حضر السينمائيون وهواة الفن السابع في مراسم تشييع جثمان المخرج الإيراني الشهير كِيُومَرثْ بور أحمد، اليوم الجمعة في العاصمة طهران بعد أن انتحر شنقاً في يوم الأربعاء 5 نيسان/إبريل الجاري في شقته في محافظة كيلان شمال البلاد.
أثارت وفاة بور أحمد صدمة كبيرة لدى أوساط المجتمع الإيراني، لا سيما الأوساط الفنية، إذ طرحت الكثير من التساؤلات حول التداعيات والأسباب. وأعلنت النيابة العامة في محافظة كيلان عن وجود رسالة بخط يد الفنان تركها إلى جانب جثته تتكون من 8 صفحات يشرح فيها أسباب انتحاره، كما شرح رئيس النيابة العامة في المحافظة، مهدي فلاح ميري، أن الرسالة "سرية وخاصة وأسرية". وأن الفنان أكد في نهايتها على ضرورة عدم معرفة الآخرين بفحوى الرسالة سوى أسرته.
وأشار مِهرْداد بور أحمد، شقيق المخرج الراحل في لقاء صحافي مع وكالة إيسنا للأنباء، أن كيومرث سافر إلى شمال إيران قبل 10 أيام من وفاته لقضاء عطلة رأس السنة الإيرانية هناك، وكانا يتحدثان هاتفياً بشكل يومي ما عدا تلك الليلة التي سبقت رحيله.
من هو كيومرث بور أحمد؟
يعد بور أحمد أحد أشهر وأبرز المخرجين والمنتجين للأفلام السينمائية والمسلسلات الفارسية خاصة في قسم الأطفال، مخلفاً نحو 30 عملاً فنياً، بقيت بعضها عالقة في ذاكرة الإيرانيين وتاريخ السينما الإيرانية.
عن نظام الجمهورية الإسلامية، كان قد صرح كيومرث بور أحمد، قبل سنوات: "أي يوم في السنوات الأربعين الماضية، كان يوماً جيداً بالنسبة لنا؟ الضحك مكروه وحرام، الرقص والأفراح مكروهة وحرام. كنا محرومين حتى من الضحك طوال هذه العقود"
ولد كيومرث بور أحمد في 16 كانون الأول/ديسمبر سنة 1949، في مدينة أصفهان. نال البكالوريوس في الإخراج السينمائي، وكتب مقالات نقدية عن الأفلام في مجلة "فيلم"، ثم أصبح مساعد مخرج، وبعدها جرب الإخراج بنفسه.
سطع نجمه بإخراج مسلسل "قصص مجيد"، في مطلع تسعينيات القرن المنصرم، المسلسل الذي تحول إلى أهم المسلسلات الإيرانية ولاقى إقبالاً شعبياً واسعاً، وقد أعاد التلفزيون الإيراني بثه على مدى سنوات مديدة.
بعد ذلك أخرج الكثير من الأفلام منها: "من أجل هانية"، "الأخوات الغريبات"، "جمشيدية"، "الحافلة الليلية"، "الخبز والشعر"، "مطر"، "ألبوم الطوابع"، "الشفرة والكشمير"، "المفتش"، و"ليلة يلدا".
قضى ملايين الإيرانيين ليالي كثيرة أمام التلفزيون يشاهدون مسلسلات هذا الكاتب والمخرج القدير بتمعن، وحرص الآلاف منهم على الحضور في دور السينما لمشاهدة أفلامه خلال العقود الماضية.
ونال ما يزيد عن 11 جائزة سينمائية، كما أخرج فيلم "ليلة يلدا"، مستلهماً سيرته الذاتية، وكذلك ألف سيرة حياته في كتاب تحت عنوان "طفولة غير مكتملة".
موقفه من الاحتجاجات الأخيرة
دعم بور احمد احتجاجات "المرأة، الحياة، الحرية" في بلاده في الخريف الماضي، ورغم مشاركة فيلمه الأخير "الملف المفتوح"، في مهرجان فجر السينمائي من قبل المنتج، إلا أنه قاطع المهرجان تضامناً مع الاحتجاجات، وكتب في حسابه على الانستغرام: "مهرجان فجر للأفلام لم يعد مهرجاناً للسينما الإيرانية، بل هو مهرجان بعض مؤسسات النظام. خلال السنوات الأخيرة وبالأخص في هذا العام المليء بالدم والحزن، فقد المهرجان قيمته وأهميته بالنسبة لدي. مع هذا الحجم من الألم الذي يعصر قلوبنا كيف نحتفل بالمهرجان؟".
يعد فيلم "الملف المفتوح"، آخر ما أخرجه الفنان في مسيرته الفنية التي تجاوزت 4 عقود، ويتحدث فيلمه الأخير عن جرائم "الشرف" التي تطال المراهقات.
وعن نظام الجمهورية الإسلامية، كان قد صرح كيومرث بور أحمد، قبل سنوات: "أي يوم في السنوات الأربعين الماضية، كان يوماً جيداً بالنسبة لنا؟ الضحك مكروه وحرام، الرقص والأفراح مكروهة وحرام. طالما كنا محرومين حتى من الضحك طوال هذه العقود".
لم تقف شهرته حداً لتلقيه النقد اللاذع من قبل الإعلام الحكومي، وقد نال من شخصيته الكثير من الصحافيين المتشددين رداً على انتقاداته التي يوجهها للنظام، وقد ردت صحيفة "جوان" التابعة للحرس الثوري، على مقاطعته لمهرجان فجر بعبارة: "أنت لم تعد مهماً بالنسبة للمهرجان والثقافة الإيرانية".
ردود الفعل على وفاته
علّق ناشطون وفنانون بحزن على خبر وفاة المخرج، فكتب رئيس تحرير مجلة "فيلم اليوم"، هُوشنك كُلمَكاني أنه انتحر "من شدة الاكتئاب واليأس والعبث".
وشرح المحلل السياسي أحمد زيد آبادي أن الفنان بور أحمد أصبح خالداً في ذاكرة الإيرانيين من خلال عمله الفني مسلسل "قصص مجيد"، وانتحاره في هذا العمر وعلى هذا المستوى المرموق بمثابة جرس إنذار خطير لما يحدث في المجتمع، محذراً من تفشي حالات الاكتئاب واليأس بين الإيرانيين.
أما القانوني محسن برهاني، فقد سلط الضوء على حالات الانتحار في البلاد: "وفاة كيومرث الحزينة، فرصة للتفكير في سبب حدوث حالات الانتحار في مجتمعنا. والشرط المسبق لمثل هذه الأبحاث هو وجود إحصائيات دقيقة عن الانتحار. النظرة الأمنية (للنظام) في هذا الشأن تعرقل مسار إجراء أبحاث في الجامعات والمراكز العلمية".
ووصف المدون والباحث الاقتصادي سيامَك قاسمي، وفاة المخرج في عمر 74 عاماً أمراً غريباً ومؤلماً ويدل على الحزن والتعب والمعاناة التي لا تطاق. كما كتب الصحافي أمير اِبتهاج: "وصل الوضع إلى حدّ أن ينتحر مخرج مسلسل 'قصص مجيد' الذي كان يتحدث فيه عن الأمل والأمنيات".
صادف انتحار الفنان السينمائي كيومرث بور أحمد مرورَ الذكرى الـ72 لانتحار الروائي والكاتب الشهير صادق هدايت في شقة بباريس عبر الغاز سنة 1951، عندما كان 49 عاماً، وكان حينها كيومرث في السنة الثانية من عمره
وصرحت المخرجة السينمائية تَهمينة ميلاني: "انتحار إنسان مشرف على الموت، عمل مخيف. المجتمع الذي يشهد مثل هذه الأفعال هو مجتمع منهار. لا بد أن نفعل شيئاً ما للحد من الفجائع القادمة. الفنانون الإيرانيون ليسوا بخير".
مشاهير إيرانيون انتحروا
صادف انتحار الفنان السينمائي كيومرث بور أحمد مرورَ الذكرى الـ72 لانتحار الروائي والكاتب الشهير صادق هدايت في شقة بباريس عبر الغاز سنة 1951، عندما كان 49 عاماً، وكان حينها كيومرث في السنة الثانية من عمره.
وصادف كذلك انتحار كيومرث الذكرى السنوية الثانية لانتحار المذيعة الإيرانية الشهيرة آزاده نامداري، في عمر 36 عاماً، بعد تناولها كمية حبوب كثيرة في منزلها بطهران، وكان قد تم إقصاؤها قبل ذلك من شاشة التلفزيون الإيراني، وعانت التهميش بعد نشر صور لها دون حجاب في خارج البلاد.
وفي عام 1968، انتحر أشهر بطل إيراني في المصارعة، غلام رضا تختي (37 عاماً)، عبر تسمم دوائي في غرفة بفندق "أطلسي" في العاصمة طهران، تاركاً وصيته التي كتبها بخط يده يؤكد فيها انتحاره وتقسيم أمواله، وقد شارك نحو نصف مليون إيراني في موكب جنازته.
رصيف22 منظمة غير ربحية. الأموال التي نجمعها من ناس رصيف، والتمويل المؤسسي، يذهبان مباشرةً إلى دعم عملنا الصحافي. نحن لا نحصل على تمويل من الشركات الكبرى، أو تمويل سياسي، ولا ننشر محتوى مدفوعاً.
لدعم صحافتنا المعنية بالشأن العام أولاً، ولتبقى صفحاتنا متاحةً لكل القرّاء، انقر هنا.
انضم/ي إلى المناقشة
مستخدم مجهول -
منذ يومكل التوفيق ومقال رائع
Ahmad Tanany -
منذ 5 أيامتلخيص هايل ودسم لجانب مهم جداً من مسيرة الفكر البشري
مستخدم مجهول -
منذ أسبوعلا يوجد اله او شئ بعد الموت
Mohammed Liswi -
منذ أسبوعأبدعت
نايف السيف الصقيل -
منذ أسبوعلا اقر ولا انكر الواقع والواقعة فكل الخيوط رمادية ومعقولة فيما يخص هذه القضية... بعيدا عن الحادثة...
جيسيكا ملو فالنتاين -
منذ اسبوعينمقال بديع ومثير للاهتمام، جعلني أفكر في أبعاد تغير صوتنا كعرب في خضم هذه المحن. أين صوت النفس من...