شاركوا في مهمّتنا،
بل قودوها

ساهم/ ي في صياغة المستقبل!
انتصرن على عنف الأزواج والحاجة بالطبخ والحلويات

انتصرن على عنف الأزواج والحاجة بالطبخ والحلويات

انضمّ/ ي إلى مجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات”.

هدفنا الاستماع إلى الكل، لكن هذه الميزة محجوزة لمجتمع "قرّائنا/ قارئاتنا الدائمين/ ات"! تفاعل/ي مع مجتمع يشبهك في اهتماماتك وتطلعاتك وفيه أشخاص يشاركونك قيمك.

إلى النقاش!

حياة نحن والنساء

الجمعة 7 أبريل 202302:12 م

"اشتغلتُ في الأعراس والمناسبات. غسلت الأواني وساعدت طبّاخات الأعراس في مهامهن، كي لا أمدّ يدي لأحد، وأتمكّن من إعالة أطفالي"، تقول مريم، المتحدرة من الحسيمة، عن بدايتها في مجال الطبخ، بعد فشل زواجها.

بالإضافة إلى ذلك، حصلت مريم على عمل في إحدى الإدارات في المدينة ذاتها، كعاملة نظافة، ما ساعدها على توفير قوتها اليومي. تقول: "وإن كان ما أجنيه قليلاً، لكنه عمل قار، فتح أمامي أبواباً كثيرةً".

تشرح مريم: "تزوجت وأنا قاصر، وانتهى زواجي الذي عانيت خلاله من الكثير من العنف، بالفشل، ووجدت نفسي أمّاً لطفلين. انقطعت عن الدراسة، ولم أحصل على دبلوم، لذا لم يكن أمامي أي خيار سوى تطوير موهبتي في الطبخ، والعمل في مجال التنظيف وغسل الأواني".

العمل ميزة تمكّننا نحن النساء من رفع الثقة بقدراتنا وإثبات المساواة مع الجنس الآخر من خلال الاستقلالية في آرائنا وقراراتنا، وعدم الخضوع

طموح مريم لم يتوقف عند إعالة الأبناء، ولا عند عمل مستقر، بل استطاعت اجتياز امتحان البكالوريا، وتابعت دراستها في معهد الفندقة والسياحة في مدينتها، وحصلت على شهادة "تقنية متخصصة في الطبخ". تؤكد مريم أن الحصول على دبلوم في الطبخ، طوّر من مهاراتها ووسّع من دائرة زبائنها، بالإضافة إلى أنها أصبحت تطبخ في الأعراس والمناسبات، وتصنع الحلويات والمملحات المغربية.

تقول مريم: "لم أستسلم وواصلت مشواري؛ دخلت الجامعة لأتابع دراستي، وشرعت في تأسيس مقاولة ذاتية، وأطمح إلى أن تكون لدي مقاولة لتسيير الأعراس والحفلات باسمي، تحمل العزيمة والإرادة والمصاعب التي مررت بها. واصلت مشواري لأنني وجدت سنداً في عائلتي التي كانت مصرّةً دوماً على المضي إلى الأمام، برغم تجربة الزواج السيئة التي مررت بها".

أرادت المرأة نقل تجربتها إلى أخريات: "أصرّ على أن أشغّل معي نساءً وضعياتهن هشة، لأشجعهن على التمكين الاقتصادي وإعالة أسرهن، لأن العمل ميزة تمكّننا نحن النساء من رفع الثقة بقدراتنا وإثبات المساواة مع الجنس الآخر من خلال الاستقلالية في آرائنا وقراراتنا، وعدم الخضوع".

أنقذتني الحلوى من الاكتئاب 

في المقابل وجدت حسناء، التي عانت من البطالة بعد حصولها على إجازة في القانون، نفسها في دوامة الاكتئاب والعجز، قبل ولوجها مجال صناعة الحلويات صدفةً.

تخبرنا بأن إحدى صديقاتها اقترحت عليها مرافقتها في دورة تدريبية لصناعة حلوى أعياد الميلاد والمناسبات (cake design)، وتضيف: "رفضت في البداية لأنني لم أستطع تأمين ثمن الدورة، ولم تكن لدي رغبة في الطبخ وإعداد الحلويات، لكن صديقتي أصرّت وأقرضتني مبلغ الدورة".

بعد عودتها إلى المنزل، نجحتْ في صناعة حلوى عيد الميلاد، وتمكّنت من بيعها لأحد أفراد العائلة، وقد لاقت إعجابهم، لتكون تلك أول تجربة للشابة العاطلة عن العمل، في مجال صناعة الحلويات وبيعها، وقد تمكّنت من إرجاع المبلغ الذي اقترضته.

تسرد حسناء، معاناتها قبل دخولها إلى المجال: "كان جلوسي في المنزل بعد التخرج عبئاً على والديّ. حالتنا المادية كانت ضعيفةً جداً، ولدي خمسة إخوة تلزمهم مصاريف كثيرة؛ كنت أعاني وكنت عاجزةً تماماً عن مساعدة أمي التي تشتغل في تنظيف البيوت، وأبي الذي يحرس طوال الليل أحد المصانع في مدينة الدار البيضاء".

تستدرك قائلةً: "لكن بعد الدورة التدريبية الأولى، صرت أبحث عن دورات أخرى في الحلويات. التدريب المستمر ساعدني في تطوير قدراتي، خصوصاً في إعداد حلوى الميلاد التي تتخذ أشكالاً متعددةً وألواناً ورسومات حسب رغبة الزبون". وتضيف: "كما أن مواقع التواصل الاجتماعي مكّنتني من توسيع دائرة زبائني، الذين لم يعودوا محصورين في أفراد العائلة والجيران والأصدقاء فقط".

وتصف حسناء، تجربة تحضير الحلوى بالمنقذة، إذ استطاعت التغلب على الاكتئاب الذي لازمها بعد التخرّج، من خلال انشغالها بطلبيات الزبائن والتفاني في صناعتها، فضلاً عن الثقة بالنفس وتنمية المهارات التي تتمتع بها.

تفتخر حسناء، بما حققته في المجال: "صرت أساعد أبي في مصاريف البيت والعائلة، كما طلبت من أمي التخلي عن عملها لأنها تعاني من آلام في الركبتين والظهر، وذلك بعكس بداياتي حين كنت أعاني في صمت وعاجزةً عن مساعدتها".

هذه ليست دعوة للشباب، ولا سيما الفتيات، للتخلّي عن الدراسة أو الانقطاع عنها. التعليم مهم ودراستي للقانون ساعدتني في عملي الحالي

تلخص الشابة ذاتها في حديثها: "نحن الشباب الحاصلين على إجازة جامعية طموحنا هو الوظيفة العمومية والعمل المكتبي مع راتب شهري وسيارة ومنزل، لكن هذه الطموحات تتبخر بعد التخرج".

"لا يمكننا الحصول جميعاً على وظيفة في التخصص الذي درسناه، يلزمنا البحث عن موارد رزق أخرى لنتمكن اقتصادياً ونساعد عائلاتنا، ونكتشف مواهبنا التي يمكننا تطويرها، والعمل من خلالها. هذه ليست دعوة للشباب، ولا سيما الفتيات، للتخلّي عن الدراسة أو الانقطاع عنها. التعليم مهم ودراستي للقانون ساعدتني في عملي الحالي، وساهمت في بناء شخصيتي ومعارفي، لكن لا يجب أن نجلس مكتوفي الأيدي في المنزل وننتظر الوظيفة العمومية"، تكمل الشابة.

وتؤكد أنها تطمح إلى دراسة تخصص الحلويات والمخبوزات، والحصول على دبلوم تقني متخصص، وافتتاح مشروع خاص بها لتساعد النساء اللواتي في وضعية هشة والعاطلات عن العمل.

الآن... يؤخذ بآرائي وقراراتي

تحكي حكيمة لرصيف22: "دخلت مجال الطبخ من باب الصدفة، ولم أكن أتقن الطبخ جيداً لا سيما الحلويات المغربية. توقف زوجي عن العمل خلال فترة جائحة كورونا، وتوقفت أنا أيضاً عن عملي كـ'كَسّالَة' (مساعدة ألبومات) في حمام شعبي في الدار البيضاء، وأصبحنا نعيش على مساعدة بعض أفراد العائلة، وما أجنيه من الخياطة اليدوية 'الراندة' للقفاطين والجلاليب".

تقول حكيمة، وهي أم لأربعة أطفال، إن فكرة الطلبيات بدأت باقتراح من أحد معارف زوجها. "كانوا بحاجة إلى شراء بعض أنواع الحلويات والمُعسّلات المغربية خلال شهر رمضان، وفي ذلك اليوم اشتريت المقادير واستعنت ببعض القنوات المختصة بالطبخ على يوتيوب".

تضيف حكيمة، القاطنة في أحد أحياء الصفيح في العاصمة الاقتصادية: "سلّمت الطلبية للزبون خلال يومين، وقد لاقت إعجابه، ليصل عدد الطلبيات خلال شهر فقط إلى عشر طلبيات".

 عملي الجديد لم ينقذ أسرتي من الفقر فحسب، بل أصبح يؤخذ برأيي وقرارتي في المنزل

"في البداية كان عملي يقتصر على تحضير بعض الأنواع من الحلويات فقط، لكن الآن أستطيع إعداد أي نوع من الحلويات والمملحات المغربية للزبائن حسب الطلب، لا سيما بعد حصولي السنة الماضية على دبلوم في تكوين الطبخ والحلويات"، تضيف.

تحكي المتحدثة ذاتها بنبرة ثقة: "بفضل تحضير الحلويات خلال فترة كورونا، استطعت تحسين وضع أسرتي الاقتصادي، وخلقت فرصة عمل لزوجي الذي يتكفّل بتوصيل الطلبيات للزبائن عبر دراجته النارية. عملي الجديد لم ينقذ أسرتي من الفقر فحسب، بل أصبح يؤخذ برأيي وقرارتي في المنزل".

ويشار إلى أن وزارة التضامن والإدماج الاجتماعي والأسرة، قد أطلقت السنة الماضية، برنامج "جسر التمكين والريادة" لتمكين النساء اللواتي في وضعية هشة اقتصادياً، خصوصاً الأمهات العزبات والأرامل والمطلقات منهن، من خلال تطوير قدراتهن ومهاراتهن الذاتية لمواكبة النشاط الاقتصادي، والرفع من نسبة نشاطهن إلى ثلاثين في المئة عوض عشرين في المئة سابقاً، وهو البرنامج الذي تستفيد منه نساء كثيرات، من ضمنهن بعض المتحدثات إلى رصيف22.


رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.

لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.

بالوصول إلى الذين لا يتفقون/ ن معنا، تكمن قوّتنا الفعليّة

مبدأ التحرر من الأفكار التقليدية، يرتكز على إشراك الجميع في عملية صنع التغيير. وما من طريقةٍ أفضل لنشر هذه القيم غير أن نُظهر للناس كيف بإمكان الاحترام والتسامح والحرية والانفتاح، تحسين حياتهم/ نّ.

من هنا ينبثق رصيف22، من منبع المهمّات الصعبة وعدم المساومة على قيمنا.

Website by WhiteBeard
Popup Image