طاردت الممثل المصري محمد ممدوح انتقادات وجهت إليه عام 2019 الذي شهد مشاركته في مسلسلين عُرضا بالموسم الرمضاني، "ولد الغلابة" و"قابيل"، وقتها حاز العملان الدراميان على متابعة جماهيرية واسعة، وبنفس القدر على انتقادات بالجملة وُجّهت إلى الممثل الشاب بسبب صعوبة تنفسه بشكل ملحوظ، ما أثّر على مخارج حروفه على نحو أضاع فهم المتفرج للكثير من الجمل الحوارية.
أن تطارد فناناً يخطو أولى خطواته نحو الشهرة منشورات إلكترونية تشاور على عِلة فيزيولوجية فيه هو أمر قاسٍ بالتأكيد؛ فقد يلازم نجوم منازلهم لعدم تلقيهم إشادات بأعمال ظنّوها جيدة، أو تصيب بعضهم لوثة الردّ على تعليق هنا أو انتقاد هناك، فيخسرون مرتين: العمل الفني أولاً والجمهور المتابع تالياً.
هذا التأثر من النقد اللاذع خلق تخوّفات لدى كثير من الفنانين، وهو ما حذّر منه وقتها الممثل خالد كمال الذي تجمعه صداقة مع ممدوح، ولفت النظر إلى حساسية الفنانين قائلاً: "رفقاً بالموهوبين أمثاله.. لأن الموهوبين حساسين لأقصى درجة".
لكن محمد ممدوح، الشهير بـ "تايسون"، سلك الطريق الأصعب، حين ابتلع الانتقادات التي وصلت مداها بتصدرها مؤشرات البحث عبر منصات التواصل الاجتماعي، وبالكاد رد بكلمة واحدة على سؤال مقدمة برنامج حواري عن ردة فعله تجاه ضيق الجمهور من "أنفاسه المتقطعة"، قائلاً: "أنا أسف".
اعتذار "تايسون" في البرنامج جاء مصحوباً بضحكة قد تفهم بأحد النقيضين سخرية أو جدية في القبول بصدر رحب ونية مخلصة على أخذ ما وُجه إليه بعين الاعتبار، وهذا ما حدث بالفعل.
في العام الجاري، يتقاسم محمد ممدوح البطولة مع الفنانة ريهام عبد الغفور، في مسلسل "رشيد" الذي ينتمي إلى دراما الجريمة والتشويق، ويقدّم رؤية عصرية للرواية الفرنسية الشهيرة "الكونت دي مونت كريستو".
طاردت الممثل المصري محمد ممدوح انتقادات وُجّهت إليه عام 2019، بسبب صعوبة تنفّسه بشكل ملحوظ، ما أثّر على مخارج حروفه على نحو أضاع فهم المتفرج للكثير من الجمل الحوارية
ظهر ممدوح فاقداً الكثير من وزنه، ومتحكماً بشكل كبير في مخارج ألفاظه لتبدو أكثر وضوحاً من أي وقت آخر، ومسيطراً أيضاً على ظاهرة أخرى كانت تلازمه مع تمثيله المشاهد الانفعالية، وهي التعرّق الزائد، كل هذا جاء مختلفاً في "رشيد".
المسلسل الذي عُرض وسط زخم أعمال درامية في موسم رمضان دون دعاية كبيرة، أو برومو تشويقي تروّج له صفحات إلكترونية بعضها مدفوع الأجر بهدف نشر أعمال شركة إنتاج بعينها فتلحق ألقاب "الأعظم" و"الأكثر مشاهدة" و"الأهم" و"الأجمل" بمسلسلات دون غيرها.
جاءت متابعة مسلسل "رشيد" من جمهور يثق في اختيارات محمد ممدوح وريهام عبد الغفور، بسبب قدرة كل منهما على التلوّن والتغير مع كل شخصية يقومان بتقديمها، إلى حد التوحّد معها، بحيث يختفي الحد الفاصل بين الشخصية الحقيقة والدور، فضلاً عن اختياراتهما الجيدة التي باتت محل ثقة وتقدير كبيرين.
وبالفعل، لم يخذل المسلسل متابعيه، فمنذ اللحظات الأولى لعرضه ستنسى كمتفرج أن هذا الممثل اسمه محمد ممدوح. هو رشيد، بطل القصة، الرجل شديد الطيبة والحنية، ثم المسجون ظلماً في جريمة لم تخطر على باله من قريب أو بعيد، والمتعايش في عنبر واحد مع مجرمين عتاة.
ستفكر معه في كيفية الخروج من كل مأزق يلقاه؛ ومع وصولك إلى الحلقة السابعة، وبالتحديد في مشهد تلقي رشيد خبر ضياع ابنه من مأمور السجن الذي أخبره أن الخطابات التي يرسلها لنجله ترد لهم منذ فترة لعدم علم أحد بمكان "سيف"، ستفقد عقلك وتلعن الحياة التي قد تكون ظالمة إلى هذا الحد، ويمكنك أن تصفق تلقائياً لأداء محمد ممدوح شديد التعقيد والبساطة في الوقت نفسه.
كواحدة من جمهور ومحبي محمد ممدوح أتمنى أن يظل هكذا، متحكّماً في أنفاسه وخاطفاً لأنفاسنا بأعمال أشعر معها بانفصالي عما يحدث في الواقع، ويخطفني إلى شخصيات جديدة لا يمكنني لقاؤها بالحياة العادية
ستبكي معه، ثم تلتقط أنفاسك لتدرك أنك أمام ممثل مصري جسّد في مشهد واحد جميع المشاعر: صدمة، إنكار، قبول وانهيار، بإتقان شديد دون أي مبالغة، ثم ستمسك في حلقات تالية بأمل يلوح مع ظهور صديق زنزانته الرجل الثري الذي أحبه ودعاه للهروب بحيلة مدبرة.
لم أقل أن مشكلة التنفس والصوت غير الواضح انتهت تماماً لدى محمد ممدوح، فكل مشكلة تحتاج إلى وقت كي تختفي، خاصة ما يتعلق بالنطق والوزن وتبعاتهما، لكن المؤكد أننا أمام نجم اتخذ خطوات جادة نحو تحسين وإجادة عمله.
كان يمكن لمحمد ممدوح أن يقف مستسلماً للإحباط من كثرة الانتقادات، أو يتشكك في قدرته على الوصول لشيء مختلف عما هو عليه، وكان يمكنه أيضاً ترك أذنيه للإشادات بموهبته، ضارباً بالكلام السلبي عرض الحائط، لكن اختيار "التطوير" صعب ويحتاج جهداً.
هذا الجهد خلق بين "تايسون" وجمهوره رابطة قوية، جعلت الأخير يشعر أنه شريك في عملية صناعة نجم استجاب لنصائح وأخذها على محمل الجد، فقدم صورة أفضل منه، وهو ما عبّر عنه بالفعل في أحد لقاءاته التي أعلن فيها خضوعه لرجيم الماء، وفقدانه ما يقارب 16 كيلو جراماً، ومرة أخرى حين أكد خضوعه لتدريبات على الصوت مع متخصصين.
وكواحدة من جمهور ومحبي محمد ممدوح أتمنى أن يظل هكذا، متحكماً في أنفاسه وخاطفاً لأنفاسنا بأعمال أشعر معها بانفصالي عما يحدث في الواقع، ويخطفني إلى شخصيات جديدة لا يمكنني لقاؤها بالحياة العادية، كما في "رشيد".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
Mohammed Liswi -
منذ يومأبدعت بكل المقال والخاتمة أكثر من رائعة.
Eslam Abuelgasim (اسلام ابوالقاسم) -
منذ يومحمدالله على السلامة يا أستاذة
سلامة قلبك ❤️ و سلامة معدتك
و سلامك الداخلي ??
مستخدم مجهول -
منذ 3 أياممتى سوف تحصل النساء في إيران على حقوقهم ؟!
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامفاشيه دينيه التقدم عندهم هو التمسك بالتخلف
مستخدم مجهول -
منذ 4 أيامعظيم
Tester WhiteBeard -
منذ 4 أيامtester.whitebeard@gmail.com