كنت أراقب المحيط من نافذة الطائرة المتجهة إلى نيودلهي، وجرى بي الخيال، ماذا يحدث لو سقط أحد ما وهوى من الطائرة؟ هل سيموت؟ هل الموت هو نهاية فعلاً أم الروح يمكن أن تنتقل إلى جسد آخر؟
في المطار كان ينتظرني السائق الذي سيقلنى إلى الفندق الذي حجزته عبر الإنترنت، واعتدته كلما جئت إلى دلهي، وفي الطريق سألني السائق: هل هذه هي زيارتك الأولى؟
أجبت: لا.
كعاده الهنود في الثرثرة، سألني عن سبب الزيارة. أخبرته أنها لغرض السياحة، وتابع: أين ستذهبين هذة المرة؟ قلت: كوشين كيرلا، لكن لدي يومان في دلهي قبل ذهابي.
وماذا ستزورين في دلهي؟
زرت أغلب الأماكن تقريباً.
هل زرت قطب منار؟ بالطبع، والقلعة الحمراء؟ معبد إسكون رائع؟ نعم زرته. ولكن يجب أن لا تغادري الهند دون أن تزوري غاندي جایني، زرته كذلك، و"المسجد الجامع" إنه مكان جميل، هذا لم أزره، إذن سأقلك لهناك غداً. وافقت حتى أوقف هذا السيل من الأسئلة، ولشد ما لفت انتباهي اسم المكان.
ذهبت في الصباح لزيارة المسجد الجامع أو مسجد جاما كما يطلق عليه السكان المحليون، يشير اسمه إلى صلاة الجمعة، وهو واحد من المساجد الشهيرة في الهند، وأكبرها من حيث المساحة.
ولا تعتبر زيارة نيودلهي كاملة بدون زيارته.
وقد أذهلني المسجد حقاً، فهو يتمتع بتصميم فريد من نوعه، مبني بالحجر الرملي الأحمر، والرخام الأبيض، بأسلوب يختلط فيه الطراز المعماري الإسلامي مع العمارة الهندية القديمة.
ولا عجب أن يستقطب الزوار من جميع أنحاء العالم، فالهنود يضعونه على قائمة المعالم في دلهي لما له من قيمة تاريخية كبيرة.
وكم أدهشني عندما علمت أن الذي بنى هذا المسجد هو الإمبراطور المغولي “شاه جهان”، الذي عشق ممتاز محل حتى الجنون، وقرر تخليد اسميهما في التاريخ، تلك القصة الأسطورية التي تناقلتها الأجيال تعدّ من أشهر قصص الحب في التاريخ، إذ خلدها العاشق المحب ببناء أشهر أثر تاريخي في الهند، وإحدى عجائب الدنيا السبع، فلا يمكن أن تكون في الهند، ولا تزور تاج محل.
جميل أن تدخل إلى مسجد وأول ما يتبادر إلى ذهنك قصة حب تجمع بين بانيه، الإمبراطور، وأميرته
جوامع تاج محل
يعرف الجميع القصة الشهيرة وراء بناء تاج محل، الذي يقع على ضفاف نهر يامونا المقدس في "أجرا"، وكيف بناه الإمبراطور المغولي شاه جهان تخليداً لزوجته المحبوبة ممتاز محل ليعكس حبه الأبدي لملكته.
لكن تاج محل ليس هو البناء المعماري الوحيد الذي أمر شاه جهان ببنائه، فقد كان عاشقاً للهندسة المعمارية، وكلف ببناء عدد من المباني المذهلة، منها “المسجد الجامع" في دلهي القديمة، التي كانت عاصمة إمبراطورية المغول في عهده.
دخلت المسجد بحماس شديد وعرفت أنه أنشئ في العام 1656، ليكون المسجد الرئيسي للإمبراطورية.
بحسب الأسطورة "فإن القديس الصوفي جاء إلى الهند لنشر الإسلام، وظل فيها، وقبل وفاته طلب من أتباعه أن يضعوا جثته في تابوت، وأن يلقوا بها في البحر وتدفن في المكان الذي سيوجد فيه التابوت، ويقال إن التابوت طار عبر بحر العرب..."
يطل المسجد على نصب تذكاري آخر شيّده أيضاً شاه جهان، وهو "القلعة الحمراء"، التي بُنيت في القرن السابع عشر مقراً رئيسياً للأباطرة المغول، وهي تمثل ذروة العمارة المغولية الهندية في عهد شاه جهان.
ويعود الفضل في تصميم القلعة إلى المهندس المعماري أحمد لاهوري، نفس المهندس المعماري الذي بنى أيضاً تاج محل.
علمت من أصدقائي الهنود أن المسجد الجامع يشهد تجمعاً كبيراً يوم الجمعة، وفي شهر رمضان، حيث يزدحم المسجد بآلاف المصلين للصلاة وقراءة القرآن، وتتخذ العائلات المسلمة من فنائه الكبير مكاناً للتجمع، تتناول الفطور والسحور في أجواء روحانية خلال شهر رمضان.
هنالك العديد من المطاعم والمحالّ التجارية على طول الممرات المؤدية إلى المسجد، تقدم مأكولات محلية لذيذة ليلاً ونهاراً، وخاصة خلال شهر رمضان والأعياد. ولأن عدد النباتيين في الهند كبير، وأغلب ما يتناوله غير النباتيين من اللحوم هو الدجاج، أكثر اللحوم استهلاكاً في الهند، يليها لحم الضأن، ثم الأسماك.
ويعتبر الدجاج أو برياني لحم الضأن من الأطباق الرئيسية في شهر رمضان، يليها كورما لحم الضأن، وتُحضر أيضاً مع الدجاج، وتُقدم مع الأرز أو داخل فطيرة، والخضار المطبوخة بالكاري.
وفي الأعياد الإسلامية تغمر الأضواء والزينة المسجد الجامع والمناطق المحيطة به في أجواء احتفالية.
أسطورة القديس الصوفي
يقول صديقي ساجد سيد، هندي مقيم في مصر: “من عادات الهنود المسلمين في شهر رمضان الكريم والأعياد زيارة الأضرحة والمساجد، وخاصة المسجد الجامع الشهير، ومسجد مكة في حيدر آباد، وقبر الصوفي معين الدين الشيشتي، أشهر الأولياء في شمال شرقي آسيا في أجمر، مدينة في ولاية راجستان، ومسجد ومقبرة حاج علي دارغا في مومباي، وهو يستقطب عدداً كبيراً بسبب شهرته التي تعود إلى أسطورة قديمة تدور حول حاج على دراغا".
جميل أن تدخل إلى مسجد، وأول ما يتبادر إلى ذهنك قصة حب جمعت باني هذا الجامع، الإمبراطور مع ملكته
بحسب الأسطورة "فإن القديس الصوفي جاء إلى الهند لنشر الإسلام، وظل فيها، وقبل وفاته طلب من أتباعه أن يضعوا جثته في تابوت، وأن يلقوا بها في البحر وتدفن في المكان الذي سيوجد فيه التابوت، ويقال إن التابوت طار عبر بحر العرب وهبط على طول ساحل مومباي، في المكان حيث بُني المسجد".
والعديد من المساجد والأضرحة بُنيت في مناطق متفرقة من الهند.
يضيف ساجد: “من طقوس المسلمين الهنود في رمضان أن ترسل العائلات في المناطق المسلمة وغير المسلمة حسب مكان إقامتهم، الطعام إلى جميع المساجد في الحي الذي يقيمون فيه”.
ومن عادة الهنود النوم مبكراً، لكن في شهر رمضان تظل أغلب الأسر مستيقظة، بينما يتسامر أبناء الحي حتى الساعة الثالثة فجراً لتناول السحور، وهو ما يفعله المصريون أيضاً، بخلاف واحد هو "المسحراتي".
أحب ساجد المسحراتي، وتمنى لو يكون مثل هذا الطقس هناك، يحكي مبتهجاً: “في مصر يوجد مسحراتي يأتي قبل السحور ضارباً على الطبل منادياً الناس للاستيقاظ لتناول السحور، ويقول "إصحَ يا نايم إصحَ وحد الدايم"، وبعد أن أخبره حارس البناية التي أقيم فيها بإسمي، أصبح يناديني كل يوم "اصحَ يا ساجد"، لقد أحببت هذا التقليد".
ضحكنا معاً.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ 21 ساعةمتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ يومفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ يومعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ يومينtester.whitebeard@gmail.com
مستخدم مجهول -
منذ يومينعبث عبث
مقال عبث من صحفي المفروض في جريدة او موقع المفروض محايد يعني مش مكان لعرض الآراء...
مستخدم مجهول -
منذ 6 أيامرائع