مرت لحظات ثقيلة على الشعب السوداني، صباح أمس الأول وخلال ظهيرته، وهو يراقب اندلاع مواجهة خشي منها كثيرون، بين الجيش وقوات الدعم السريع، وذلك بعد أن شهدت الساعات الأولى من صباح الأربعاء الماضي، تدفق مئات السيارات العسكرية المحمّلة بجنود قوات الدعم السريع إلى مدينة مروي الإستراتيجية في ولاية الشمالية التي تبعد نحو 300 كيلومتر من العاصمة الخرطوم.
وسبق ذلك تحريك مدرعات تابعة لقوات الدعم السريع من إقليم دارفور إلى العاصمة الخرطوم، وسط حالة من القلق التي انتابت الشارع السوداني الذي يخشى المواجهة بين الجيش والدعم السريع، بعد تباين المواقف السياسية بين قادة القوّتين.
هل يسعى محمد حمدان دقلو إلى التمرد على الجيش أم أننا ما زلنا في مرحلة بسط النفوذ؟
حرب البيانات تشتعل بين القوّتين
وشهد ليل أمس، بيانات متبادلةً بين القوّتين، لتفسير ما يحدث في منطقة مروي التي شهدت مناورات عسكريةً بين الجيش السوداني ونظيره المصري.
وذكر بيان قوات الدعم السريع، أن انتشاره في منطقة مروي، من ضمن مهامه المكفولة بالقانون، وأنها تعمل بالتنسيق مع قيادة القوات المسلحة، وبقية القوات النظامية الأخرى، في تحركاتها، مشيرةً إلى أن وجودها في مدينة مروي على وجه التحديد، يأتي ضمن وجودها في بقية الولايات، في إطار تأدية مهامها وواجباتها، التي تمتد حتى الصحراء.
وبعد مرور ساعات، أصدر الجيش السوداني بياناً حمل تلميحات عن تمرد قوات الدعم السريع على القوات المسلحة السودانية، عندما أعاد انتشاره وتمركزه بعيداً عن التنسيق مع الجيش، مشيراً إلى أن محاولات القوات المسلحة إيجاد الحلول السلمية لهذه التجاوزات لم تنقطع يوماً، وذلك حفاظاً على الطمأنينة العامة وعدم الرغبة في نشوب صراع مسلح يقضي على الأخضر واليابس في السودان، كما أشار البيان إلى أن القوات المسلحة تجدد تمسكها بما تم التوافق عليه في دعم الانتقال السياسي وفقاً لما تم في الاتفاق الإطاري، وتحذر القوى السياسية من مخاطر المزايدة بمواقف القوات المسلحة الوطنية.
تصاعد الأمور إلى هذا الحد، والذي عبّر عنه البيان الرسمي الصادر من الجيش، ألقى بظلال حرب أهلية وشيكة في حال اصطدام الجانبين.
الخبير العسكري اللواء حسن محمد الحسين، تحدث إلى رصيف22، عن تعقيدات المشهد الأخير قائلاً: لا أستبعد وجود دور لعناصر خارجية خلف ذلك التصعيد بين القوّتين المسلحتين الموجودتين في البلاد، مشيراً إلى أن تباين المواقف السياسية بين الجيش وقوات الدعم السريع قد يقود البلاد إلى مواجهات قريبة، برغم حرص القيادات في الفترة الماضية على إظهار الانسجام بين المكوّنين العسكريين في السودان.
قلب الطاولة بين رفاق الأمس
التغييرات الجذرية في المشهد السياسي، تتزامن مع تغيّر مواقف الكثير من قيادات الحركات المسلحة الموقّعة على اتفاقية جوبا لسلام السودان، والتي ساندها قائد قوات الدعم السريع الفريق أول محمد حمدان دقلو، في ظل تكتيكات سياسية لتأمين إقليم دارفور الذي شهد صراعاً تاريخياً بين المكون العربي الذي ينتمي إليه، ومكونات قيادة الحركات المسلحة التي يغلب عليها العنصر الإفريقي.
ويقف اليوم قادة الحركات مع التيار الذي يقف على رأسه رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان، مدعوماً من العناصر التي تدين بالولاء للنظام السابق.
بينما تساند الفريق أول محمد حمدان دقلو، قيادات الحرية والتغيير، ويراهن على تعاطف لجان المقاومة لوقوف قواته على الحياد وعدم قمع الثورة ومخالفة تعليمات المشير عمر البشير في وقتها.
صراع المحاور
تفاقم الشقاق بين ما يمكن وصفه بصراع المحاور في السودان، بشكل بات من الصعب تجاوزه أو تجاهله، خصوصاً بعد أن انتهج الفريق أول محمد حمدان دقلو، سياسةً خارجيةً تتفق مع طموحه السياسي وما يملك من قدرات عسكرية ومادية.
وفي الوقت نفسه، تصرّ القاهرة على وجود جيش قومي (واحد)، في يد إدارة الحكم في البلاد، مما جعل العلاقة بين دقلو والقاهرة على طرفي نقيض. وهذا ما يحاول دقلو استغلاله في حادثة التمركز في مدينة مروي الأخيرة، التي بمعنى من المعاني تحمل في طياتها "تطويقاً" للقوات المصرية في قاعدة مروي العسكرية، وهي القوات التي قد تلعب دوراً محورياً حال تفاقم الأمور بين القاهرة وإثيوبيا حيال أزمة سد النهضة، وتطويقها بهذا الشكل لا يرضي القاهرة بالطبع.
وعلى صعيد آخر، أرسلت السفارة الأمريكية في الخرطوم، تحذيراً أمنياً لرعاياها، نصحتهم فيه بتجنب السفر إلى شمال السودان. كما منعت السفارة موظفي الحكومة الأمريكية من السفر خارج العاصمة!
ميليشيات الدعم السريع تحاصر القوات المصرية في السودان
سعياً إلى نزع فتيل الاشتعال
شهدت ساعات نهار الخميس، تحركات حثيثة في العاصمة الخرطوم، من أجل نزع فتيل الاشتعال، وكان التحرك الأبرز بقيادة رئيس الحركة الشعبية قطاع الشمال الفريق مالك عقار، ورئيس حركة العدل والمساواة ووزير المالية الدكتور جبريل إبراهيم، ورئيس حركة تحرير السودان منى أركو مناوي، وتمثلت الخطوات التي أعلن عنها مالك عقار بإجراء اتصالات عاجلة بالفريق أول عبد الفتاح البرهان، والفريق أول محمد حمدان دقلو.
ويبقى السؤال: هل سينجح العقلاء في كبح جماح رغبات السيطرة والهيمنة عند الطرفين، أم أن الأمور تتحرك بسرعه صوب الصدام بين الجيش والدعم السريع، وهو الصدام الذي لا يرغب أحد في حدوثه حتى ألدّ أعداء الطرفين؟
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...