أعلن جهاز الأمن الداخلي الليبي، اعتقال بعض الأشخاص من بينهم رجل أجنبي الجنسية، بدعوى تورطهم في ممارسة أنشطة تبشيرية بالديانة المسيحية في البلاد. وهو ما وصف بـ"جريمة الردة"، التي تحولت إلى عمل عصابي منظّم يقوم به بعض ضعاف النفوس مدعومين من جهات خارجية.
اتهام أجنبي
ونشر الجهاز في إطار ما وصفه بالاستمرار في ممارسة اختصاصاته وحرصه على الحفاظ على القيم الإسلامية، فيديو لجزء من اعترافات أحد المعتقلين، مكتفياً بالإشارة إلى أنه أجنبي الجنسية (من دون أن يحددها)، وقد اتُخذت بحقه الإجراءات القانونية كافة.
لكن بعض الليبيين جادلوا في المقابل، بأن غرض الجهاز إثارة الرأي العام، وتساءلوا حول ما إذا كان قد تم عرض المتهم وتوفير محامٍ له قبل التصوير والتدوين والبث للعلن، أو قراءة حقوقه القانونية، لالتزام الصمت أو البوح بالجريمة أو الاتهام قبل توجيه التهم المدينة؟
هل تحول جهاز الأمن الداخلي الليبي الى شرطة دينية؟
وكان جهاز الأمن الداخلي، وتحت عنوان "القبض على مجموعة من الليبيين ممن خرجوا عن الملة الإسلامية"، قد نشر فيديو يتضمن اعترافات لمدة ربع ساعة، للمدعو أ. ب. (من مواليد العام 1996)، الذي قُبض عليه من قبل الجهاز بعد ما أسماه بـ"جهود تحريات جنوده المخلصين"، عن تورط قساوسة ووعاظ يعملون لدى شركة أمريكية تعمل على نشر التبشير في ليبيا. كما اتهم منظمةً تُدعى "جماعة الله"، بالتورط في هذه الأنشطة كونها مؤسسةً دينيةً تضم أكثر من 13،000 كنيسة منتشرة حول العالم، ومقرها في أمريكا، وتضمّ نحو 53 مليوناً من المسيحيين البروتستانت وينصبّ تركيزها على فئة الشباب، ولديها مؤسسات تعليمية خاصة، وتمتلك فروعاً في آسيا وإفريقيا وبعض الدول العربية وتهدف إلى نشر الديانة المسيحية.
وقال إن التحقيقات أثبتت دوراً كبيراً للمنظمة في إغواء من تم ضبطهم، وبشتى الطرق، لبث سمومهم الداعية إلى التنصير والخروج عن الدين الإسلامي بين أوساط الشباب الليبي.
المنظمة الأمريكية لم ترد على محاولة رصيف22، الاتصال بها، فيما أبلغت مصادر ديبلوماسية رصيف22، أن دبلوماسيين غربيين في العاصمة طرابلس طلبوا من السلطات الليبية إطلاق سراح المعتقلين.
فيديوهات بالجملة
على مدى الساعات الماضية، بث جهاز الأمن الداخلي فيديوهات عدة، من بينها اعتراف خاص ممن قدّم نفسه على أنه طبيب تحاليل تم استدراجه من قبل المدعو بول، وذلك عن طريق إغرائه بالمال للتخلي عن دينه، بعد أن تم منحه سيارةً وقطعة أرض، "و لكونه يجيد ثلاث لغات استخدم لنشر الدعاية للمسيحية باللهجة الليبية وترجمة التوراة"!
وتعهد الجهاز، بأن الهجمات السيبرانية والمحاولات البائسة التي يتعرض لها لطمس جهوده، لن تثنيه عن عزمه على إظهار الحقائق، دفاعا عن شعائرنا ومعتقداتنا.
لكن عضو مجلس الدولة ولجنة الحوار السياسي سالم مادي، اتهم في المقابل جهاز الأمن الداخلي باختطاف نجله سيفاو، من العاصمة طرابلس، في 26 آذار/ مارس الماضي، وندد بتورط الجهاز في الأمر برغم كونه مؤسسةً تابعةً للدولة وملزمةً باتباع قوانينها، ووصف خطف ابنه بالإجراء الباطل الذي لا صلة له بالقانون.
وقال إن "سيفاو، الرجل البالغ العاقل كامل الأهلية، اعتنق الديانة المسيحية"، ورأى أن الأقوال المنسوبة إليه مجرد "معلومات مشكوك في صحتها".
كما ندد المجلس الوطني للحريات العامة وحقوق الإنسان بواقعة الخطف، وحمّل حكومة الدبيبة، المسؤولية الكاملة، كما طالب الجهات القضائية والأمنية باتخاذ الإجراءات للبحث عن المفقود وفتح تحقيق شامل في الواقعة ومحاسبة المتورطين فيها.
وأعلن إعلامي ليبي تضامنه المطلق مع سيفاو، ساخراً بقوله إن الذي اختطفه حليف الأمم المتحدة في ليبيا، مدلّك الحمام البخاري، لطفي الحراري، وزعيم ميليشيا الأمن الداخلي سيئ السمعة بتهمة -يحق للإنسان اعتقاد ما يشاء- اعتناق المسيحية.
وقال إن الأمن الداخلي القمعي -وهذا وصف يشمل فرعيه في بنغازي وطرابلس- بث إصداراً مرئياً بمؤثرات بصرية وصوتية مستوحاة من إصدارات الجماعات الإرهابية، عرض فيه "اعترافات" سيفاو، تحت التعذيب بعد تغييبه 12 يوماً خارج القضاء والقانون.
احتجاز تعسفي
وطبقاً لرواية منظمة العفو الدولية، فقد اعتقل جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، على مدى الأشهر الأربعة الماضية، سبعة شبان على الأقل لممارستهم السلمية لحقهم في حرية التعبير، واحتجزهم بشكل تعسفي مع اتصال ضئيل أو معدوم مع العالم الخارجي، وسط قلق متزايد على سلامتهم وأحوالهم، بينما اختبأ رجال ونساء آخرون، بعد تعرضهم لتهديدات بالقتل وحملات تشهير على وسائل التواصل الاجتماعي.
ورأت أنه يتعيّن على السلطات الليبية أن تأمر بوضع حد لاضطهاد الشباب الليبي من قبل رجال الميليشيات وعناصر الأمن، بحجة حماية "القيم الليبية والإسلامية"، ودعم حقهم في حرية التعبير. جاء هذا التصريح بعد نشر مقاطع فيديو مقلقة "يعترف" فيها معتقلون تحت إكراه واضح بنشر "الإساءة" إلى الإسلام والتواصل مع منظمات أجنبية.
وقال الباحث في شؤون ليبيا في المنظمة، حسين بيومي، إن نشر "الاعترافات" المصوّرة "يُعدّ انتهاكاً صارخاً لحقوق المحاكمة العادلة، بما في ذلك الحق في عدم تجريم الذات"، وأكد على أن هذه الخطوة غير القانونية والمتهورة قد حرضت على الكراهية ضد مجموعة من الليبيين الذين يتجرؤون على التعبير عن آرائهم بشكل سلمي.
ودعت المنظمة السلطات الليبية لوقف الحملة الشرسة لجهاز الأمن الداخلي ضد الأشخاص الذين يمارسون حقوقهم الإنسانية بشكل سلمي، مشيرةً إلى أنه تم احتجاز السبعة بين شهري تشرين الثاني/ نوفمبر، وآذار/ مارس 2022، في مقر جهاز الأمن الداخلي في طرابلس، قبل نقلهم إلى سجن الجديدة أو سجن معيتيقة، الذي يديره جهاز الردع لمكافحة الجريمة المنظمة والإرهاب، وهي ميليشيا سيئة السمعة أيضاً لتورطها في الاعتقال التعسفي المطول والإخفاء القسري والتعذيب مع الإفلات التام من العقاب.
وطبقاً للمنظمة، يشغل زعيم الميليشيا لطفي الحراري، منصب زعيم جهاز الأمن الداخلي ومقرّه في طرابلس، والذي يخضع اسمياً لسيطرة الدبيبة ويتلقى تمويلاً من الدولة، علماً بأن الحراري شغل في السابق منصب نائب رئيس ميليشيا قوة الأمن المركزي "أبو سليم"، التي تورطت في جرائم بموجب القانون الدولي وانتهاكات جسيمة أخرى لحقوق الإنسان منذ 2011، بما في ذلك الاعتقال التعسفي والتعذيب والإخفاء القسري.
في تقرير لمنظمة أوبن دورز احتلت ليبيا المرتبة الرابعة في قائمة الدول الاكثر اضطهاداً للمسيحيين
أوضاع المسيحيين
وكانت السلطات الليبية قد اعتقلت مطلع عام 2013، عدداً من المصريين الأقباط للاشتباه بتورطهم في دعوات تبشيرية في بنغازي، وتوفي أحدهم خلال الاحتجاز.
كما قُتل في العام نفسه، قبطي مصري في هجوم على كنيسة القديس جرجس للأقباط في بلدة الدافنية في محافظة مصراتة على بعد 200 كلم شرق العاصمة طرابلس، ما أثار قلق الأقلية المسيحية من تصاعد التطرف الديني في البلاد.
وقدّر مركز أمريكي، عدد المسيحيين في ليبيا عام 2010، بنحو 170 ألف شخص، ما يعنى أن النسبة المئوية لا تتجاوز 3 في المئة على أفضل التقديرات، فيما لا يزال هناك وجود لعدد من الكنائس الأثرية في طرابلس وبنغازي .
وفي تقرير لمنظمة أوبن دورز، التي تدعم المسيحيين المضطهدين، احتلت ليبيا المرتبة الرابعة في قائمة تتضمن 16 دولةً عربيةً، بينما رصدت منظمة الجرائم في ليبيا عبر تقريرها السنوي، 561 انتهاكاً تتعلق بمزاعم بارتكاب جرائم ضد المدنيين، تشمل 231 انتهاكاً ضد المهاجرين في البحر أو على الأراضي الليبية، و62 حالة اختطاف واحتجاز غير قانوني واحتجاز تعسفي لناشطين ليبيين وصحافيين، و42 ضحيةً قتلوا خارج نطاق القانون، إما تحت التعذيب أو بأسلوب الإعدام أو بأساليب أخرى.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...