وسط المدافن الممتدة في أعلى الجبل، في زاوية سلطان شرق النيل في محافظة المنيا (صعيد مصر)، وبين العديد من الأضرحة التي يتبارك بها الزوار، يحتفظ ضريح "ستّي سلمى" أو "الشيخة سلمى"، بمكانة خاصة؛ فهنا الحكايات والروايات تُروى عنه كل يوم، مختلطةً بنفحة من الأساطير وقصص ما وراء الطبيعة، برغم أن الضريح كما يؤكد كثيرون بلا جسد من الأساس.
في الطريق إلى المكان، نحتاج إلى صعود بعض الدرجات لدخول الضريح، الذي يُصنَّف على أنه الأغرب من بين كل أضرحة مصر، بحسب وصف كثيرين.
كل شيء هنا يبدو عادياً؛ ضريح كأي ضريح، وجدران كأغلب الجدران، وأناس يتباركون كالناس الذين اعتادوا السعي إلى الأضرحة والمقامات طلباً للبركة، أو سعياً وراء حلم قديم ينتظرون تحقيقه. ما يختلف هنا هي قصة صاحبة الضريح فقط، والتي لا تملّ الحاجة "أم بكر"، خادمة الضريح، من روايتها يومياً.
تحكي الحاجة أم بكر قصة المكان، وتقول إن "الكفّار" كانوا يسعون وراء الست سلمى ويطاردونها، من دون أن تكشف السبب أو من هي "سلمى" ليطاردها "الكفار" ومن هم أصلاً.
ضريح كأي ضريح، وجدران كأغلب الجدران، وأناس يتباركون كالناس الذين اعتادوا السعي إلى الأضرحة والمقامات طلباً للبركة، أو سعياً وراء حلم قديم ينتظرون تحقيقه. ما يختلف هنا هي قصة صاحبة الضريح فقط
تضيف في حديثها إلى رصيف22: "كان الكفّار يطاردون ستّي سلمى، وعندما حضرت إلى هنا قالت: يارب استرني وأنقذني منهم، فاستجاب لها الله، وقد انشقّ الجبل من هنا، وتشير إلى خط فاصل أعلى السقف ترتسم عليه علامات لا يُعرف تحديداً ما إذا كانت دماءً أو شيئاً آخر. ودخلت ستي سلمى، وعاد الجبل بعدها كما كان. بعد وفاتها، بدأت الناس تتوافد على الضريح، وكان البعض منهم يمسك بالمناديل ويمسح بها على مكان الشقّ، لكن منذ سنوات بدأت الوطاويط تسكن هذا الشقّ الذي انفلق في الجبل، ويوجد هنا نحو 200 وطواط لحماية المكان من المتطفلين، وكأنهم جنود أرسلهم الله لحماية الضريح".
منذ متى وأنت تقيمين هنا؟ تجيب أم بكر، بعد أن حاولت لملمة ذاكرتها المشتتة بفعل التقدّم في العمر: "منذ أن كان عمري 37 عاماً، وعمري الآن أظن أنه في السبعين، وقد تعوّدت منذ سنوات بعيدة أن أقيم هنا مع أولادي الخمسة لخدمة الضريح، وبعد أن تزوجوا واستقل كل واحد منهم في بيت خاص، بقيت هنا وحدي، وأزورهم مرةً كل أربعة أشهر، ثم أعود إلى المكان من جديد".
منذ اليوم الأول لتواجدها في المكان، لم تبخل أم بكر على الضريح بأي شيء. فبرغم أن مواردها المالية ضعيفة، وتعيش فقط على راتب والديها، إلا أنها تنتهز أي فرصة لتوفر فيها النقود، وتزرع شجرةً جديدةً في المكان، أو تشتري حصيرةً ليجلس عليها الزوّار، وربما مصاطب حجريةً إذا كان المبلغ المتوفر لديها يكفي.
تضيف أم بكر: "ورثت خدمة الضريح عن جدودي، ومنذ قديم الزمان كانت عائلتنا هي الوحيدة التي تخدم هذا المكان، وسوف أورث خدمته لأولادي أيضاً، لأني تعبت فيه جداً، وأنفقت كل ما أملك عليه لخدمة الزوّار وتوفير سبل الراحة لهم، 'الناس بتيجي هنا تزور واللي يسيب لي جنيه أو نصف جنيه، أجيب بيهم كيس سكر أو شوية شاي، والحمد لله أنا راضية وواثقة إن ربّنا مش هيتخلّى عنّي'".
تُنظّم الحاجة أم بكر، في كل عيد أضحى، ما يشبه المولد المصغّر، حيث يحضر الباعة لخدمة زوّار المكان، الذي تعودت أن يمتلئ في مثل تلك الأيام من كل عام بالسيدات من طالبات البركة والأخريات الساعيات وراء تحقيق حلم الإنجاب، فالضريح كما تصفه أم بكر "كريم على الناس كلها".
الحكايات والروايات تُروى عنه كل يوم، مختلطةً بنفحة من الأساطير وقصص ما وراء الطبيعة، برغم أن الضريح كما يؤكد كثيرون بلا جسد من الأساس.
على الجانب الآخر من قصة الشيخة سلمى التي ترويها أم بكر، نجد قصةً مختلفةً بعض الشيء على لسان أكثر من زائر ممن سألناهم عن حكاية ستّي سلمى، ومنهم "الست فاطمة" التي أكدت أن "سلمى" كانت فتاةً تقيةً ترعى الأغنام، وفي أحد الأيام حاول بعض جنود الرومان التحرش بها، واغتصابها، فرفضت وسارعت للاختباء في الجبل، ودعت الله أن ينقذها من أيديهم، وهنا انشقّ الجبل وفُتحت فيه مغارة احتمت فيها لفترة طويلة، وكانت ترفض مغادرتها حتى ماتت.
فى جولة سريعة وخاطفة إلى المكان، نفهم أن الأهالي اعتادوا من وقت إلى آخر زيارة الضريح، تماماً كما حدث مع "الست عايدة" التي قالت إنها لم تكن تصدّق ما كان يقال عن أن المكان "مبروك"، حتى زوّجت ابنتها ومرّت عليها نحو 3 سنوات من دون إنجاب، وذهبت بها إلى أكثر من طبيب دون أن يجد أيّ منهم علاجاً لحالتها، وفي تلك الأثناء نصحها الجيران بأن تذهب إلى مقام الشيخة سلمى، فجاءت ودعت الله أن يحقق حلم ابنتها بالإنجاب، وهو ما حدث بعدها بفترة قصيرة.
أما جابر عبد الله، وهو بائع، فقد جاء مع زوجته طلباً للبركة، إذ تعوّد من فترة إلى أخرى على زيارة الأضرحة وطلب البركة في كل منها، إلى جانب دعوته المستمرة التي لا تنقطع في أي ضريح بأن تُشفى ابنته الصغيرة التي وُلدت بعيب خلقي في القلب يسبب لها ولهم الكثير من المتاعب الصحية والنفسية.
ترى "أم أحلام"، التي اعتادت أن تأتي إلى المكان في كل يوم جمعة، أن هناك طقوساً بعينها يجب أن تقوم بها حتى تُرزق ابنتها العاقر بمولود، وكما تروي لنا: "أولاً لازم نزور الضريح ونقرأ الفاتحة، بعدها ننزل إلى الساحة المجاورة وتحديداً عند شجرة النبق اللي رمت بذرتها ستي سلمى فى أول يوم وصلت فيه إلى المكان، وناخد من شجرة النبق دي ورقتين نأكّلهم للبنت، وبعدها نخليها تخطّي فوق جذع الشجرة رايح جاي".
الغريب أن أم أحلام تشدد على أن تلك الطقوس مهمة لإتمام الأمر بنجاح، وحتى تُرزق ابنتها بمولود، وتستشهد وتُدلل على ذلك بأن كثيرين من أقاربها اتّبعوا تلك الخطوات وكانت النتيجة في النهاية أن كل من كانت عاقراً منهم، أصبحت حاملاً بطفل وأكثر.
لكن تلك الطقوس على ما يبدو لم تقنع كثيرين من الزوار، ومنهم "الست كريمة"، التي تقول إنها تأتي طلباً للبركة وتدعو الله أن يرزق ابنتها بزوج صالح، خصوصاً بعد تأخّر زواجها ووصولها إلى سنّ كبيرة ـرفضت تحديدهاـ مشيرةً إلى أن "كل واحد حرّ يعمل اللي يعلمه لكني باجي أقرأ الفاتحة وأدعي ربنا وخلاص مش لازم بقى موضوع الشجرة ده".
في الغالب الأعم، يجد الناس متعةً وراحةً لا تُوصفان في خلق حكايات مثيرة عن أي ضريح، وهو ما يتكرر هنا مع الشيخة سلمى، مثلما يؤكد الحاج عمر، الذي شدد على أنه منذ سنوات بعيدة لا يستطيع تحديدها على وجه الدقة، انطلق سيل غزير من سفح الجبل واجتاح جميع الأحواش الملاصقة للضريح، وجاء على كل ما فيها، وانتظر الجميع أن يتعرض مقام "الشيخة سلمى" لدمار كبير، لكن شيئاً من هذا لم يحدث وبقي كما هو من دون أن يتأثر منه شبر واحد.
سلمى كانت فتاةً تقيةً ترعى الأغنام، وفي أحد الأيام حاول بعض جنود الرومان التحرش بها، واغتصابها، فرفضت وسارعت للاختباء في الجبل، ودعت الله أن ينقذها من أيديهم، وهنا انشقّ الجبل وفُتحت فيه مغارة احتمت فيها لفترة طويلة، وكانت ترفض مغادرتها حتى ماتت
كما يروي الحاج سعيد عمران، أن الطيور تحوم حول الضريح في وقت معيّن من السنة، وهي طيور تشبه تلك التي تحوم حول المدينة المنورة في المملكة العربية السعودية، حسب وصفه، لكن الغريب من وجهة نظر عمران أن أحد الأشخاص حاول في إحدى المرات أن يصطاد تلك الطيور وأصابه مكروه شديد، وأدرك الكل من بعدها أن أي شخص يعتدي على هذا الحمام سيواجه مشكلات لا حصر لها.
من خلال البحث وسؤال المتخصصين، تأكد أن كل ما يقوله الزوار بلا سند ولا دليل تاريخي، خصوصاً إذا علمنا أن ضريح الشيخة سلمى غير مسجل كأثر إسلامي، ويتم التعامل معه كحوش موجود بين مقابر الموتى المنتشرة في المكان، برغم أن البعض اعتادوا في منتصف شهر رجب من كل عام إحياء مولد الشيخة سلمى، بتنظيم الاحتفالات وإضاءة المكان بماكينات توليد الكهرباء لجذب الزوار سواء من محافظة المنيا أو من خارجها.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ يومرائع. الله يرجعك قريبا. شوقتيني ارجع روح على صور.
مستخدم مجهول -
منذ يومحبيت اللغة.
أحضان دافئة -
منذ يومينمقال رائع فعلا وواقعي
مستخدم مجهول -
منذ 6 أياممقال جيد جدا
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعحب نفسك ولا تكره الاخر ولا تدخل في شؤونه الخاصة. سيمون
Ayman Badawy -
منذ أسبوعخليك في نفسك وملكش دعوه بحريه الاخرين