شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ادعم/ ي الصحافة الحرّة!
البرلمان التونسي لا يحب الصحافة في أروقته

البرلمان التونسي لا يحب الصحافة في أروقته

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

سياسة نحن وحرية التعبير

السبت 15 أبريل 202301:04 م
Read in English:

No place for journalists: Tunisia’s parliamentary war on transparency

قرر رئيس مجلس نواب الشعب، إبراهيم بودربالة، يوم 11 نيسان/ أبريل الجاري، تمكين ممثلي الإعلام العمومي والخاص والأجنبي، من تغطية أشغال جلسات النظر في مشروع النظام الداخلي، ابتداءً من اليوم؛ وقد جاء هذا القرار عقب تنديد واحتجاجات واسعة على خلفية قرار منع الإعلام الخاص والدولي من تغطية الجلسة الافتتاحية والجلسة العامة.

وقد اكتسى تعامل البرلمان التونسي الجديد المنتخب من قبل 10 في المئة من الشعب التونسي، طابعاً غير ودّي مع الإعلام، منذ تنصيبه وانعقاد جلسته الافتتاحية، وقد تفاجأت وسائل الإعلام يوم 13 آذار/ مارس 2023، بمنع جميع الصحافيين من تغطية أنشطة الجلسة كما المعتاد، في "ضرب واضح لحرية الصحافة وإقصاء منهجي وواضح لحق الشعب في متابعة مجريات الجلسة بصفة آنية وعلنية، برغم أهمية هذا الحدث"، وفقاً للصحافيين.

وفتح مجلس نواب الشعب أبوابه لاستقبال النواب الجدد، بعد إغلاق دام سنةً وثمانية أشهر، تبعاً لقرارات رئيس الجمهورية قيس سعيّد، القاضية بتعليق أشغال البرلمان السابق والمرور إلى انتخابات تشريعية ينظّمها قانون انتخابي جديد. لكن هذه الأبواب ظلت موصدةً في وجه وسائل الإعلام المحلية والأجنبية، وهو ما أثار العديد من التساؤلات حول أسباب هذه الممارسات الإقصائية غير المبررة تجاه الإعلام، ودوافع سياسة التعتيم على الرأي العام التي تنتهجها السلطة التشريعية.

خطأ من؟

على الرغم من اعتراف رئيس لجنة النظام الداخلي في البرلمان عماد أولاد جبريل، بأن منع الصحافيين من مواكبة أشغال الجلسة الافتتاحية خطأ مجهول المصدر، وتعهّده بأن يكون لجميع وسائل الإعلام ومكونات المجتمع المدني، الحق في الولوج إلى قبة البرلمان، والتشديد على أن المجلس لا يعمل في غرف مظلمة، فإن رئاسة مجلس نواب الشعب كانت قد قررت يوم 10 نيسان/ أبريل الجاري، منع وسائل الإعلام الخاصة والأجنبية من مواكبة مجريات الجلسة العامة المخصصة للنظر في مشروع النظام الداخلي وتغطيتها، على أن يتم الاقتصار على تأمين النقل التلفزيوني المباشر عبر التلفزة الرسمية وقناة اليوتيوب التابعة للمجلس ومواكبة تغطيتها من قبل مؤسسات الإعلام العمومي.

"برلمان يخشى الصحافة "

القرار بمنع وسائل إعلام بعينها من متابعة مجريات الأحداث في البرلمان، واجه رفضاً جماعياً وانتقاداً حاداً من قبل العاملين في الصحافة، ومن قبل الجهات المساندة لحرية الصحافة والتعبير، وقد رأت نقابة الصحافيين التونسيين في بيان لها أن هذا القرار "يمثّل خرقاً واضحاً لمقتضيات الدستور التونسي المتعلق بضمان حرية الإعلام والنشر، ويعدّ ضرباً للحق في الإعلام وللنفاذ إلى المعلومة ومبادئ الشفافية والرقابة على أعمال المجالس المنتخبة ويكرّس سياسة التعتيم التي انتهجتها السلطة التنفيذية سابقاً، وتواصل تنفيذها السلطة التشريعية". النقابة لم تكتفِ بالتنديد والرفض بل دعت جميع الصحافيين إلى مقاطعة أشغال جلسة المصادقة على مشروع النظام الداخلي، كما دعت إلى تنفيذ وقفة احتجاجية أمام البرلمان للمطالبة بحق الصحافيين في النفاذ إلى المجلس النيابي.

القرار بمنع وسائل إعلام بعينها من متابعة مجريات الأحداث في البرلمان، واجه رفضاً جماعياً وانتقاداً حاداً من قبل العاملين في الصحافة

بدورها، رأت الهيئة المديرة للجامعة التونسية لمديري الصحف، أن استثناء الصحافيين المنتمين إلى مؤسسات إعلامية خاصة ودولية وتابعة لجمعيات مدنية، من تغطية الجلسات العامة النيابية، قرار لا موجب له، معربةً عن تضامنها مع الصحافيين والمصوّرين المستهدَفين من هذا الإجراء.

من جانبه، أكد عضو المكتب التنفيذي لنقابة الصحافيين التونسيين عبد الرؤوف بالي، أنه "حسب تصريحات رئيس البرلمان إبراهيم بودربالة، في البداية، منع الصحافيين من تغطية أنشطة الجلسة الافتتاحية لم يكن قرار البرلمان بل قرار جهة أخرى"، والمرجح أنه يقصد بها السلطة التنفيذية.

لكن بعد قرار منع الصحافيين من تغطية أشغال الجلسة العامة، تأكد وفق المتحدث أن مكتب البرلمان "ضد وجود الصحافيين بشكل حر ومستقل، وهذا يؤشر على أن مكتب البرلمان يحاول وضع إطار ضيق لتحرك الصحافيين في البرلمان، قبل أن يسمح لهم بالعودة إلى العمل وهي محاولة للتضييق على حرية الصحافة في تونس وتأتي في سياق جملة من المحاولات الأخرى".

وبيّن بالي، في حديثه إلى رصيف22، أن تخوف السلطة التشريعية من الصحافة التي تسائل وتبحث، ومن إصرار الصحافي على البحث عن معطيات متعلقة بأي ملف، كان لافتاً ويشير إلى أن البرلمان قادر على تجميل البث المباشر عبر اليوتيوب أو عبر مواقع التواصل الاجتماعي ويبقى الإشكال بالنسبة إليه هو وسائل الإعلام.

يتهم البعض السلطة التنفيذية بالوقوف وراء قرار منع الصحفيين التونسيين و"الصحفيين الأجانب" 

كما لفت إلى أن الصحافيين المنتمين إلى وسائل إعلام عمومية، كانوا موجودين في الوقفة الاحتجاجية وعبّروا عن رفضهم للإساءة التي وجّهها إليهم رئيس البرلمان، لأن تصريحاته حول الإعلام العمومي تلمّح إلى أنه تابع للسلطة التنفيذية، ورهن إرادتها، وهذه إساءة إلى الصحافيين في القطاع العمومي الذين استاؤوا أكثر من زملائهم الممنوعين من الحضور.

ويرى المتحدث أن منع صحافي من تغطية نشاط البرلمان، شرف للصحافي الحر، لكن الحديث عن الصحافيين العموميين وكأنهم تابعون للسلطة، هو تجريد لهم من صفتهم وتحويلهم إلى كتاب عموميين مثلما تم تحويل التلفزة الوطنية إلى بوق دعاية للسلطة القائمة.

كما يرى أن هناك مساعي لضرب الإعلام العمومي وإدخاله بيت الطاعة لكن الصحافيين أكدوا من خلال مواقفهم أنهم ليسوا إعلاماً تابعاً، بل هم إعلام حر ومستقل ويدافع عن استقلاليته.

البرلمان يتفادى نشر "صورة مسيئة"

تعددت المعطيات حول أسباب إقصاء الصحافيين من تغطية أعمال المجلس، وانتهاج سياسة التمييز بين الإعلام العمومي والخاص، وتضاربت التصريحات حول الجهات التي تقف وراء هذا القرار الهادف إلى تحييد الإعلام ومصادرة حق النفاذ إلى المعلومة والتعتيم على مجريات الأحداث تحت قبة "قصر باردو". إقصاء الصحافيين سابقة في تاريخ برلمانات ما بعد الثورة، دافعه الأساسي تفادي توجيه النقد إلى أداء النواب والتستر على الزلّات الممكن ارتكابها، وهو نابع من خشية بعض الجهات من تكرار تجربة البرلمان السابق الذي اتّسم بالتهريج وتبادل العنف، ورسّخ صورةً سيئةً عن السلطة التشريعية في نظر الشعب الذي انتخب أعضاءه لتمثيله.

تعليلات قرار منع الصحفيين من دخول البرلمان ليست لها أسس قانونية والنظام الداخلي يعطيهم حق ولوج المؤسسة التشريعية 

وأكد الصحافي البرلماني سرحان الشيخاوي، أنه تم منع الصحافيين من دخول مقر البرلمان بتعلّات مختلفة أهمها عدم وجود نص قانوني ينظّم دخولهم، في إشارة إلى النظام الداخلي، لكن هذا المعطى حجة شديدة الضعف لاعتبارات عدة أهمها أن الفصل 62 من مشروع النظام الداخلي الجديد المتعلق بدخول الصحافيين وعلنية الجلسات محل توافق داخل لجنة النظام الداخلي وفي أغلب المجموعات البرلمانية، وتالياً كان يمكن الاعتماد على هذا التوافق للسماح للصحافيين بالدخول.

ويرى الشيخاوي، في حديثه إلى رصيف22، أنه تم الإقرار بدخول الصحافيين تحت ضغط عدد كبير من النواب، وهو ما يؤكد أن دخول الصحافيين إلى مقر البرلمان معطى يتبناه عدد كبير من النواب، وهو ما يجعل من تمرير الفصول المتعلقة بهذا العنصر أمراً يسيراً، لكن الإشكال يبقى في محاولات منع مستقبلية، لأنه حسب بعض التسريبات من داخل البرلمان سيتم تحديد مربعات تحرك الصحافيين داخله كما يمكن أن يتم منعهم من حضور أشغال عدد من الجلسات العامة واللجان بتعلّات مختلفة.

 لا يؤثر على عمل الصحافي بقدر ما يؤثر على حق المواطن في المعلومة

وشدد الصحافي البرلماني، على أن رئاسة البرلمان تخشى نقل صورة مسيئة عن أشغال البرلمان والنواب وهذه الخشية كانت من أبرز أسباب إقصاء الصحافيين لكن كان من الأجدر ضبط سلوك النواب لا منع الصحافيين، فالإشكال يكمن في سوء السلوك وليس في نقله. كما رأى أن منع الصحافيين من دخول قبة البرلمان يتعلق بمحاولة تفادي تكرار الصورة نفسها التي نُقلت عن البرلمانات السابقة والتي كانت سبباً مباشراً في تعميق الهوة بين الرأي العام التونسي والبرلمان كمؤسسة رسمية كان يُفترض أن تكون مساحةً تمثيليةً لإرادة المواطن ومشاغله.

وقد رأى الشيخاوي، أن قرار المنع من تغطية أشغال البرلمان لا يؤثر على عمل الصحافي بقدر ما يؤثر على حق المواطن في المعلومة، لأن الاقتصار على الصورة الرسمية التي تُنقَل على المباشر لا يمكن عدّه نقلاً دقيقاً لأشغال البرلمان لأن الصورة الرسمية قد تخفي تفاصيل أكثر أهميةً ترسم ملامح الصورة الرسمية.

في ظل عدم مصادقة البرلمان على السماح للصحافيين بالولوج إلى قصر باردو، وتغطية جميع أشغاله، فإن إمكانية التضييق على عمل الصحافيين البرلمانيين وارد، خاصةً بعد الشروط التي تحدّث عنها رئيس البرلمان والمتمثلة في تغطية اجتماعية ورواتب جيدة للصحافيين، حتى يتسنى لهم ممارسة نشاطهم في البرلمان.  


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها…

لكن رصيف22، هو صوت الشعوب المضطهدة، وصوت الشجعان والمغامرين. لا نخاف من كشف الحقيقة، مهما كانت قبيحةً، أو قاسيةً، أو غير مريحة. ليست لدينا أي أجندات سياسية أو اقتصادية. نحن هنا لنكون صوتكم الحرّ.

قد لا توافق على كل كلمة ننشرها، ولكنك بضمّك صوتك إلينا، ستكون جزءاً من التغيير الذي ترغب في رؤيته في العالم.

في "ناس رصيف"، لن تستمتع بموقعنا من دون إعلانات فحسب، بل سيكون لصوتك ورأيك الأولوية في فعالياتنا، وفي ورش العمل التي ننظمها، وفي النقاشات مع فريق التحرير، وستتمكن من المساهمة في تشكيل رؤيتنا للتغيير ومهمتنا لتحدّي الوضع الحالي.

شاركنا رحلتنا من خلال انضمامك إلى "ناسنا"، لنواجه الرقابة والترهيب السياسي والديني والمجتمعي، ونخوض في القضايا التي لا يجرؤ أحد على الخوض فيها.

Website by WhiteBeard
Popup Image