بعد انتهاء جولة الانتخابات التشريعية في دورتيها الأولى والثانية، في تونس، بدأ الحديث حول شكل التركيبة البرلمانية المنتخَبة، إذ يستعد مبنى البرلمان لاستعادة نشاطه بعد تعطل أشغاله إثر توقّف دام منذ الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021، بعد تعطيل الرئيس قيس سعيّد، عمل المؤسسات ودعوته إلى تغيير دستوري.
بأي حال عدت يا برلمان؟
من المرتقب أن تكون عودة العمل البرلماني وجلسات النواب في 12 آذار/ مارس المقبل، بعد استكمال النظر في طعون نتائج الانتخابات التشريعية، وسيحضر 154 نائباً في الجلسة الأولى على أن تُنظَّم انتخابات جزئية في ما بعد لسد الشغور في بعض الدوائر في الخارج.
يرى مراقبون معارضون أن البرلمان المقبل سيكون بلا صلاحيات وبلا معارضة، لأن من شاركوا في الانتخابات التشريعية هم من الموالين لمسار الرئيس التونسي، ما سيجعله عاجزاً عن تنقيح وتمرير مشاريع قوانين جديدة وتقديم مبادرات تشريعية تخدم مصلحة البلاد.
في انتظار ذلك، تتزايد وتيرة اللقاءات غير المعلنة والمشاورات بين القيادات البرلمانية الفائزة في الانتخابات التشريعية منذ إعلان الهيئة العليا المستقلة للانتخابات عن النتائج الأولية في 30 كانون الثاني/ يناير الماضي، فيما يرجَّح أن يعلَن عن النتائج النهائية لهذه الانتخابات في 4 آذار/ مارس 2023، بعد استكمال البت في الطعون من قبل المحكمة الإدارية.
البرلمان المقبل سيكون بلا صلاحيات وبلا معارضة، لأن من شاركوا في الانتخابات التشريعية هم من الموالين لمسار الرئيس التونسي
تُعدّ رئاسة البرلمان الجديد نقطةً خلافيةً قبل انطلاق أشغاله، بالإضافة إلى منصبي نائب رئيس البرلمان الأول والثاني ورئاسات اللجان المهمة وتسعى المجموعات الفائزة إلى تشكيل كتل برلمانية وازنة قادرة على تمرير مشاريع قوانين بإمكانها إخراج البلاد من الأزمة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية.
من بين الأحزاب الفائزة في الانتخابات، حركة الشعب التي عُرفت بمواقفها المساندة للرئيس قيس سعيّد، إذ حظيت بـ31 مقعداً في البرلمان وتأمل بأن يرتفع العدد بعد دخولها في سلسلة من المشاورات مع عدد من النواب المستقلين الفائزين.
أكد الناطق الرسمي باسم حركة الشعب زهير المغزاوي، لرصيف22، أن حركة الشعب بإمكانها أن تكون كتلةً كبيرةً وذات حجم ثقيل تحت قبة البرلمان وتضم عدداً مهماً من النواب الذين يدافعون عن السيادة الوطنية ومسار الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021، وفق قوله.
أضاف المغزاوي، أن من بين أولويات الكتلة داخل البرلمان، خلق المحكمة الدستورية بالإضافة إلى ضرورة تغيير حكومة نجلاء بودن، فهذه الحكومة جاءت في ظروف استثنائية وتالياً يجب أن تكون هناك حكومة جديدة بحكم أن تونس خرجت من مرحلة الاستثناء، مشيراً إلى أنه يجب الأخذ بعين الاعتبار في التعيينات الجديدة، نتائج الانتخابات التشريعية.
أحلام بالتغيير
على الرغم من تحذير قوى المعارضة التونسية من أن البرلمان الجديد بصيغته الحالية والسلطات الدستورية التي مُنحت له في ظل الدستور الجديد لتونس، لا يستطيع القيام بواجباته التشريعية والرقابية على أحسن وجه، إلا أن أعضاء البرلمان الجديد يرون أن بإمكانهم تغيير العديد من الأمور.
يرى القيادي في حركة الشعب أسامة عويدات، في حديثه إلى رصيف22، أن دخول حزبه إلى البرلمان سيكون بتصور واضح مفاده إعادة ترتيب الأولويات من جديد في البلاد، مشيراً إلى أن أولوية الحركة عند انطلاق عمل البرلمان الجديد ستكون اقتصاديةً واجتماعيةً بالأساس، وبشكل خاص حول الملفات التي قدّمت فيها مقترحات إلى رئيس الجمهورية، وفق قوله.
كما أكد أن حركته ستطرح من جديد مبادرات تشريعيةً على غرار مشروع قانون يتعلق بتمويل المجلس الأعلى للتربية ومشروع قانون يتعلق بمجلة الصرف والاستثمار، بالإضافة إلى قانون البنك المركزي، وتحديداً في ما يتعلق بمسألة التمويل وفتح باب التشغيل أمام الشباب العاطل عن العمل.
أولوية الحركة عند انطلاق عمل البرلمان الجديد ستكون اقتصاديةً واجتماعيةً بالأساس، وبشكل خاص حول الملفات التي قدّمت فيها مقترحات إلى رئيس الجمهورية
من جانبه، أكد عضو المكتب السياسي لحراك 25 تموز/ يوليو، محمود بن مبروك، في تصريح لرصيف22، فوز الحركة بنحو ثمانين مقعداً تقريباً في مجلس نواب الشعب، باحتساب نتائج الدورتين الأولى والثانية.
وأشار إلى أن الحركة بدأت سلسلةً من المشاورات والاتصالات مع أحزاب أخرى تتشارك معها التحديات نفسها والتفكير ذاته لتشكيل عائلة سياسية موحّدة على غرار كتلة، لينتصر الشعب.
وأفاد بن مبروك، بأن تركيبة البرلمان المقبل ستساهم في تمرير العديد من مشاريع القوانين ذات الصبغة الاقتصادية والاجتماعية، ولن تكون هناك تجاذبات سياسية تحت قبة البرلمان كما في البرلمان السابق.
من جانبه، يرى القيادي في مبادرة "لينتصر الشعب" التي حظيت بأكثر من أربعين مقعداً في البرلمان، منجي الرحوي، أن مجلس النواب الجديد ستكون له صلاحيات.
ويرى النائب الذي يرجَّح أن يلتحق بمبادرته نواب آخرون، بعد مشاورات مع أحزاب أخرى، أن بإمكان المجلس أن يعمل بشكل أفضل.
يقول الرحوي إن البرلمان المقبل ستكون له صلاحيات تمكّنه من النظر في جملة من القوانين التي لها علاقة بالطاقات المتجددة والأراضي الفلاحية، مشيراً إلى أنه يجب أن يتم إدخال تعديلات على الدستور في ما يتعلق بمسألة الرقابة على الحكومة بما يضمن التوازن بين السلطات.
تركيبة منقوصة
يرى رئيس الجمعية التونسية من أجل نزاهة وديمقراطية الانتخابات بسام معطر، في تصريح لرصيف22، أن تركيبة البرلمان المقبل منقوصة بغياب سبعة دوائر انتخابية في الخارج، بالإضافة إلى تراجع تمثيلية النساء، هذا بالإضافة إلى غياب الكفاءة السياسية لدى النواب القادمين والذي من شأنه أن يخلق مناخاً من التشكيك في البرلمان.
يضيف معطر، أن العديد من التحديات أمام البرلمان الجديد ستكون رهينة تشكيل الغرفة الثانية للبرلمان، وهي "المجلس الوطني للأقاليم والجهات"، والذي سيتم تشكيله في مرحلة مقبلة، لم يحدد الرئيس سعيّد موعدها كونه يتمتع بصلاحيات مشتركة مع مجلس النواب، خاصةً في مشاريع القوانين التي تهم التنمية وميزانية الدولة، ويفيد معطر بأن الحديث اليوم أصبح حول وظيفة تشريعية بغرفتين وليس حول سلطة تشريعية.
العديد من التحديات أمام البرلمان الجديد ستكون رهينة تشكيل الغرفة الثانية للبرلمان، وهي "المجلس الوطني للأقاليم والجهات"، والذي سيتم تشكيله في مرحلة مقبلة، لم يحدد الرئيس سعيّد موعدها
برلمان بلا معارضة
يرى الناطق الرسمي باسم جبهة الخلاص الوطني، وهي أبرز القوى المعارضة للرئيس، أحمد نجيب الشابي، في حديث إلى رصيف22، أن البرلمان المقبل سيكون برلمان الرئيس، خاصةً أنه لن يضم أحزاباً معارضةً.
ويضيف أنه سيكون بلا سلطة رقابية إذ إن جميع سلطاته التشريعية يتقاسمها معه رئيس الدولة.
ويؤكد الشابي أن تسعين في المئة من المواطنين قاطعوا الانتخابات التشريعية في الدورتين الأولى والثانية، وفي الوقت نفسه غالبية الأحزاب السياسية المعروفة في المشهد السياسي، رفضت أن تكون جزءاً من هذه المسرحية حسب قوله.
يقول الشابي إنه حان الوقت لأن تكون سلطة القرار للشعب التونسي ليختار من يقود المرحلة، لا سيما أن البلاد على حافة الإفلاس على حد قوله، في ظل تعطل المفاوضات مع صندوق النقد الدولي.
وتجدر الإشارة إلى أن الانتخابات البرلمانية الأخيرة هي آخر حلقة في المشروع السياسي للرئيس قيس سعيّد، الذي بدأه بحل البرلمان والمجلس الأعلى للقضاء في الخامس والعشرين من تموز/ يوليو 2021، وإصدار دستور جديد تمخّض عن استشارة وطنية شعبية، في خطوات يصفها معارضو سعيّد بالانقلاب.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ 15 ساعةأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ يومينلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 5 أياممقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...
Nahidh Al-Rawi -
منذ أسبوعتقول الزهراء كان الامام علي متنمرا في ذات الله ابحث عن المعلومه
بلال -
منذ أسبوعحلو
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ أسبوعالمؤرخ والكاتب يوڤال هراري يجيب عن نفس السؤال في خاتمة مقالك ويحذر من الذكاء الاصطناعي بوصفه الها...