديد من النساء، وخاصة في محيطنا القروي. هناك تقتنع المرأة- أو يجعلها أهلها تقتنع- أن الصبر على إيذاء الزوج واجب، بل مطلب إلهي يضعه الله شرطاً لدخول الجنة. فضرب الزوج وسبّه وتقصيره في حق الزوجة هو ابتلاء، ويجب أن تتلقى المرأة هذا الابتلاء بقلب مفتوح ووجه باسم، وعليها أن تنسى كرامتها لتكون من أهل الخير ومن النساء الفاضلات اللاتي يرضين بقدرهن مهما كان مُرّاً.

تقتنع المرأة، أو يجعلها أهلها تقتنع، في محيطنا القروي، أن الصبر على إيذاء الزوج واجب، بل مطلب إلهي يضعه الله شرطاً لدخول الجنة

خلط الأوراق

تتعرّض المرأة في مجتمعنا العربي للإهانة بكثير من الطرق، إما عن طريق الزوج أو الأب أو الأخ أو العم وغير ذلك. ولكن أكثر ما يثير الاشمئزاز هو محاولة إضفاء صفة شرعية وإلهية لمثل هذه السلوكيات التي يقوم بها الرجال، مثل أن يحاول البعض إقناع المرأة أن تسكت على ضرب الزوج لها لأن من حقه ضربها، وأن صبرها على إيذائه هو ما طالبها الله به، وأن الله لن يرضى عليها بل سيمقتها إذا حاولت أن تتمرّد أو تترك بيتها أو تطلب الطلاق، في حين أن كل ما عليها فعله هو الانتظار مكتوفة الأيدي وهي تدعو الله أن يرفع عنها البلاء، وكأن الله يحب ويرضى فقط عن المرأة المنكسرة،  المغلوبة على أمرها والتي لا تملك حق تقرير مصيرها.

منذ سنوات وأنا أتساءل من المسؤول عن كل هذه المفاهيم المغلوطة المتعلقة بالدين والتي تتعلق بالمرأة.

قريبة لنا سمعتها مرة تجلس مع والدتي تشكو ضرب زوجها لها. كانت المرأة المسكينة ترفع عنها ثوبها لتسمح لأمي أن ترى علامات الضرب على جسدها، وكانت أمي تبدو عليها علامات الكره والضيق، توقعت وقتها أن تطلب منها أن تذهب إليه وتطلب الطلاق وترفض أن تعيش معه ثانية، ولكن ما حدث صدمني حقاً. بدأت أمي في تهدئة المرأة، أخبرتها أن الكثير من النساء يتعرّضن للضرب وأن هذا شيء يفعله الأزواج كل يوم. وبدأت تحدثها عن جزاء الصبر والنعيم الذي ينتظر المرأة الصابرة على زوجها، وأن الله سوف يردّ لها حقها ولو بعد حين. وأنها يجب أن تتحمّله ولها عظيم الثواب. ولا أعلم كيف اقتنعت المرأة بكلام أمي، وذهبت وهي تدعو الله أن يهدي زوجها كما طلبت منها أمي.

"ماذا سيحدث لو لم يهدِ الله زوجها أبداً؟"، هذا ما كنت أفكر فيه وقتها. هل تظل المرأة المسكينة باقية مع الرجل الوقح وتدعو له خائفة أن تعلن اعتراضها بأي صورة خوفاً من العقاب الإلهي، في حين أن زوجها في نظر الجميع "يفعل ما يفعله أغلب الرجال"، أليس هو الأولى بلعنات الله المنتظرة التي تخاف منها بعض النساء عبثاً؟

حرام على المرأة فقط

ما يحدث رأيته أمام عيني أكثر من مرة. يذهب أبي لجلسة صلح مع بعض الرجال لفك شجار زوج مع زوجته. أعلم من أمي أن الزوج شتم الزوجة وضربها، وفي مرّة سرق منها أموالها. أتوقع أن يكون نهاية المجلس حكماً يمنح المرأة حق تقرير مصيرها ويجرّم ما فعله الرجل، ولكن يحدث العكس. يعترف الرجل ربما أنه غضب، ولكن بأي حال لن تعلق له المشنقة بسبب خطأ صغير كضربه لزوجته.

تذهب المرأة مع الزوج بعد أن يعد ألا يكرّر فعلته ولكنه يكرّرها، وبعد أن يجلس معها الأب والأم وربما شيخ القرية لينصحوها، قائلين لها كلمات مثل: "الصبر ضياء... بيتك هو مملكتك حافظي عليها بكل جهدك، لا تسمعي للشيطان، تحملي الظلم، يا بخت المظلوم الله يرد له حقه، كل الرجال واحد...".

كل ما على المرأة فعله هو الانتظار مكتوفة الأيدي وهي تدعو الله أن يرفع عنها البلاء، وكأن الله يحب ويرضى فقط عن المرأة المنكسرة،  المغلوبة على أمرها والتي لا تملك حق تقرير مصيرها

لم أقتنع أبداً بهذا الكلام يا الله، ولا أعرف من الذي نسبه إليك، في حين أنك تحب المؤمن القوي والعزيز. ألا يحب الله المظلوم الذي يأخذ حقه في الدنيا بيده ويقتص لكرامته ولا يرضى بالإهانة؟ أيجب على المرأة أن تنتظر الآخرة لتعيش السعادة التي تتمناها؟ أيصبّ الله عليها لعناته لو انفصلت عن زوج يهينها أملاً في أن تلتقي بآخر مناسب يحقق لها السعادة؟

في مرة تناقشت مع شقيقتي حول ذلك بعدما تم صلح قريبة لنا على زوجها الذي كان يسبها ويبخل عليها حتى بالطعام هي وأولادها وتأخذ من بيت أبيها، وقالت لي أختي: "ماذا تريدين من بشر لا يتذكرون إلا الحديث القائل: (لو كنت آمراً أحداً أن يسجد لأحد لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها)، ولا يتذكرون أي شيء آخر ويحرفون المعنى على مزاجهم".

يا الله ما هذا الظلم؟ ألا تعيش النساء على الأرض مثل الرجال، وينتظرن جنة الآخرة فقط والتي يكون ثمنها المهانة والإيذاء؟

منذ سنوات وأنا أتساءل من المسؤول عن كل هذه المفاهيم المغلوطة المتعلقة بالدين والتي تتعلق بالمرأة. مِن مصلحة مَن أن تظل النساء خانعات، راضيات بالفتات من أجل لقمة يضعها الرجل أمامهن وفقاً لهواه؟ مَن المستفيد من انتشار وسيادة هذه المفاهيم المغلوطة عن الثواب والعقاب والجنة والنار، وعن ربط المرأة بها على الدوام وتقييدها، في الوقت الذي فُتح فيه الباب للرجل على مصراعيه دون حساب؟


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.



* يعبّر المقال عن وجهة نظر الكاتب/ة وليس بالضرورة عن رأي رصيف22

رصيف22 من أكبر المؤسسات الإعلامية في المنطقة. كتبنا في العقد الماضي، وعلى نطاق واسع، عن قضايا المرأة من مختلف الزوايا، وعن حقوق لم تنلها، وعن قيود فُرضت عليها، وعن مشاعر يُمنَع البوح بها في مجتمعاتنا، وعن عنف نفسي وجسدي تتعرض له، لمجرد قولها "لا" أحياناً. عنفٌ يطالها في الشارع كما داخل المنزل، حيث الأمان المُفترض... ونؤمن بأن بلادنا لا يمكن أن تكون حرّةً إذا كانت النساء فيها مقموعات سياسياً واجتماعياً. ولهذا، فنحن مستمرون في نقل المسكوت عنه، والتذكير يومياً بما هو مكشوف ومتجاهَل، على أملٍ بواقع أكثر عدالةً ورضا! لا تكونوا مجرد زوّار عاديين، وانزلوا عن الرصيف معنا، بل قودوا رحلتنا في إحداث الفرق. اكتبوا قصصكم، وأخبرونا بالذي يفوتنا. غيّروا، ولا تتأقلموا!.

Website by WhiteBeard
Popup Image