"كل مبادئ الحرية والمساواة اللي الدول الكبرى بتطبقها دلوقتي، الإسلام سبق بيها وأعطى للمرأة حريتها في وقت مكنش فيه دولة أو حضارة بتعمل كده"، لم يجد زميلي أفضل من هذا الرد، لينهي نقاشه معي حول ما يعتقده من ضرورة إقامة "دولة إسلامية"، خاصة أن الإسلام يشمل كل القيم والمبادئ التي يتغنّى بها العالم المتقدم اليوم.
صراحة، هذا ليس رد زميلي فقط، ما قاله ليس إلا ترديداً لما رسّخه التيار الإسلامي على مدار العقود الماضية، من خطب وبرامج وكتب زرعت في الأذهان نظرية واحدة، مفادها أننا سبقنا العالم كله في الحرية والمساواة وتكريم المرأة وكل القيّم التي يتهموننا الآن بأننا لا نطبقها وبأن الإسلام لم ينصّ عليها.
لذلك، لم أتعجّب من قول شيخ الأزهر مؤخراً، في برنامجه "الإمام الطيب"، حين ردّد نفس "الاسطوانة" من أن الإسلام سبق جميع حضارات العالم في تكريم المرأة، بل ولم يكتف بذلك، بل شنّ هجوماً على كافة الحضارات الأخرى، فالحضارة البابلية اعتبرت المرأة "مملوكة"، واليونانيون، وعلى رأسهم أرسطو، قالوا إن المرأة للرجل كالعبد للسيد، وهكذا الحال عند الرومان وعصر الجاهلية أيضاً.
وبعيداً عن مدى صحة ما قاله شيخ الأزهر، لأنه اتبع التعميم المُخلّ، فلم تكن كل الحضارات التي ذكرها تحتقر المرأة بهذا الشكل، بل هي فترات في حضارات امتدت لقرون طويلة، وحتى في عصر الجاهلية وما كان يحدث فيه من وأد للبنات، فتلك عادة كانت محدودة في بعض القبائل، حسبما يشير الطبري في كتابه "تاريخ الأمم والملوك"، كما أن السيدة خديجة، زوجة النبي محمد الأولى، كانت تاجرة قبل الإسلام، وبلغة العصر "سيدة أعمال"، وهي من طلبت الزواج من النبي، ولم يكن هناك غضاضة أو استهجان من فعلتها تلك، وهذا يوضح كيف كانت البيئة قبل الإسلام، ويرد على الإمام الطيب، هذه واحدة.
يا فضيلة الإمام، ربما وقعت كل حضارات العالم في أخطاء وتطوّرت مع العصر، لكن بفضل تلك النظريات والتفسيرات التي تجاوزها العصر، لم يستمر سوانا يفعل تلك الأخطاء والكوارث إن شئت الدقة
أما النقطة الثانية، فإنه لو اعتبرنا أننا سبقنا الجميع فعلاً، فماذا كانت النتيجة، أقول لفضيلتك إنه بحسب تصنيف معهد جورج تاون للمرأة والسلام والأمن لعام 2020، لأفضل 100 دولة مناسبة لعيش المرأة، كان أول ظهور لدولة عربية مسلمة في المرتبة الـ44 وهي الإمارات، أما قائمة الأسوأ فضمت 5 دول عربية في المقدمة، وهي دول "إسلامية" بالتأكيد، وبالتالي بدلاً من التحدث بنبرة الفخر أننا سبقنا العالم، علينا أن نتحدث بنبرة حسرة، لأنه برغم "أفضلية السبق" أصبحنا في ذيل القائمة، وبدلاً من الحديث إننا لا نحتاج إلى الحضارات التي "احتقرت" المرأة قديماً، علينا أن نتعلّم كيف طوّرت تلك الحضارات نفسها ووصلت إلى خلق بيئة مناسبة للعيش، فالأمر أشبه بفريق سجّل الهدف الأول ثم تلقى ستة أهداف، هل نشيد بالخاسر لأنه أول من هزّ الشباك؟
وهذا يقودنا إلى النقطة الثالثة، والأهم، فبدلاً من الدفاع عن أنفسنا بأننا كنّا الأوائل وكان لدينا دين جاء يكّرم الإنسان عموما والمرأة خصوصاً، علينا أن نبحث كيف وصلنا إلى الوقت الذي صار فيه التمييز لدينا مقنناً، والتفرقة معتمدة على تفسيرات دينية تعتبر المرأة نصف رجل "حالة الإرث" مثالاً، أو تمنع النساء من الحصول على حق توثيق طلاقهن، وتلك مجرد أمثلة لقائمة تطول، ولن تكون الإجابة صعبة لو نظرنا إلى العالم المتقدم الذي جاء بعدنا، فهو ببساطة فَصَل الدين عن الدولة، واعتمد القانون فيصلاً بين الجميع بصرف النظر عن الجنس، أما نحن فنرفض حتى وضع تفسير جديد يلائم العصر!
كل إعجاز علمي توصل إليه باحثون بمشقة وتعب وجهد، نقول: "موجود في القرآن"، حتى صار هناك تابوه اسمه "الإعجاز العلمي في القرآن"
نعم يا فضيلة الإمام، نحن لا نحتاج إلى الحديث عن أفضلية السبق الذي لا يمكن تفسيره سوى بتفاخر واستعلائية لا ضرورة لها، لكننا نحتاج مناقشة كيفية اللحاق، لأننا بسبب تلك النبرة وتلك النظرية تأخرنا على كافة المستويات، فكل إعجاز علمي توصل إليه باحثون بمشقة وتعب وجهد، نقول: "موجود في القرآن"، حتى صار هناك تابوه اسمه "الإعجاز العلمي في القرآن"، وحين يتوصل العالم إلى قيم حقيقية ويسعى إلى تطبيقها بمشقة مثل الديمقراطية، نجلس نحن متكئين على الوسائل ونقول لدينا الشورى التي تعني نفس المعنى وقبل الجميع، والآن، حرية المرأة لا نتورع أيضاً في ترديد نفس الأسطوانة، كنّا الأفضل والأسبق، وبسبب ترديد مثل تلك الأقاويل لم نخترع ولم نطبق حتى قيمة واحدة.
نعم يا فضيلة الإمام، العالم لن ينظر وراءه لأننا كنّا الأسبق، لكنه سينظر إلينا في اللحظة الحالية ماذا نفعل، وما نفعله يشهد عليه الجميع من إهدار للحقوق وتمييز على أساس الجنس والعِرق، ولن تقول لنا الحضارات التي سبقناها إنكم أول من تحدثتم عن المساواة بين الجنسين، لكنها ستقول لنا كيف لم يظهر تفسير ديني حتى الآن يُحرّم الاسترقاق.
نعم يا فضيلة الإمام، ربما كنا الأسبق، لكن الدفاع لن يفيدنا بشيء، ففي الوقت الذي يعتمد فيه الجميع تحليل الـ "دي إن إيه" كوسيلة علمية لإثبات النسب، ما نزال نتمسك بحديث منسوب للنبي نصّه: "الولد للفراش"، بصرف النظر عن التحاليل العلمية.
يا فضيلة الإمام، ربما وقعت كل حضارات العالم في أخطاء وتطوّرت مع العصر، لكن بفضل تلك النظريات والتفسيرات التي تجاوزها العصر، لم يستمر سوانا يفعل تلك الأخطاء والكوارث إن شئت الدقة.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومينرائع
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعربما نشهد خلال السنوات القادمة بدء منافسة بين تلك المؤسسات التعليمية الاهلية للوصول الى المراتب...
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحرفيا هذا المقال قال كل اللي في قلبي
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعبكيت كثيرا وانا اقرأ المقال وبالذات ان هذا تماما ماحصل معي واطفالي بعد الانفصال , بكيت كانه...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ اسبوعينحبيت اللغة.