شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

اشترك/ ي وشارك/ ي!
تعدد الآلهة، والكارما، ووحدة الوجود... كيف يمكن للمسلمين أن يفهموا العقائد الهندوسية؟

تعدد الآلهة، والكارما، ووحدة الوجود... كيف يمكن للمسلمين أن يفهموا العقائد الهندوسية؟

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

ثقافة

الأحد 14 نوفمبر 202105:27 م

تُعدّ الهندوسية ثالث أكبر الأديان في العالم بعد كل من المسيحية والإسلام، إذ يقترب عدد معتنقيها اليوم من المليار نسمة، ويعيش معظمهم في شبه القارة الهندية. في الحقيقة، من الصعب وضع تعريف دقيق ومحدد للدين الذي يؤمن به الهندوس، ويمكن القول إن الهندوسية هي تركيبة كاملة من المعتقدات والمؤسسات التي ظهرت منذ زمن تأليف كتبهم القديمة المقدسة -ومنها الفيدا والأوبانيشاد- وحتى اليوم.

في ظل حالة الصراع المتفاقم بين الهندوس والمسلمين في شبه القارة الهندية، قد يكون من المفيد تقديم رؤية موضوعية لمجموعة من العقائد الهندوسية المركزية، وذلك بعيداً عن محاولات التشويه أو التجميل.

إله واحد أم آلهة متعددة؟

دائماً ما يبدو السؤال حول مفهوم الإله في الهندوسية حاضراً في كل مناقشة تدور حول ذلك الدين، وذلك بسبب الاختلاف الكبير الواقع في الكثير من النصوص الهندوسية المقدسة فيما يخص تلك النقطة على وجه التحديد.

في الحقيقة، يذهب المعتقد الشعبي إلى أن هناك عدد كبير من الآلهة التي يعتقد الهندوس بها، حتى يقال إن الدين الهندوسي يبجل ويحتفي بما يزيد عن الثلاثمائة مليون إله. في صدارة تلك الآلهة، نجد آلهة الثالوث المعظم، وهم براهما الخالق، الذي يظهر في هيئة شخص ملكي ذي رؤوس أربعة، ويمتطي أوزة برية بيضاء؛ وشيفا المدمر، والذي يكون حاضراً دائماً في أوقات الموت والجنائز، وقد عُرف بكثرة زوجاته مثل ديفي وكالي، وكذلك عُرف بأبوته لبعض الآلهة، ومنهم غانيشا (صاحب رأس الفيل) وناندي (الذي يتم تصويره في صورة ثور أبيض)، أما الإله الأخير في هذا الثالوث، فهو فيشنو الحافظ، المثال الكامل للحب والصبر، ويتم تمثيله بأربعة أذرع، يحمل في ذراعين منها شعارات ورموز سلطته الملكية، وفي الذراعين الأخرين قوته السحرية وطهارته، في الوقت الذي يعلو رأسه التاج والإكليل.

يمكن القول إن الصورة الذهنية الإيجابية لفيشنو في الوجدان الهندوسي الجمعي، قد حدت بالمؤمنين به للقول بتجسده في عشرات الصور البطولية، فهو يظهر في الميثولوجيا الهندوسية التقليدية في بعض الأحيان في صورة سمكة أنقذت الإنسان الأول مانو بعد أن جرفه الطوفان، كما يظهر في أحيان أخرى في صورة أسد يمزق أحد الشياطين إرباً إرباً، فضلاً عن تلك الصور السابقة، يسود الاعتقاد بأن فيشنو سوف يظهر في أخر الزمان في صورة كالكي البطل الذي يحمل سيفاً من لهب ويمتطي حصان أبيض، لينقذ العالم بعد أن يسود الشر والباطل في كل مكان، الأمر الذي يتشابه كثيراً مع تصور المسيح/ المهدي في الأديان الإبراهيمية.

مع ذلك فأن التجسدات الأكثر شعبية وقداسة لفيشنو إنما تتمثل –بالمقام الأول- في راما وكريشنا، واللذان يلعبان أدواراً رئيسة في ملاحم الهندوس الأكثر شعبية وحضوراً، وهما الرامايانا والماهابهارتا على الترتيب.

الهندوس عرفوا أيضاً مبدأ تقديس البقرة، باعتبارها رمزاً لكل ما هو مقدس وإلهي في الحياة، وقد عبّر الزعيم الهندي الأشهر المهاتما غاندي عن سبب تقديس الهندوس للبقرة بقوله "حماية البقر بالنسبة لي من أكثر الظواهر الرائعة في التطور الإنساني، إنها تأخذ الإنسان إلى ما بعد حدود نوعه... البقرة هي الأم لملايين الهنود، هي قصيدة شعر حزينة، وحماية البقرة تعني حماية كامل مخلوقات الله العجمى".

من هنا يمكن فهم القداسة المحيطة بالبقر، فما تخرجه من فضلات يُعدّ مطهرات قادرة على التخلص من الخطايا والذنوب، وفي بعض الأماكن الريفية يقوم الرجل وهو على فراش الموت بالقبض على ذيل بقرة مربوطة إلى جانب سريره من أجل ضمان انتقاله سالماً من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى، وذاك بحسب ما ورد في "موسوعة تاريخ الأديان" للباحث السوري فراس السواح.

رغم كل ما سبق، يجدر القول إن الديانة الهندوسية لها -بشكل ما- وجهاً توحيدياً، إذ عدّت بعض الفلسفات الهندوسية الثالوث المقدس -براهما وشيفا وفيشنو- مجرد تجلي للإله الواحد، وأن الآلهة الثلاثة إنما يمثلون ويشخصون الوظائف الإلهية للخلق والتدمير والحفظ على التوالي، الأمر الذي حدا بالباحثة كيم نوت في كتابها "الهندوسية... مقدمة قصيرة جداً" للتأكيد على أن الهندوسية ديانة تعددية وتوحيدية في آن، ذلك أن "الإله الذي قد يعرفه الهندوس ببراهمان أو ديفي أو كريشنا أو غير ذلك يظهر بأسماء أو صور عديدة، ومن ثم فإن التعددية تعبير عن التوحيد، لكن المفهومين يظلان مهمين، فالهندوسية ديانة متعددة الآلهة وتوحيدية في الوقت نفسه، إذ للآلهة المتعددة والإله الواحد مكان فيها وفي الخبرة العامة لمعظم الهندوس".

السامسارا والكارما: التناسخ ونظرية العدالة

تُعدّ مفاهيم السامسارا والكارما قاسماً مشتركاً بين العديد من الأديان الهندية والشرق أسيوية، ومنها على سبيل المثال، كل من الهندوسية، والجينية، والبوذية، والسيخية، والتاوية.

بحسب ما ورد في "موسوعة تاريخ الأديان"، فأن السامسارا هي العقيدة التي تذهب إلى تناسخ الأرواح أو التقمص، بما يعني أن روح الإنسان الميت لا تنتقل إلى حالة من الديمومة في الجنة أو النار، بل إنها تولد من جديد في كائن أخر، وتتوالى إعادة الولادات مرة بعد أخرى في سلسلة لا متناهية.

يذهب المعتقد الشعبي إلى أن هناك عدد كبير من الآلهة التي يعتقد الهندوس بها، حتى يقال إن الدين الهندوسي يبجل ويحتفي بما يزيد عن الثلاثمائة مليون إله

من أهم ضوابط تلك العقيدة، أن الولادة الثانية قد تحدث في مستوى أعلى أو في مستوى أدنى، فالإنسان الذي مات وهو في طبقة اجتماعية منحطة، قد يولد مرة أخرى في طبقة سامية، أما الميت الذي أنهى حياته السابقة ضمن طبقة غنية كطبقة النبلاء، فقد يجد نفسه في حياته الجديدة وقد تحول لأحد الفلاحين أو العمال، بل قد يجد نفسه وقد صار حيواناً أو دودة أو أحد الأرواح المحبوسة في جهنم.

بحسب ما هو معروف عند الهندوس، فأن الضابط الوحيد الذي يحدد شكل الولادة الثانية، هو مبدأ الكارما، والتي يُقصد بها الأفعال التي يقوم بها الإنسان في حياته الأولى، تلك التي ينتج عنها مجموعة من الآثار الأخلاقية التي يتحدد عليها شكل الوجود المستقبلي.

لما كانت القاعدة العلمية المُتعارف عليها، تذهب إلى أن الظروف التاريخية والاجتماعية، تكون ذات تأثير طاغي فيما يخص تطور وتشكل المعتقدات والآراء الدينية، فمن المُرجح أن شيوع الاعتقاد بالسامسارا والكارما قد تزامن مع وقوع عدد من المتغيرات المهمة على الساحتين، السياسية والاجتماعية في الهند، فمع نهاية القرن السابع قبل الميلاد، وبعد أن تمكنت العناصر الآرية الغازية من إخضاع الدرافيديين الذين كانوا يمثلون السكان الأصليين للهند، فأنه قد ظهر النظام الاجتماعي المتعدد الطبقات، والذي يقسم الهنود إلى أربعة طبقات متمايزة، ألا وهي طبقة البراهمة الذين يمثلون طبقة الكهنة، وطبقة الكشاتريا الذين يمثلون طبقة النبلاء، وطبقة الفايسياس وهم عامة الشعب الآري، وطبقة الشودرا وهم العبيد السود من الدرافيديين، هذا فضلاً عن طبقة المنبوذين، وفيهم المجموعة التي يمتنع لمسها أو الاحتكاك بها، والتي ينظر لهم الجميع على كونهم نوعاً من أنواع النجاسة.

يمكن القول إن الهندوسية قد عملت على ربط نظام الطبقات بقانون الكارما، وبناءً على ذلك أصبح تفسير التفاوت الطبقي الكبير في المجتمع الهندي أمراً في منتهى البساطة واليسر، بل ووجد التبرير الأخلاقي الذي يمكنه أن يفسر التفاوت الهائل بين الطبقات وبعضها البعض "فإذا ما ولد شخص في طبقة الشودرا، كان السبب في ذلك ذنباً اقترفه في وجوده السابق ولا يستحق أي نصيب أفضل. أما البرهمي فيستحق بكل جدارة أن يمجد صلاحياته وحقوقه، لقد كان جديراً بمكانته الرفيعة الحاضرة بسبب أفعاله الصالحة في وجوده السابق".

من الملاحظات المهمة ها هنا، أنه إذا ما قارنا معتقدات الهندوس في السامسارا والكارما بالمعتقدات الإسلامية التقليدية، سنجد أن هناك اتفاقاً في بعض الجوانب، كما أن هناك اختلافاً في جوانب أخرى. الإسلام يتفق مع الهندوسية في الإقرار بنظرية العدالة، واعتبارية مبدأ الثواب والعقاب، الأمر الذي ظهر في الكثير من الآيات ومنها على سبيل المثال، الآية السابعة من سورة الزلزلة "فمن يعمل مثقال ذرة خيراً يره ومن يعمل مثقال ذرة شراً يره"، والآية الثالثة والسبعين من سورة الزخرف "وَتِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي أُورِثْتُمُوهَا بِمَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ"، والآية التاسعة والثلاثين من سورة النجم "وأن ليس للإنسان إلا ما سعى". أما الاختلاف فيتمثل -بالمقام الأول- في الاعتقاد بتناسخ الأرواح، ذلك إن الإسلام يؤكد على أن الإنسان يعيش حياة واحدة، وأنه إنما يحاسب على ما اقترفه من أعمال، إما بالجنة أو بالنار، كمصير نهائي وأبدي.

هناك بعض التصورات الهندوسية عن الطبيعة والنفس، تلك التي لاقت ترحيباً واسعاً في النسق الإسلامي الصوفي على وجه التحديد، ويمكن حصر تلك التصورات بمسألتي وحدة الوجود والنيرفانا

من المهم هنا أن نلاحظ أن بعض الآيات الواردة في القرآن الكريم قد أشارت إلى أن وعي الإنسان كان سابقاً لوجوده -الجسدي- في الدنيا، الأمر الذي قد يتشابه إلى حد ما مع بعض الأفكار الواردة في المعتقد الهندوسي التقليدي. هذه الملاحظة تبدو واضحة في الآية رقم 172 من سورة الأعراف "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"، وهي الآية التي عمل ابن القيم الجوزية المتوفى 751ه على تفسيرها في كتابه الروح، إذ أورد مجموعة من أقوال العلماء ومنها "أن الله أخرج ذرية آدم من صلبه وأصلاب أولاده وهم في صور الذر فأخذ عليهم الميثاق أنه خالقهم وأنهم مصنوعون، فاعترفوا بذلك وقبلوا، وذلك بعد أن ركب فيهم عقولاً عرفوا بها ما عرض عليهم، كما جعل للجبل عقلاً حين خوطب، وكما فعل ذلك بالبعير لما سجد والنخلة حتى سمعت وانقادت حين دعيت... وزعم بعض أهل العلم أن الميثاق إنما أخذ على الأرواح دون الأجساد، إن الأرواح هي التي تعقل وتفهم ولها الثواب وعليها العقاب، والأجساد أموات لا تعقل ولا تفهم....".

وحدة الوجود والنيرفانا: المشترك بين الهندوسية والتصوف

من المعروف أن الإسلام يخالف الهندوسية بشكل كامل فيما يخص مفهوم تعددية الآلهة، إذ تتفق النصوص الإسلامية على القول بوجود الله عز وجل، باعتباره الإله الواحد، الأحد، خالق الكون وجميع الموجودات، وصاحب الأمر والنهي.

رغم تلك المخالفة الصريحة، فأن هناك بعض التصورات الهندوسية عن الطبيعة والنفس، تلك التي لاقت ترحيباً واسعاً في النسق الإسلامي الصوفي على وجه التحديد، ويمكن حصر تلك التصورات بمسألتي وحدة الوجود والنيرفانا.

إذا ما راجعنا لنصوص الأوبانيشاد، سنجد أن المفكرين الهندوس قد عملوا على عقد حالة من حالات الاقتران/ المماهاة بين النفس والطبيعة في الكثير من كتاباتهم، على سبيل المثال، تم عقد المقارنة بين النار التي على المذبح والنار التي في الشمس، كما تم تشبيه نور الشمس بالنور الموجود داخل كل إنسان، وهو النور الذي تنبثق منه القوى الإبداعية.

هذه النظرة الفلسفية المُغرقة في التأمل، توصلت إلى الدمج بين الجزئي والكلي، النسبي والمطلق، الأمر الذي عبرت عنه نصوص الأوبانيشاد بشكل واضح عندما تذكر أن الذات تذوب في الروح الكلية للعالم، كما يذوب الملح في الماء فتنعدم القدرة على التفريق بين الشيئين.

هذا المعنى الذي يتفق تماماً مع الإطار العام لفلسفة وحدة الوجود، دمج بين الإلهي والإنساني في وحدة واحدة، إذ نظر إلى البراهمان، على كونه الروح المطلق، والسبب الأول، الذي لا يمكن وصفه، ولا يمكن تقييده بزمان أو بمكان، وأن له وجه أخر، وهو الآتمان، التي تعني النفس أو الروح، ومن ثم فان المعرفة الحقّة عند الهندوس، تثبت أن البراهمان والآتمان وجهان لعملة واحدة.

هذا التوجه يتشابه مع الاعتقاد الصوفي الإسلامي الداعي للقول بوحدة الوجود، وهو الاعتقاد الذي ذهب إليه الكثير من مشايخ الصوفية عبر القرون، من أمثال كل من الحسين بن منصور الحلاج المتوفى 309ه، وشهاب الدين السهروردي المتوفى 586ه، ومحيي الدين بن عربي المتوفى 638ه، وجلال الدين الرومي المتوفى 672ه.

أما النقطة الثانية التي تتشابه فيها الفلسفة الهندوسية مع الصوفية الإسلامية، فهي تلك المتعلقة بالوصول للنيرفانا، والتي هي حالة روحية من السلام والصفاء الداخليين، اللذين يمكنان صاحبهما من الترقي والسمو حتى يصل للراحة الكاملة والسعادة المطلقة.

الصوفيون المسلمون عرفوا حالة مشابهة، وهي الحالة التي أطلقوا عليها اسم الوجد أو الكشف، وإذا كان الهندوس قد مارسوا الرياضة الروحية كاليوغا  في سبيل الوصول للنيرفانا، فأن الصوفية قد تحدثوا عن أهمية الإكثار من الذكر للوصول لحالة الوجد، وبقي الزهد والتقشف والعمل المستمر على مقاومة اللذات والمتع الحسية عوامل مشتركة، لا غنى عنها عند الفريقين، في سبيل سعيهما للوصول لحالة النيرفانا الهندوسية/ الوجد الصوفي.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image