أثار تسريب "نحو 100 وثيقة" من وثائق وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، وبعضها مصنّف "سرّي للغاية"، ضجّةً واسعةً حول العالم، وفي المنطقة العربية، خاصةً أن قضايا الأمن والدفاع في منطقة الشرق الأوسط كانت حاضرة في بعض هذه الوثائق، في حين تعلّقت أخرى بتحالفات مزعومة لدول عربية بينها مصر مع روسيا في سياق الحرب على أوكرانيا.
وتُشير تحليلات عديدة إلى أن هذه الوثائق المسرّبة، التي تركز غالبيتها على الصراع في أوكرانيا، تملأ الفضاء الإلكتروني منذ شهر ونصف على الأقل. على الرغم من أن التغطيات الإعلامية والتصريحات الرسمية حولها لم تظهر إلا في غضون الأيام القليلة الماضية.
ويحذر خبراء من أن تداعيات هذا التسريب قد تكون كبيرة وربما "مدمّرة" إذ قد تُعرّض مصادر استخبارية أمريكية للخطر أو تمنح "أعداء البلاد" معلومات ذات قيمة.
بلغ الأمر بصحيفة "التلغراف" البريطانية أن وصفته بأنه "أسوأ تسريب استخباراتي" تواجهه الولايات المتحدة بعد فضيحة إدوارد سنودن، المتعاقد السابق مع وكالة الأمن القومي الأمريكية الذي فجر فضيحة برنامج التجسس الحكومي عام 2013 وهرب من الولايات المتحدة واستقر في روسيا.
ماذا تتضمّن هذه الوثائق؟
تضمنت الوثائق المسرّبة معلومات "حساسة للغاية" حول قضايا الدفاع والأمن في الشرق الأوسط وفي منطقة المحيطين الهندي والهادئ. علاوة على معلومات "سرّية للغاية" عن الدعم الأمريكي لأوكرانيا والدفاعات الجوية الأوكرانية والجهود الدولية لتعزيز قدراتها العسكرية ضد روسيا، مع عمليات تقييم وتقارير استخبارية تشمل روسيا أيضاً.
"أسوأ تسريب استخباراتي" تواجهه الولايات المتحدة بعد فضيحة إدوارد سنودن… عشرات وثائق البنتاغون "البالغة السرية" تسبح في الفضاء الرقمي وإدارة جو بايدن آخر من يعلم
وتتناول بعض الوثائق "معلومات تفصيلية" عن حلفاء الولايات المتحدة الرئيسيين وأبرزهم إسرائيل. وهي تكشف عن تنصت واشنطن على قادة هذه الدول الحليفة وبينها أوكرانيا وإسرائيل وكوريا الجنوبية. على سبيل المثال، تناولت إحداها معلومات حول دعم قادة في جهاز الاستخبارات الإسرائيلي (الموساد) للاحتجاجات الشعبية في إسرائيل ضد تعديلات قضائية تتبناها حكومة بنيامين نتنياهو.
وفق شبكة "بي بي سي" البريطانية، تحتوي بعض الوثائق على جداول زمنية واختصارات عسكرية غامضة "ترسم مجتمعة صورة مفصّلة للحرب في أوكرانيا".
وأتت إحدى الوثائق المسرّبة على ذكر مصر، حسبما نشرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية التي قالت إن الوثيقة المؤرّخة في 17 شباط/ فبراير 2023، تكشف عن خطة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي لـ"إنتاج وشحن 40 ألف صاروخ لروسيا، بشكل سرّي، لتجنب المشكلات مع الغرب".
ونفى مصدر مصري مسؤول لم يذكر اسمه لقناة "القاهرة الإخبارية" المحلية هذه المزاعم، معتبراً إياها "عبثاً معلوماتياً ليس له أساس من الصحة"، ومشدداً على أن "مصر تتبع سياسة متزنة مع جميع الأطراف الدولية وأن محددات هذه السياسة هي السلام والاستقرار والتنمية".
وثيقة مسربة أخرى تناولتها وكالة أسوشيتد برس أشارت إلى "تعميق العلاقات الاستخبارية بين روسيا والإمارات" مع مزاعم بـ"تفاخر ضباط مخابرات روس بقدرتهم على إقناع الإمارات على التعاون معاً ضد المخابرات الأمريكية والبريطانية". ونفت الحكومة الإماراتية، الاثنين 10 نيسان/ أبريل، هذه الادعاءات قائلةً إنها "خاطئة بما لا يدع مجالاً للشك".
كيف جرى تسريبها ومتى؟
حتّى الآن، يحقق البنتاغون ووزارة العدل الأمريكية والبيت الأبيض وعدة وكالة فيدرالية أخرى في التسريب الذي أيقظ الإدارة الأمريكية من سباتها لتجد أنه منتشر في الفضاء الرقمي منذ أسابيع وربما أشهر وهي لا تدري عنه شيئاً. وقد اعترف المسؤولون الأمريكيون بأنهم لا يعرفون متى بدأ التسريب أو حجم الوثائق المسرّبة ومدى صحتها أو الجهة التي تقف وراءها.
إحدى الوثائق المسربة زعمت أن الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي خطّط لـ"إنتاج وشحن 40 ألف صاروخ لروسيا" وذلك "في سرية لتجنب المشكلات مع الغرب". لكن مسؤولاً مصرياً نفى ذلك قائلاً إنه "عبث معلوماتي ليس له أساس من الصحة"
في الأثناء، أوضح أريك تولر، من موقع "بيلينغ كات" للصحافة الاستقصائية وتدقيق الحقائق، أن المصدر الأصلي للتسريب ليس واضحاً بعد. لكن يُرجح أن الوثائق ظهرت أولاً في منصة شائعة لدى لاعبي ألعاب الفيديو على الإنترنت (خادم ديسكورد للعبة الفيديو "ماين كرافت") في أوائل آذار/ مارس 2023. علماً بأن الحسابات الأولى التي تداولت التسريب حُذفت الآن وليس واضحاً هل سعت واشنطن إلى حذفها أم حذفها أصحابها تفادياً لتتبع أثرها.
وفق هذه الرواية، انتقلت الوثائق المسرّبة من "ديسكورد" إلى "4 تشان" وهو عبارة عن لوحة صور باللغة الإنجليزية يمكن للمستخدمين نشر موادهم عبرها معتمدين هوية مجهولة. وعادةً يستخدمها الشبان والمراهقون لتداول المواد الإباحية. ومن "4 تشان" انتقلت الوثائق إلى منصات مثل تويتر وتيليغرام. ولم تستقطب الوثائق اهتمام وسائل الإعلام الأمريكية والعالمية إلا في الأسبوع الماضي.
ووصف تولر هذا التسريب بأنه "غير معتاد" لكن "ليس فريداً من نوعه" إذ تكرر في السنوات الماضية تسريب وثائق مهمة عبر منصات ألعاب فيديو، وإن كان هذا التسريب الأخير أخطرها جميعاً.
اللافت أنه وفق تصريحات البنتاغون الرسمية لم يطّلع وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن على الأمر إلا في صباح السادس من نيسان/ أبريل 2023 وهو اليوم الذي نشرت فيه "نيويورك تايمز" تقريرها حول الوثائق المسرّبة. كذلك، قال المتحدث باسم الأمن القومي الأمريكي جون كيربي إن الرئيس الأمريكي جو بايدن اطلّع على التسريب لأول مرة الأسبوع الماضي.
ما خطورة تداولها؟
بينما تحقق الإدارة الأمريكية في أمر التسريب، وصفت وزارة البنتاغون تداول الوثائق المسربة في المجال العام والصحف الأمريكية بأنه "خطر جسيم جداً" على الأمن القومي للبلاد، محذّرة من مغبّة إمكانية أن يُؤدي ذلك إلى "نشر معلومات مضلّلة"، ما يمكن أن يتسبب في "خسارة الأرواح".
وأخبر مساعد وزير الدفاع للشؤون العامة كريس ميغر الصحافيين بأن الولايات المتحدة على تواصل مع حلفائها الدوليين بشأن هذه القضية وطمأنتهم إلى "التزامها بحماية المعلومات الاستخباراتية والإخلاص لشراكاتها الأمنية" وأن اللجان المعنية في الكونغرس أُحيطت علماً بهذه المسألة.
علاوة على احتوائها على "معلومات مفصّلة للغاية" بشأن قضايا حساسة لحلفاء واشنطن، فإن أحد أبرز أوجه خطورة تسريب هذه الوثائق هو حداثتها وارتباطها بخطط عسكرية/ سياسية قيد التنفيذ
كما أخبر مصدر مقرب من الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي "سي أن أن" بأن كييف اضطرت لتغيير بعض خططها العسكرية بعد تداول الوثائق المسرّبة. كشفت إحداها عن "تجسّس" واشنطن على زيلينسكي، وهو ما اعتبره المصدر الأوكراني "غير مفاجئ"، مستدركاً بأن الأوكرانيين "محبطون للغاية" بسبب التسريبات.
وعلاوة على احتوائها على "معلومات مفصّلة للغاية" بشأن قضايا حساسة لحلفاء واشنطن، فإن أحد أبرز أوجه خطورة تسريب هذه الوثائق هو حداثتها وارتباطها بخطط عسكرية/ سياسية في قيد التنفيذ. قالت "سي أن أن" إنها راجعت 53 وثيقة مسربة، ويبدو أن جميعها صدرت بين منتصف شباط/ فبراير وأوائل آذار/ مارس 2023.
وحسب تقدير "بي بي سي"، فإن بعض الوثائق يصل عمرها إلى ستة أسابيع فقط، "لكن تداعياتها المحتملة هائلة". قالت الشبكة البريطانية إنها راجعت أكثر من 20 وثيقة يبدو أن الكثير منها يشرح بالتفصيل انتشار القوات الأوكرانية والروسية وحالتها قبل هجوم الربيع المنتظر من قبل القوات الأوكرانية، والذي يعوّل عليه الغرب لتحقيق اختراق في الصراع الدائر منذ أكثر من عام.
ويبدو أن الوثائق تحدد أيضاً شكل التدريب وطبيعة المعدات الأمريكية التي ستقدم لأوكرانيا قبل الهجوم، وكذلك متى ستكون الوحدات الأوكرانية المختلفة جاهزة ووقت التسليم المتوقع للإمدادات العسكرية.
"ملفّقة"؟
بالتزامن مع الضجّة التي أحدثها تداول الوثائق في الصحافة الأمريكية والعالمية، راجت بين الخبراء السياسيين والعسكريين أكثر من رواية حول صحة المعلومات الواردة فيها، والجهة التي تقف وراء التسريب ومصلحتها منه.
بشكل رئيسي، راجت روايتان متضادتان، الأولى: أن هذه الوثائق جزء من حملة تضليل محتملة تقوم بها روسيا لإضعاف خصومها. أما الثانية، فقالت إن الوثائق جزء من حملة تضليل أيضاً أو مؤامرة، لكن غربية هدفها تضليل القادة الروس.
كما أثار التسريب مخاوف لدى البعض من وجود جاسوس روسي رفيع المستوى في الولايات المتحدة. لكن هذا مردود عليه بأن روسيا لم تكن لتحرق مثل هذا الجاسوس الثمين من خلال تداول معلوماته الاستخباراتية عبر الإنترنت.
راجت روايتان متضادتان، الأولى: أن هذه الوثائق جزء من حملة تضليل محتملة تقوم بها روسيا لإضعاف خصومها. أما الثانية، فقالت إن الوثائق جزء من حملة تضليل أيضاً أو مؤامرة، لكن غربية هدفها تضليل القادة الروس.
والثلاثاء 11 نيسان/ أبريل، قال بيان من مكتب الرئاسة في كوريا الجنوبية إن وزيري دفاع كوريا الجنوبية لي جونغ سوب والولايات المتحدة الأمريكية لويد أوستين اتفقا على أن "كمية كبيرة" من المعلومات الواردة في وثائق البنتاغون المسربة "ملفقة"، بدون تفاصيل إضافية. علماً بأن الوثائق المسرّبة تناولت تفاصيل وافية لمحادثة مزعومة بين اثنين من كبار مسؤولي الأمن القومي الكوري الجنوبي حول طلب الولايات المتحدة من كوريا الجنوبية تزويد أوكرانيا بالذخيرة.
وقال مسؤول أمريكي لم يذكر اسمه لوكالة فرانس برس إن إحدى الوثائق المتداولة عبر الإنترنت على الأقل "عُدّلت لكي تُظهر أن أوكرانيا تكبّدت خسائر بشرية أكثر مما تكبدته روسيا، في حين أن الوثيقة الأصلية تشير إلى أن العكس هو الصحيح".
وفور الكشف عن التسريب، وصف ميخايلو بودلاك، مستشار رئيس مكتب الرئيس الأوكراني، على قناته على تليغرام، الوثائق بأنها "غير صحيحة"، مضيفاً أنها لا تتعلق بخطط أوكرانيا الحقيقية إذ تستند إلى "كمية كبيرة من المعلومات الوهمية" التي قال إن روسيا تروّجها.
لكن ميغر من البنتاغون أقر بأن شكل الوثائق مشابه لتلك "المستخدمة لتقديم تحديثات يومية لكبار قادتنا بشأن أوكرانيا والعمليات المتعلقة بروسيا، فضلاً عن تحديثات استخباراتية أخرى"، وإن وصف بعضها بأنه "معدل".
في المقابل، نفى المتحدث باسم الكرملين دميتري بيسكوف أن يكون لروسيا أو أي جهة موالية لها دخل في تسريب الوثائق، مردفاً بأن "الميل لإلقاء اللوم على روسيا" هو "مرض شائع".
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ 19 ساعةرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 5 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين